باعتزاز، تابعنا إعلان الأكاديمية السلطانية للإدارة عن رؤيتها ومجالات التركيز الأساسية التي ستعمل عليها خلال المرحلة المقبلة بعد صدور المرسوم السلطاني رقم (2/2022) القاضي بإنشائها. وفي تقديرنا فإن فكرة إنشاء الأكاديمية في ذاتها ضامن لتحقيق عدد من المكتسبات أهمها: البناء على تجربة الدولة في سلطنة عُمان في مجال خبرات وممارسات التدريب والتطوير والبحث في مجالات الإدارة العامة وتطوير الكفاءات الوطنية لصياغة نموذج مركزي جامع يحدد الاتجاهات العامة لأولويات التطوير والتأهيل في حقول الإدارة العامة ويتناغم في الآن ذاته مع الأولويات الوطنية التي تنشدها الدولة في سياق رؤية عُمان 2040. عوضًا عن ذلك نفترض أن الـ 50 عامًا الفائتة من تجربة العديد من المؤسسات التي ضلعت في مجال التدريب والتأهيل في الإدارة العامة مكنت من تحديد أهم الفجوات المركزية التي تواجه حقل الإدارة العامة، وبالتالي فإن المنطلق الذي تنطلق منه تجربة الأكاديمية إنما يتوجه في الوقت ذاته إلى معالجة تلك الفجوات سواء من داخل منظومة العمل المؤسسي ذاتها أو تلك الكامنة في المحيط الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنشط فيه ممارسات الإدارة العامة.
هذه مقالة تحاول أن تضع بعض التوقعات العامة، لما نفترض أنه حاضر ومدرك لدى القيمين على الأكاديمية- وقد يُسهم ويضيف لنهج عملها والسياق العام الذي تشتغل فيه. بالنظر إلى فكرة إنشاء الأكاديمية فإننا نتوقع لها أن تكون (بيت الخبرة الوطني) الذي يحوكم عدة مجالات تتصل بعمل الحكومة المركزية والإدارات المحلية ومن تلك المجالات (طلب الاستشارات المتخصصة- الدراسات التشخيصية- طلب تطوير السيناريوهات- إعداد أوراق السياسات- الطلب على التدريب المتخصص- تنسيق النهج العلمي للمشاركة المجتمعية). وهذه الأدوار (المنتجات) ليس بالضرورة أن تكون خلال وقتٍ وجيز من إنشاء الأكاديمية وإنما من الممكن أن تكون بعد سنوات وفق حيز زمني مدرك ومحدد ضمن خارطة عملها واستراتيجيتها، بحيث تكون الكلية عبر المنتجات المذكورة ضامنًا لصياغة مدرسة خبرة وطنية أكثر فهمًا لطبيعة الاحتياجات الوطنية، وأكثر استشعارًا للواقع المحلي، وأكثر مقاربة لفهم الممكن والمتاح والمعقول في حيز الإدارة العمومية. أما التوقع الآخر فهو أن تتحول الأكاديمية عبر مشروعها الطموح إلى جزء من تكوين السمة الوطنية لعُمان في نموذجها التنموي الجديد، فحينما نتحدث عن مدرسة جون كينيدي للإدارة الحكومية أو إنسياد INSEAD في فرنسا أو كلية هاس لإدارة الأعمال Haas School of Business فنحن لا نتحدث عن مجرد مدارس متخصصة في الإدارة والبحث والتطوير، وإنما أصبحت تلك المدارس وغيرها متصلة بالسمة الوطنية Nation branding أو جزءا من مشروع تسويق الطابع الوطني، وهذا يقتضي على المدى المتوسط- البعيد التركيز على ما يمكن أن نكون نحن في سلطنة عُمان (مرجعيات) أو (مراجع تخصصية) في شؤون الإدارة وتسيير الشؤون العامة وتطوير نقاط التخصص تلك أو الخبرات إلى محتوى معرفي وبحثي يقدم للمستفيدين في الإقليم أو العالم، بمعنى أن تكون الأكاديمية مركزًا يتخطى حدود المحلية إلى تقديم منتجات معرفية وخبرات علمية (تتميز بها الخبرة العُمانية) إلى العالم. وبالتالي يتوازى تصدير وتسويق الطابع الوطني المحمول في رؤية عُمان 2040 مع تصدير خبراته ومعارفه والأنماط النظرية المتخصصة التي تأسس عليها واستطاع من خلالها التأثير الإيجابي على تغير مفاهيم القيادة وتسيير الشؤون العامة.
على مستوى النهج نتوقع أن تعزز الأكاديمية نهج دراسات التتبع (Tracking Studies) في مجالات الإدارة العامة- الذي هو في تقديرنا أحد التحديات التي تواجه منظومات الإدارة العامة- ورغم ارتباط نهج دراسات التتبع غالبًا بمجالات التسويق والعلامات التجارية إلا أن ما يعنينا هنا بنية النهج في ذاته من خلال تمكينه من قياس التغير في الاتجاهات والممارسات والأفكار والتصورات والقناعات والولاءات تجاه سياق معين خلال فترات زمنية مقارنة، وهذا حسب رؤيتنا أمر مهم بالنسبة لمجمل حقل الإدارة العامة في عُمان، فإذا أردنا التفكير بصوت عال في بعض الأسئلة التي يمكن أن يطرحها هذا النهج فقد تكون من أمثلتها: كيف تطورت أنماط تدريب القيادات الحكومية خلال الـ 50 عامًا المنصرمة من عمر الدولة؟ ويوازيه كيف تغيرت اتجاهات هذه القيادات في الإقبال على التدريب، ومستويات جاذبية البرامج، وآفاق الولاء المؤسسي الناتج عن عمليات التدريب نفسها، والأثر المرحلي المقارن الذي شكلته برامج بعينها على أداء المؤسسات العامة؟ هناك جملة من الأسئلة الموازية التي يمكن أن يطرحها هذا النهج في جزئية الإدارة العامة، ونعتقد أنه يمكن أن نسحبها لقطاعات بعينها إذا ركزنا على المجالات التي حددتها الأكاديمية كمجالات تركيز كقطاع الأعمال والإدارة المحلية. سيفيد هذا النهج في تقديرنا- إذا تم إرساؤه وتضمينه- من الكشف عن التطور التاريخي لأنماط الإدارة وتحديد الفجوات والتغلب على عنصر (الغموض Ambiguity) الذي يعتبر السمة الملازمة والرئيسية لعالم اليوم في مختلف أوجهه وسياقاته.
يحدد الكاتب فيكي كولبين سمات القيادات التي تستطيع أن تتعامل بشكل منهجي مع عالم ما يعرف بـ Vuca الذي يشير إلى الأبعاد الأربعة التي يتسم بها عالم اليوم وهي: التقلب (Volatility) وعدم اليقين (Uncertainty) والغموض (Ambiguity) والتعقيد (Complexity). وهذه السمات حسب كولبين هي:
1- القدرة على تطوير الأهداف المشتركة.
2- سرعة التعلم.
3- الوعي الذاتي.
4- القيادة من خلال التعاون والتأثير.
5- الثقة في القيادة من خلال عدم اليقين.
ومن خلال مطالعتنا لمجمل التوجهات الاستراتيجية والبرامج التي أعلنت عنها الأكاديمية فإننا نقرأ أن العناصر الخمسة السابقة مضمنة بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن أولوياتها، وأهمها الإعلان عن مركز للدراسات المستقبلية، وفي تصورنا فإن هذا المركز يمكن إلى جانب مساهمته في مراكمة أبحاث ودراسات وتوقعات وسيناريوهات للمستقبل أن يؤسس لنهج الاستشراف ذاته، وكيف يمكن أن يعاون المؤسسات الحكومية والخاصة على بناء نهج دقيق للتعاطي مع المستقبل، والاستعداد الداخلي والمؤسسي لبناء أنظمة مرنة قادرة على استدراك ما قد يحدث، والتعامل مع البدائل المعقولة للأزمات والمخاطر والتحولات.
هذه مقالة تحاول أن تضع بعض التوقعات العامة، لما نفترض أنه حاضر ومدرك لدى القيمين على الأكاديمية- وقد يُسهم ويضيف لنهج عملها والسياق العام الذي تشتغل فيه. بالنظر إلى فكرة إنشاء الأكاديمية فإننا نتوقع لها أن تكون (بيت الخبرة الوطني) الذي يحوكم عدة مجالات تتصل بعمل الحكومة المركزية والإدارات المحلية ومن تلك المجالات (طلب الاستشارات المتخصصة- الدراسات التشخيصية- طلب تطوير السيناريوهات- إعداد أوراق السياسات- الطلب على التدريب المتخصص- تنسيق النهج العلمي للمشاركة المجتمعية). وهذه الأدوار (المنتجات) ليس بالضرورة أن تكون خلال وقتٍ وجيز من إنشاء الأكاديمية وإنما من الممكن أن تكون بعد سنوات وفق حيز زمني مدرك ومحدد ضمن خارطة عملها واستراتيجيتها، بحيث تكون الكلية عبر المنتجات المذكورة ضامنًا لصياغة مدرسة خبرة وطنية أكثر فهمًا لطبيعة الاحتياجات الوطنية، وأكثر استشعارًا للواقع المحلي، وأكثر مقاربة لفهم الممكن والمتاح والمعقول في حيز الإدارة العمومية. أما التوقع الآخر فهو أن تتحول الأكاديمية عبر مشروعها الطموح إلى جزء من تكوين السمة الوطنية لعُمان في نموذجها التنموي الجديد، فحينما نتحدث عن مدرسة جون كينيدي للإدارة الحكومية أو إنسياد INSEAD في فرنسا أو كلية هاس لإدارة الأعمال Haas School of Business فنحن لا نتحدث عن مجرد مدارس متخصصة في الإدارة والبحث والتطوير، وإنما أصبحت تلك المدارس وغيرها متصلة بالسمة الوطنية Nation branding أو جزءا من مشروع تسويق الطابع الوطني، وهذا يقتضي على المدى المتوسط- البعيد التركيز على ما يمكن أن نكون نحن في سلطنة عُمان (مرجعيات) أو (مراجع تخصصية) في شؤون الإدارة وتسيير الشؤون العامة وتطوير نقاط التخصص تلك أو الخبرات إلى محتوى معرفي وبحثي يقدم للمستفيدين في الإقليم أو العالم، بمعنى أن تكون الأكاديمية مركزًا يتخطى حدود المحلية إلى تقديم منتجات معرفية وخبرات علمية (تتميز بها الخبرة العُمانية) إلى العالم. وبالتالي يتوازى تصدير وتسويق الطابع الوطني المحمول في رؤية عُمان 2040 مع تصدير خبراته ومعارفه والأنماط النظرية المتخصصة التي تأسس عليها واستطاع من خلالها التأثير الإيجابي على تغير مفاهيم القيادة وتسيير الشؤون العامة.
على مستوى النهج نتوقع أن تعزز الأكاديمية نهج دراسات التتبع (Tracking Studies) في مجالات الإدارة العامة- الذي هو في تقديرنا أحد التحديات التي تواجه منظومات الإدارة العامة- ورغم ارتباط نهج دراسات التتبع غالبًا بمجالات التسويق والعلامات التجارية إلا أن ما يعنينا هنا بنية النهج في ذاته من خلال تمكينه من قياس التغير في الاتجاهات والممارسات والأفكار والتصورات والقناعات والولاءات تجاه سياق معين خلال فترات زمنية مقارنة، وهذا حسب رؤيتنا أمر مهم بالنسبة لمجمل حقل الإدارة العامة في عُمان، فإذا أردنا التفكير بصوت عال في بعض الأسئلة التي يمكن أن يطرحها هذا النهج فقد تكون من أمثلتها: كيف تطورت أنماط تدريب القيادات الحكومية خلال الـ 50 عامًا المنصرمة من عمر الدولة؟ ويوازيه كيف تغيرت اتجاهات هذه القيادات في الإقبال على التدريب، ومستويات جاذبية البرامج، وآفاق الولاء المؤسسي الناتج عن عمليات التدريب نفسها، والأثر المرحلي المقارن الذي شكلته برامج بعينها على أداء المؤسسات العامة؟ هناك جملة من الأسئلة الموازية التي يمكن أن يطرحها هذا النهج في جزئية الإدارة العامة، ونعتقد أنه يمكن أن نسحبها لقطاعات بعينها إذا ركزنا على المجالات التي حددتها الأكاديمية كمجالات تركيز كقطاع الأعمال والإدارة المحلية. سيفيد هذا النهج في تقديرنا- إذا تم إرساؤه وتضمينه- من الكشف عن التطور التاريخي لأنماط الإدارة وتحديد الفجوات والتغلب على عنصر (الغموض Ambiguity) الذي يعتبر السمة الملازمة والرئيسية لعالم اليوم في مختلف أوجهه وسياقاته.
يحدد الكاتب فيكي كولبين سمات القيادات التي تستطيع أن تتعامل بشكل منهجي مع عالم ما يعرف بـ Vuca الذي يشير إلى الأبعاد الأربعة التي يتسم بها عالم اليوم وهي: التقلب (Volatility) وعدم اليقين (Uncertainty) والغموض (Ambiguity) والتعقيد (Complexity). وهذه السمات حسب كولبين هي:
1- القدرة على تطوير الأهداف المشتركة.
2- سرعة التعلم.
3- الوعي الذاتي.
4- القيادة من خلال التعاون والتأثير.
5- الثقة في القيادة من خلال عدم اليقين.
ومن خلال مطالعتنا لمجمل التوجهات الاستراتيجية والبرامج التي أعلنت عنها الأكاديمية فإننا نقرأ أن العناصر الخمسة السابقة مضمنة بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن أولوياتها، وأهمها الإعلان عن مركز للدراسات المستقبلية، وفي تصورنا فإن هذا المركز يمكن إلى جانب مساهمته في مراكمة أبحاث ودراسات وتوقعات وسيناريوهات للمستقبل أن يؤسس لنهج الاستشراف ذاته، وكيف يمكن أن يعاون المؤسسات الحكومية والخاصة على بناء نهج دقيق للتعاطي مع المستقبل، والاستعداد الداخلي والمؤسسي لبناء أنظمة مرنة قادرة على استدراك ما قد يحدث، والتعامل مع البدائل المعقولة للأزمات والمخاطر والتحولات.