في اجتماع المائدة المستديرة الوزارية الذي نظمته المنظمة الدولية للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بشأن (العلوم الأساسية. العلوم بوصفها رافعة تنهض بالتنمية)، الذي عُقِد أثناء الدورة الثالثة والثلاثين للمؤتمر العام، دعت خلاله اليونسكو إلى "زيادة التركيز على تعزيز العلوم الأساسية وتعليمها من أجل نشر ثقافة العلوم باعتبارها أمرا يمهد لنشوء مجتمعات قائمة على المعرفة في أرجاء العالم"ـ حسب ما جاء في بيان اليونسكوـ.
ولهذا فقد جاء إعلان (العام 2022 سنة دولية لتسخير العلوم الأساسية لتحقيق التنمية) متسقا مع ما دعت إليه اليونسكو من ضرورة "تسخير العلم والتكنولوجيا والابتكار لأغراض التنمية"؛ باعتباره فرصة للتنمية البشرية وبناء قدرات أفراد المجتمع بما يضمن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات بشكل خاص في شتى مجالات العلوم.
إن التركيز على العلوم الأساسية التي تدعم التنمية يُسهم في استثمار تلك القدرات الابتكارية التي تحقق أهداف التنمية المستدامة، وتحسِّن الظروف المعيشية والرفاه المجتمعي، ولهذا فإن الاهتمام بهذه العلوم يُعد قاعدة أساسية لتحديد تلك الآليات الواجب اتخاذها لاستخدام المعارف ونقل التكنولوجيا بما يُعزز الأهداف التنموية في الدول، ويدعم قطاعاتها المتنوعة، بل ويُسهم في "نشر السلام عن طريق الدبلوماسية العلمية وإتاحة الاضطلاع بأنشطة تعاونية واسعة النطاق، والسعي إلى تحسين المعرفة باعتبار هذا الأمر مثلا أعلى مشترك"ـ حسب ما ورد في بيان الإعلان.
لقد نبَّه إعلان اليونسكو بتخصيص هذا العام عاماً (لتسخير العلوم الأساسية لتحقيق التنمية) إلى أهمية النظر إلى القطاعات التنموية باعتبارها كُلِّ متكامل في أهدافه وغاياته؛ ذلك لأن العلوم بارتباطها بالتقنية والتكنولوجيا ومستجدات الابتكار تُشكِّل بوابة الولوج إلى عالم تقني واسع، يعُج بالمبادرات والبرامج التي أصبحت تتنامى بشكل لافت خاصة في العام 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا (كوفيد19) الذي وجَّه العالم إلى ابتكار وسائل تقنية إبداعية واستحداث العديد من الوسائط والأدوات التي تمكِّنه من أداء وظائفه بإتقان، الأمر الذي عزَّز أهمية هذه العلوم للمجتمعات، وجعلها قاعدة أساسية للتنمية.
ولهذا فإن إعلان اليونسكو (يشدِّد) على "الدور المحوري لتطبيقات العلوم الأساسية في إحراز التقدم المنشود في ميادين الطب والصناعة والزراعة وموارد المياه وتخطيط الطاقة والبيئة والاتصالات والثقافة..."، مما يدلنا على قدرة هذه العلوم على تمكين طاقاتها من أجل تنمية القطاعات التنموية المختلفة، وبالتالي إمكانات تحقيق الأهداف الوطنية، والتكامل بين القطاعات؛ ذلك لأن (الابتكارات الجذرية) الناتجة عن العلوم الأساسية تلبي ـ حسب اليونسكو ـ " احتياجات البشر بتمكينهم من الحصول على المعلومات وتحسين الرفاه المجتمعي وتعزيز السلام بتحسين التعاون".ولأن تطبيقات هذه العلوم والابتكارات المرتبطة بها تُقدِّم حلولا إبداعية للعديد من المشكلات التنموية فإن قدرة الدول على الاستفادة منها يعتمد على مدى إيمانها بأهمية تلك العلوم وإمكانات إسهاماتها التنموية من ناحية، وقدرتها على دعمها وتمكينها من ناحية أخرى.
والحال أن العلوم الأساسية في ارتباطها بالتطورات المتسارعة التي واكبت الجائحة، والتي فرضت نفسها بوصفها إمكانات حقيقية، قادرة على تعويض العالم عمَّا خسره أثناء الجائحة، فهي وسائل لتحسين الحياة المعيشية المرتبطة برفاه المجتمع، وبالتالي تُقدِّم لهم فرصا لاكتشافات جديدة وابتكارات تناسب الاحتياجات التي أصبحت متجددة خاصة في القطاعات الحيوية التي تضررت بالجائحة. ولعل من بين القطاعات الحيوية التي ترتبط بعلاقة وثيقة بالعلوم الأساسية هي قطاع الثقافة؛ الذي يُعد اليوم من القطاعات ذات البُعد التقني والمعرفي الإبداعي، والذي ينظر إليه العالم باعتباره أحد أهم القطاعات التي ستعوِّض العالم عن خسارته أثناء الجائحة.
أعدَّت القمة العالمية للحكومات 2022 تقريرا بعنوان (السبيل إلى إحياء القطاعات الإبداعية والثقافية من جديد بعد الجائحة. مستقبل المجتمعات)؛ الذي بدأ بإبراز الدور المهم الذي يقدمه القطاع الثقافي في "الاقتصاد المستقبلي بفضل قدرته على النمو وخلق الأسواق الجديدة"؛ وأرجع ذلك إلى تلك (المركزية) الاجتماعية التي يتميز بها هذا القطاع في المجتمع، إضافة إلى تنوُّعه، ومرونته، وقدرته على التكامل مع القطاعات التنموية الأخرى.
يربط هذا التقرير القطاع الثقافي بالتنمية البشرية، وقدرته على تمكين الأفراد العاملين فيه من ناحية، وجذب الكفاءات من ناحية أخرى، غير أنه يكشف أيضا ذلك العجز الذي أصاب هذا القطاع جرَّاء الجائحة والإجراءات التي اتخذتها الدول لإنعاشه وإعادة إحيائه، وتقديم المساعدات الممكنة بما يعزِّز قدراته، وإمكانات تكامله مع القطاعات التنموية بناء على تلك المهارات التي يعتمد عليها في تطوره، وتكامله في التنمية البشرية بناءً على تلك الابتكارات والتطبيقات التي يعتمد عليها، وفي ذلك يستعرض التقرير تجارب مجموعة من الدول التي استطاعت تأسيس قطاع ثقافي مستدام اقتصاديا، ومشارك فاعل في اعتماده على العلوم الأساسية وتطبيقاتها وإمكاناتها المتعددة.
من تلك التجارب التي يستعرضها تقرير القمة العالمية للحكومات 2022، هي تجربة ألمانيا التي تُقدَّر مبيعاتها الإجمالية من قطاع الثقافة (210.1) مليار دولار أمريكي، ويبلغ عدد العاملين في القطاع (1.8) مليون، بينما بلغت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي (3.1٪)، حيث خصصت ألمانيا (ميزانية قدرها (50) مليار يورو) دعما لهذا القطاع، والذي يُعدُّ من (حُزم الدعم الأكبر للقطاع الثقافي على مستوى أوروبا). وقد استعرض التقرير مؤشرات التنمية البشرية التي كان لهذا القطاع دورا في تعزيزها؛ منها حصول ألمانيا على المرتبة السادسة في مؤشر التنمية البشرية 2020، إضافة إلى أن نسبة العمالة الماهرة من القوى العاملة في هذا القطاع بلغت (87.3٪).
إن القطاعات الثقافية الألمانية أنتجت ـ حسب التقرير ـ (1.68) مليار يورو عام 2018، (أي حوالي(3٪) من الناتج المحلي الإجمالي بعد خصم الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي والصادرات الصافية)، وهو القطاع الذي يضم (حوالي (250.000) من أصحاب المهن الحرة ومُلاَّك الشركات الصغيرة الذين يقدمون منتجاتهم وخدماتهم). غير أن هذا القطاع رغم ما واجهه من تحديات بسبب تداعيات الجائحة وأثرها الكبير على تراجع أسواقه، مما أثَّر في استدامته وتمكين مبدعيه، إلاَّ أنه استطاع بسبب الحُزم الاقتصادية المتعددة من ناحية، تخطي تلك التحديات والعمل على تنشيط الأسواق، معتمدا في ذلك على التطورات التقنية والابتكارات وربط مجالاته الثقافية المتعددة بالقطاعات الحيوية الأخرى. ولهذا فإن التقرير يوصي بالاعتماد على تلك الإمكانات التي توفرها العلوم وتلك القدرات الاقتصادية والتقنية التي تؤسس الصناعات الإبداعية وتُسهم في دعم قدراتها الابتكارية واستدامتها المالية.
والحق أن قطاع الصناعات الإبداعية والثقافية يعاني اليوم من العديد من التحديات التي تواجه الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، والأمر هنا لا يتعلق بالدعم الاقتصادي؛ حيث قدَّمت الدولة العديد من الحُزم الاقتصادية التي أسمهت في إنعاش القطاعات الاقتصادية عامة ومنها الشركات العاملة في القطاع الثقافي، ولهذا فإن تلك التحديات تتعلَّق بقدرة تلك الشركات على الابتكار والتطور الإبداعي المرتبط بالعلوم الأساسية التي يمكن عن طريقها تطوير آليات صناعاتهم الإبداعية وتنميتها بما يتناسب مع متطلبات الأسواق المحلية والإقليمية. إن قدرة القطاع الثقافي على الإبداع والابتكار وتأسيس مجموعة من الشراكات على مستوى القطاعات الحيوية الأخرى ذات البُعد التقني، سيوفر قاعدة أساسية لنمو الصناعات الإبداعية وتطورها، ولهذا فإن من مسؤليتنا إيجاد هذه القاعدة ضمن مشروع وطني قادر على بناء المهارات والقدرات التي تجمع بين أقطاب الإبداع الثقافي ونخبه الذين يملكون الموهبة وبين المتخصصين التقنيين المبدعين في مجالات التكنولوجيا المختلفة، وبين المستثمرين المؤمنين بأهمية هذا القطاع الواعد، ليشكلوا جميعا فريقا قادرا على صناعة التغيير في هذا القطاع وإنعاشه وتطوير مفاهيمه.
إن العالم اليوم يتطلع إلى العلوم الأساسية باعتبارها رافعة تنموية قادرة على دعم القطاعات التنموية كلها خاصة القطاع الثقافي الذي تجمعه مع التقنية والابتكار روابط وعلاقات قائمة على فكر الإبداع نفسه، وإمكاناته على دعم التنمية البشرية وإحداث الأثر الاجتماعي والاقتصادي المستدام، بل قدرته على تطوير رأس المال الفكري وتنميته، ولعل هذا ما دفع (بيتر بازالجيت) الرئيس التنفيذي لشبكة آي تي في التلفزيونية في المملكة المتحدة في إحدى تصريحاته إلى القول: (إذا فكَّرنا بالسنوات الخمس المقبلة، ما القطاعات التي يجب علينا الوقوف خلفها؟ وأين بالإمكان تحقيق النمو في عدد الوظائف عالية القيمة؟ فمن البديهي أن تكون الإجابة عن السؤالين هي القطاعات الإبداعية)
ولهذا فقد جاء إعلان (العام 2022 سنة دولية لتسخير العلوم الأساسية لتحقيق التنمية) متسقا مع ما دعت إليه اليونسكو من ضرورة "تسخير العلم والتكنولوجيا والابتكار لأغراض التنمية"؛ باعتباره فرصة للتنمية البشرية وبناء قدرات أفراد المجتمع بما يضمن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات بشكل خاص في شتى مجالات العلوم.
إن التركيز على العلوم الأساسية التي تدعم التنمية يُسهم في استثمار تلك القدرات الابتكارية التي تحقق أهداف التنمية المستدامة، وتحسِّن الظروف المعيشية والرفاه المجتمعي، ولهذا فإن الاهتمام بهذه العلوم يُعد قاعدة أساسية لتحديد تلك الآليات الواجب اتخاذها لاستخدام المعارف ونقل التكنولوجيا بما يُعزز الأهداف التنموية في الدول، ويدعم قطاعاتها المتنوعة، بل ويُسهم في "نشر السلام عن طريق الدبلوماسية العلمية وإتاحة الاضطلاع بأنشطة تعاونية واسعة النطاق، والسعي إلى تحسين المعرفة باعتبار هذا الأمر مثلا أعلى مشترك"ـ حسب ما ورد في بيان الإعلان.
لقد نبَّه إعلان اليونسكو بتخصيص هذا العام عاماً (لتسخير العلوم الأساسية لتحقيق التنمية) إلى أهمية النظر إلى القطاعات التنموية باعتبارها كُلِّ متكامل في أهدافه وغاياته؛ ذلك لأن العلوم بارتباطها بالتقنية والتكنولوجيا ومستجدات الابتكار تُشكِّل بوابة الولوج إلى عالم تقني واسع، يعُج بالمبادرات والبرامج التي أصبحت تتنامى بشكل لافت خاصة في العام 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا (كوفيد19) الذي وجَّه العالم إلى ابتكار وسائل تقنية إبداعية واستحداث العديد من الوسائط والأدوات التي تمكِّنه من أداء وظائفه بإتقان، الأمر الذي عزَّز أهمية هذه العلوم للمجتمعات، وجعلها قاعدة أساسية للتنمية.
ولهذا فإن إعلان اليونسكو (يشدِّد) على "الدور المحوري لتطبيقات العلوم الأساسية في إحراز التقدم المنشود في ميادين الطب والصناعة والزراعة وموارد المياه وتخطيط الطاقة والبيئة والاتصالات والثقافة..."، مما يدلنا على قدرة هذه العلوم على تمكين طاقاتها من أجل تنمية القطاعات التنموية المختلفة، وبالتالي إمكانات تحقيق الأهداف الوطنية، والتكامل بين القطاعات؛ ذلك لأن (الابتكارات الجذرية) الناتجة عن العلوم الأساسية تلبي ـ حسب اليونسكو ـ " احتياجات البشر بتمكينهم من الحصول على المعلومات وتحسين الرفاه المجتمعي وتعزيز السلام بتحسين التعاون".ولأن تطبيقات هذه العلوم والابتكارات المرتبطة بها تُقدِّم حلولا إبداعية للعديد من المشكلات التنموية فإن قدرة الدول على الاستفادة منها يعتمد على مدى إيمانها بأهمية تلك العلوم وإمكانات إسهاماتها التنموية من ناحية، وقدرتها على دعمها وتمكينها من ناحية أخرى.
والحال أن العلوم الأساسية في ارتباطها بالتطورات المتسارعة التي واكبت الجائحة، والتي فرضت نفسها بوصفها إمكانات حقيقية، قادرة على تعويض العالم عمَّا خسره أثناء الجائحة، فهي وسائل لتحسين الحياة المعيشية المرتبطة برفاه المجتمع، وبالتالي تُقدِّم لهم فرصا لاكتشافات جديدة وابتكارات تناسب الاحتياجات التي أصبحت متجددة خاصة في القطاعات الحيوية التي تضررت بالجائحة. ولعل من بين القطاعات الحيوية التي ترتبط بعلاقة وثيقة بالعلوم الأساسية هي قطاع الثقافة؛ الذي يُعد اليوم من القطاعات ذات البُعد التقني والمعرفي الإبداعي، والذي ينظر إليه العالم باعتباره أحد أهم القطاعات التي ستعوِّض العالم عن خسارته أثناء الجائحة.
أعدَّت القمة العالمية للحكومات 2022 تقريرا بعنوان (السبيل إلى إحياء القطاعات الإبداعية والثقافية من جديد بعد الجائحة. مستقبل المجتمعات)؛ الذي بدأ بإبراز الدور المهم الذي يقدمه القطاع الثقافي في "الاقتصاد المستقبلي بفضل قدرته على النمو وخلق الأسواق الجديدة"؛ وأرجع ذلك إلى تلك (المركزية) الاجتماعية التي يتميز بها هذا القطاع في المجتمع، إضافة إلى تنوُّعه، ومرونته، وقدرته على التكامل مع القطاعات التنموية الأخرى.
يربط هذا التقرير القطاع الثقافي بالتنمية البشرية، وقدرته على تمكين الأفراد العاملين فيه من ناحية، وجذب الكفاءات من ناحية أخرى، غير أنه يكشف أيضا ذلك العجز الذي أصاب هذا القطاع جرَّاء الجائحة والإجراءات التي اتخذتها الدول لإنعاشه وإعادة إحيائه، وتقديم المساعدات الممكنة بما يعزِّز قدراته، وإمكانات تكامله مع القطاعات التنموية بناء على تلك المهارات التي يعتمد عليها في تطوره، وتكامله في التنمية البشرية بناءً على تلك الابتكارات والتطبيقات التي يعتمد عليها، وفي ذلك يستعرض التقرير تجارب مجموعة من الدول التي استطاعت تأسيس قطاع ثقافي مستدام اقتصاديا، ومشارك فاعل في اعتماده على العلوم الأساسية وتطبيقاتها وإمكاناتها المتعددة.
من تلك التجارب التي يستعرضها تقرير القمة العالمية للحكومات 2022، هي تجربة ألمانيا التي تُقدَّر مبيعاتها الإجمالية من قطاع الثقافة (210.1) مليار دولار أمريكي، ويبلغ عدد العاملين في القطاع (1.8) مليون، بينما بلغت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي (3.1٪)، حيث خصصت ألمانيا (ميزانية قدرها (50) مليار يورو) دعما لهذا القطاع، والذي يُعدُّ من (حُزم الدعم الأكبر للقطاع الثقافي على مستوى أوروبا). وقد استعرض التقرير مؤشرات التنمية البشرية التي كان لهذا القطاع دورا في تعزيزها؛ منها حصول ألمانيا على المرتبة السادسة في مؤشر التنمية البشرية 2020، إضافة إلى أن نسبة العمالة الماهرة من القوى العاملة في هذا القطاع بلغت (87.3٪).
إن القطاعات الثقافية الألمانية أنتجت ـ حسب التقرير ـ (1.68) مليار يورو عام 2018، (أي حوالي(3٪) من الناتج المحلي الإجمالي بعد خصم الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي والصادرات الصافية)، وهو القطاع الذي يضم (حوالي (250.000) من أصحاب المهن الحرة ومُلاَّك الشركات الصغيرة الذين يقدمون منتجاتهم وخدماتهم). غير أن هذا القطاع رغم ما واجهه من تحديات بسبب تداعيات الجائحة وأثرها الكبير على تراجع أسواقه، مما أثَّر في استدامته وتمكين مبدعيه، إلاَّ أنه استطاع بسبب الحُزم الاقتصادية المتعددة من ناحية، تخطي تلك التحديات والعمل على تنشيط الأسواق، معتمدا في ذلك على التطورات التقنية والابتكارات وربط مجالاته الثقافية المتعددة بالقطاعات الحيوية الأخرى. ولهذا فإن التقرير يوصي بالاعتماد على تلك الإمكانات التي توفرها العلوم وتلك القدرات الاقتصادية والتقنية التي تؤسس الصناعات الإبداعية وتُسهم في دعم قدراتها الابتكارية واستدامتها المالية.
والحق أن قطاع الصناعات الإبداعية والثقافية يعاني اليوم من العديد من التحديات التي تواجه الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، والأمر هنا لا يتعلق بالدعم الاقتصادي؛ حيث قدَّمت الدولة العديد من الحُزم الاقتصادية التي أسمهت في إنعاش القطاعات الاقتصادية عامة ومنها الشركات العاملة في القطاع الثقافي، ولهذا فإن تلك التحديات تتعلَّق بقدرة تلك الشركات على الابتكار والتطور الإبداعي المرتبط بالعلوم الأساسية التي يمكن عن طريقها تطوير آليات صناعاتهم الإبداعية وتنميتها بما يتناسب مع متطلبات الأسواق المحلية والإقليمية. إن قدرة القطاع الثقافي على الإبداع والابتكار وتأسيس مجموعة من الشراكات على مستوى القطاعات الحيوية الأخرى ذات البُعد التقني، سيوفر قاعدة أساسية لنمو الصناعات الإبداعية وتطورها، ولهذا فإن من مسؤليتنا إيجاد هذه القاعدة ضمن مشروع وطني قادر على بناء المهارات والقدرات التي تجمع بين أقطاب الإبداع الثقافي ونخبه الذين يملكون الموهبة وبين المتخصصين التقنيين المبدعين في مجالات التكنولوجيا المختلفة، وبين المستثمرين المؤمنين بأهمية هذا القطاع الواعد، ليشكلوا جميعا فريقا قادرا على صناعة التغيير في هذا القطاع وإنعاشه وتطوير مفاهيمه.
إن العالم اليوم يتطلع إلى العلوم الأساسية باعتبارها رافعة تنموية قادرة على دعم القطاعات التنموية كلها خاصة القطاع الثقافي الذي تجمعه مع التقنية والابتكار روابط وعلاقات قائمة على فكر الإبداع نفسه، وإمكاناته على دعم التنمية البشرية وإحداث الأثر الاجتماعي والاقتصادي المستدام، بل قدرته على تطوير رأس المال الفكري وتنميته، ولعل هذا ما دفع (بيتر بازالجيت) الرئيس التنفيذي لشبكة آي تي في التلفزيونية في المملكة المتحدة في إحدى تصريحاته إلى القول: (إذا فكَّرنا بالسنوات الخمس المقبلة، ما القطاعات التي يجب علينا الوقوف خلفها؟ وأين بالإمكان تحقيق النمو في عدد الوظائف عالية القيمة؟ فمن البديهي أن تكون الإجابة عن السؤالين هي القطاعات الإبداعية)