فيصل بن سعيد العلوي

faisalalawi@

لم تكن إشادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - وتقديره للإعلام وجهود الإعلاميين في أداء رسالتهم النبيلة لتمر دون أن نوجه شكرنا الكبير وامتنانا العظيم لمقام جلالته الذي عزز في نفوسنا ذلك الدور الكبير المنوط بالإعلام في نشر الوعي والنهوض بالفكر بما يرسخ مفاهيم التسامح والوئام، والممارسة الحقة للتعبير عن الرأي وفق المبادئ الوطنية والحس الذاتي الذي يحقق المصالح الوطنية العليا قبل أن يكون القانون هو الرقيب والرادع.

إن ممارسة التعبير الذي يتشكل في ذهن الصحفي والإعلامي من خلال مكتسبات الخبرة بدءًا من الكتابة نفسها ومرورا بمطبات رفض النشر أو التعديل الذي يستهدف الوصول إلى صيغة مثلى تخاطب المتلقي بالشكل الذي تحدده التوجهات هو وعي لم يتأتَ فرضا بالعصا، بقدر ما هو كبح لفكرة شاب طموح يأمل أن يكتب بحرية مطلقة ولكن بوعي اللحظة،.. وفي الكثير من الأحيان محاولة تغيير هذا الوعي متعبة جدًا لعقلية ترى أن كل تدخل في سياقه مصادرة لرأي وكبت للحرية، وهذا الأمر يعد طبيعيًا لتلك المرحلة التي تصادمنا معها.. فكبح ذلك النزق في الواقع يستهدف صناعة اتزان عقلية شابة لتعي جيدا ما هي الحرية، أين تمارس وأين تتوقف، وليس ثمة ما يكفل ذلك إلا المواصلة والممارسة والصبر لأداء رسالة نبيلة تقف على مفاهيم عميقة هدفها الأول الحفاظ على الوطن بكل مفرداته، الحفاظ على الوطن لا يتأتى من خلال المضي قدمًا في زعزعة استقراره عبر الكلمة غير المسؤولة، ولا النيل من أفراده عبر القلم، بل لاستخدام تلك الأدوات لتكون أدوات بناء.. وكيف يكون البناء؟

الحرية المسؤولة التي تنشدها المصالح الوطنية في الواقع تتطابق مع الكتابة التي يسعى لها المتحقق لبناء وطنه، هو يشرّح الإشكاليات ويغوص في أعماق المجتمع ويقترح الحلول من خلال معطيات يراها بحسب وجهة نظره أو تتبناها نتائج استخلاصاته الاستقصائية من مفردات المجتمع، وهذه الحرية في الواقع متاحة منذ زمن لكن كل إشكالياتنا تكمن في طريقة التناول.. فنحن أمام معضلة كبرى في التعاطي مع المشكلة، وأكاد أجزم بأن العائق الكبير لتلك الممارسة مبني في مخيلتنا ورقابتنا الذاتية، بدليل أن هناك منصات إعلامية تقليدية أو حديثة تطرق باب فكرة متشابهة، يخفق أحدها في تناولها بشكل مسؤول وينجح الآخر في إيصال الطرح، يقع الأول في المحظور وينجو الآخر من ذلك، فالحرية المطلقة لا توجد إلا في الأحلام.. ونحن في بلد مستقر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشذ عن قواعد المساحات المتاحة للتعبير وفق القانون وبالبيّنة التي تتطلبها أدنى معايير المهنية.. وإن كنا نعاني من إشكاليات في سبيل الحصول على المعلومة وبعض نصوص قانون المطبوعات والنشر فأن نسمي الأشياء بمسمياتها من خلال المطالبة بتعديل الأخير والدفع لحل المعضلة الأولى، أما أن نحوم حول حمى «الحرية» وننتزع منها ما يتوافق مع أهوائنا ونعطّل ما هو عكس ذلك فهذا الواقع ليس مهنيا ولا يضر إلا بصاحبه، فالواقع أريد له أن يكون صمام أمان لوطن بأكمله، نستطيع أن نتحاور معه لنقد العمل لا الشخوص للسمو بالفكرة التي تتماس مع المصالح العامة للوطن لا الخوض في الإخفاقات والوقوف عندها، حتى ندرك في قرارة أنفسنا أن الهدف هو «الوطن» بكل مفرداته الجميلة والمثلى.

إن الوعي الثقافي بأشكاله المختلفة يشكّل الذائقة ويوسّع مدارك الفهم للحفاظ على مفردات الحضارة العمانية وتكوين صورة واقع إنسان عُمان منذ تلك الحقب في مختلف توجهاته الفكرية التي كما ذكرنا سابقًا أنها يفترض أن تكون قد تشكلت بوعي وطني حاذق من أجل البناء، ولأن الثقافة هي الروح التي تنير الكون حظيت باهتمام بالغ من المقام السامي - حفظه الله ورعاه - لتكون الجسر نحو العالم بالتسامح المعهود عند العماني وقبوله الآخر بعيدا عن منغصات العرق والشكل واللون، وكل هذه الصلابة في ذلك التشكّل لم يكن إلا نتاج ثقافة وجهد كبير بذله الأقدمون في بناء الإنسان العماني الأصيل بدينه وخلقه وعلمه، وما أحوجنا في ظل الغزو الفكري والتكنولوجي الذي يباغتنا في كل ملمح من ملامح هذه الحياة لتلك العودة التي لا تحتاج إلا وقفة تأمل وإدراك لعظمة ما حبانا الله به من نعم في هذا الوطن الكبير تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه.