يسلط مؤتمر قمة الأمريكيتين، المنعقد حاليًا في لوس أنجلوس، الضوء على مدى التغيير الذي شهدته المنطقة منذ آخر مرة كان فيها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض. إذ منذ يناير 2017، أصبحت فنزويلا دولة فاشلة؛ كما تعزز الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة جراء الهجرة من أمريكا الوسطى. وانتخبت البرازيل نسخة استوائية من الرئيس دونالد ترامب، بينما انتخبت المكسيك يساريًا شعبويًا.
ولكن هناك دولة واحدة لم تتغير، وهي كوبا التي لا تزال دولة الحزب الواحد وشوكة في خاصرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعملية النهوض بالديمقراطية في المنطقة. وبناءً على ذلك، قررت إدارة بايدن استبعادها من قائمة الدول المدعوة لحضور القمة (إلى جانب فنزويلا ونيكاراغوا)، ومع ذلك، أعلنت الإدارة مؤخرًا أنها ستلغي العقوبات التي كانت مفروضة على كوبا في عهد ترامب، وبذلك، بدأ بايدن في تحويل السياسة الأمريكية في علاقتها مع كوبا إلى النهج الذي اتبعه رئيسه السابق، الرئيس الأمريكي باراك أوباما. إذ في عامي 2015 و2016، أعاد أوباما بناء العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، وأجرى زيارة رسمية إلى هافانا، وخفف بعض القيود المفروضة على السفر إلى أمريكا، وعلى المعاملات التجارية مع الجزيرة.
وكانت الفكرة وراء ذلك هو أن هذا «الالتزام الإيجابي» من شأنه أن يساعد في تعزيز التغيير الاقتصادي والسياسي في كوبا وفي المنطقة على نطاق أوسع. ولكن جهود إدارة أوباما توقفت حتى قبل أن يتولى ترامب منصبه ويلغي كل التزامات سلفه. إذ طلبت الولايات المتحدة تعويضات للأمريكيين الذين صودرت ممتلكاتهم خلال الثورة الكوبية وهي النقطة التي لا تزال تؤلم كوبا إلى يومنا هذا. وإذا تمكنت إدارة بايدن من حل المشكلة، فستكون قد طوّت صفحة في تاريخ المنطقة. عندما أطاح «فيديل كاسترو» بـ«فولجينسيو باتيستا»عام 1959، كانت كوبا تقبع في الفقر. فقد كان باتيستا يملأ جيوبه بالمال بينما كان معظم الكوبيين يكدحون في مزارع السكر والتبغ التي تملكها النخب الثرية، أو يشتغلون كعمال الخدمات في المنتجعات الساحلية بالجزيرة. ويكمن جزء من الجاذبية الشعبية الأولية لـ«كاسترو» في راديكالية مقاربته لسد الفجوة الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون: فبكل بساطة، صادرت حكومته الممتلكات من الأغنياء وأعادت توزيع الغنائم على الفقراء. ولكن العديد من المواطنين والشركات الأمريكية سقطوا ضحايا لعلمية مصادرة الملكية والتأميم هذه. واكتشف أصحاب الفنادق، ومُلاك الأراضي، وشركات السكر، وملاك السكك الحديدية، فجأة، أن ممتلكاتهم الكوبية قد صودرت، وأن من الأفضل لهم الهروب للنجاة بحياتهم.
ومنذ ذلك الحين، قدم الأمريكيون إلى الحكومة الكوبية ما يناهز 6000 طلب ملكية مصدق عليه، بقيمة إجمالية بلغت ملياري دولار، من خلال لجنة تسوية المطالبات الخارجية الأمريكية. وفضلًا عن ذلك، تلقت وزارة العدل الأمريكية الآلاف من الطلبات الإضافية؛ وهناك أيضًا آلاف الكوبيين الذين صودرت ممتلكاتهم قبل فرارهم إلى الولايات المتحدة وحصولهم على الجنسية الأمريكية.
وحققت إدارة أوباما إنجازًا كبيرًا عندما أقنعت الحكومة الكوبية بإجراء محادثات بشأن هذه القضية في ديسمبر 2015. إذ لم يسبق أن اعترفت كوبا بمطالبات التعويض على أنها مشروعة أو جديرة بالمناقشة. ولكن كوبا جاءت بمطلبها الخاص، وهو أن تعوض الولايات المتحدة كوبا عن التكاليف الاقتصادية الهائلة للحظر التجاري الذي فرضته على الجزيرة منذ عقود. وقدرت كوبا خسائرها فيما يتراوح بين 100 مليار دولار و850 مليار دولار. إن مطالبات التعويض عن الممتلكات المحجوزة ليست بالشيء الغريب في العلاقات الدولية. إذ في عام 1968، استولت حكومة عسكرية في "بيرو" على شركة البترول الدولية المملوكة للولايات المتحدة، بعد أن كانت في قلب فضيحة محلية أدت إلى انقلاب في البلاد. وسعت الشركة للحصول على 120 مليون دولار، ولكن لم يُلبى طلبها حتى عوضت بيرو الشركات الأمريكية الأخرى عن الأصول التي فقدتها أثناء التأميم، مما سمح للحكومة الأمريكية بالتدخل وإعادة توجيه بعض الأموال لصالحها. ثم قامت نفس الحكومة البيروفية بمصادرة أملاك كبار ملاك الأراضي بصورة جماعية، تمامًا كما فعل "كاسترو" في كوبا. إذ فقد أكثر من 15000 من أصحاب الأراضي ممتلكات تبلغ مساحتها الإجمالية ما يقارب عشرة ملايين هكتار. ووعدت الحكومة بتقديم تعويضات على شكل سندات حكومية، لكنها فقدت قيمتها وسط تضخم جامح بعد عقد من الزمان، ولم تحترمها الحكومة أبدًا. وحتى يومنا هذا، لا تزال مجموعة من ملاك الأراضي تحاول الحصول على تعويضات، وقد حاول صندوق تحوط يتخذ من أمريكا مقرًا له وهو، Gramercy Funds Management، مقاضاة الحكومة البيروفية لتحصل على تعويض بقيمة 1.6 مليار دولار بعد شراء آلاف السندات من ملاك الأراضي السابقين. بأسعار رخيصة. وتشير التجارب السابقة إلى أن الانفراج الدائم بين الولايات المتحدة وكوبا يجب أن يكون موجهًا نحو المستقبل. ولحسن الحظ، يمكن للادعاءات المعقدة والادعاءات المضادة أن تشكل أساسًا لاتفاقية تفاوضية ذات نطاق أوسع لتطبيع العلاقات بين البلدين. ويقضي أحد الاقتراحات بأن تعوض كوبا صغار المطالبين ماليًا بينما تمنح كبار المطالبين حقوق تطوير الأعمال التجارية. وقد يكون هذا جزءًا من حزمة لتحديث الاقتصاد الكوبي وفتحه، مع قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات والقوانين العقابية، والترحيب بالجزيرة مرة أخرى في المؤسسات المالية الدولية المهمة. ومن شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى أكثر من مجرد تخفيف للحظر التجاري. بيد أن أي قرار يُتخذ يجب أن يقترن أيضًا بقدر أكبر من الاعتراف بحقوق الملكية داخل كوبا، كما فعلت المكسيك قبل التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 1992. فعندما نقل نظام "كاسترو" الممتلكات الخاصة المحجوزة إلى الفقراء، حجب في الوقت نفسه حقوق الممتلكات عن هؤلاء المستفيدين، الذين لا يملكون سندات ملكية أو حقوق نقل ملكية كاملة. إن هذه القيود شائعة في ظل الحكومات الاستبدادية التي تعيد توزيع الممتلكات. فبالإضافة إلى تقويض الاستثمار والنمو، فإنها تولد في نهاية المطاف الاعتماد على البرامج الحكومية، التي تُستخدم بدورها لضمان الولاء السياسي. وكان هذا هو نموذج الاقتصاد السياسي للمكسيك منذ ثورته في العقد الأول من القرن الماضي حتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين.
لقد اتخذت الحكومة الكوبية بالفعل خطوات أولية نحو تقليص قطاع الدولة والتخفيف من صرامة القوانين التنظيمية المتعلقة باستخدام الممتلكات. ويجب أن يقترن الاعتراف بحقوق المطالبين الأجانب المحجوزة مع الاعتراف بحقوق الملكية لأولئك الذين حصلوا على الأصول المحجوزة. ويجب أن يحصل المزارعون في المناطق الريفية، على سبيل المثال، على سندات ملكية أراضيهم إلى جانب الحقوق المرتبطة بها. ويمكن لهذا الإجراء أن يأتي بصحوة جديدة ليس فقط للعلاقات الأمريكية الكوبية والأمريكيين الذين استُوْلى على ممتلكاتهم، ولكن أيضًا للمواطنين الكوبيين، الذين يمكنهم بدورهم أن يقودوا حقبة جديدة من التنمية في الجزيرة.
مايكل ألبرتوس أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة شيكاغو.
خدمة بروجيكت سنديكيت
ولكن هناك دولة واحدة لم تتغير، وهي كوبا التي لا تزال دولة الحزب الواحد وشوكة في خاصرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعملية النهوض بالديمقراطية في المنطقة. وبناءً على ذلك، قررت إدارة بايدن استبعادها من قائمة الدول المدعوة لحضور القمة (إلى جانب فنزويلا ونيكاراغوا)، ومع ذلك، أعلنت الإدارة مؤخرًا أنها ستلغي العقوبات التي كانت مفروضة على كوبا في عهد ترامب، وبذلك، بدأ بايدن في تحويل السياسة الأمريكية في علاقتها مع كوبا إلى النهج الذي اتبعه رئيسه السابق، الرئيس الأمريكي باراك أوباما. إذ في عامي 2015 و2016، أعاد أوباما بناء العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، وأجرى زيارة رسمية إلى هافانا، وخفف بعض القيود المفروضة على السفر إلى أمريكا، وعلى المعاملات التجارية مع الجزيرة.
وكانت الفكرة وراء ذلك هو أن هذا «الالتزام الإيجابي» من شأنه أن يساعد في تعزيز التغيير الاقتصادي والسياسي في كوبا وفي المنطقة على نطاق أوسع. ولكن جهود إدارة أوباما توقفت حتى قبل أن يتولى ترامب منصبه ويلغي كل التزامات سلفه. إذ طلبت الولايات المتحدة تعويضات للأمريكيين الذين صودرت ممتلكاتهم خلال الثورة الكوبية وهي النقطة التي لا تزال تؤلم كوبا إلى يومنا هذا. وإذا تمكنت إدارة بايدن من حل المشكلة، فستكون قد طوّت صفحة في تاريخ المنطقة. عندما أطاح «فيديل كاسترو» بـ«فولجينسيو باتيستا»عام 1959، كانت كوبا تقبع في الفقر. فقد كان باتيستا يملأ جيوبه بالمال بينما كان معظم الكوبيين يكدحون في مزارع السكر والتبغ التي تملكها النخب الثرية، أو يشتغلون كعمال الخدمات في المنتجعات الساحلية بالجزيرة. ويكمن جزء من الجاذبية الشعبية الأولية لـ«كاسترو» في راديكالية مقاربته لسد الفجوة الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون: فبكل بساطة، صادرت حكومته الممتلكات من الأغنياء وأعادت توزيع الغنائم على الفقراء. ولكن العديد من المواطنين والشركات الأمريكية سقطوا ضحايا لعلمية مصادرة الملكية والتأميم هذه. واكتشف أصحاب الفنادق، ومُلاك الأراضي، وشركات السكر، وملاك السكك الحديدية، فجأة، أن ممتلكاتهم الكوبية قد صودرت، وأن من الأفضل لهم الهروب للنجاة بحياتهم.
ومنذ ذلك الحين، قدم الأمريكيون إلى الحكومة الكوبية ما يناهز 6000 طلب ملكية مصدق عليه، بقيمة إجمالية بلغت ملياري دولار، من خلال لجنة تسوية المطالبات الخارجية الأمريكية. وفضلًا عن ذلك، تلقت وزارة العدل الأمريكية الآلاف من الطلبات الإضافية؛ وهناك أيضًا آلاف الكوبيين الذين صودرت ممتلكاتهم قبل فرارهم إلى الولايات المتحدة وحصولهم على الجنسية الأمريكية.
وحققت إدارة أوباما إنجازًا كبيرًا عندما أقنعت الحكومة الكوبية بإجراء محادثات بشأن هذه القضية في ديسمبر 2015. إذ لم يسبق أن اعترفت كوبا بمطالبات التعويض على أنها مشروعة أو جديرة بالمناقشة. ولكن كوبا جاءت بمطلبها الخاص، وهو أن تعوض الولايات المتحدة كوبا عن التكاليف الاقتصادية الهائلة للحظر التجاري الذي فرضته على الجزيرة منذ عقود. وقدرت كوبا خسائرها فيما يتراوح بين 100 مليار دولار و850 مليار دولار. إن مطالبات التعويض عن الممتلكات المحجوزة ليست بالشيء الغريب في العلاقات الدولية. إذ في عام 1968، استولت حكومة عسكرية في "بيرو" على شركة البترول الدولية المملوكة للولايات المتحدة، بعد أن كانت في قلب فضيحة محلية أدت إلى انقلاب في البلاد. وسعت الشركة للحصول على 120 مليون دولار، ولكن لم يُلبى طلبها حتى عوضت بيرو الشركات الأمريكية الأخرى عن الأصول التي فقدتها أثناء التأميم، مما سمح للحكومة الأمريكية بالتدخل وإعادة توجيه بعض الأموال لصالحها. ثم قامت نفس الحكومة البيروفية بمصادرة أملاك كبار ملاك الأراضي بصورة جماعية، تمامًا كما فعل "كاسترو" في كوبا. إذ فقد أكثر من 15000 من أصحاب الأراضي ممتلكات تبلغ مساحتها الإجمالية ما يقارب عشرة ملايين هكتار. ووعدت الحكومة بتقديم تعويضات على شكل سندات حكومية، لكنها فقدت قيمتها وسط تضخم جامح بعد عقد من الزمان، ولم تحترمها الحكومة أبدًا. وحتى يومنا هذا، لا تزال مجموعة من ملاك الأراضي تحاول الحصول على تعويضات، وقد حاول صندوق تحوط يتخذ من أمريكا مقرًا له وهو، Gramercy Funds Management، مقاضاة الحكومة البيروفية لتحصل على تعويض بقيمة 1.6 مليار دولار بعد شراء آلاف السندات من ملاك الأراضي السابقين. بأسعار رخيصة. وتشير التجارب السابقة إلى أن الانفراج الدائم بين الولايات المتحدة وكوبا يجب أن يكون موجهًا نحو المستقبل. ولحسن الحظ، يمكن للادعاءات المعقدة والادعاءات المضادة أن تشكل أساسًا لاتفاقية تفاوضية ذات نطاق أوسع لتطبيع العلاقات بين البلدين. ويقضي أحد الاقتراحات بأن تعوض كوبا صغار المطالبين ماليًا بينما تمنح كبار المطالبين حقوق تطوير الأعمال التجارية. وقد يكون هذا جزءًا من حزمة لتحديث الاقتصاد الكوبي وفتحه، مع قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات والقوانين العقابية، والترحيب بالجزيرة مرة أخرى في المؤسسات المالية الدولية المهمة. ومن شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى أكثر من مجرد تخفيف للحظر التجاري. بيد أن أي قرار يُتخذ يجب أن يقترن أيضًا بقدر أكبر من الاعتراف بحقوق الملكية داخل كوبا، كما فعلت المكسيك قبل التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 1992. فعندما نقل نظام "كاسترو" الممتلكات الخاصة المحجوزة إلى الفقراء، حجب في الوقت نفسه حقوق الممتلكات عن هؤلاء المستفيدين، الذين لا يملكون سندات ملكية أو حقوق نقل ملكية كاملة. إن هذه القيود شائعة في ظل الحكومات الاستبدادية التي تعيد توزيع الممتلكات. فبالإضافة إلى تقويض الاستثمار والنمو، فإنها تولد في نهاية المطاف الاعتماد على البرامج الحكومية، التي تُستخدم بدورها لضمان الولاء السياسي. وكان هذا هو نموذج الاقتصاد السياسي للمكسيك منذ ثورته في العقد الأول من القرن الماضي حتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين.
لقد اتخذت الحكومة الكوبية بالفعل خطوات أولية نحو تقليص قطاع الدولة والتخفيف من صرامة القوانين التنظيمية المتعلقة باستخدام الممتلكات. ويجب أن يقترن الاعتراف بحقوق المطالبين الأجانب المحجوزة مع الاعتراف بحقوق الملكية لأولئك الذين حصلوا على الأصول المحجوزة. ويجب أن يحصل المزارعون في المناطق الريفية، على سبيل المثال، على سندات ملكية أراضيهم إلى جانب الحقوق المرتبطة بها. ويمكن لهذا الإجراء أن يأتي بصحوة جديدة ليس فقط للعلاقات الأمريكية الكوبية والأمريكيين الذين استُوْلى على ممتلكاتهم، ولكن أيضًا للمواطنين الكوبيين، الذين يمكنهم بدورهم أن يقودوا حقبة جديدة من التنمية في الجزيرة.
مايكل ألبرتوس أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة شيكاغو.
خدمة بروجيكت سنديكيت