لم يكن فلاديمير بوتين الوحيد الذي أخطأ. كان الكثيرون يشاركون الزعيم الروسي افتراضه بأن جيوشه ستقهَر أوكرانيا في بضعة أيام. ونفس وكالات الإستخبارات الغربية التي صحَّ توقعُها بأن روسيا ستغزو أوكرانيا اعتقدت أيضا باحتمال أن يحقق بوتين انتصارا سريعا.

لكن بعد ما يقرب من ثلاثة شهور من بداية الحرب لم غاصت القوات الروسية في مستنقع القتال وتعرضت إلى خسائر ثقيلة. وتتفاقم عزلة روسيا الدولية مع تأكيد سعي فنلندا والسويد إلى الإنضمام لحلف الناتو.

هنالك الآن الكثير من الحديث عن عدم كفاءة القوات الروسية. لكن ربما ليس مطلوبا البحث عن تفسير خاص لمشاكلها. ففي الأزمنة الحديثة عندما تغزو القوى الكبرى بلدانا صغيرة عادة ما ينتهي بها الأمر إلى الخسارة. فشلت أمريكا في فيتنام وأفغانستان والعراق. كما انسحبت بسرعة وبطريقة مهينة بعد تدخلات أقل من ذلك في الصومال ولبنان. أيضا فشل الإتحاد السوفييتي في أفغانستان. وتفشل روسيا الآن في أوكرانيا.

من بين الأشياء الأشد غموضا في السياسة الدولية كما يلاحظ الأكاديمي الهندي براتاب بهانو ميهتا "أن البلدان القوية رغم سجلها البائس في كسب الحروب غير المتكافئة تستمر في الإعتقاد بأنها يمكنها أن تفعل ذلك."

هنالك بلد قوي قاوم إغراء شن حرب طوال الأربعين عاما الماضية. إنه الصين. تلقى الصينيون لطمة قاسية عندما غزوا فيتنام في عام 1979. ومنذ تلك التجربة تحلَّت بيجينج بالحكمة ونأت بنفسها عن الحرب. وبالتركيز على التنمية الإقتصادية أحدثت الصين تحولا في اقتصادها ومجتمعها. وصارت أقوى بلد في العالم بعد الولايات المتحدة.

لكن في السنوات الأخيرة كشفت حكومة الصين وشعبها عن شوق لميدان القتال. فقد ضخت الأموال في قواتها المسلحة. وتزايدت التمارين العسكرية المهددة بالقرب من تايوان. وتصاعدت شعبية مشاهدة الأفلام الحربية في دور السينما.

تجارب روسيا في أوكرانيا تشير إلى أن الصين سترتكب خطأ كارثيا إذا استسلمت لإغراء خوض حرب قصيرة ومجيدة. فحين يبدأ إطلاق النار نادرا ما تمضي الأمور حسبما هو مخطط لها. يقول المؤرخ آدم توز "بخلاف حروب التحرير الوطني يصعب ذكرُ حربٍ عدوانية وحيدة منذ عام 1914 حققت نتائح إيجابية واضحة لمن يبادر بها". فالشعوب التي تدافع عن بلادها عادة ما يكون لديها حافز أقوى من الجيش الغازي.

تشكلت سمعة روسيا وجبروتها العسكري في الحروب الدفاعية ضد نابليون وهتلر. لكنها الآن هي المعتدي. والأوكرانيون هم من اختيروا لأداء دور المدافعين الأبطال عن أرض الوطن. هذا الدور الذي سبق أن لعبه الروس في 1812 (ضد نابليون) و1942 (ضد هتلر).

أمكن لأوكرانيا، كبلد يدافع عن بقائه، التمسك ببقاء كل الرجال البالغين داخل البلاد من أجل القتال. هذا فيما لايزال على روسيا التظاهر لشعبها بأنها تنفذ "عملية عسكرية خاصة" لا تستلزم إعلان التعبئة العامة.

كلما طال أمد الحرب كلما صارت أكثر إنهاكا للجيش الغازي. وحتى إذا احتل هذا الجيش العاصمة مثلما فعل الأمريكان في العراق وأفغانستان فإنه غالبا ما يواجه تمردا مستنزفا لقواه وستدعمه بكل سرور وفي شماتة قوى خارجية.

الحرب الخاسرة لديها أيضا آثار بالغة الضرر في الداخل. لقد مات ما يزيد عن 15 ألف من الجنود والمتعاقدين الأمريكيين في حربي العراق وأفغانستان. وانتحر ضعف هؤلاء لاحقا. كما جرح مئات الآلاف مع ما نجم عن ذلك من آثار في المجتمع والسياسة.

ويبدو أن الإستثناءات القليلة لقاعدة خسارة القوى العظمي للحروب الصغيرة تحدث عندما يكون القتال والهدف محدودَين بوضوح. وإذا كانت الحرب حقا عملية عسكرية خاصة (إذا استخدمنا المصطلح الماكر الذي وصف به بوتين غزو أوكرانيا) سيكون النجاح حينها ممكنا.

في حرب الخليج عام 1991 حصر التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة أهدافه في طرد عراق صدام حسين من الكويت. وعندما حاولت واشنطن الذهاب بعيدا في حرب الخليج الثانية عام 2003 إلى حد إطاحة صدام واحتلال العراق انهارت الخطة. وارتكز تدخل الناتو الناجح في كوسوفو عام 1999 على القوة الجوية في دعم مقاتليها.

ربما تجعل التحولات في التكنولوجيا العسكرية الأمور في غير صالح الجيش الغازي الآن، كما أشار ماكس بوت مؤخرا في مقال بصحيفة واشنطن بوست. فتكنولوجيا المعلومات والطائرات المسيَّرة يمكنها أن تحدد بدقة تحركات القوة المهاجمة وإصابتها بالصواريخ الدقيقة التوجيه. هذا التحول في التكنولوجيا قد يفسر جزئيا خسائر روسيا الثقيلة في معارك كييف وإقليم دونباس.

حتى الحرب ضد جارٍ أصغر وأضعف، كما تكتشف روسيا الآن، يمكن أن تنتهي إلى نتيجة غير مرغوبة. أما الحروب الكبيرة فتعني الكارثة. بل حتى الإنتصار الشكلي يمكن أن يخلِّف وراءه دمارا اقتصاديا واجتماعيا. فقد خرجت بريطانيا منتصرة في الحرب العالمية الثانية لكنها لم تستعد أبدا مكانتها كقوة عظمي.

وكما استنتج المؤرخ أيه جيه بي تايلور لاحقا، "أنْ يكون بلدٌ ما قوةً عظمى يعني أن يكون قادرا على خوض حرب عظمى. لكن الطريقة الوحيدة لأن يظل هذا البلد قوة عظمى هي ألا يخوض حربا عظمى".

تلك المفارقة تحدث الآن بتمامها في أوكرانيا. لقد أشرف بوتين على تحشيدٍ عسكري طوال عقد من الزمان. ثم شن حربا لتأكيد مكانة روسيا مجددا كقوة عظمى. لكن بدلا عن ذلك من المرجَّح أن تخرج روسيا من الحرب أفقر وأضعف وأهوَن شأنا إلى حدٍّ بعيد. حرب بوتين ليست فقط جريمة. إنها غلطة أيضا.

• جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز