يذكر الكاتب الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، في كتابه (خريف الخريف)،أن نكسة 1967ونتائجها التي انتهت بنكسة عسكرية للعرب، كان بداية الفوران للإسلام السياسي، فقد «ساعدت حرب 1967 والنتائج التي ترتبت عليها في حقن هذا الفوران المصري بجرعة من العنف كان من الخطأ إغفال تأثراتها(...) كان مسرح الإسلام السياسي يتسع، وكان اتساعه يفسح الطريق أمام موجة جديدة من العودة للأصول الإسلامية، كان الإسلام هو الملاذ الأخير لكل هؤلاء الذين راحواـ في ظروف الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ـ يبحثون جميعاً عن يقين مطلق يعتصمون به في أجواء حافلة بمتناقضات العصر كله ما يجري في مصر بالذات». ولا شك أن مصر الكبيرة تعد مصدر التلقي من كل الوطن العربي، وحتى الإسلامي، بحكم مكانتها وتأثيرها، فالتأثر والتأثير معروفة كون الجميع يتلقى الفكر والرؤى من مصدر واحد، لكن يبقى الأخذ والعطاء في مسائل المفاهيم والتأويل الخ:، وهذه مسائل مر بها تاريخ الفكر الإسلامي، ويضيف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في هذا الكتاب:«كانت العودة إلى الدين طلباً لليقين حركة طبيعية، وبدأ ذلك وحده ـ أمام عناصر جديدة خصوصاً بين الشباب ـ وكأنه السبيل الوحيد إلى الخلاص. وراح ما اصطلح على تسميته «بالأصولية الإسلامية»يشكل قوة جذب غلابة تشد كثيرين أن«الأصولية الإسلامية» في جوهرها كانت ـ كما يشير منطق اللفظ ـ تمثل عودة للأصول الأولى للإسلام بالنقاء الذي كانت عليه حين تنًزل وحي السماء على «محمد بن عبد الله»(صلى الله عليه وسلم).لم تكن رسالة «محمد» قاصرة على مجرد العقائد الدينية، ولكنها أيضاً كانت ترسم منهاجاً لتنظيم المجتمع وسلوك أفراده. إن الإسلام ـ كما يضيف هيكل ـ حدد علاقات الإنسان بربه، كما حدد أيضاً علاقته مع غيره من البشر. ولم يكن التنظيم الاجتماعي صالحاً فقط لأهله وبلادهم، وإنما صالحاً لكل الناس في كل زمان ومكان، ومن هنا اتخذت العقيدة الإسلامية طابعها الشامل والمتكامل».
من هذه المنطلقات التي برزت لظهور التيارات الجهادية، بعد انشطار تلك الجماعات المسمى بالسلفية الجهادية وتعدد توجهاتها الفكرية والدينية، بدأ ـ كما يقول محمد حسنين هيكل ـ :«مسرح الإسلام السياسي يتسع، وكان اتساعه يفسح الطريق أمام موجة جديدة من العودة إلى الأصولية لإسلامية. كان الإسلام هو الملاذ الأخير لكل هؤلاء الذين راحوا ـ في ظروف الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي بدأت تسود في مصر ـ يبحثون جميعاَ عن يقين مطلق يعتصمون به في أجواء حافلة بمتناقضات العصر كله». والواقع اتساع موجات الجماعات الإسلامية، كانت ظاهرة لافتة في العالم كله، لكن الملاحظ أن هذه العودة للدين ـ بغض النظر عن الغلو أو التطرف، أو التوسط والاعتدال ـ تدعو للنظر والتأمل، لكن العديد من المحللين والمتابعين، يرون أن فشل الإيديولوجيات الفكرية المعاصرة التي تستمد رؤيتها من النظريات الغربية،هي التي جعلت العودة كبيرة لردة الفعل، إنما التدين نفسه موجود لكنه بصورة خامدة، إنما تأثر الكثيرون بالنظريات الأخرى التي اخترقت الواقع العربي/ الإسلامي، خاصة بعد الاحتلال الغربي، ومحاولة تغريب المجتمعات بفكرها، وهذا ما حصل.
لكن الإشكال أن ردة الفعل عند بعض هذه التيارات التي رفعت شعار الإسلام والجهاد لإقامة الدين، غالت كثيراً من الأفكار والتوجهات، واتسمت بالعنف في التغيير، وهذه مسألة خطيرة جداً، لأنها اتخذت طريقاً أدى إلى العنف ضد مسلمين آخرين! وهذا من ناحية القيم الإسلامية الثابتة مرفوض ومخالف لما جاءت به النصوص القطعية. ولا شك أن ظاهرة الغلو والعنف في التغيير، ظاهرة لها أسباب عديدة، وليس سبباً واحداً، كما يراه البعض من المهتمين بظاهرة التطرف، وتم ربطها في الجانب الاقتصادي وحده، وهذا ليس دقيقاً، ومن الإنصاف أن تكون النظرة إليها شاملة ومتوازنة وليس حادة وقاطعة في مسألة واحدة، ولا تقف عند عامل واحد فقط ، ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى التي ربما تكون هي العامل الحاسم في هذه المشكلة أو الظاهرة التي تجتاح العالم كله، وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط . فالبعض يرجع قضية الإرهاب والتطرف إلى الجهل وقلة العلم والفهم بأمور الدين والدنيا والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج الفقر والبطالة في العديد من المجتمعات العربية والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج القمع السياسي والاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية ويراها البعض الآخر مشكلة نفسية واجتماعية و أسرية..الخ. فالتطرف والغلو والتكفير، له أسباب عديدة، وبعض هذا الإرهاب أنه يقتاد ويستفيد من عدم الاستقرار والتوترات السياسية الداخلية ،ويستفيد بعضها من القمع والاستبداد، والمظلومية، ليكسب أنصاراً تحت هذه الظروف والأسباب التي يتذرع بها لحشد بعض الشباب الغض والقليل العلم والمعرفة ،وأصبح شعار الإرهاب الآن سيفاً مسلطاً بلا معايير دقيقة لتقييده وضبطه على أسس صحيحة وقانونية، وهذه إشكالية ربما تساعد في ازدهار الإرهاب لا استئصاله.
ولا شك أن هذه الجماعات التي اتخذت العنف طريقاً تحت مسمى الجهاد، لا تملك الفهم الصحيح للدين، وتأولت الكثير من الآيات والأحاديث للخروج من خطأ هذه الأفعال، التي لا تمت للجهاد بصلة، والجهاد لا يكون هكذا منحرفا عن طريقه وظروفه واستحقاقاته،فهو يتجه للدفاع عن الأوطان والاحتلال، وليس إلى قتل الناس في داخل الأمة لمجرد الاختلاف أو التوهم بأن هذا ما يريده الإسلام، وهذا يخالف حقائقه الصحيحة، وهو أنه تعصب مقيت ومرفوض تماماً مهما رفعت هذه الشعارات للتهييج وتحريف ما هو واضح وجلي في رؤية ديننا الحنيف، و يرى العلامة د. يوسف القرضاوي أن هذه الأفعال هي عين:«التعصب المقيت الذي يثبت المرء فيه نفسه، وينفي كل من عداه، هو الذي نراه من دلائل التطرف حقاً، فالمتطرف كأنما يقول لك: من حقي أن أتكلم.. ومن واجبك أن تسمع،ومن حقي أن أقود.. ومن واجبك أن تتبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب.. وبهذا لا يمكن أن يلتقي بغيره أبداً، لأن اللقاء يمكن ويسهل في منتصف الطريق ووسطه، وهو لا يعرف الوسط ولا يعترف به، فهو مع الناس كالمشرق والمغرب، لا تقترب من أحدهما إلا بمقدار ما تبتعد من الآخر. ويزداد الأمر خطورة حين يراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة، والعصا الغليظة هنا قد لا تكون من حديد ولا خشب، فهناك الاتهام بالابتداع أو بالاستهتار بالدين، أو بالكفر والمروق - والعياذ بالله- فهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفاً وتهديداً من الإرهاب الحسي».
فبعض الشباب يبدأ حياته عادياً وخالياً من الغلو والنظرة القاسية للحياة، والتذمر ثم ينقلب، ويرى د.أحمد كمال أبو المجد ، في تحليل ما يقع من تطرف وغلو :«التطرف الديني يبدأ«الفرد» متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الإسلام ومبادئه وآدابه ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك.. وهذا مسلك حسن وتوجه لا يملك المجتمع إزاءه إلا التعبير عن الرضا والتشجيع ثم يواصل المتدين، مسيرته متجهاً نحو التشدد مع نفسه ومع الناس.. ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتابعه في مسيرته.. وقد يجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته». ولذلك ،كما يضيف أبو المجد أن من:«حق المجتمع في وضع حد لتطرف المتطرفين ومصادرة نشاطهم يرجع إلى أن التطرف يصل بأصحابه إلـى الاصطدام بعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية غير القاعدة التي بالغوا في ممارستها والأخذ بها. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة دينية وأخلاقية يستحق أصحابها الثناء،ولكن المضي في ممارستها بغير حدود ولا ضوابط من شأنه أن يدفع بهؤلاء الآمرين والناهين إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم وحقوقهم» . فكيف ظهر هذا الغلو والتطرف الفكري والسلوكي عند بعض الجماعات المتطرفة؟ ولماذا ظهر وانتشر بهذه السرعة،وللحديث بقية..
من هذه المنطلقات التي برزت لظهور التيارات الجهادية، بعد انشطار تلك الجماعات المسمى بالسلفية الجهادية وتعدد توجهاتها الفكرية والدينية، بدأ ـ كما يقول محمد حسنين هيكل ـ :«مسرح الإسلام السياسي يتسع، وكان اتساعه يفسح الطريق أمام موجة جديدة من العودة إلى الأصولية لإسلامية. كان الإسلام هو الملاذ الأخير لكل هؤلاء الذين راحوا ـ في ظروف الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي بدأت تسود في مصر ـ يبحثون جميعاَ عن يقين مطلق يعتصمون به في أجواء حافلة بمتناقضات العصر كله». والواقع اتساع موجات الجماعات الإسلامية، كانت ظاهرة لافتة في العالم كله، لكن الملاحظ أن هذه العودة للدين ـ بغض النظر عن الغلو أو التطرف، أو التوسط والاعتدال ـ تدعو للنظر والتأمل، لكن العديد من المحللين والمتابعين، يرون أن فشل الإيديولوجيات الفكرية المعاصرة التي تستمد رؤيتها من النظريات الغربية،هي التي جعلت العودة كبيرة لردة الفعل، إنما التدين نفسه موجود لكنه بصورة خامدة، إنما تأثر الكثيرون بالنظريات الأخرى التي اخترقت الواقع العربي/ الإسلامي، خاصة بعد الاحتلال الغربي، ومحاولة تغريب المجتمعات بفكرها، وهذا ما حصل.
لكن الإشكال أن ردة الفعل عند بعض هذه التيارات التي رفعت شعار الإسلام والجهاد لإقامة الدين، غالت كثيراً من الأفكار والتوجهات، واتسمت بالعنف في التغيير، وهذه مسألة خطيرة جداً، لأنها اتخذت طريقاً أدى إلى العنف ضد مسلمين آخرين! وهذا من ناحية القيم الإسلامية الثابتة مرفوض ومخالف لما جاءت به النصوص القطعية. ولا شك أن ظاهرة الغلو والعنف في التغيير، ظاهرة لها أسباب عديدة، وليس سبباً واحداً، كما يراه البعض من المهتمين بظاهرة التطرف، وتم ربطها في الجانب الاقتصادي وحده، وهذا ليس دقيقاً، ومن الإنصاف أن تكون النظرة إليها شاملة ومتوازنة وليس حادة وقاطعة في مسألة واحدة، ولا تقف عند عامل واحد فقط ، ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى التي ربما تكون هي العامل الحاسم في هذه المشكلة أو الظاهرة التي تجتاح العالم كله، وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط . فالبعض يرجع قضية الإرهاب والتطرف إلى الجهل وقلة العلم والفهم بأمور الدين والدنيا والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج الفقر والبطالة في العديد من المجتمعات العربية والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج القمع السياسي والاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية ويراها البعض الآخر مشكلة نفسية واجتماعية و أسرية..الخ. فالتطرف والغلو والتكفير، له أسباب عديدة، وبعض هذا الإرهاب أنه يقتاد ويستفيد من عدم الاستقرار والتوترات السياسية الداخلية ،ويستفيد بعضها من القمع والاستبداد، والمظلومية، ليكسب أنصاراً تحت هذه الظروف والأسباب التي يتذرع بها لحشد بعض الشباب الغض والقليل العلم والمعرفة ،وأصبح شعار الإرهاب الآن سيفاً مسلطاً بلا معايير دقيقة لتقييده وضبطه على أسس صحيحة وقانونية، وهذه إشكالية ربما تساعد في ازدهار الإرهاب لا استئصاله.
ولا شك أن هذه الجماعات التي اتخذت العنف طريقاً تحت مسمى الجهاد، لا تملك الفهم الصحيح للدين، وتأولت الكثير من الآيات والأحاديث للخروج من خطأ هذه الأفعال، التي لا تمت للجهاد بصلة، والجهاد لا يكون هكذا منحرفا عن طريقه وظروفه واستحقاقاته،فهو يتجه للدفاع عن الأوطان والاحتلال، وليس إلى قتل الناس في داخل الأمة لمجرد الاختلاف أو التوهم بأن هذا ما يريده الإسلام، وهذا يخالف حقائقه الصحيحة، وهو أنه تعصب مقيت ومرفوض تماماً مهما رفعت هذه الشعارات للتهييج وتحريف ما هو واضح وجلي في رؤية ديننا الحنيف، و يرى العلامة د. يوسف القرضاوي أن هذه الأفعال هي عين:«التعصب المقيت الذي يثبت المرء فيه نفسه، وينفي كل من عداه، هو الذي نراه من دلائل التطرف حقاً، فالمتطرف كأنما يقول لك: من حقي أن أتكلم.. ومن واجبك أن تسمع،ومن حقي أن أقود.. ومن واجبك أن تتبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب.. وبهذا لا يمكن أن يلتقي بغيره أبداً، لأن اللقاء يمكن ويسهل في منتصف الطريق ووسطه، وهو لا يعرف الوسط ولا يعترف به، فهو مع الناس كالمشرق والمغرب، لا تقترب من أحدهما إلا بمقدار ما تبتعد من الآخر. ويزداد الأمر خطورة حين يراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة، والعصا الغليظة هنا قد لا تكون من حديد ولا خشب، فهناك الاتهام بالابتداع أو بالاستهتار بالدين، أو بالكفر والمروق - والعياذ بالله- فهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفاً وتهديداً من الإرهاب الحسي».
فبعض الشباب يبدأ حياته عادياً وخالياً من الغلو والنظرة القاسية للحياة، والتذمر ثم ينقلب، ويرى د.أحمد كمال أبو المجد ، في تحليل ما يقع من تطرف وغلو :«التطرف الديني يبدأ«الفرد» متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الإسلام ومبادئه وآدابه ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك.. وهذا مسلك حسن وتوجه لا يملك المجتمع إزاءه إلا التعبير عن الرضا والتشجيع ثم يواصل المتدين، مسيرته متجهاً نحو التشدد مع نفسه ومع الناس.. ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتابعه في مسيرته.. وقد يجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته». ولذلك ،كما يضيف أبو المجد أن من:«حق المجتمع في وضع حد لتطرف المتطرفين ومصادرة نشاطهم يرجع إلى أن التطرف يصل بأصحابه إلـى الاصطدام بعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية غير القاعدة التي بالغوا في ممارستها والأخذ بها. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة دينية وأخلاقية يستحق أصحابها الثناء،ولكن المضي في ممارستها بغير حدود ولا ضوابط من شأنه أن يدفع بهؤلاء الآمرين والناهين إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم وحقوقهم» . فكيف ظهر هذا الغلو والتطرف الفكري والسلوكي عند بعض الجماعات المتطرفة؟ ولماذا ظهر وانتشر بهذه السرعة،وللحديث بقية..