يركز العدد الجديد من (تقرير عن التنمية في العالم للعام 2022. التمويل من أجل تحقيق تعافٍ منصفٍ)، الصادر عن مجموعة البنك الدولي على المخاطر الاقتصادية المرتبطة بـ(القطاع العائلي وقطاع الشركات والمؤسسات المالية والحكومات في جميع أنحاء العالم)، نتيجة لتداعيات تفشي جائحة كورونا (كوفيد19)؛ حيث يعرض التقرير مجموعة من الأفكار التي جاءت نتيجة لواقع البحوث التي "تتناول أوجه الترابط بين الميزانيات العمومية والآثار غير المباشرة المحتملة فيما بين القطاعات"، إضافة إلى التوصيات التي تسهم في الحد من المخاطر المالية الناجمة عن (السياسات الاستثنائية) التي نفذتها الدول أثناء تفشي الجائحة من أجل دعم جهود تحقيق (تعافٍ منصف).

يخبرنا التقرير عن أهمية (الكشف المبكِّر عن المخاطر وإدارتها على نحو استباقي)، والعمل على توسيع إمكانية الحصول على التمويل، و(تحسين قدرة منشآت الأعمال الصغيرة على الاستثمار وخلق فرص العمل إذا كانت قادرة على الحصول على الائتمان)، إضافة إلى قدرة (التمويل الرقمي) على تعزيز الفرص الاقتصادية الجديدة. وتحت عنوان (تزايد عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها)، يكشف التقرير عن تأثيرات الجائحة على القطاع العائلي وقطاع الشركات الذي لم يكن مؤهلا لتحمل الصدمات؛ حيث "لم يستطع أكثر من 50٪ من الأسر في العالم الحفاظ على مستوى الاستهلاك الأساسي نفسه لأكثر من ثلاثة أشهر في حالة فقدان الدخل "ـ حسب التقرير ـ في حين "لم تغطِ الاحتياطات النقدية لدى الشركات المتوسطة سوى أقل من 51 يوما من النفقات".

لا يفاجئنا التقرير عندما يستعرض مدى تأثُّر النساء على وجه الخصوص بفقدان الدخل والعمل؛ ذلك لأنهن "يعملن في قطاعات أصبحت الأكثر تضررا من تدابير الإغلاق والتباعد الاجتماعي..."ـ بتقدير التقرير ـ، إضافة إلى أنهن يحملن العبء الأكبر في الرعاية العائلية أثناء الجائحة، مما اضطر الكثير منهن إلى ترك أعمالهن إما خوفا على العائلة أو لحاجة العائلة لهن أو بسبب إغلاق المؤسسات أو التسريح، ووفقا لبيانات جمعها البنك الدولي عبر المسح الاستقصائي يذكر التقرير أن نسبة فقْد النساء لوظائفهن أثناء (المرحلة الأولية للجائحة حتى يوليو 2020) بلغت (42٪)، مقارنة بنسبة (31٪) من الرجال، مما يُبرز الآثار الكبيرة للجائحة على هذه الفئة من المجتمع.

والحق أن سلطنة عمان من الدول التي أولت المرأة عناية فائقة على مستوى الحقوق والواجبات وقد نص النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/2021 في المبادئ الاجتماعية على أن الدولة (تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل)، ولقد عمِلت على تأسيس هذه المساواة منذ بواكير النهضة الحديثة، حتى أصبحت المرأة العمانية اليوم تتوسم أعلى المناصب في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، فهي منافِسة لأخيها الرجل في القطاعات كلها. وعلى الرغم من هذا الاهتمام الكبير الذي تحظى به، وهذا الدعم الذي تلاقيه من التشريعات والسياسات التي تمكِّن دورها التنموي، إلاَّ أنه في السنوات الأخيرة وبسبب تداعيات الجائحة التي عصفت بالمجتمعات كلها، تأثَّرت المرأة العمانية العاملة في ريادة الأعمال وبعض الأعمال الأخرى خاصة في القطاع الخاص، وعانت الكثيرات منهن من التحديات الاقتصادية التي انعكست على وضع الأسر الاجتماعي والاقتصادي.

يكشف تقرير (سلسلة الإحصاءات المجتمعية. المرأة العمانية 2021) الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، أن نسبة الباحثين عن عمل من إجمالي العمانيين شكَّل (4.1٪)؛ وقد شكَّل الذكور من إجمالي الباحثين عن عمل ما نسبته 37.5٪ بينما الإناث 62.5٪؛ حيث كان عدد العمانيين الباحثين عن عمل حسب تعداد (2020)، (24.559) ألف من الذكور، و(40.879) ألف من الإناث، الأمر الذي يكشف الحاجة إلى تقييم الوضع الاقتصادي للمرأة وإيجاد حلول تتعلق بالإمكانات المتاحة للتمكين الاقتصادي، خاصة مع تزايد أعداد الخريجات الإناث من مؤسسات التعليم العالي مقارنة مع أعداد الذكور؛ حيث يذكر التقرير أن أعداد الإناث الخريجات في العام 2019ـ 2020 بلغت (14.037) ألف، بينما عدد الخريجين الذكور بلغ (9.301) ألف.

وعلى الرغم من أننا نعلم أن هناك قطاعات لا تستقطب المرأة في بعض الوظائف خاصة الصناعية منها، إضافة إلى طغيان الصورة الذهنية المتعلقة بأولوية عمل الرجل على المرأة باعتبار أنها ستكون ضمن مسؤوليات الرجل الزوج أو الأخ، غير أن الواقع يقول بخلاف ذلك؛ فالكثير من النساء في عُمان يقمن بإعالة الأسرة ويقمن بمسؤولياتها، فبحسب التقرير أن النساء يشكِّلن ما نسبته (60٪) من إجمالي الحالات المستفيدة من الضمان الاجتماعي في عام 2020، وهذا يعني أنهن بلا معيل، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في تمكين المرأة اقتصاديا، حتى لا تظل المرأة العمانية ضمن الفئات الهشة في المجتمع، ولا تكون معتمدة على الرجل أو الدولة، وإنما قادرة على إعالة نفسها وأسرتها بل وقادرة على الصمود في وجه المتغيرات الاقتصادية المختلفة.

جاء في تقرير (المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022)، الصادر عن مجموعة البنك الدولي أن "الفرق بين إجمالي الدخل المتوقع أن يحصل عليه الرجال والنساء خلال حياتهم على مستوى العالم يبلغ 172.3 تريليون دولار أمريكي؛ أي ما يعادل ضعف إجمالي الناتج المحلي العالمي..."؛ ولهذا فإن الأمر هنا يعود إلى تلك الإمكانات التي تقدمها الدول الداعمة لحقوق المرأة، والفرص التي تتيحها لها؛ بحيث تكون (خطوة أولى أساسية) نحو (بناء عالم أكثر شمولا وقدرة على الصمود). يقيس هذا التقرير التقدم المحرز على مستوى العالم نحو تحقيق (المساواة بين الجنسين في 190 اقتصادا حول العالم من خلال تحديد القوانين واللوائح التي تقيد مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي أو تحفزها، مستعينة في ذلك بثماني مؤشرات تكشف تأثير القوانين على النساء وحياتهن العملية؛ هي (التنقل، والأجور، والوالدية، والأصول، ومكان العمل، والزواج، وريادة الأعمال، والمعاش التقاعدي).

يؤكد هذا التقرير على أهمية مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بعمل المرأة، وتمكينها قانونيا من الحصول على فرص عمل متساوية؛ خاصة بعد تفشي الجائحة وما أحدثته من تحديات اقتصادية كبرى على هذه الفئة من المجتمع بشكل خاص، مما أدى إلى العديد من الإشكالات المتعلقة بالاستقرار الأسري والتمكين الاقتصادي للمرأة. وعلى الرغم من أن النظام الأساسي للدولة في عُمان لم يفرِّق في أحكامه بين المرأة والرجل، إلاَّ أن التمكين الاقتصادي للمرأة يتعلق بتلك الممارسات التي تأخذ شكل الأولويات المجتمعية المبنية على الأنماط التقليدية التي يمكن مراجعتها والعمل على إيجاد ممارسات بديلة قادرة على تحقيق المساواة الاقتصادية بين الجنسين خاصة بعد ما كشفته الجائحة من آثار، وما سببته من إشكالات اقتصادية على مستوى الأسر العمانية.

فإذا ما علمنا أن نسبة الإناث العاملات في القطاع الخاص في عُمان تبلغ ( 27.2٪) فقط ـ حسب تعداد 2020 ـ وأن نسبة (79.6٪) من الإناث يعملن بأجر؛ أي (161.585) ألف، و(38.555) ألف يعملن لحسابهن، في حين أن أعداد الإناث العاملات في الصناعات الحرفية تبلغ بحسب التعداد نفسه (21.301) مقارنة بـ (2.890) من الذكور، فإن الحال يستدعي الكشف عن تلك الأرقام والنسب اليوم بعدما عصفت الجائحة بالكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بل حتى بالشركات الكبرى، والتي أدت إلى تسريح آلاف الموظفين، والتي كان لها تأثيرا كبيرا على الاستقرار الاجتماعية والاقتصادية للأسر، مما استدعى من الدولة اتخاذ العديد من إجراءات الحماية الاجتماعية والحُزم الاقتصادية المساندة لهذه الأسر.

إن الحاجة إلى تمكين المرأة اقتصاديا ومراجعة السياسات والإجراءات المتبعة من أجل تحقيق المساواة الاقتصادية يُعد من الأولويات، فالاستقلال المالي للمرأة يمكِّنها من المشاركة الفاعلة في تحقيق الأهداف الوطنية للدولة، ويجعلها قادرة على المساهمة في ضمان الاستقرار الاقتصادي للأسرة، وبالتالي الصمود في وجه التحديات والتقلبات الاقتصادية التي تواجهها في عملها سواء أكانت عاملة في المؤسسات أو رائدة أعمال؛ فالمرأة العمانية شريكة أساسية في التنمية، كانت وما زالت بدعم الدولة والمجتمع وبجهدها ومثابرتها، قادرة على المضي قدما من أجل رفعة هذا الوطن الغالي.