- 1 -
أظن أن كل من اتصل بعلوم البلاغة العربية الكلاسيكية، ودرسها بعمق، وانكب على نصوصها القديمة، ومتونها وشروحها التي يزخر بها تراثنا البلاغي والنقدي، لا بد أن يكون قد تعرف على عملٍ أو أكثر للدكتور محمد شفيع الدين السيد؛ عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذ البلاغة والنقد والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذي رحل عن عالمنا صبيحة يوم الجمعة الماضي (وقفة عرفات المباركة) عن 81 عاما.
بعد عام واحد فقط من فجيعته وفجيعتنا في ابنه الصديق الراحل العزيز الدكتور أسامة شفيع الذي انطفأ وهجه وهو في شرخ الشباب، رحل الدكتور شفيع بعد حياة عامرة ومليئة بالعلم والتدريس، وخدمة اللغة العربية وعلومها، وخاصة علوم البلاغة والنقد الأدبي والنظريات النقدية الحديثة؛ فضلًا على إسهاماته الأصيلة في الترجمة ونقد الشعر وقراءته من منظور معاصر.
على المستوى الشخصي، عرفت المرحوم الدكتور شفيع منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، ربطت بيني وبين ابنه الراحل علاقة صداقة وطيدة جمعنا حب المعرفة وشغف القراءة والولع بالأدب الروسي وعشق روايات نجيب محفوظ.. دخلت بيته وتحدثت معه كثيرا وطويلا، وعرفته أبا ودودا كريما كان يحب ابنه حبا جما، ولا أشك لحظة أن قلبه انكسر تماما وفقد الرغبة في الحياة عقب رحيل ولده الغالي أسامة. وعرفته واحدًا من أهم أساتذة البلاغة العربية والنقد الأدبي في مصر والعالم العربي، درس في جامعة القاهرة والعديد من الجامعات العربية، وتخرج على يديه المئات من طلاب الأدب والنقد، وناقش العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراة، وله ممارسات نقدية في الأدب الحديث لا تخلو منها أية قائمة قراءة رصينة تتعلق بالأدب العربي الحديث، وهوامشه النقدية.
- 2 -
كان رحمه الله أستاذًا رفيع المقام للبلاغة والنقد الأدبي، تجمع كتبه القيمة بين الجانب النظري والجانب التطبيقي، مع سلاسة وعمق وبراعة عرض، ولغة يتحقق فيها الوضوح الذي نفتقده، وتنأى عن الغموض الذي نشتكي منه مر الشكوى. وقد قرأت معظم كتبه ومؤلفاته المهمة في البلاغة والنقد والرواية والأسلوبية، وأفدت منها أيما إفادة في سنوات التكوين والتأسيس، وكانت خير معين ومرشد لي وأنا طالب في كلية الآداب منذ ما يزيد على عشرين عامًا، أدرس علوم البلاغة العربية القديمة، وأعاني معاناة عصيبة في قراءة وفهم النصوص التراثية، وفك مغالقها المستعصية..
وحينما وقعت بين يدي ثلاثيته الرائعة التي ما زلت أحتفظ بها في أعز مكان من مكتبتي؛ وهي «التعبير البياني ـ رؤية بلاغية نقدية»، و«البحث البلاغي عند العرب ـ تأصيل وتقييم»، و«أساليب البديع في البلاغة العربية» تبددت تمامًا كل الصعوبات وانفكت كل المغالق المستعصية، فقد كان رحمه الله صاحب لغة سهلة بديعة، ولديه تمكن وقدرة عالية على شرح النصوص البلاغية وتحليلها وإضاءة سياقها ومصطلحاتها؛ وأشهد بأنني لم أستوعب كامل علوم البلاغة العربية الكلاسيكية؛ المعاني والبيان والبديع، بتفاصيلها ونماذجها في التراث العربي من دون معاودة ومراجعة كتبه الثلاثة.
وبفضل كتابيه الآخرين عن «النَّظم وبناء الأسلوب في البلاغة العربية»، و«الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي»، بالإضافة إلى قدرته العالية وذائقته المدربة في تيسير وتذليل نصوص الشيخ عبد القاهر الجرجاني، صاحب نظرية النظم الشهيرة في إعجاز القرآن، وواضع علمي «المعاني» و«البيان»، وهما أساس علم البلاغة العربية الكلاسيكية، تمكنت من قراءة كتابي الشيخ عبد القاهر عن «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة»، والإلمام بأفكارهما المهمة الرئيسية، وتيسرت لي بفضل شروحاته وتحليلاته الذكية الوافية ألفة بالنصوص التراثية القديمة، وفتح آفاق للربط بين هذه النصوص ومستجدات النظريات اللغوية والأسلوبية والنقدية الحديثة.
وتمثل إسهامات شفيع السيد في هذه الدائرة، دائرة تقديم قراءات عصرية لعلوم البلاغة العربية الكلاسيكية؛ جهدا بارزا وأصيلا ضمن مدرسة دار العلوم في الدرس البلاغي والنقد العربي القديم، التي تميزت وتفوقت بعرضها العصري وشروحاتها الحديثة ووصلها بين أفكار البلاغيين والنقاد العرب القدامى وبين «الأسلوبية» في النقد الأدبي والتي كانت هي التيار الأحدث الذي أعيد قراءة التراث والبلاغي والنقدي في ضوء نظرياتها المعاصرة، وقدم في هذا الإطار العديد من الاجتهادات والكتب والمؤلفات المهمة؛ لعل من أهمها في نظري بل على رأسها كتب الدكتور شفيع السيد وبخاصة كتبه سالفة الذكر.
- 3 -
ومن إسهاماته المهمة في النقد الأدبي الحديث، لا أنسى أبدًا كتابه المرجعي عن «اتجاهات الرواية العربية في مصر منذ الحرب العالمية الثانية إلى سنة 1967م ـ دراسة نقدية» (وهو في الأصل أطروحته للدكتوراة) الذي كان من أوائل الكتب التي طالعتها عن تاريخ وتطور الرواية العربية، خاصة في الفترة المذكورة التي شهدت ذروة ما وصلت إليه الرواية بجناحيها العريضين الواقعية الاجتماعية، والرومانسية... وأذكر أنه رحمه الله رجع إلى عددٍ وافر من الروايات العربية التي كُتبت خلال الفترة من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى عام 1967. وما من رواية حللها أو ذكرها في متن كتابه إلا عدتُ إليها، وقرأتها، واكتسبت بفضله حساسية قراءة النصوص الروائية خاصة التي أنتجت في المرحلة الواقعية الاجتماعية الرومانسية..
وقد نال رحمه الله درجة الماجستير عن بحثه «ميخائيل نعيمة: منهجه في النقد واتجاهه في الأدب» الذي نشر في كتاب بالعنوان ذاته، أعيد طبعه عدة مرات لأهميته، وهو من أهم ما كتب عن ميخائيل نعيمة ونقده في إطار مدرسة النقد الرومانسي في الأدب العربي الحديث. كما أنجز في الدائرة ذاتها كتابا فريدا عن «الرابطة القلمية ودورها في النقد العربي الحديث» (صدرت طبعته الأولى عن المجلس الأعلى للفنون والآداب، عام 1971).
وفي نظرية الأدب والمدارس والاتجاهات النقدية الحديثة، ترك المرحوم الدكتور شفيع كتابه التعليمي الشارح «في نظرية الأدب ـ دراسة في المدارس النقدية الحديثة» (صدرت طبعته الأولى عام 1998)؛ ويعرض هذا الكتاب نظرية الأدب باعتبارها وجهًا من وجوه التطور الحديث للنقد الأدبي، أو فرعه الثاني باعتبار أن وظيفته الأساسية تتمثل في قراءة النصوص الأدبية، وفحصها وتحليلها وتفسيرها، واستكشاف عناصر بنائها الفني، وقد يقترن بذلك تقييمها والإدلاء بحكم لها أو عليها في ضوء مبادئ أو مناهج نقدية بعينها.
ويقدم الكتاب بأسلوب أخاذ المدارس النقدية الغربية الحديثة التي كان لها أصداء واسعة في نقدنا العربي الحديث مع ما فيها من صعوبات تمثلت في المصطلحات التي قد تكون غامضة أو مضطربة، والترجمات التي لا تقل عنها غموضا بل يمكن وصف بعضها بالعجمة في كثير من الأحيان. وقد غطى الكتاب النظريتين المعروفتين في تاريخ النقد العربي الحديث؛ وهما نظرية المحاكاة والكلاسيكية الجديدة، ونظرية التعبير الرومانسية، ثم خص تيار الأسلوبية الحديثة، ومناهج التحليل الأسلوبي بأكثر من نصف الكتاب؛ معلنا أنه سيستكمل دراسته وعرضه لباقي النظريات والتيارات النقدية الحديثة في عمل تال. وقد صرح الدكتور شفيع في مقدمة كتابه أن هذه الصفحات «ليست إلا نواة لعمل طموح، آمل أن أقوم بإنجازه بتقديم المدارس النقدية الحديثة تقديما يتحقق فيه الوضوح الذي نفتقده، وينأى عن الغموض الذي نشكو منه».
- 4 -
ولعل خير ما أختم به هذا المقال عن الراحل الكريم الدكتور شفيع السيد؛ ما قاله عنه رفيق دربه ومجايله وصديقه الناقد الدكتور محمود الربيعي؛ نائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في حفل استقباله عضوًا بالمجمع:
«عاش محمد شفيع الدين السيد حياته الأكاديمية معلمًا وباحثًا، وسط الشباب، ووسط مصادر المعرفة، وجاب بعض البلاد العربية، غير ضنين بعلمه على من يحتاجه من أبناء أمته، وكان في عمله -الذي كان لي سعادة متابعته في سنين عديدة ومناسبات عديدة- نموذجًا يحتذى لطالب العلم ومعلمه، ولأستاذ الجامعة الحق الذي يبذل الكثير في مقابل عائد يعلم علم اليقين أنه عائد قليل».
رحم الله الأستاذ الدكتور محمد شفيع الدين السيد؛ وتقبل دعاءنا له في هذا اليوم المبارك، وجازاه خير الجزاء عما علم ونفع وأفاد.
أظن أن كل من اتصل بعلوم البلاغة العربية الكلاسيكية، ودرسها بعمق، وانكب على نصوصها القديمة، ومتونها وشروحها التي يزخر بها تراثنا البلاغي والنقدي، لا بد أن يكون قد تعرف على عملٍ أو أكثر للدكتور محمد شفيع الدين السيد؛ عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذ البلاغة والنقد والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذي رحل عن عالمنا صبيحة يوم الجمعة الماضي (وقفة عرفات المباركة) عن 81 عاما.
بعد عام واحد فقط من فجيعته وفجيعتنا في ابنه الصديق الراحل العزيز الدكتور أسامة شفيع الذي انطفأ وهجه وهو في شرخ الشباب، رحل الدكتور شفيع بعد حياة عامرة ومليئة بالعلم والتدريس، وخدمة اللغة العربية وعلومها، وخاصة علوم البلاغة والنقد الأدبي والنظريات النقدية الحديثة؛ فضلًا على إسهاماته الأصيلة في الترجمة ونقد الشعر وقراءته من منظور معاصر.
على المستوى الشخصي، عرفت المرحوم الدكتور شفيع منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، ربطت بيني وبين ابنه الراحل علاقة صداقة وطيدة جمعنا حب المعرفة وشغف القراءة والولع بالأدب الروسي وعشق روايات نجيب محفوظ.. دخلت بيته وتحدثت معه كثيرا وطويلا، وعرفته أبا ودودا كريما كان يحب ابنه حبا جما، ولا أشك لحظة أن قلبه انكسر تماما وفقد الرغبة في الحياة عقب رحيل ولده الغالي أسامة. وعرفته واحدًا من أهم أساتذة البلاغة العربية والنقد الأدبي في مصر والعالم العربي، درس في جامعة القاهرة والعديد من الجامعات العربية، وتخرج على يديه المئات من طلاب الأدب والنقد، وناقش العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراة، وله ممارسات نقدية في الأدب الحديث لا تخلو منها أية قائمة قراءة رصينة تتعلق بالأدب العربي الحديث، وهوامشه النقدية.
- 2 -
كان رحمه الله أستاذًا رفيع المقام للبلاغة والنقد الأدبي، تجمع كتبه القيمة بين الجانب النظري والجانب التطبيقي، مع سلاسة وعمق وبراعة عرض، ولغة يتحقق فيها الوضوح الذي نفتقده، وتنأى عن الغموض الذي نشتكي منه مر الشكوى. وقد قرأت معظم كتبه ومؤلفاته المهمة في البلاغة والنقد والرواية والأسلوبية، وأفدت منها أيما إفادة في سنوات التكوين والتأسيس، وكانت خير معين ومرشد لي وأنا طالب في كلية الآداب منذ ما يزيد على عشرين عامًا، أدرس علوم البلاغة العربية القديمة، وأعاني معاناة عصيبة في قراءة وفهم النصوص التراثية، وفك مغالقها المستعصية..
وحينما وقعت بين يدي ثلاثيته الرائعة التي ما زلت أحتفظ بها في أعز مكان من مكتبتي؛ وهي «التعبير البياني ـ رؤية بلاغية نقدية»، و«البحث البلاغي عند العرب ـ تأصيل وتقييم»، و«أساليب البديع في البلاغة العربية» تبددت تمامًا كل الصعوبات وانفكت كل المغالق المستعصية، فقد كان رحمه الله صاحب لغة سهلة بديعة، ولديه تمكن وقدرة عالية على شرح النصوص البلاغية وتحليلها وإضاءة سياقها ومصطلحاتها؛ وأشهد بأنني لم أستوعب كامل علوم البلاغة العربية الكلاسيكية؛ المعاني والبيان والبديع، بتفاصيلها ونماذجها في التراث العربي من دون معاودة ومراجعة كتبه الثلاثة.
وبفضل كتابيه الآخرين عن «النَّظم وبناء الأسلوب في البلاغة العربية»، و«الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي»، بالإضافة إلى قدرته العالية وذائقته المدربة في تيسير وتذليل نصوص الشيخ عبد القاهر الجرجاني، صاحب نظرية النظم الشهيرة في إعجاز القرآن، وواضع علمي «المعاني» و«البيان»، وهما أساس علم البلاغة العربية الكلاسيكية، تمكنت من قراءة كتابي الشيخ عبد القاهر عن «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة»، والإلمام بأفكارهما المهمة الرئيسية، وتيسرت لي بفضل شروحاته وتحليلاته الذكية الوافية ألفة بالنصوص التراثية القديمة، وفتح آفاق للربط بين هذه النصوص ومستجدات النظريات اللغوية والأسلوبية والنقدية الحديثة.
وتمثل إسهامات شفيع السيد في هذه الدائرة، دائرة تقديم قراءات عصرية لعلوم البلاغة العربية الكلاسيكية؛ جهدا بارزا وأصيلا ضمن مدرسة دار العلوم في الدرس البلاغي والنقد العربي القديم، التي تميزت وتفوقت بعرضها العصري وشروحاتها الحديثة ووصلها بين أفكار البلاغيين والنقاد العرب القدامى وبين «الأسلوبية» في النقد الأدبي والتي كانت هي التيار الأحدث الذي أعيد قراءة التراث والبلاغي والنقدي في ضوء نظرياتها المعاصرة، وقدم في هذا الإطار العديد من الاجتهادات والكتب والمؤلفات المهمة؛ لعل من أهمها في نظري بل على رأسها كتب الدكتور شفيع السيد وبخاصة كتبه سالفة الذكر.
- 3 -
ومن إسهاماته المهمة في النقد الأدبي الحديث، لا أنسى أبدًا كتابه المرجعي عن «اتجاهات الرواية العربية في مصر منذ الحرب العالمية الثانية إلى سنة 1967م ـ دراسة نقدية» (وهو في الأصل أطروحته للدكتوراة) الذي كان من أوائل الكتب التي طالعتها عن تاريخ وتطور الرواية العربية، خاصة في الفترة المذكورة التي شهدت ذروة ما وصلت إليه الرواية بجناحيها العريضين الواقعية الاجتماعية، والرومانسية... وأذكر أنه رحمه الله رجع إلى عددٍ وافر من الروايات العربية التي كُتبت خلال الفترة من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى عام 1967. وما من رواية حللها أو ذكرها في متن كتابه إلا عدتُ إليها، وقرأتها، واكتسبت بفضله حساسية قراءة النصوص الروائية خاصة التي أنتجت في المرحلة الواقعية الاجتماعية الرومانسية..
وقد نال رحمه الله درجة الماجستير عن بحثه «ميخائيل نعيمة: منهجه في النقد واتجاهه في الأدب» الذي نشر في كتاب بالعنوان ذاته، أعيد طبعه عدة مرات لأهميته، وهو من أهم ما كتب عن ميخائيل نعيمة ونقده في إطار مدرسة النقد الرومانسي في الأدب العربي الحديث. كما أنجز في الدائرة ذاتها كتابا فريدا عن «الرابطة القلمية ودورها في النقد العربي الحديث» (صدرت طبعته الأولى عن المجلس الأعلى للفنون والآداب، عام 1971).
وفي نظرية الأدب والمدارس والاتجاهات النقدية الحديثة، ترك المرحوم الدكتور شفيع كتابه التعليمي الشارح «في نظرية الأدب ـ دراسة في المدارس النقدية الحديثة» (صدرت طبعته الأولى عام 1998)؛ ويعرض هذا الكتاب نظرية الأدب باعتبارها وجهًا من وجوه التطور الحديث للنقد الأدبي، أو فرعه الثاني باعتبار أن وظيفته الأساسية تتمثل في قراءة النصوص الأدبية، وفحصها وتحليلها وتفسيرها، واستكشاف عناصر بنائها الفني، وقد يقترن بذلك تقييمها والإدلاء بحكم لها أو عليها في ضوء مبادئ أو مناهج نقدية بعينها.
ويقدم الكتاب بأسلوب أخاذ المدارس النقدية الغربية الحديثة التي كان لها أصداء واسعة في نقدنا العربي الحديث مع ما فيها من صعوبات تمثلت في المصطلحات التي قد تكون غامضة أو مضطربة، والترجمات التي لا تقل عنها غموضا بل يمكن وصف بعضها بالعجمة في كثير من الأحيان. وقد غطى الكتاب النظريتين المعروفتين في تاريخ النقد العربي الحديث؛ وهما نظرية المحاكاة والكلاسيكية الجديدة، ونظرية التعبير الرومانسية، ثم خص تيار الأسلوبية الحديثة، ومناهج التحليل الأسلوبي بأكثر من نصف الكتاب؛ معلنا أنه سيستكمل دراسته وعرضه لباقي النظريات والتيارات النقدية الحديثة في عمل تال. وقد صرح الدكتور شفيع في مقدمة كتابه أن هذه الصفحات «ليست إلا نواة لعمل طموح، آمل أن أقوم بإنجازه بتقديم المدارس النقدية الحديثة تقديما يتحقق فيه الوضوح الذي نفتقده، وينأى عن الغموض الذي نشكو منه».
- 4 -
ولعل خير ما أختم به هذا المقال عن الراحل الكريم الدكتور شفيع السيد؛ ما قاله عنه رفيق دربه ومجايله وصديقه الناقد الدكتور محمود الربيعي؛ نائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في حفل استقباله عضوًا بالمجمع:
«عاش محمد شفيع الدين السيد حياته الأكاديمية معلمًا وباحثًا، وسط الشباب، ووسط مصادر المعرفة، وجاب بعض البلاد العربية، غير ضنين بعلمه على من يحتاجه من أبناء أمته، وكان في عمله -الذي كان لي سعادة متابعته في سنين عديدة ومناسبات عديدة- نموذجًا يحتذى لطالب العلم ومعلمه، ولأستاذ الجامعة الحق الذي يبذل الكثير في مقابل عائد يعلم علم اليقين أنه عائد قليل».
رحم الله الأستاذ الدكتور محمد شفيع الدين السيد؛ وتقبل دعاءنا له في هذا اليوم المبارك، وجازاه خير الجزاء عما علم ونفع وأفاد.