بين ديواني (حنين المرايا: 2007) و(على وسادته مسٌّ من القلق: 2017) للشاعر الإماراتي حسن النجار ثمة انتقال جمالي في الصورة الشعرية، واشتغال فني، وتعامل بارز مع الدلالات التي صنع منها نصاً شعرياً قائماً على الخيال والتشكيل الفني.
يظهر حسن النجار في ديوانه الأول (حنين المرايا) بنصوص بسيطة، تقليدية الموضوع، مباشرة اللغة، يعالج بها قضايا واقعية يتلمّسها من مجتمعه وبيئته المحيطة. لقد جاءت نصوص مجموعته الأولى مؤرّخة في كتابتها الزمنية بين عامي (2003-2007)، وهي نصوص تؤرّخ لمرحلة الدراسة الجامعية قائمة على تأسيس شعري لشاعر شاب يشتغل على معالجة القصيدة الشعرية من أوزانها ولغتها المباشرة البسيطة وموضوعاتها المرتبطة بالواقع والحياة، فلا عجب أن تكون تلك المجموعة بداية الانطلاقة الشعرية لشاعرٍ يحاول تلمّس مفهوم الشعر ويدخل من بواباته الأولى.
بعد عشر سنوات من إصداره المجموعة الشعرية الأولى، يُقدّم النجار مجموعته الشعرية الثانية (على وسادته مسٌّ من القلق) عن الدار العربية للعلوم ناشرون، الذي يظهر فيها الانتقال الشعري في مفهوم الشعر عنده، ومحاولات التجديد في الشكل والمضمون، فنجده يخرج عن الأُطُر الثابتة للشعر التقليدي مُقدِّماً لغةً تنزاح إلى النثر تارة وإلى الشعر الحالم تارة أخرى، مبتعداً عن القوالب المستهلكة والأفكار المطروقة في أغلب النصوص.
جاءت قصائد المجموعة أشبه بلوحاتٍ أو مقاطع قصيرة أو مشاهد تصويرية متحركة يستطيع القارئ التنقّل معها أفقياً ورأسياً داخل النص. يأتي هذا التنقّل مع المشهد المتحرك منذ بداية النص إلى نهايته. لقد اشتغل النجار على نصوص المجموعة -في أغلبها- كونها نصوصاً شعرية قصيرة جداً، فعمل على تكثيف الفكرة، واختزال دلالاتها مع اقتناص صُورها المختلفة التي تُقدّم النص وفق رؤية فنية. وربما كان حسن النجار يُدركُ جيداً أنّ التركيز في النصوص الشعرية القصيرة أكثر فنية عنها في النصوص الطويلة التي قد تجرُّ الشاعر إلى انفلات في اللغة والصورة والمفردة، وهو ما يقع فيه كثير من الشعراء، لذا فإنّ الشاعر قد اجتهد أنْ تكون أكثر نصوصه مركزة في قالبٍ شعري قصير يقتنص أفكاره من رؤيته للحياة ثم يُعيد تشكيلها فنياً، يقول في نص (هروب): يهربُ للمقهى../ يكتبُ أغنية دافئة النبضِ/ تُدثّرُ بردَ الروحِ/ ويشربُهُ اللحنُ على مهلٍ.../ ذاب،/ وذابت كلماتٌ في سرحانٍ لهروبٍ في بطنِ هروبْ.
وفي نص (عتاب): حينما لم يجدوا في الغيمِ عيباً/ عاتبوه:/ ما أشدَّ المطرا!!.
وفي نص (عودة) يقول: ما زال في الشطآن صوتُ نوارسٍ تلهو/ -برغم رحيلها-/ ستعود يوماً.../ تُدركُ الشطآنُ.
يشتغل النجار أيضا في نصوص مجموعته على تأثيث الصورة البصرية وينقل القارئ معه إلى عوالمها ودلالاتها النصية، ويؤمن معها أنّ الشعر لوحة فنية تجمع اللغة والصورة والفن والتشكيل والموسيقى، وتتداخل بها الألوان مثل نص (لوحة) الذي يجعل المتعة البصرية مادّةً متحركة مع المفردات وممتزجة بالألوان والموسيقى وصخب الحياة، يقول: يرسمُ بحراً/ ينثرُ موسيقى في الموجِ/ يبعثرُ أصدافاً مصغيةً للعزفِ/ ويكملُ لوحتَهُ/ بنوارسَ/تعبثُ بالألوانِ وتربكُها. ويقول في نص (مرافئ): المرافئ ليلاً../ ترمِّمُ أوجاعها،/ وتنامْ. وفي نص (نجاة) يقول: الليلُ../ يغرقُ في القصيدةِ صارخاً:/ هل من نجاةْ؟!!
إنّ عملية التجسيد التي تظهر لنا في النصوص السابقة قائمة على امتزاج النغم بالصورة، واللون باللغة، وكأنك في بحر ممتد تسمع صوت أمواجه ونوارسه ثم تقرن ذلك بزرقته المائية ولآلئ رماله الذهبية. هكذا هو الشعر في رؤية النجار في نصوصه المتأخرة، لا يهتم معها بوزن، يقيم علاقة مع الذات المنشطرة والحالمة في آن واحد، ويقيم علاقة أخرى مع اللغة في انزياحاتها الرومانسية الهادئة المحملة بتيارات الحنين والشوق فتلمح العتاب والشوق وفوضى الغربة الداخلية ممتزجة بأدواته الشعرية، فحين يقول: "حزينٌ؛/ لأنّ الرسائل عادتْ/ وما قبّلت كلماتي يديهِ". فإنه يشتغل على العتاب كونه ثيمة يبني منها نصه ولغته، وحين يقول:
يا أيها الليلُ كانَ الصمتُ سيدنا
يُشيرُ نحو دروب الوهمِ،
نتبعُهُ
يضيءُ فانوسَ روحٍ في أزقّتنا
يئنُّ في وحشةٍ،
لا أذنَ تسمعُهُ
على رصيف انتظارٍ كان ينسجُ ما
روى الخيالُ له،
والسرَّ يودعُهُ
تجرّعَ الحلمُ كأساً فارغاً ومشى
مثّاقلاً،
وسرابُ العمر يجرعُهُ.
فإنه يجعل من الغربة الداخلية أداةً تتسعُ في النص مُشكِّلةً رؤى وحنيناً داخلياً يتفاعل النص معه مُحيلاً على ارتباط هذياني عبّرَ عنه في عتبة النص.
ويكاد حسن النجار أن يقترب من النثر والسرد في لغته التي يكتب بها؛ لإيمانه أنّ النصوص تتفاعل مع بعضها مُشكِّلةً نصاً واحداً، ولإيمانه أيضا بأنّ الأدوات التي يمكن أن تخدم الشعر كثيرة ويمكن الاستفادة منها، لذا يجعل من الحوار عنصراً تتشكّل منه بعض النصوص، ففي نص (متى تعود؟!) نقف على الحوار المتشكّل بين طرفين في مستويات النص، بين مستوى التأنيث المتشكّل في خطاب الأنثى، ومستوى التذكير في خطاب المذكر، ليعلن الحوار عن ممارسة سردية في النص، ويجعل من الحركة السردية والحكي انزياحاً تقوم عليه النصوص أيضا. في نص (ورق أبيض) نجد هذه الحركة وهذا الاشتغال السردي في الحكي:
ورقٌ أبيضُ فوقَ المكتبِ
آخذُ واحدةً
علّي أكتبُ شعراً
خربشتُ عليها
ورسمتُ خطوطاً
بالعرض والطولِ
رميتُ الورقهْ
ثم تناولتُ الثانيةَ
تخيّلتُ الغيمَ تجمّعَ
ضوءَ بروقٍ
قصفَ رعودٍ
حتى انكسرتْ جرةُ غيمٍ
وتبللتِ الورقةْ
ها أتناولُ أخرى
ماذا؟!
هل أكتبُ
أرسمُ
أصمتُ؟!!!
قالوا: الصمتُ بليغٌ
لكنْ هل أحدٌ يُصغي لبلاغة بوحي
وظللتُ أدورُ بأوهامي
وتدورُ وساوسُ في صدري
من غير شعورٍ
إذ بي أرمي الورقةْ
حين يئستُ
كتبتُ على آخر أوراقي:
"هل يكفي كلُّ الورقِ الأبيضِ من حولي
حتى أبدأ في قدح زنادِ قصيدهْ؟!".
إنّ امتزاج الدلالات بين عالمين مختلفين(الشعر/ السرد، الوزن/ الإيقاع) ظاهر في نصوص المجموعة، لكن هذه النصوص في حركتها المختلفة وعوالمها المتشابكة تبدو مسكونة بفوضى الحركة المستمرة، فنجد بها اهتزاز المشاعر: مشاعر الحب والخوف والحذر والحنين والقلق من الخفيّ والمجهول، هكذا تنبني أكثر نصوص المجموعة في حركتها، ورغم لغتها العذبة فإنّ المشاعر المتحركة أكسبتْ النصوص قلقاً داخلياً وجمالاً في آن واحد.
ولعلّ النجار كان يدرك من التنويع في التقنيات التي يشتغل عليها في نصوصه أنّ "الحزن يطور العقل" على تعبير مارسيل بروست، فنجده يلجأ إلى لغة الانزواء حين يقول: "أحتاج بعض الصمت،/ بعض الانزواء،/ لكي أرمّمُ ضحكةً في الروحْ../ أحتاجُ عمراً كي أجيءَ لكم ومن فرحي أبوحْ". وإلى لغة الكوابيس والقلق حين يقول: "كـ عصفورةٍ تلقطُ الحَبَّ/ ها أنا أحصي الكوابيسَ والأمنياتِ/ ومن ثمَّ أمضي/ وفي سلّتي/ عالَمٌ من قلقْ". وإلى لغة التيه حين يقول: "سأوغل في التيه وهماً لذيذاً/ به أتلاشى/ كـ بوح أنايْ/ أبعثرُ فوضايَ في كلّ صوبٍ/ وإنْ شئتُ سُكنى/ ففي عود نايْ". وإلى لغة الرحيل حين يقول: "قلقُ الرحيلِ،/ وبسمةٌ معجونةٌ بنُثار أسئلة الوداعِ،/ وأغنياتٌ في سماء غروبنا../ هذا الذي نتقاسمُ".
إنها دلالاتٌ متتابعة في مضمونها، يتحرك معها النص شعورياً حين تبدأ الدلالات في التشكّل، وعليه فإنها تعمل على إضفاء دلالات التحرك مثل القلق والتيه والخوف والحذر والانزواء والرحيل. إنّ النصوص هنا تقاطعت مع عتبات النص في تشكيل لغة عميقة متحركة ينبني عليها كل نص مختلفاً في تناوله وبنائه عن الآخر.
إنّ حسن النجار كونه شاعراً يُدركُ أن للكلمة قيمةً ومعنى، وأنّ النص الشعري تعبير داخلي عن مكنونات النفس، لذا فقد امتزجت الكلمة لديه بالدفقة الشعورية سواء كانت رومانسية عذبةً أو قلقةً متوجّسة، إنه انطباع عن شعور الشاعر الذي تتقاذفه دوافع عدة لحظة الكتابة تجعل من الكتابة لديه دافعاً للتطوير والتجديد وتلمّس خُطى الشعر.
يظهر حسن النجار في ديوانه الأول (حنين المرايا) بنصوص بسيطة، تقليدية الموضوع، مباشرة اللغة، يعالج بها قضايا واقعية يتلمّسها من مجتمعه وبيئته المحيطة. لقد جاءت نصوص مجموعته الأولى مؤرّخة في كتابتها الزمنية بين عامي (2003-2007)، وهي نصوص تؤرّخ لمرحلة الدراسة الجامعية قائمة على تأسيس شعري لشاعر شاب يشتغل على معالجة القصيدة الشعرية من أوزانها ولغتها المباشرة البسيطة وموضوعاتها المرتبطة بالواقع والحياة، فلا عجب أن تكون تلك المجموعة بداية الانطلاقة الشعرية لشاعرٍ يحاول تلمّس مفهوم الشعر ويدخل من بواباته الأولى.
بعد عشر سنوات من إصداره المجموعة الشعرية الأولى، يُقدّم النجار مجموعته الشعرية الثانية (على وسادته مسٌّ من القلق) عن الدار العربية للعلوم ناشرون، الذي يظهر فيها الانتقال الشعري في مفهوم الشعر عنده، ومحاولات التجديد في الشكل والمضمون، فنجده يخرج عن الأُطُر الثابتة للشعر التقليدي مُقدِّماً لغةً تنزاح إلى النثر تارة وإلى الشعر الحالم تارة أخرى، مبتعداً عن القوالب المستهلكة والأفكار المطروقة في أغلب النصوص.
جاءت قصائد المجموعة أشبه بلوحاتٍ أو مقاطع قصيرة أو مشاهد تصويرية متحركة يستطيع القارئ التنقّل معها أفقياً ورأسياً داخل النص. يأتي هذا التنقّل مع المشهد المتحرك منذ بداية النص إلى نهايته. لقد اشتغل النجار على نصوص المجموعة -في أغلبها- كونها نصوصاً شعرية قصيرة جداً، فعمل على تكثيف الفكرة، واختزال دلالاتها مع اقتناص صُورها المختلفة التي تُقدّم النص وفق رؤية فنية. وربما كان حسن النجار يُدركُ جيداً أنّ التركيز في النصوص الشعرية القصيرة أكثر فنية عنها في النصوص الطويلة التي قد تجرُّ الشاعر إلى انفلات في اللغة والصورة والمفردة، وهو ما يقع فيه كثير من الشعراء، لذا فإنّ الشاعر قد اجتهد أنْ تكون أكثر نصوصه مركزة في قالبٍ شعري قصير يقتنص أفكاره من رؤيته للحياة ثم يُعيد تشكيلها فنياً، يقول في نص (هروب): يهربُ للمقهى../ يكتبُ أغنية دافئة النبضِ/ تُدثّرُ بردَ الروحِ/ ويشربُهُ اللحنُ على مهلٍ.../ ذاب،/ وذابت كلماتٌ في سرحانٍ لهروبٍ في بطنِ هروبْ.
وفي نص (عتاب): حينما لم يجدوا في الغيمِ عيباً/ عاتبوه:/ ما أشدَّ المطرا!!.
وفي نص (عودة) يقول: ما زال في الشطآن صوتُ نوارسٍ تلهو/ -برغم رحيلها-/ ستعود يوماً.../ تُدركُ الشطآنُ.
يشتغل النجار أيضا في نصوص مجموعته على تأثيث الصورة البصرية وينقل القارئ معه إلى عوالمها ودلالاتها النصية، ويؤمن معها أنّ الشعر لوحة فنية تجمع اللغة والصورة والفن والتشكيل والموسيقى، وتتداخل بها الألوان مثل نص (لوحة) الذي يجعل المتعة البصرية مادّةً متحركة مع المفردات وممتزجة بالألوان والموسيقى وصخب الحياة، يقول: يرسمُ بحراً/ ينثرُ موسيقى في الموجِ/ يبعثرُ أصدافاً مصغيةً للعزفِ/ ويكملُ لوحتَهُ/ بنوارسَ/تعبثُ بالألوانِ وتربكُها. ويقول في نص (مرافئ): المرافئ ليلاً../ ترمِّمُ أوجاعها،/ وتنامْ. وفي نص (نجاة) يقول: الليلُ../ يغرقُ في القصيدةِ صارخاً:/ هل من نجاةْ؟!!
إنّ عملية التجسيد التي تظهر لنا في النصوص السابقة قائمة على امتزاج النغم بالصورة، واللون باللغة، وكأنك في بحر ممتد تسمع صوت أمواجه ونوارسه ثم تقرن ذلك بزرقته المائية ولآلئ رماله الذهبية. هكذا هو الشعر في رؤية النجار في نصوصه المتأخرة، لا يهتم معها بوزن، يقيم علاقة مع الذات المنشطرة والحالمة في آن واحد، ويقيم علاقة أخرى مع اللغة في انزياحاتها الرومانسية الهادئة المحملة بتيارات الحنين والشوق فتلمح العتاب والشوق وفوضى الغربة الداخلية ممتزجة بأدواته الشعرية، فحين يقول: "حزينٌ؛/ لأنّ الرسائل عادتْ/ وما قبّلت كلماتي يديهِ". فإنه يشتغل على العتاب كونه ثيمة يبني منها نصه ولغته، وحين يقول:
يا أيها الليلُ كانَ الصمتُ سيدنا
يُشيرُ نحو دروب الوهمِ،
نتبعُهُ
يضيءُ فانوسَ روحٍ في أزقّتنا
يئنُّ في وحشةٍ،
لا أذنَ تسمعُهُ
على رصيف انتظارٍ كان ينسجُ ما
روى الخيالُ له،
والسرَّ يودعُهُ
تجرّعَ الحلمُ كأساً فارغاً ومشى
مثّاقلاً،
وسرابُ العمر يجرعُهُ.
فإنه يجعل من الغربة الداخلية أداةً تتسعُ في النص مُشكِّلةً رؤى وحنيناً داخلياً يتفاعل النص معه مُحيلاً على ارتباط هذياني عبّرَ عنه في عتبة النص.
ويكاد حسن النجار أن يقترب من النثر والسرد في لغته التي يكتب بها؛ لإيمانه أنّ النصوص تتفاعل مع بعضها مُشكِّلةً نصاً واحداً، ولإيمانه أيضا بأنّ الأدوات التي يمكن أن تخدم الشعر كثيرة ويمكن الاستفادة منها، لذا يجعل من الحوار عنصراً تتشكّل منه بعض النصوص، ففي نص (متى تعود؟!) نقف على الحوار المتشكّل بين طرفين في مستويات النص، بين مستوى التأنيث المتشكّل في خطاب الأنثى، ومستوى التذكير في خطاب المذكر، ليعلن الحوار عن ممارسة سردية في النص، ويجعل من الحركة السردية والحكي انزياحاً تقوم عليه النصوص أيضا. في نص (ورق أبيض) نجد هذه الحركة وهذا الاشتغال السردي في الحكي:
ورقٌ أبيضُ فوقَ المكتبِ
آخذُ واحدةً
علّي أكتبُ شعراً
خربشتُ عليها
ورسمتُ خطوطاً
بالعرض والطولِ
رميتُ الورقهْ
ثم تناولتُ الثانيةَ
تخيّلتُ الغيمَ تجمّعَ
ضوءَ بروقٍ
قصفَ رعودٍ
حتى انكسرتْ جرةُ غيمٍ
وتبللتِ الورقةْ
ها أتناولُ أخرى
ماذا؟!
هل أكتبُ
أرسمُ
أصمتُ؟!!!
قالوا: الصمتُ بليغٌ
لكنْ هل أحدٌ يُصغي لبلاغة بوحي
وظللتُ أدورُ بأوهامي
وتدورُ وساوسُ في صدري
من غير شعورٍ
إذ بي أرمي الورقةْ
حين يئستُ
كتبتُ على آخر أوراقي:
"هل يكفي كلُّ الورقِ الأبيضِ من حولي
حتى أبدأ في قدح زنادِ قصيدهْ؟!".
إنّ امتزاج الدلالات بين عالمين مختلفين(الشعر/ السرد، الوزن/ الإيقاع) ظاهر في نصوص المجموعة، لكن هذه النصوص في حركتها المختلفة وعوالمها المتشابكة تبدو مسكونة بفوضى الحركة المستمرة، فنجد بها اهتزاز المشاعر: مشاعر الحب والخوف والحذر والحنين والقلق من الخفيّ والمجهول، هكذا تنبني أكثر نصوص المجموعة في حركتها، ورغم لغتها العذبة فإنّ المشاعر المتحركة أكسبتْ النصوص قلقاً داخلياً وجمالاً في آن واحد.
ولعلّ النجار كان يدرك من التنويع في التقنيات التي يشتغل عليها في نصوصه أنّ "الحزن يطور العقل" على تعبير مارسيل بروست، فنجده يلجأ إلى لغة الانزواء حين يقول: "أحتاج بعض الصمت،/ بعض الانزواء،/ لكي أرمّمُ ضحكةً في الروحْ../ أحتاجُ عمراً كي أجيءَ لكم ومن فرحي أبوحْ". وإلى لغة الكوابيس والقلق حين يقول: "كـ عصفورةٍ تلقطُ الحَبَّ/ ها أنا أحصي الكوابيسَ والأمنياتِ/ ومن ثمَّ أمضي/ وفي سلّتي/ عالَمٌ من قلقْ". وإلى لغة التيه حين يقول: "سأوغل في التيه وهماً لذيذاً/ به أتلاشى/ كـ بوح أنايْ/ أبعثرُ فوضايَ في كلّ صوبٍ/ وإنْ شئتُ سُكنى/ ففي عود نايْ". وإلى لغة الرحيل حين يقول: "قلقُ الرحيلِ،/ وبسمةٌ معجونةٌ بنُثار أسئلة الوداعِ،/ وأغنياتٌ في سماء غروبنا../ هذا الذي نتقاسمُ".
إنها دلالاتٌ متتابعة في مضمونها، يتحرك معها النص شعورياً حين تبدأ الدلالات في التشكّل، وعليه فإنها تعمل على إضفاء دلالات التحرك مثل القلق والتيه والخوف والحذر والانزواء والرحيل. إنّ النصوص هنا تقاطعت مع عتبات النص في تشكيل لغة عميقة متحركة ينبني عليها كل نص مختلفاً في تناوله وبنائه عن الآخر.
إنّ حسن النجار كونه شاعراً يُدركُ أن للكلمة قيمةً ومعنى، وأنّ النص الشعري تعبير داخلي عن مكنونات النفس، لذا فقد امتزجت الكلمة لديه بالدفقة الشعورية سواء كانت رومانسية عذبةً أو قلقةً متوجّسة، إنه انطباع عن شعور الشاعر الذي تتقاذفه دوافع عدة لحظة الكتابة تجعل من الكتابة لديه دافعاً للتطوير والتجديد وتلمّس خُطى الشعر.