تتواصل أعمال ملتقى بيت الزبير الفلسفي الأول في يومه الثاني، بمشاركة الباحثين والمفكرين، حيث استضاف مبنى مؤسسة بيت الزبير جلستين نقاشيتين في مسرح بيت النهضة. واستهلت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور سعود الزدجالي بورقة عمل حملت عنوان "إشكاليات التعددية الثلاث التأويلية والإبيستمولوجية والأنتروبولوجية.. مقاربة نقدية" قدمها الأستاذ الدكتور مشير باسيل عون، وتناول فيها التعددية في أصولها الفلسفية القصية، ومن أبرزها التعددية الثقافية الأوسع التي تحتضن تصورات الوجود الفكرية الأشمل، مشيرا إلى أن التعددية في جوهرها تنشأ من الاختبارات الأساسية التي ينطوي عليها الوجدان الإنساني، الفردي والجماعي، في اللغة والحقيقة والهوية، واستجلاء الإشكال التكويني المتعلق بكل بنية، فضلا عن استخراج السبل التي يمكنها أن ترعى الانتظام الانسجامي في قرائن المجال العمومي أو الفضاء المشترك المنبسط في نطاق المدينة الإنسانية الواحدة.

ونبه عون إلى أن التعددية حقيقة تاريخية، ولا يعقل أن ينشأ اجتماع إنساني كوني يفكر فيه الناس ويتكلمون ويتصرفون على النحو عينه، وحتى العولمة لم تخضع الناس لأساليبها وأنماطها وطرائقها. وليس لهذا التنوع أي ارتباط بانعطابية الصلاح الإنساني، إذ إن الاختلاف في اختبار معاني الوجود يلازم الحياة الإنسانية منذ التبرعم الاجتماعي الأول.

أما ورقة العمل الثانية فحملت عنوان "العقل بين الفلاسفة وعلماء الأصول.. قراءة نقدية"، قدمها الأستاذ الدكتور رضوان السيد الذي تطرق إلى الأبعاد المعرفية والأخلاقية والسياسية، ابتداء من مذاهب الفلاسفة المسلمين.

وناقش السيد رؤية الفلاسفة بجوهرية العقل ومفارقته، والعقل المتفرد السائس والمدبر، وعقل الغريزة، وعقل الجماعة، وعقل الغريزة من خلال التوجه الأخلاقي والقيمي، وعقل المعارف الاضطرارية، وعقل المصالح الضرورية، مبينا أن هناك خلافا حول ماهية العقل بين الذين رأوا أنه جوهر بسيط صادر عن العقل الفعال، والذين قالوا إنه غريزة وظيفية في الإنسان مثل الغرائز الأخرى، وقد ترتب على ذلك مصير الفلاسفة إلى مقولة المدينة الفاضلة وسعادتها ومصير المتكلمين والفقهاء إلى تقسيم العقل إلى مطبوع ومسموع. وبتتبعنا مصائر مفكري عقل الغريزة أو الفطرة، وجدنا أنه بعد مرحلة أخلاقية وقيمية، تلاقت الآراء على مقولة المصالح الضرورية، مضيفا إن من المصالح الضرورية اشتقت بحوث مقاصد الشريعة، وبحوث وممارسات السياسة الشرعية، وبحوث المقاصد تضع ضروريات الحياة الإنسانية في أفق الكليات، أما بحوث السياسة الشرعية فتمضي باتجاه تقوية سلطة الدولة، من أجل صون حياة الناس ومصالحهم تبعا لالتقاء الشرع والعقل والتجربة على مثال العدل.

أما الجلسة الثانية التي أدارتها إيمان بدر، فطرح فيها علي الرواحي ورقة عمل حملت عنوان "هابرماس في الفكر العربي المعاصر"، قال فيها: بعد مضي ما يقارب الأربعين عاما من صدور العمل الشهير نظرية الفعل التواصلي للفيلسوف الألماني يورجن هابرماس باللغة الأصلية أي الألمانية في عام 1981م، صدرت الترجمة العربية لهذا العمل في العام 2020م، في حين صدرت الترجمة إلى اللغة الإنجليزية لهذا العمل عام 1984م للجزء الأول وعام 1987م للجزء الثاني، وهي فترات زمنية تكشف لنا الكثير عن التواصل الفلسفي بين اللغات والأفكار وعن حيوية الحقل الفلسفي في الثقافات المستضيفة.

وتطرق الرواحي في ورقته إلى عدد من المحاور أهمها الفارق الزمني "الكرونولوجي" بين كتب هابرماس في اللغة الأصلية/الألمانية وبين الترجمات العربية، وإن أمكن بين الترجمات للغة الإنجليزية وغيرها من اللغات، كما سلط الضوء على الأعمال الأساسية الأخرى لهابرماس والتي لم تترجم للغة العربية.