«ثقافة جديدة».. عنوان سائر، حملته بعض الكتب والمجلات، كما تناقلته الألسن بلغات شتى، واستمرار حضوره يدل على أن موضوعه متجدد، لأنه يشكّل حالة سائلة في الاجتماع البشري، فهو اجتماع تحكمه ديناميكية التحوّل بخط متسارع، فكلما تقدم الزمن البشري تضاعفت تحولاته، مما يعني أن على المفكرين والفلاسفة أن يقدموا باستمرار أفكارا رافدة للاستبصار بهذه التحولات.
علينا أن ندرك المرحلة التي نمر بها، ولكن ليس من السهل تحقيب التحولات الثقافية؛ وذلك.. لأمرين:
الأول.. أن الإنسان كائن ثقافي يحكمه الفضول؛ بكل تجلياته المعرفية والمعيشية، بل حتى في وعيه ووهمه هو كائن فضولي. والفضول ليس أمرا سلبيا، بل أمر تركبت عليه النفس وحتّمه الواقع، فهو لا يرضخ للجمود، مهما رأينا في بعض المجتمعات والأفراد من سكون، خوفا من ضريبة التحول نحو المستقبل. وعلى هذا لن تجد حدا فاصلا بين مرحلة وأخرى في التحولات الثقافية.
الثاني.. التفاعل والتداخل في العلاقات بين البشر؛ يصعّب من وضع حد فاصل بين المراحل الثقافية، فما يمكن اعتباره ثقافةً تصبغ مجتمعاً ما؛ قد لا يشكّل إلا قشرا ثقافيا في غيره. وما كان مُعمّرا في الأول؛ لا يلبث كثيرا في الآخر، بحيث تتعاقب عليه عدة ثقافات، مقارنة بهيمنة ثقافة واحدة على ذاك المجتمع.
إن حركة الاجتماع ماضية؛ وتحولاتها ملاحَظة، وأي تحقيب لها -مع أهميته- هو اعتباري فحسب. وبهذا المعنى.. يمكن القول بأن هناك ثقافة آفلة وثقافة آتية، وعلى المفكرين الاجتماعيين والفلاسفة التنظيريين أن يولوا المرحلة الانتقالية عنايتهم، فهي جسر للعبور الثقافي.
الثقافة.. هي العناصر التي يبدعها الإنسان بوعيه، ثم تتكرر وتنتشر في مجتمع ما، وقد تتعداه إلى مجتمعات أخرى، بل قد تصبح عالمية؛ لسعة انتشارها وقوة تأثيرها. وهي وعاء كبير يتسع لكل مكونات الحياة؛ من اجتماع وعادات وتقاليد ومعتقدات دينية، والسياسة بمختلف ألوانها، والاقتصاد والمعمار، والفنون والآداب. والثقافة على ضربين:
أحدهما.. الممارسات الثقافية التي يقوم بها الإنسان بتلقائية في مسير حياته، فنحن نلبس ملابس؛ ولا نهتم من أين جاء طرازها، ولا كيف تطورت، ولا الموضة التي حملتها إلينا، بل نرتديها لأنها زيّ موجود في المجتمع؛ أي أن ثقافة مجتمعنا هي التي فرضتها علينا، وهكذا نتعامل مع العادات والتقاليد، والحرف والصنائع، ومع الطقوس والمعتقدات: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ).
ثانيهما.. التفكير في طبيعة الثقافة التي يمارسها الإنسان، عن طريق البحث الاجتماعي؛ باستعمال الأدوات المناسبة كالجمع والتصنيف والتبويب والقياس والتحليل، أو بالنظر في الأنساق الثقافية داخل مجتمع ما، أو بالتنظير الفلسفي لكليات الثقافة، وبما تنتجه هذه الأدوات تتشكل النظريات وتنتظم المناهج، وعبر تداولها في الحقول العلمية تصبح مادة مهمة في فهم الثقافة، وإدراك التحول الذي يحصل فيها.
«الثقافة الجديدة».. لا تعني الانبتات عن الجذور الثقافية التي حكمت المجتمع، بل تُعنى بقراءة الثقافة السابقة قراءة علمية، واعية وموضوعية، ثم تعمل على تجديدها من واقع الاحتياج الاجتماعي لمواكبة التحولات، ولن يحصل هذا التجديد إلا بفهم سيرورة الاجتماع البشري وصيرورته. إن الاستسلام للثقافة الواردة من المجتمعات الأخرى هو انتحار ثقافي. بيد أنه كذلك لا يمكن تجاوز المشتركات الثقافية في إطارها الإنساني، ولا إغفال الثقافة العالمية التي تصهر المجتمعات في بوتقتها، وكلا الأمرين لهما تأثيرهما؛ الأول يؤثر بعمق في ثقافتنا على أساس وحدة البُعد الإنساني، ويؤثر الثاني بسبب ذوبان الحواجز بين الناس تحت لهيب التقنية، حتى سياج المحظورات السياسية لم يعد قادرا على صد الانصهار الثقافي بين المجتمعات. ولذلك.. يصبح من الأهمية أن يوجد مفكرون وفلاسفة ينظّرون للتحولات الثقافية.
«الثقافة الجديدة».. لا تنتظر من يأذن لها بالتكوّن والانتشار، ففي وقتنا الراهن.. تولد العناصر الثقافية كل لحظة، وتدور على الكرة الأرضية في أيام معدودة، بسبب أدوات العولمة السريعة، وواقعا.. ليس هناك ما يدعو للمناداة بـ«ثقافة جديدة»، لأن التجدد قائم على قدم وساق، وإنما الحديث هنا عن ضرورة اتخاذ الإجراءات التي تلزم المجتمع، لكي يثبت حضوره في عالم تطور الأفكار وتشكّل المنظومات الثقافية؛ ومن هذه الإجراءات:
1. أن تكون لدينا مراكز بحث في العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية؛ ومنها: علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأديان المقارن، وأن ينشأ جيل من الباحثين في هذه المجالات. إن الدراسات المستوردة لا تفي بالغرض، بل قد تكون عرضة للرفض الاجتماعي. إن هذه المراكز ستنشأ في تربة المجتمع، وسيقوم بها أبناؤه، وستجري أبحاثها عليه، فلكل مجتمع مكوناته وظروفه وعلاقاته وأدوات تفكيره.
2. مراجعة المنظومة التعليمية القائمة، فهناك الكثير من عناصرها أدت دورها وانتهت، وينبغي الانتقال إلى معطيات ثقافية جديدة، فمنظومة التعليم السائدة بوصفها الأداة الوحيدة لطلب العلم، لم تعد كافية في عصر التواصل التقني، ولذلك.. ينبغي أن توجِد هذه المنظومة طرقا لا مدرسية للمنهج التعليمي، منذ الفصول الدراسية الأولى حتى المرحلة الجامعية. لقد آن الأوان لتبني ثقافة في التعليم تقوم على أساس المهارات العقلية العليا؛ كالتفكير النقدي والتعليم القيمي الذي يربط بين المعرفة والعمل والأخلاق. وهذا يعني تبني طرائق تنخفض فيه المادة النظرية لحوالي ثلث المقررات؛ وترتفع المادة العملية؛ المشبعة بالقيم الأخلاقية لحوالي الثلثين. فلا ينبغي للطالب أن يتخرج من دراسته؛ وهو لا يعلم ماذا يعمل، فضلا أن ينتظر عدة سنوات حتى يحصل على وظيفة، وإنما من المفترض أن يبدأ بمشروعه الذي يعود عليه بالربح وعلى بلاده بالإنتاج من على مقاعد الدراسة.
3. التمكين العلمي والإبداعي للمثقفين، وإيجاد بيئة خصبة لبروز فلاسفة ومفكرين في الحقل الثقافي، فمجتمعنا يعاني من قحط في البحث الفلسفي، ودراساتنا تميل للاحتفاء بمنتجات الوطن؛ قديمها وحديثها، وإني أدرك طبيعة التفكير الإنساني؛ وميله العاطفي تجاه وطنه وعاداته ومعتقداته، بيد أن هذا لن ينحسر بوجود الدراسات التحليلية والمقارنة والنقدية. إن معرفتنا العمانية عند فحصها موضوعيا؛ نجد الكثير من عناصرها قادمة إلينا نتيجة الاستدعاء لمعالجة حوادث وقعت لدينا، وليست نابعة بالأصالة من الدرس الموضوعي للمعرفة، بغية إنتاج معرفة جديدة، ولذلك.. نعاني من «الاستلاف المعرفي» في مقابل أن لدينا منتجات ثقافية محلية منسوبة إلى حقول غير عمانية، تحدث عنها مقالي «الاستلاب الحضاري في الثقافة العمانية». إن ظهور فئة فلسفية قادرة على إجراء بحوث منهجية راسخة في العلم، وموضوعية في الحكم، باتت أمرا لازما لنتحول باتجاه ثقافة المستقبل.
4. امتلاك جهاز عولمة قادر على تصدير ثقافتنا عالميا. لقد أصبح العالم في قلب العولمة الرقمية، ونحن لا نملك نظرية ثقافية توازي متطلبات هذا العصر. لدينا علاقات رائعة مع معظم دول العالم، ولكن عندما نلتقي بأناس خارج سلطنة عمان، ونعرّفهم بأننا من عمان، تعلو الدهشة وجوههم، كأنهم لأول مرة يسمعون ببلدنا، ونضطر أن نجلّيها لهم من خرائط جوجل. هل سألنا أنفسنا: لماذا هذا الغياب؟ ألا نملك مقومات ثقافية عابرة إلى المجتمعات الأخرى؟ ألا نستطيع تسويق حضارتنا وثقافتنا في عالم أصبح المستقبل فيه لمن يملك زمام عولمة منتجاته؟
5. مع حتمية التحول نحو ثقافة جديدة وضرورة الانطلاق من هُويتنا الحضارية؛ يلزم إيجاد مقاييس علمية لهذا التحول، لأجل ضبط التوازن؛ فلا نركن للجمود، فالجمود.. موت محقق للمنظومات القائمة عندما يجد المجتمع قد هيمنت عليه ثقافات غيره، والتحول بدون وعي.. اقتلاع لهويتنا الحضارية وغياب أبدي لوجودنا المادي والمعنوي.
وصفوة القول.. إن الثقافة الجديدة آتية لا محالة، وعلينا أن نوجِد أدوات التحول التي تكفل بقاءنا الحضاري وتفتح آفاق المستقبل أمام أبنائنا.
علينا أن ندرك المرحلة التي نمر بها، ولكن ليس من السهل تحقيب التحولات الثقافية؛ وذلك.. لأمرين:
الأول.. أن الإنسان كائن ثقافي يحكمه الفضول؛ بكل تجلياته المعرفية والمعيشية، بل حتى في وعيه ووهمه هو كائن فضولي. والفضول ليس أمرا سلبيا، بل أمر تركبت عليه النفس وحتّمه الواقع، فهو لا يرضخ للجمود، مهما رأينا في بعض المجتمعات والأفراد من سكون، خوفا من ضريبة التحول نحو المستقبل. وعلى هذا لن تجد حدا فاصلا بين مرحلة وأخرى في التحولات الثقافية.
الثاني.. التفاعل والتداخل في العلاقات بين البشر؛ يصعّب من وضع حد فاصل بين المراحل الثقافية، فما يمكن اعتباره ثقافةً تصبغ مجتمعاً ما؛ قد لا يشكّل إلا قشرا ثقافيا في غيره. وما كان مُعمّرا في الأول؛ لا يلبث كثيرا في الآخر، بحيث تتعاقب عليه عدة ثقافات، مقارنة بهيمنة ثقافة واحدة على ذاك المجتمع.
إن حركة الاجتماع ماضية؛ وتحولاتها ملاحَظة، وأي تحقيب لها -مع أهميته- هو اعتباري فحسب. وبهذا المعنى.. يمكن القول بأن هناك ثقافة آفلة وثقافة آتية، وعلى المفكرين الاجتماعيين والفلاسفة التنظيريين أن يولوا المرحلة الانتقالية عنايتهم، فهي جسر للعبور الثقافي.
الثقافة.. هي العناصر التي يبدعها الإنسان بوعيه، ثم تتكرر وتنتشر في مجتمع ما، وقد تتعداه إلى مجتمعات أخرى، بل قد تصبح عالمية؛ لسعة انتشارها وقوة تأثيرها. وهي وعاء كبير يتسع لكل مكونات الحياة؛ من اجتماع وعادات وتقاليد ومعتقدات دينية، والسياسة بمختلف ألوانها، والاقتصاد والمعمار، والفنون والآداب. والثقافة على ضربين:
أحدهما.. الممارسات الثقافية التي يقوم بها الإنسان بتلقائية في مسير حياته، فنحن نلبس ملابس؛ ولا نهتم من أين جاء طرازها، ولا كيف تطورت، ولا الموضة التي حملتها إلينا، بل نرتديها لأنها زيّ موجود في المجتمع؛ أي أن ثقافة مجتمعنا هي التي فرضتها علينا، وهكذا نتعامل مع العادات والتقاليد، والحرف والصنائع، ومع الطقوس والمعتقدات: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ).
ثانيهما.. التفكير في طبيعة الثقافة التي يمارسها الإنسان، عن طريق البحث الاجتماعي؛ باستعمال الأدوات المناسبة كالجمع والتصنيف والتبويب والقياس والتحليل، أو بالنظر في الأنساق الثقافية داخل مجتمع ما، أو بالتنظير الفلسفي لكليات الثقافة، وبما تنتجه هذه الأدوات تتشكل النظريات وتنتظم المناهج، وعبر تداولها في الحقول العلمية تصبح مادة مهمة في فهم الثقافة، وإدراك التحول الذي يحصل فيها.
«الثقافة الجديدة».. لا تعني الانبتات عن الجذور الثقافية التي حكمت المجتمع، بل تُعنى بقراءة الثقافة السابقة قراءة علمية، واعية وموضوعية، ثم تعمل على تجديدها من واقع الاحتياج الاجتماعي لمواكبة التحولات، ولن يحصل هذا التجديد إلا بفهم سيرورة الاجتماع البشري وصيرورته. إن الاستسلام للثقافة الواردة من المجتمعات الأخرى هو انتحار ثقافي. بيد أنه كذلك لا يمكن تجاوز المشتركات الثقافية في إطارها الإنساني، ولا إغفال الثقافة العالمية التي تصهر المجتمعات في بوتقتها، وكلا الأمرين لهما تأثيرهما؛ الأول يؤثر بعمق في ثقافتنا على أساس وحدة البُعد الإنساني، ويؤثر الثاني بسبب ذوبان الحواجز بين الناس تحت لهيب التقنية، حتى سياج المحظورات السياسية لم يعد قادرا على صد الانصهار الثقافي بين المجتمعات. ولذلك.. يصبح من الأهمية أن يوجد مفكرون وفلاسفة ينظّرون للتحولات الثقافية.
«الثقافة الجديدة».. لا تنتظر من يأذن لها بالتكوّن والانتشار، ففي وقتنا الراهن.. تولد العناصر الثقافية كل لحظة، وتدور على الكرة الأرضية في أيام معدودة، بسبب أدوات العولمة السريعة، وواقعا.. ليس هناك ما يدعو للمناداة بـ«ثقافة جديدة»، لأن التجدد قائم على قدم وساق، وإنما الحديث هنا عن ضرورة اتخاذ الإجراءات التي تلزم المجتمع، لكي يثبت حضوره في عالم تطور الأفكار وتشكّل المنظومات الثقافية؛ ومن هذه الإجراءات:
1. أن تكون لدينا مراكز بحث في العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية؛ ومنها: علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأديان المقارن، وأن ينشأ جيل من الباحثين في هذه المجالات. إن الدراسات المستوردة لا تفي بالغرض، بل قد تكون عرضة للرفض الاجتماعي. إن هذه المراكز ستنشأ في تربة المجتمع، وسيقوم بها أبناؤه، وستجري أبحاثها عليه، فلكل مجتمع مكوناته وظروفه وعلاقاته وأدوات تفكيره.
2. مراجعة المنظومة التعليمية القائمة، فهناك الكثير من عناصرها أدت دورها وانتهت، وينبغي الانتقال إلى معطيات ثقافية جديدة، فمنظومة التعليم السائدة بوصفها الأداة الوحيدة لطلب العلم، لم تعد كافية في عصر التواصل التقني، ولذلك.. ينبغي أن توجِد هذه المنظومة طرقا لا مدرسية للمنهج التعليمي، منذ الفصول الدراسية الأولى حتى المرحلة الجامعية. لقد آن الأوان لتبني ثقافة في التعليم تقوم على أساس المهارات العقلية العليا؛ كالتفكير النقدي والتعليم القيمي الذي يربط بين المعرفة والعمل والأخلاق. وهذا يعني تبني طرائق تنخفض فيه المادة النظرية لحوالي ثلث المقررات؛ وترتفع المادة العملية؛ المشبعة بالقيم الأخلاقية لحوالي الثلثين. فلا ينبغي للطالب أن يتخرج من دراسته؛ وهو لا يعلم ماذا يعمل، فضلا أن ينتظر عدة سنوات حتى يحصل على وظيفة، وإنما من المفترض أن يبدأ بمشروعه الذي يعود عليه بالربح وعلى بلاده بالإنتاج من على مقاعد الدراسة.
3. التمكين العلمي والإبداعي للمثقفين، وإيجاد بيئة خصبة لبروز فلاسفة ومفكرين في الحقل الثقافي، فمجتمعنا يعاني من قحط في البحث الفلسفي، ودراساتنا تميل للاحتفاء بمنتجات الوطن؛ قديمها وحديثها، وإني أدرك طبيعة التفكير الإنساني؛ وميله العاطفي تجاه وطنه وعاداته ومعتقداته، بيد أن هذا لن ينحسر بوجود الدراسات التحليلية والمقارنة والنقدية. إن معرفتنا العمانية عند فحصها موضوعيا؛ نجد الكثير من عناصرها قادمة إلينا نتيجة الاستدعاء لمعالجة حوادث وقعت لدينا، وليست نابعة بالأصالة من الدرس الموضوعي للمعرفة، بغية إنتاج معرفة جديدة، ولذلك.. نعاني من «الاستلاف المعرفي» في مقابل أن لدينا منتجات ثقافية محلية منسوبة إلى حقول غير عمانية، تحدث عنها مقالي «الاستلاب الحضاري في الثقافة العمانية». إن ظهور فئة فلسفية قادرة على إجراء بحوث منهجية راسخة في العلم، وموضوعية في الحكم، باتت أمرا لازما لنتحول باتجاه ثقافة المستقبل.
4. امتلاك جهاز عولمة قادر على تصدير ثقافتنا عالميا. لقد أصبح العالم في قلب العولمة الرقمية، ونحن لا نملك نظرية ثقافية توازي متطلبات هذا العصر. لدينا علاقات رائعة مع معظم دول العالم، ولكن عندما نلتقي بأناس خارج سلطنة عمان، ونعرّفهم بأننا من عمان، تعلو الدهشة وجوههم، كأنهم لأول مرة يسمعون ببلدنا، ونضطر أن نجلّيها لهم من خرائط جوجل. هل سألنا أنفسنا: لماذا هذا الغياب؟ ألا نملك مقومات ثقافية عابرة إلى المجتمعات الأخرى؟ ألا نستطيع تسويق حضارتنا وثقافتنا في عالم أصبح المستقبل فيه لمن يملك زمام عولمة منتجاته؟
5. مع حتمية التحول نحو ثقافة جديدة وضرورة الانطلاق من هُويتنا الحضارية؛ يلزم إيجاد مقاييس علمية لهذا التحول، لأجل ضبط التوازن؛ فلا نركن للجمود، فالجمود.. موت محقق للمنظومات القائمة عندما يجد المجتمع قد هيمنت عليه ثقافات غيره، والتحول بدون وعي.. اقتلاع لهويتنا الحضارية وغياب أبدي لوجودنا المادي والمعنوي.
وصفوة القول.. إن الثقافة الجديدة آتية لا محالة، وعلينا أن نوجِد أدوات التحول التي تكفل بقاءنا الحضاري وتفتح آفاق المستقبل أمام أبنائنا.