ترجمة قاسم مكي -
في وقت مبكر من حرب فيتنام سأل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أحد كبار جنرالاته عمّا يلزم «لإنهاء المهمة؟» الإجابة غير المفيدة التي حصل عليها كانت طلبا من الجنرال بتعريف «المهمة»
عرَّفَت دراسةٌ أعدها البيت الأبيض لاحقا الانتصار في فيتنام بأنه «إثبات عملي لقوات الفيات كونج (ثوار فيتنام الجنوبية) بأنهم لا يمكنهم الانتصار.»
والآن مع دعمها أوكرانيا في حربها ضد روسيا تجد القوى الغربية مرة أخرى أن من المغري لها تعريف الانتصار بـ«عدم الخسارة»
يخشى الأوكرانيون من أنهم سيحصلون فقط على ما يكفي للاستمرار في القتال ولكن ليس ما يكفيهم لهزيمة روسيا. هذا احتمال مؤلم فيما تتعرض مدنهم للدمار ويفقد الجيش الأوكراني مئات الرجال كل يوم في قتاله لوقف تقدم الروس.
عرَّف مقال للرئيس جو بايدن مؤخرا الهدفَ الرئيسي لأمريكا بأنه «الحفاظ على أوكرانيا الحرة والمستقلة» أيضا مرارا وتكرارا قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن روسيا يجب ألا تكسب الحرب. لكنه لم يقل أبدا بوجوب انتصار أوكرانيا. وصرح ناطق عن إيمانويل ماكرون لم يرغب في ذكر اسمه أن فرنسا تريد انتصار أوكرانيا. لكن الرئيس نفسه لم يقل ذلك بعد. (تاريخ نشر المقال 14 يونيو- المترجم)»
أما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون فقد قال ببساطة «أوكرانيا يجب أن تنتصر» وقالت كايا كالاس رئيسة وزراء أستونيا «يجب أن يكون الانتصار الهدفَ وليس اتفاق سلامٍ ما»
الاختلاف بين أولئك الذين ينادون بانتصار أوكراني ومن يُقصِرون أنفسهم على القول بوجوب عدم انتصار روسيا ليس بسيطا. فهو يُمْلِي اتخاذ قراراتٍ حاسمة في أهميتها حول نوع الأسلحة التي تقدم لأوكرانيا ويفرض أسئلة من شاكلة هل ومتى يحدث الدفع باتجاه تسوية سلمية؟
يتباين رفض أستونيا «لاتفاق سلام ما» مع هدف بايدن المعلن بوضع أوكرانيا «في أقوى موقف ممكن عند طاولة المفاوضات»
خلف هذه الآراء يكمن اختلاف في «إدراك» التهديد. فأولئك الذين يعتبرون التهديد الرئيسي متمثلا في الإمبريالية الروسية على استعداد للمطالبة بانتصار أوكراني. يشمل هذا المعسكر بولندا وبريطانيا ودول البلطيق وفنلندا.
أما أولئك الأكثر خشية من نشوب حرب بين روسيا والغرب فيتحدثون فقط عن عدم وجوب انتصار موسكو. إنهم يخشون من أن الدفع نحو انتصار أوكراني واضح وتام قد يقود إلى صراع مباشر بين روسيا والغرب أو استخدام الأسلحة النووية الروسية. فرنسا وألمانيا في هذا المعسكر.
الولايات المتحدة، وهذا أمر بالغ الأهمية، في الوسط وتحاول موازنة استجابتها لكلا المهددين بالنظر إلى أنها تقدم الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وجهة النظر السائدة في إدارة بايدن أن الغرب بعدما أفرط في القلق من احتمال اندلاع صراع نووي في بداية الحرب يخاطر الآن بالإفراط في عدم الخشية منه.
تسمح العقيدة العسكرية الروسية باستخدام الأسلحة النووية في حال وجود تهديد وجودي لروسيا. ويعتقد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين سيعتبر الهزيمة في أوكرانيا من شاكلة هذا المهدد الوجودي لبلاده. ذلك سيوجد وضعا يتسم بالمفارقة. فكلما تحسن أداء أوكرانيا في ميدان القتال كلما صارت الأمور أكثر خطورة.
تضفي هذه المخاوف حذرا حقيقيا على السياسة الأمريكية وتفسر السبب الذي جعل واشنطن تحدُّ من مَدَى الصواريخ الجديدة التي تزود بها أوكرانيا.
قرر الأمريكان عدم إرسال مدفعية يمكنها ضرب الأراضي الروسية لأن ذلك سيبدو أقرب كثيرا إلى أن يكون هجوما أمريكيا مباشرا. في الأثناء لا يزال تأجيل تسليم أوكرانيا أسلحة ثقيلة من ألمانيا قائما.
كل هذا مصدر إحباط عميق لأولئك (في التحالف الغربي) الذين يعتقدون أن الخطر الأكبر هو الإمبريالية الروسية وليس هزيمة روسيا. وهم يشيرون إلى تعليقات بوتين الأخيرة التي اعتبر فيها نفسه وريث الإمبراطور الروسي بيتر العظيم (بطرس الأكبر) في استعادة وتوسيع الأراضي الروسية، حسبما ورد على لسانه.
الذين ينتمون لهذه المدرسة في التفكير يستبعدون فكرة اتجاه بوتين إلى استخدام الأسلحة النووية ويجادلون بأن غريزة «حفظ النفس» ظلت تتجلى دائما وبقوة لدى الزعيم الروسي. كما يعتقدون أن إذلال بوتين هو السبيل الوحيد للقضاء في آخر المطاف على التهديد الإمبريالي الروسي. هذا يقود إلى الدعوة للمزيد من التحركات العسكرية العدائية مثل تزويد كييف بوسائل إغراق الأسطول الروسي الذي يحاصر الموانئ الأوكرانية في الوقت الحاضر.
إدراكا للحاجة إلى الحفاظ على وحدة الغرب طرحت أمريكا وحلفاؤها صيغا لفظية قليلة يمكن أن يتفقوا عليها جميعهم. فكل واحد بمن في ذلك شولتز وماكرون يتفقون على أنه لن يكون هنالك اتفاق سلام يفرض على أوكرانيا. لكن ما يخشاه الأوكرانيون هو إجبارهم عمليا على التنازل عن أراضٍ لأنهم لن يمنحوا أسلحة قوية بما يكفي لمنع روسيا من التقدم في ميدان القتال.
سيعتمد الكثير على أثر أنظمة المدفعية الجديدة التي وُعِدَ الأوكرانيون بالحصول عليها في الأسابيع القادمة.
رغم انقساماتها الخفية تعتقد الحكومات الغربية في معظمها كما يبدو أن أوكرانيا إذا أمكنها دفع روسيا إلى المواقع التي كانت تتموضع فيها قواتها المسلحة يوم 24 فبراير قبل بداية الغزو سيتشكل بذلك أساسٌ لمفاوضات جادة.
لكن لسوء الحظ لا يوجد ضمان بأن أوكرانيا يمكنها تحقيق هذا النوع من الانتصار أو أن أيا من الجانبين سيوقف القتال إذا عادت القوات إلى خطوط 24 فبراير.
تعريف النصر في أوكرانيا كما في حرب فيتنام مراوغ وخَطِر في مراوغته. وقد تكون النتيجة حرب استنزاف وحشية وطويلة.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز
ترجمة خاصة لـ عمان عن «الفاينانشال تايمز»
في وقت مبكر من حرب فيتنام سأل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أحد كبار جنرالاته عمّا يلزم «لإنهاء المهمة؟» الإجابة غير المفيدة التي حصل عليها كانت طلبا من الجنرال بتعريف «المهمة»
عرَّفَت دراسةٌ أعدها البيت الأبيض لاحقا الانتصار في فيتنام بأنه «إثبات عملي لقوات الفيات كونج (ثوار فيتنام الجنوبية) بأنهم لا يمكنهم الانتصار.»
والآن مع دعمها أوكرانيا في حربها ضد روسيا تجد القوى الغربية مرة أخرى أن من المغري لها تعريف الانتصار بـ«عدم الخسارة»
يخشى الأوكرانيون من أنهم سيحصلون فقط على ما يكفي للاستمرار في القتال ولكن ليس ما يكفيهم لهزيمة روسيا. هذا احتمال مؤلم فيما تتعرض مدنهم للدمار ويفقد الجيش الأوكراني مئات الرجال كل يوم في قتاله لوقف تقدم الروس.
عرَّف مقال للرئيس جو بايدن مؤخرا الهدفَ الرئيسي لأمريكا بأنه «الحفاظ على أوكرانيا الحرة والمستقلة» أيضا مرارا وتكرارا قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن روسيا يجب ألا تكسب الحرب. لكنه لم يقل أبدا بوجوب انتصار أوكرانيا. وصرح ناطق عن إيمانويل ماكرون لم يرغب في ذكر اسمه أن فرنسا تريد انتصار أوكرانيا. لكن الرئيس نفسه لم يقل ذلك بعد. (تاريخ نشر المقال 14 يونيو- المترجم)»
أما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون فقد قال ببساطة «أوكرانيا يجب أن تنتصر» وقالت كايا كالاس رئيسة وزراء أستونيا «يجب أن يكون الانتصار الهدفَ وليس اتفاق سلامٍ ما»
الاختلاف بين أولئك الذين ينادون بانتصار أوكراني ومن يُقصِرون أنفسهم على القول بوجوب عدم انتصار روسيا ليس بسيطا. فهو يُمْلِي اتخاذ قراراتٍ حاسمة في أهميتها حول نوع الأسلحة التي تقدم لأوكرانيا ويفرض أسئلة من شاكلة هل ومتى يحدث الدفع باتجاه تسوية سلمية؟
يتباين رفض أستونيا «لاتفاق سلام ما» مع هدف بايدن المعلن بوضع أوكرانيا «في أقوى موقف ممكن عند طاولة المفاوضات»
خلف هذه الآراء يكمن اختلاف في «إدراك» التهديد. فأولئك الذين يعتبرون التهديد الرئيسي متمثلا في الإمبريالية الروسية على استعداد للمطالبة بانتصار أوكراني. يشمل هذا المعسكر بولندا وبريطانيا ودول البلطيق وفنلندا.
أما أولئك الأكثر خشية من نشوب حرب بين روسيا والغرب فيتحدثون فقط عن عدم وجوب انتصار موسكو. إنهم يخشون من أن الدفع نحو انتصار أوكراني واضح وتام قد يقود إلى صراع مباشر بين روسيا والغرب أو استخدام الأسلحة النووية الروسية. فرنسا وألمانيا في هذا المعسكر.
الولايات المتحدة، وهذا أمر بالغ الأهمية، في الوسط وتحاول موازنة استجابتها لكلا المهددين بالنظر إلى أنها تقدم الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وجهة النظر السائدة في إدارة بايدن أن الغرب بعدما أفرط في القلق من احتمال اندلاع صراع نووي في بداية الحرب يخاطر الآن بالإفراط في عدم الخشية منه.
تسمح العقيدة العسكرية الروسية باستخدام الأسلحة النووية في حال وجود تهديد وجودي لروسيا. ويعتقد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين سيعتبر الهزيمة في أوكرانيا من شاكلة هذا المهدد الوجودي لبلاده. ذلك سيوجد وضعا يتسم بالمفارقة. فكلما تحسن أداء أوكرانيا في ميدان القتال كلما صارت الأمور أكثر خطورة.
تضفي هذه المخاوف حذرا حقيقيا على السياسة الأمريكية وتفسر السبب الذي جعل واشنطن تحدُّ من مَدَى الصواريخ الجديدة التي تزود بها أوكرانيا.
قرر الأمريكان عدم إرسال مدفعية يمكنها ضرب الأراضي الروسية لأن ذلك سيبدو أقرب كثيرا إلى أن يكون هجوما أمريكيا مباشرا. في الأثناء لا يزال تأجيل تسليم أوكرانيا أسلحة ثقيلة من ألمانيا قائما.
كل هذا مصدر إحباط عميق لأولئك (في التحالف الغربي) الذين يعتقدون أن الخطر الأكبر هو الإمبريالية الروسية وليس هزيمة روسيا. وهم يشيرون إلى تعليقات بوتين الأخيرة التي اعتبر فيها نفسه وريث الإمبراطور الروسي بيتر العظيم (بطرس الأكبر) في استعادة وتوسيع الأراضي الروسية، حسبما ورد على لسانه.
الذين ينتمون لهذه المدرسة في التفكير يستبعدون فكرة اتجاه بوتين إلى استخدام الأسلحة النووية ويجادلون بأن غريزة «حفظ النفس» ظلت تتجلى دائما وبقوة لدى الزعيم الروسي. كما يعتقدون أن إذلال بوتين هو السبيل الوحيد للقضاء في آخر المطاف على التهديد الإمبريالي الروسي. هذا يقود إلى الدعوة للمزيد من التحركات العسكرية العدائية مثل تزويد كييف بوسائل إغراق الأسطول الروسي الذي يحاصر الموانئ الأوكرانية في الوقت الحاضر.
إدراكا للحاجة إلى الحفاظ على وحدة الغرب طرحت أمريكا وحلفاؤها صيغا لفظية قليلة يمكن أن يتفقوا عليها جميعهم. فكل واحد بمن في ذلك شولتز وماكرون يتفقون على أنه لن يكون هنالك اتفاق سلام يفرض على أوكرانيا. لكن ما يخشاه الأوكرانيون هو إجبارهم عمليا على التنازل عن أراضٍ لأنهم لن يمنحوا أسلحة قوية بما يكفي لمنع روسيا من التقدم في ميدان القتال.
سيعتمد الكثير على أثر أنظمة المدفعية الجديدة التي وُعِدَ الأوكرانيون بالحصول عليها في الأسابيع القادمة.
رغم انقساماتها الخفية تعتقد الحكومات الغربية في معظمها كما يبدو أن أوكرانيا إذا أمكنها دفع روسيا إلى المواقع التي كانت تتموضع فيها قواتها المسلحة يوم 24 فبراير قبل بداية الغزو سيتشكل بذلك أساسٌ لمفاوضات جادة.
لكن لسوء الحظ لا يوجد ضمان بأن أوكرانيا يمكنها تحقيق هذا النوع من الانتصار أو أن أيا من الجانبين سيوقف القتال إذا عادت القوات إلى خطوط 24 فبراير.
تعريف النصر في أوكرانيا كما في حرب فيتنام مراوغ وخَطِر في مراوغته. وقد تكون النتيجة حرب استنزاف وحشية وطويلة.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز
ترجمة خاصة لـ عمان عن «الفاينانشال تايمز»