لندن "وكالات": أعلن بوريس جونسون اليوم الخميس أنه سيستقيل من منصب رئيس وزراء بريطانيا بعد أن عصفت بمسيرته سلسة من الفضائح أدت إلى تخلي وزراء الحكومة ومعظم نواب حزب المحافظين عنه.

ورضخ جونسون أخيرا لضغط التيار المنادي برحيله بعد استقالة أكثر من 50 وزيرا ومسؤولا في الحكومة وتزايد المطالبات بين المشرعين بضرورة تنحيه، وظهر ضعيفا معزولا خارج مقر إقامته في داوننج ستريت ليؤكد أنه سيستقيل.

وقال جونسون "يجب أن تبدأ الآن عملية اختيار الزعيم الجديد، "اليوم عيّنت حكومة لتتولى المسؤولية معي حتى اختيار زعيم جديد".

وبعد أيام من القتال للحفاظ على منصبه، تخلى معظم حلفاء جونسون عنه باستثناء قلة قليلة بعد أن جاءت أحدث فضيحة في سلسلة من الفضائح التي شابت فترته لتكون القشة الأخيرة لداعميه.

وقال جاستن توملينسون نائب رئيس حزب المحافظين على تويتر "استقالته كانت حتمية. علينا في الحزب أن نتحد بسرعة ونركز على الأمور المهمة. هذه أوقات صعبة على جبهات متعددة".

وسيتعين على المحافظين الآن انتخاب زعيم جديد، وهي عملية قد تستغرق أسابيع أو شهورا.

وأظهر استطلاع سريع أجرته يوجوف أن وزير الدفاع بن والاس هو الاختيار المفضل لدى أعضاء حزب المحافظين لخلافة جونسون تليه وزيرة الدولة للتجارة بيني موردنت ثم وزير المالية السابق ريشي سوناك.

وقال كثيرون إنه يتعين على جونسون المغادرة فورا وتسليم السلطة لنائبه دومينيك راب بداعي أنه فقد ثقة حزبه.

وقال كير ستارمر زعيم حزب العمال المعارض إنه سيدعو إلى تصويت على الثقة في البرلمان إذا لم يتحرك حزب المحافظين للإطاحة بجونسون على الفور.

وأضاف "إذا لم يتخلصوا منه، فسيتدخل حزب العمال من أجل المصلحة الوطنية ويطرح تصويتا بحجب الثقة لأننا لا نستطيع الاستمرار مع رئيس وزراء يتشبث بالسلطة لأشهر وأشهر".

وتأتي الأزمة في وقت يواجه فيه البريطانيون ضغوطا هي الأشد منذ عقود على أوضاعهم المالية، وذلك في أعقاب جائحة كوفيد-19 والارتفاع المستمر للتضخم. ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد البريطاني الأضعف بين الدول الكبرى في عام 2023 بعد روسيا.

كما تأتي بعد سنوات قليلة من انقسام داخلي أشعله تصويت محتدم في 2016 على مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي وكذلك في مواجهة تهديدات تواجه تكوين المملكة المتحدة نفسها مع تزايد المطالب بإجراء استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا والذي قد يكون الثاني خلال عشر سنوات.

وتبخر الدعم الذي يحظى به جونسون في واحد من أكثر الأيام تقلبا في التاريخ السياسي البريطاني الحديث، مع انضمام ناظم الزهاوي وزير المالية الذي عينه جونسون الثلاثاء إلى الدعوات المطالبة بتنحيه.

وكان الزهاوي ووزراء آخرون في الحكومة قد ذهبوا إلى داوننج ستريت مساء الأربعاء مع ممثل رفيع عن النواب غير الأعضاء بالحكومة ليخبروا جونسون بأن اللعبة انتهت.

وفي بادئ الأمر، رفض جونسون الرحيل وبدا عازما على التشبث بسلطته، فأقال مايكل جوف، أحد أبرز أعضاء فريقه الوزاري والذي كان من أوائل من أبلغوه بأنه يجب أن يستقيل، في محاولة لإعادة تأكيد سلطته.

لكن بحلول صباح امس الخميس ومع توالي عدد كبير من الاستقالات، أصبح من الواضح أن موقفه لا يمكن الدفاع عنه.

وكتب الزهاوي على تويتر "هذا وضع غير قابل للاستمرار وسيزداد سوءا بالنسبة لك ولحزب المحافظين، والأهم من ذلك، للبلد بأسره. يجب أن تفعل الشيء الصحيح وترحل الآن".

وقال بعض ممن بقوا في مناصبهم، ومن بينهم وزير الدفاع والاس، إن ما يمنعهم عن الرحيل هو التزامهم بالحفاظ على أمن البلاد.

وكانت الاستقالات الوزارية كثيرة بحيث باتت الحكومة تواجه خطر الشلل. وعلى الرغم من قرب رحيله، كان جونسون يعمل على ملء الأماكن الشاغرة في حكومته.

وقال مايكل إليس، وهو وزير يشرف على تسيير شؤون الحكومة، للبرلمان "من واجبنا الآن أن نتأكد من أن هذا الشعب لديه حكومة فاعلة".

وكان جونسون قد وصل إلى السلطة قبل نحو ثلاث سنوات، وتعهد بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإنقاذها من المشاحنات المريرة التي أعقبت الاستفتاء على خروجها من التكتل عام 2016. و منذ ذلك الحين، دعم بعض المحافظين بحماس الصحفي ورئيس بلدية لندن السابق بينما أيده آخرون، رغم وجود تحفظات، لأنه كان قادرا على استمالة قطاعات من الناخبين الذين كانوا يرفضون حزبهم عادة.

وتأكد ذلك في انتخابات ديسمبر 2019. لكن نهج إدارته القتالي والفوضوي في الحكم في كثير من الأحيان وسلسلة من الفضائح استنفدت رضا العديد من نوابه، بينما تُظهر استطلاعات الرأي أنه لم يعد يحظى بشعبية لدى عامة الشعب.

وغرقت قيادة جونسون في فضائح خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ فرضت عليه الشرطة غرامة لانتهاكه قوانين الإغلاق المتعلقة بكوفيد-19 ونُشر تقرير دامغ حول سلوك المسؤولين في مكتبه في داوننج ستريت الذين انتهكوا قواعد الإغلاق الخاصة بهم.

وفي أحدث فضيحة، اعتذر جونسون عن تعيين نائب في منصب حكومي، حتى بعد اطلاعه على أن هذا السياسي كان محور شكاوى تتعلق بسوء السلوك الجنسي.

وتغيرت رواية داوننج ستريت عدة مرات حول ما كان يعرفه رئيس الوزراء عن السلوك السابق للسياسي، الذي أُجبر على الاستقالة، ومتى عرف ذلك. وألقى المتحدث باسمه باللوم على مشكلة في ذاكرة جونسون.

وبالإضافة إلى الفضائح، كانت هناك أيضا تحولات في السياسة، ودفاعا عن مشرع انتهك قواعد جماعات الضغط، وانتقادات بأنه لم يبذل جهدا كافيا لمعالجة التضخم حيث يكافح العديد من البريطانيين للتعامل مع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء.

الهدوء والوحدة

ودعت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس إلى "الهدوء والوحدة" امس الخميس عقب استقالة جونسون من منصبه.

وكتبت تراس في تغريدة من بالي حيث من المتوقع أن تشارك في اجتماع وزاري لمجموعة العشرين اليوم الجمعة "اتّخذ رئيس الوزراء القرار الصائب. حققت الحكومة تحت قيادة بوريس العديد من الإنجازات - إنجاز بريكست واللقاحات ودعم أوكرانيا. نحن الآن بحاجة للهدوء والوحدة ومواصلة الحكم حتى إيجاد زعيم جديد".

فرح وسخرية

من جهتها، تفاعلت روسيا مع استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بفرح وسخرية امس الخميس.

وكتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف على تلجرام :"أفضل أصدقاء، أوكرانيا يغادرون. النصر في خطر".

وتجدر الإشارة إلى أن جونسون من أشد الداعمين المتحمسين للحكومة الأوكرانية في صمودها ضد الغزو الروسي المستمر.

وأضاف ميدفيديف أن المزيد من حلفاء أوكرانيا ربما يذهبون. وكتب :"ننتظر أخبارا من ألمانيا وبولندا ودول البلطيق"، رغم أن حكومات هذه الدول لا تواجه خطر انهيار وشيك.

ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف القول :"فيما يتعلق برحيل جونسون، لا نروق له ولا يروق لنا أيضا".

كما أعرب عن أمله في أن يتولى "أشخاص أكثر احترافا" السلطة في بريطانيا، يتفهمون أيضا الحاجة إلى الحوار، وأضاف :"لكن في الوقت الراهن، يبدو ذلك مستبعدا".

****************

من سيتولى رئاسة وزراء بريطانيا؟

فيما يلي تفاصيل حول عملية البحث عن خليفة لجونسون:

-يتعين أن يرشح اثنان من أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين أي شخص يتقدم للمنصب، وقد يكون عدد المتقدمين كبيرا.

- يجري النواب المحافظون بعد ذلك عدة جولات تصويت لخفض عدد المرشحين. وفي كل مرة يُطلب منهم التصويت بشكل سري لصالح مرشحهم المفضل ويتم استبعاد من يحصل على أقل الأصوات.

- تتكرر هذه العملية إلى أن يصل عدد المتنافسين إلى اثنين. وكان التصويت في السابق يجري في أيام الثلاثاء والخميس. لكن من المقرر أن يبدأ البرلمان العطلة الصيفية التي تستمر ستة أسابيع في 21 يوليو، لذا قد يتعين تسريع العملية.

- يجري بعد ذلك تصويت بالبريد على المرشحين الإثنين الأخيرين ويشمل جميع أعضاء حزب المحافظين ويعين الفائز رئيسا للوزراء.

- زعيم الحزب صاحب أكبر عدد من الأعضاء في مجلس العموم هو رئيس الوزراء الفعلي. ولا يتعين عليه الدعوة لانتخابات مبكرة لكن يحق له ذلك.

كم من الوقت يستغرق ذلك؟

يمكن أن تختلف الفترة الزمنية لاختيار رئيس الوزراء اعتمادا على عدد المتقدمين للمنصب. وكانت تيريزا ماي قد تولت المنصب بعد أقل من ثلاثة أسابيع من استقالة ديفيد كاميرون في عام 2016 وانسحاب جميع المتنافسين الآخرين في منتصف السباق.

وتنافس جونسون مع وزير الصحة السابق جيريمي هنت قبل تصويت أعضاء حزب المحافظين لاختيار من يحل محل ماي في 2019، وتولى المنصب بعد شهرين من إعلان ماي اعتزامها تقديم استقالتها.