للشعبوية آليات ووسائل لا يمكن تجاوزها لما تتضمن من آثار سلبية على صياغة الأهداف العامة وتوجيه النتائج مرحليا (إن اتكأت تلك الشعبوية على مصالح شخصية ومنافع فردية)، ثم تداعيات تلك النتائج على المجتمعات وحتى الدول.

ولا يخفى من هذه الآثار (على الأقل) تشتيت العمل المؤسسي المنظم في محاولةٍ لتوجيهه، بل وتغييره في كثير من الأحيان دون أي مراعاة أو تدبر لما قد يسبب كل ذلك من تعطيل لطاقات خلّاقة، أو إهدار لموارد أساسية كانت تسعى لوجهتها.

ومن تلك الآليات:

- توظيف إمكانات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في حملات شعبية تتبنى أهداف محددة متلبسةً زي الديمقراطية، ولباسَ المصلحةِ العامة، وقد يُكتفى ببعضهم ممن تحركهم المادة لتوزيع أي محتوى يتم تبنيه أيا كانت أهدافه، معيار الشعبوية في اختيار هؤلاء عدد المتابعين ودرجة التأثير بغض النظر عن المحتوى أو الوسائل.

- استغلال قضية اجتماعية معينة: كظاهرة الباحثين عن عمل بمبرراتها الاقتصادية ووتداعياتها الاجتماعية مع إمكانية توظيفها لإيهام الباحثين عن عمل والمجتمع عموما بوجود حلول سريعة، وبدائل عاجلة في حال تولي مراكز اتخاذ القرار بهدف تغيير إدارة مستهدفة، أو سعيا لفرض إدارة أخرى دون خطة واضحة أو تصور واقعي لهذه القضية العامة ووضع حلول ناجعة لها دون دراسة للبدائل الواقعية والحلول الجذرية التي تعالج الأسباب دون مجرد القفز للنتائج لتغييرها، وإذ يؤخذ العامة باستثارة العاطفة تسهل قيادة انفعالاتهم وتوجيهها إزاء قضاياها التي تعاني منها إلى بعد حين من انكشاف الشَرّك والوقوع في فخ التضليل والتجييش لمصالح شخصية آنية.

- استغلال أزمة اقتصادية محلية كانت أو عالمية؛ مثل تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي وبالتالي الاقتصاد المحلي والعمل على"شيطنة" إدارات وشخصيات عامة في ادعاء تسببها في الأزمة بهدف السعي للضغط باتجاه الوصول لمنافع شخصية، أو استبدال هذه الإدارات بإدارات مقترحة متوافقة والمصلحة الشخصية لمركز الحملة الشعبوية التي تنشط في أوانها، ولو أن تلك الجماعات المستثارة انفعاليا ركزت في الضغط بالمتابعة والمحاسبة، وتغيير الممكن من مسببات الأزمة بدلا من الضغط لتغيير الإدارة لكان ذلك أجدى وأنفع وأقوى تأثيرا محققين استدامة مأمولة لتنمية شاملة.

- تعزيز تكتلات (لوبيات) محددة ضد أخرى توجيها للضغط الشعبي على مركز اتخاذ القرار، وصولا لاستصدار قراراتٍ نفعيةٍ خدمةً لمصالحَ شخصية أو تكتلاتِ منافع عائلية أو قبلية أو حزبية (إن وجدت)وكذلك تعمل هذه التكتلات على شيطنة شخصيات معينة مقابل تجميل وتعظيم أخرى في ادعاء الحياد التام والسعي للمصلحة العامة في حين القصد الرئيس هو إحلال إدارة سابقة غير متوافقة ومصلحة مركز الشعبوية بجهة أخرى حليفة أو متوافقة أو حتى مصنوعة مدعاة.

- الشعبوية الفئوية: كشعبوية بعض المتقاعدين أو شعبوية سلطة ما بعد المنصب؛ حيث يمكن لأي فئة (أقلية أحيانا أو أكثرية) تشكيل بؤرة رئيسة لاستفزار الرأي العام وتجييش العاطفة العامة لتشتيت العمل المؤسسي بدلا من مساندته ودعمه وصولا للمصلحة العامة الحقيقية، يدعم ذلك عدم المتابعة وغياب الشفافية في شراكة صادقة بين المؤسسات والمجتمع، إذ يمكن لبعض المنتمين لهذه الفئات تحويل غضبتهم الشخصية إلى غضبة جماعية تستهدف المصلحة العامة في تقويض أهداف عامة انتصارا لشعور أو لمصلحة شخصية ترى عدم إمكانية تهميشها أو تجاوزها، ولا تؤمن بتدوير المسؤوليات ولا بتكاملية الأدوار.

- يمكن الجمع بين آليتين أو أكثر من آليات توظيف الشعبوية وصولا للأهداف الشخصية ذاتها، وسعيا لاحتكار السلطة ومركزية اتخاذ القرار بصنع هذه التكلات التوافقية التي هي إفرازات التوجيه السلبي لشعبويات مرحلية تعمل على تشتيت الجهد واستنزاف الموارد، وفوضى المتابعة والإنجاز بين ما لم يكتمل وما لم يصل وما لم يبتدئ أصلا لقياس اكتماله أو وصوله.

أما الأفضل من هذا كله في تقييد الشعبوية وتوجيهها فهو التركيز على أهداف مؤسسية محددة، متوافقة مع المصلحة المجتمعية والأهداف الوطنية، ومتابعتها تخطيطا وعملا وصولا لإنجاز مكتمل، أو تقييما لأسباب عدم الإنجاز بالمحاسبة حال التقصير والمكافأة حال الإنجاز والتغيير، والتأكيد على توزيع مربعات التخطيط طويل المدى إلى مربعات أقصر زمنيا، فالخطة العشرينية يتم تقسيمها إلى أربع خطط خمسية تيسيرا لاستمرارية التقييم والمتابعة والمحاسبة والتغيير وصولا لأهداف المرحلة العشرينية.

ولن يبلغ مجتمع ما بغيته دون الإيمان بالهدف الأسمى من تكامليته، ودون التسلح بوعي أبنائه وسعيهم جميعا لرفد مشاريعه الساعية لمصالح مشتركة و تنمية مستدامة دون تضليل مقصود، أو تشتيت ممنهج .