يمكن النظر -حسب تصوري الخاص- أن هناك ثمة علاقة موضوعية بين درجات السلم العادية المتحركة أو الثابتة؛ التي نعرفها؛ وبين درجات التقسيم التي وضعها العالم «ابرهام ماسلو» فيما يعرف بـ«هرم ماسلو» والتي تذهب إلى الاحتياجات النفسية والفطرية «البيولوجية» التي تمثل هاجسا مقلقا؛ حتى تتحقق؛ لكل إنسان، حيث يسعى إلى تحقيقها قدر الإمكان، وقدر ما يتاح له من فرص، وبقدر ما يبذله من جهد، وبقدر مجموعة الظروف المواتية لهذا التحقيق، أو المضادة التي تحول دون ذلك أيضًا، إلا أن المفارقة الموضوعية أيضا في هذه العلاقة أن درجات السلم قد تتراكم أعدادها المادية، وهي وإن تحقق شيئا من الاحتياجات النفسية، وهو الصعود إلى الأعلى مما يتيح للناظر مساحة أوسع للرؤية البصرية؛ حيث إنها تظل تواصل نموها العددي، إلى عدد لا يستهان به، فتوجد ردة فعل عكسية عند الدرجات الأعلى؛ حيث يبدأ القلق؛ بينما تم تحديد تقسيمات هرم ماسلو إلى 5 تقسيمات فقط، إلا في حالة أن يجتهد شخص ما، فيستخرج من هذه التقسيمات تقسيمات متفرعة عن كل تقسيمة، وهذا أمر يمكن حدوثه بكل سهولة، في ظل البحث عن المختلف، وفي ظل القناعات الموجودة بأن هناك شيئا ما؛ متخف وراء الأكمة، فوق ما يعتلي الإنسان من طموحات تسعى به لأن يركب المحن، ويستنطق المستحيل، إلا أنه حتى في هذه الحالة؛ خاصة؛ عند الوصول إلى التقسيم الأخير الذي يضم (تحقيق الذات - تحقيق الإنجازات والأنشطة الإبداعية -) حيث يتلبسنا القلق إلى حد كبير خوف العودة إلى المربع الأول؛ كما هو الحال عند درجة السلم الأولى؛ إلا أن المفارقة هنا تكمن في مسألتين؛ الأولى مهمتين: المسألة المادية؛ والتي تعبر عنها درجات السلم، فهي بالضرورة تعتمد على الجانب المادي من حيث القدرة على صعود كل درجات السلم للوصول إلى الهدف المراد تحقيقه، سواء الوصول إلى سكن، أو مكتب، أو إلى السطح الذي نسعى من خلال الوصول إليه الوقوف على اتساع الرؤية الأفقية البصرية، كما هو الحال في زيارة الأبراج التي تتجاوز مستويات السحب، عندها كم ينتابنا القلق أيضا حيث نرى الأرض من تحت أرجلنا بعيدة عنا، فنشعر بدنو سقوطنا، مع أي خطوة نخطوها في تلك اللحظة، ولذا ترتعد فرائصنا، فلا نقوى على تحريك أرجلنا، وقد نتعرض في تلك اللحظة على سخرية الآخرين من حولنا، وخاصة صغار السن، الذي تعتلي في نفوسهم روح المغامرة، فلا يرون في الأمر شيئا مما نراه، حيث تابوهات الخوف المتأصلة في نفوسنا؛ على أغلب الظن.
أما المسالة الثانية: المسألة المعنوية؛ وهي مجموعة الشعور المحفزة والدافعة نحو تحقيق مما يمكن تحقيقه، وأن المسألة في حقيقتها تحتاج إلى شيء من المغامرة، وأن مجموعة المثبطات التي يضعها الآخرون من حولنا: كالسن، وقلة المال، وعدم وجود السند، وبطء ظهور النتائج، وعدم التعاون، وما هي المآلات المرجوة من هذا المشروع أو ذاك، ما هي إلا مبررات لا يجب أن تستلم لها النفس من أول خطوة في المواجهة مع الآخر، مع ضرورة النظر إلى مجموعة الناجحين الذين حققوا نتائج تستحق التقدير والتثمين، وأن المرحلة التي تم الوصول إليها «أعلى السطح» لا يجب أن تثير في كوامننا القلق إلا بالقدر الذي يحفزنا لأن نخطو خطواتنا بكل ثقة، وأن تابوهات السقوط، ما هي إلا شماعة تختلقها أنفسنا المتهجسة للخوف من الآتي، وأن تحقيق الذات في المربع الأعلى الذي وضع في هرم ماسلو لن يكون على أرض الواقع إلا من خلال تجاوز كل هذه الإخفاقات النفسية، والحياة فعلا تحتاج إلى نوع من المغامرة؛ شريطة أن تكون هذه المغامرة محسوبة الخطى، خاصة في ظل توفر المعرفة التي تعين الإنسان لأن تكون خطواته كلها وفق تسلسل معرفي آمن، وتوقع لنتائج إيجابية انعكاسا لهذا التخطيط، وتنفيذ الآليات وفق التصور العلمي الدقيق.
فالاحتياجات النفسية والفطرية؛ وإن توقفت عند مراحل إشباعات محددة، فإن ذلك يظل مرتهن بفترته الزمنية القصيرة، فلا تلبث أن تعاود الإلحاح للحصول على إشباعات أخرى متتالية في مرحلة متقدمة من حياة الإنسان اليومية، فالإنسان؛ وفق فطرته؛ لن تتوقف نزاعات ذاته المستمرة للحصول على كثير من الإشباعات الواحدة تلو الأخرى، ففي مرحلة من مراحل عمره يبحث عن المال، ويبحث عن المنصب، ويبحث عن المرأة، ويبحث عن الجاه، ويبحث عن التميز، ويبحث عن أي صورة احتفالية تجعل الآخرين يشيرون إليه بالبنان؛ حيث تغتلي نفسه بطموحات لا تحدها حدود، فهل يتوقف هذا الشعور عند مرحلة معينة توقفا تاما، أو منقطعًا لا رجعة إليه؛ فيتحول من الغبطة والسرور إلى الخوف؟ يقينا؛ لا، وإنما يظل كذلك؛ حتى ولو هوت به سنوات العمر إلى البدايات الأولى لعمر الطفولة، حيث يظل أسير هواجسه ورغباته، وطموحاته، وآماله «.. ولن يملأ جوف ابن آدم إلا التراب..» هذه وجهة نظر؛ أما وجهة النظر الأخرى ترى أن هناك حدا معينا من العمر، تضمحل فيه كل هذه المحفزات، وتبقى العودة إليها فيها الكثير من المخاطرة، أو المجازفة غير المأمونة، حيث لم تعد الهرولة هي الطريقة للوصول إلى درجة السلم الأعلى، وإنما هناك تبصر، وهناك ترو، وهناك تفكير عميق للإقدام على الخطوة التالية، حتى ولو كلف ذلك الكثير من الوقت والتأخير، وقد يفوت فرصا كانت حاضرة، وفي متناول اليد، ولذلك لا يسند إلى كبار السن؛ المهام والمسؤوليات المراد اتخاذ قرار سريع فيها، لأن ذلك لن يتحقق، وإنما يسند ذلك إلى الفئات الصغيرة من العمر، فهذا السن يتيح لصاحبه اتخاذ القرار السريع، والشعور بالقدرة على المجازفة والمغامرة، وهذا ما يشير إليه أيضا (هرم بلوم) المعرفي، حيث يصنف الابتكار في أعلى قمة الهرم، وبمساحة جد ضيقة، وهذا التضييق يذهب إلى الفهم بأن مساحة الزمن قصيرة جدا، ويجب استغلالها الاستغلال الأمثل، وقد ينظر إلى هذا التضييق على أن القليل من هم سوف يصلون إلى هذا المستوى من التميز، بينما تعكس قاعدة (هرم بلوم) وهي المساحة الأكبر المعتمدة على التذكر، لأن التذكر يحتاج إلى كثير من الاحتواء المعرفي الأوسع والمتعدد والمتنوع، ويحتاج إلى كثير من الوقت للتخزين، وقد يضاف إلى ذلك وجود العدد الكبير من طلاب المعرفة في هذه المرحلة، وهي المرحلة الأولى أو القاعدة، قبل أن تبدأ مراحل الترقي؛ (حسب فهمي).
تموضع مراحل التميز؛ كما هو ملاحظ الآن في الأمثلة الثلاثة: (السلم العادي، هرم ماسلو، هرم بلوم) في المستويات الأعلى، وهذه المستويات تحتاج إلى الكثير من البذل والجهد والعطاء حتى يمكن الوصول إليها، وهذا يتطلب؛ بالضرورة؛ الكثير من العوامل المادية والمعنوية، لدى الطامح إلى المعالي ودرجات السمو، وهو أمر غير مخفٍ، ومع ذلك فليس كل طامح يمكن أن يصل إلى الدرجات العليا من السلم في كل مشروعات الحياة، حيث يأتي أولا: التوفيق من الله؛ وقدرية المكتوب في حياة كل فرد على حده، ثم ثانيا: تأتي مجموعة الهمم والمشاعر المتوثبة عند كل فرد على حده، وهذه أيضا متفاوتة بين فرد وآخر، وبعد ذلك؛ ثالثا: تأتي مجموعة الظروف المحيطة بالفرد، وهي قد تكون المعينة له، أو الصادمة والصادة لكل ما يطمح إلى تحقيقه، وفي هذا المعنى توجد مقولة تنسب إلى الأديب مصطفى صادق الرافعي: «إن لم تزد على الحياة شيئا؛ فأنت عبء عليها» ولكن على الرغم من مجموعة التموضعات -والاستسلامات؛ أحيانا- التي تصاحب درجات الترقي؛ غالبا؛ إلا أن الإنسان بهمته؛ غالبا أيضا؛ يتجاوز مجموعة الإحباطات وتظل رؤيته مُشْرَئِبَّة نحو الدرجة الأعلى من السلم، وهذا ما جعل للإنسان؛ دون غيره من المخلوقات؛ أن يراكم من الإنجاز الحضاري عبر مسيرته الإنسانية، ولم يستسلم «مستكينا» في مربعه الأول، سواء في مفهوم درجات السلم العادي، أو درجات التقسيمات التي وضعها (ماسلو) ذات الخيارات الأصعب في الترقي.
أما المسالة الثانية: المسألة المعنوية؛ وهي مجموعة الشعور المحفزة والدافعة نحو تحقيق مما يمكن تحقيقه، وأن المسألة في حقيقتها تحتاج إلى شيء من المغامرة، وأن مجموعة المثبطات التي يضعها الآخرون من حولنا: كالسن، وقلة المال، وعدم وجود السند، وبطء ظهور النتائج، وعدم التعاون، وما هي المآلات المرجوة من هذا المشروع أو ذاك، ما هي إلا مبررات لا يجب أن تستلم لها النفس من أول خطوة في المواجهة مع الآخر، مع ضرورة النظر إلى مجموعة الناجحين الذين حققوا نتائج تستحق التقدير والتثمين، وأن المرحلة التي تم الوصول إليها «أعلى السطح» لا يجب أن تثير في كوامننا القلق إلا بالقدر الذي يحفزنا لأن نخطو خطواتنا بكل ثقة، وأن تابوهات السقوط، ما هي إلا شماعة تختلقها أنفسنا المتهجسة للخوف من الآتي، وأن تحقيق الذات في المربع الأعلى الذي وضع في هرم ماسلو لن يكون على أرض الواقع إلا من خلال تجاوز كل هذه الإخفاقات النفسية، والحياة فعلا تحتاج إلى نوع من المغامرة؛ شريطة أن تكون هذه المغامرة محسوبة الخطى، خاصة في ظل توفر المعرفة التي تعين الإنسان لأن تكون خطواته كلها وفق تسلسل معرفي آمن، وتوقع لنتائج إيجابية انعكاسا لهذا التخطيط، وتنفيذ الآليات وفق التصور العلمي الدقيق.
فالاحتياجات النفسية والفطرية؛ وإن توقفت عند مراحل إشباعات محددة، فإن ذلك يظل مرتهن بفترته الزمنية القصيرة، فلا تلبث أن تعاود الإلحاح للحصول على إشباعات أخرى متتالية في مرحلة متقدمة من حياة الإنسان اليومية، فالإنسان؛ وفق فطرته؛ لن تتوقف نزاعات ذاته المستمرة للحصول على كثير من الإشباعات الواحدة تلو الأخرى، ففي مرحلة من مراحل عمره يبحث عن المال، ويبحث عن المنصب، ويبحث عن المرأة، ويبحث عن الجاه، ويبحث عن التميز، ويبحث عن أي صورة احتفالية تجعل الآخرين يشيرون إليه بالبنان؛ حيث تغتلي نفسه بطموحات لا تحدها حدود، فهل يتوقف هذا الشعور عند مرحلة معينة توقفا تاما، أو منقطعًا لا رجعة إليه؛ فيتحول من الغبطة والسرور إلى الخوف؟ يقينا؛ لا، وإنما يظل كذلك؛ حتى ولو هوت به سنوات العمر إلى البدايات الأولى لعمر الطفولة، حيث يظل أسير هواجسه ورغباته، وطموحاته، وآماله «.. ولن يملأ جوف ابن آدم إلا التراب..» هذه وجهة نظر؛ أما وجهة النظر الأخرى ترى أن هناك حدا معينا من العمر، تضمحل فيه كل هذه المحفزات، وتبقى العودة إليها فيها الكثير من المخاطرة، أو المجازفة غير المأمونة، حيث لم تعد الهرولة هي الطريقة للوصول إلى درجة السلم الأعلى، وإنما هناك تبصر، وهناك ترو، وهناك تفكير عميق للإقدام على الخطوة التالية، حتى ولو كلف ذلك الكثير من الوقت والتأخير، وقد يفوت فرصا كانت حاضرة، وفي متناول اليد، ولذلك لا يسند إلى كبار السن؛ المهام والمسؤوليات المراد اتخاذ قرار سريع فيها، لأن ذلك لن يتحقق، وإنما يسند ذلك إلى الفئات الصغيرة من العمر، فهذا السن يتيح لصاحبه اتخاذ القرار السريع، والشعور بالقدرة على المجازفة والمغامرة، وهذا ما يشير إليه أيضا (هرم بلوم) المعرفي، حيث يصنف الابتكار في أعلى قمة الهرم، وبمساحة جد ضيقة، وهذا التضييق يذهب إلى الفهم بأن مساحة الزمن قصيرة جدا، ويجب استغلالها الاستغلال الأمثل، وقد ينظر إلى هذا التضييق على أن القليل من هم سوف يصلون إلى هذا المستوى من التميز، بينما تعكس قاعدة (هرم بلوم) وهي المساحة الأكبر المعتمدة على التذكر، لأن التذكر يحتاج إلى كثير من الاحتواء المعرفي الأوسع والمتعدد والمتنوع، ويحتاج إلى كثير من الوقت للتخزين، وقد يضاف إلى ذلك وجود العدد الكبير من طلاب المعرفة في هذه المرحلة، وهي المرحلة الأولى أو القاعدة، قبل أن تبدأ مراحل الترقي؛ (حسب فهمي).
تموضع مراحل التميز؛ كما هو ملاحظ الآن في الأمثلة الثلاثة: (السلم العادي، هرم ماسلو، هرم بلوم) في المستويات الأعلى، وهذه المستويات تحتاج إلى الكثير من البذل والجهد والعطاء حتى يمكن الوصول إليها، وهذا يتطلب؛ بالضرورة؛ الكثير من العوامل المادية والمعنوية، لدى الطامح إلى المعالي ودرجات السمو، وهو أمر غير مخفٍ، ومع ذلك فليس كل طامح يمكن أن يصل إلى الدرجات العليا من السلم في كل مشروعات الحياة، حيث يأتي أولا: التوفيق من الله؛ وقدرية المكتوب في حياة كل فرد على حده، ثم ثانيا: تأتي مجموعة الهمم والمشاعر المتوثبة عند كل فرد على حده، وهذه أيضا متفاوتة بين فرد وآخر، وبعد ذلك؛ ثالثا: تأتي مجموعة الظروف المحيطة بالفرد، وهي قد تكون المعينة له، أو الصادمة والصادة لكل ما يطمح إلى تحقيقه، وفي هذا المعنى توجد مقولة تنسب إلى الأديب مصطفى صادق الرافعي: «إن لم تزد على الحياة شيئا؛ فأنت عبء عليها» ولكن على الرغم من مجموعة التموضعات -والاستسلامات؛ أحيانا- التي تصاحب درجات الترقي؛ غالبا؛ إلا أن الإنسان بهمته؛ غالبا أيضا؛ يتجاوز مجموعة الإحباطات وتظل رؤيته مُشْرَئِبَّة نحو الدرجة الأعلى من السلم، وهذا ما جعل للإنسان؛ دون غيره من المخلوقات؛ أن يراكم من الإنجاز الحضاري عبر مسيرته الإنسانية، ولم يستسلم «مستكينا» في مربعه الأول، سواء في مفهوم درجات السلم العادي، أو درجات التقسيمات التي وضعها (ماسلو) ذات الخيارات الأصعب في الترقي.