المراقب المحايد للحرب الروسية في أوكرانيا -التي دخلت شهرها الثالث بكل أحداثها المأسوية على الصعيد الإنساني والعسكري- يدرك أن المواجهة العسكرية أصبحت روسية أمريكية غير مباشرة أو ما يطلق عليه في المصطلح الاستراتيجي الحرب بالوكالة، حيث إن هناك مؤشرات موضوعيه تدعم هذا التحليل.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا لأسباب تتعلق بالأمن الروسي كما تقول موسكو والولايات المتحدة الأمريكية تقدم مساعدات عسكرية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية عموما هي الأقسى في التاريخ الحديث علاوة على الحرب الإعلامية والنفسية بين موسكو وواشنطن. كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية بلينكن إلى كييف يعد أحد المؤشرات نحو الاندفاع الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية. وعلى ضوء ذلك فإن أوكرانيا في نهاية المطاف هي ضحية تلك الحرب والتي تحولت إلى حرب بالوكالة من خلال بعض ملامح السلوك الأمريكي ولعل تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف الأخيرة حول التدخل الأمريكي والغربي في الحرب قد تنتج عنه حرب عالمية ثالثة وهذه تصريحات جادة.
مسار الحروب
الحروب والصراعات عادة تندلع لأسباب أمنية أو اقتصادية خاصة بين الدول ذات الجوار الجغرافي ولعل أطول تلك الحروب في التاريخ الحديث هي الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت ثماني سنوات وتحولت إلى حرب استنزاف وتدمير المدن. وخرج البلدان الجاران من تلك الحرب وهما في حالة من الضعف الاستراتيجي والاقتصادي وتدمير البنية الأساسية علاوة على فقد الملايين من البشر بين الذين فقدوا حياتهم وملايين الجرحى والنازحين ولعل من الأسباب الجوهرية لتواصل تلك الحرب الكارثية بين إيران والعراق هو دخول أطراف إقليمية ودولية من خلال تدفق السلاح على الطرفين وكان الهدف الأساسي إضعاف البلدين اللذين كانا يشكلان أهم الدول الإقليمية في المنطقة. وهذا النموذج للحرب العراقية الإيرانية يمكن تطبيقه على عدد من الحروب لعل من ضمنها الحرب الأهلية في لبنان في عقد السبعينيات وأيضا الحرب في اليمن وغيرها من الصراعات.
ومن هنا فإن تلك الحروب بين بلدين جارين أو حرب أهلية تتحول إلى حرب إقليمية من خلال دخول أطراف دولية لها مصلحة في تداعيات تلك الحرب على صعيد المصالح الاستراتيجية.
والحرب الروسية الأوكرانية هي مثال صارخ على الحروب بالوكالة، حيث إن واشنطن والغرب عموما ربط الوقوف القوي مع أوكرانيا عسكريا واقتصاديا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن الناحية الموضوعية يمكن الدفاع عن هذا التوجه ومع ذلك فإن التخطيط الاستراتيجي في الغرف المغلقة يختلف جذريا عن المظاهر الخارجية للحروب.
تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينيات أعطى الولايات المتحدة الأمريكية مساحة كبيرة من الهيمنة الدولية من خلال سياسة القطب الواحد واشتغلت روسيا الاتحادية ببناء الدولة التي جاءت على انقاض الاتحاد السوفييتي بكل إرهاصات البيروقراطية والتدخلات العسكرية خاصة في أفغانستان وسباق التسلح مع واشنطن وهو أحد الأسباب الجوهرية لتفكك الإمبراطورية السوفييتية مع عدد من الأسباب الجوهرية الأخرى. ومن هنا فإن المواجهة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ذهبت للقطب الآسيوي الصاعد الصين مما مكن القيادة الروسية والرئيس بوتين في بناء الاقتصاد الروسي خاصة التركيز على قطاع الطاقة وخلال أقل من عقدين برزت روسيا الاتحادية بصفتها لاعبًا دوليًا كبيرًا في مجال الغاز والنفط واستعادة الاقتصاد الروسي عافيته وبدأت العلاقات الروسية مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي تتحسن من خلال شراكات اقتصادية ومنها جمهورية أوكرانيا. ومن هنا فإن اندلاع الحرب في أوكرانيا لأسباب مختلفة حفز الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول فيها بشكل غير مباشر من خلال الحرب بالوكالة، حيث تدفق السلاح الأمريكي وبكميات كبيرة ونوعية إضافة إلى المساعدات العسكرية من قبل دول الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
فنموذج الحرب الروسية الأوكرانية يعيد مشهد الحروب بالوكالة من جديد خاصة وأن وزير الدفاع الأمريكي أشار مؤخرا إلى أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية هو إضعاف روسيا وعدم تمكنها مستقبلا من تهديد أوكرانيا أو الدول المجاورة لها وهكذا تتحول الحرب في أوكرانيا إلى هذا النوع من الحروب التي تستهدف استنزاف روسيا الاتحادية خاصة وإن تدفق السلاح يعني إطالة الحرب وهذه هي الاستراتيجية الأمريكية وقد يكون الغزو السوفييتي لأفغانستان هو النموذج المتكرر في هذا الإطار وان كان بأدوات مختلفة.
الأهداف الاستراتيجية
لا شك أن كلفة الحرب الروسية على أوكرانيا هي تكلفه عالية على الصعيد الاقتصادي والعسكري والإنساني. ولكن مع دخول متغير استراتيجي في الحرب وهو الحرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فإن مسار الموقف الروسي سوف يتغير لأن الهدف الآن هو إضعاف روسيا الاتحادية كما أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا. ومن هنا فإن المشهد السياسي والعسكري في أوكرانيا سوف يشهد مزيدا من التصعيد والتعقيد معا لأن الحرب الآن تحولت إلى حرب دولية من خلال طرفي الصراع ولم تعد أوكرانيا هي الطرف المواجه للقوات الروسية بل إن التدفق العسكري الأمريكي والغربي على كييف والعقوبات الاقتصادية القاسية والحملة الإعلامية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد روسيا من خلال الضغط الأمريكي على الدول النامية للتصويت يضع الحرب في أوكرانيا في مسارات مختلفة ويجعل من تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف تصريحات حقيقية في ظل شعور روسي أن واشنطن أصبحت لها أهداف إستراتيجية ليس فقط إضعاف روسيا ولكن ربما أبعد من ذلك خاصة إذا انضمت دول جديدة مثل فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي. ومن هنا فإن الحرب الروسية الأوكرانية تحولت إلى حرب استراتيجية بين روسيا الاتحادية ومعها الصين وان كان بشكل غير معلن وأيضا مجموعة شنجهاي التي تضم روسيا الاتحادية والصين وإيران والهند وآخرين وهذه المجموعة تسعى إلى تغيير النظام الدولي الذي يقوم على أحادية القطب الأمريكي الأوحد. ومن هنا فإن الحرب الأوكرانية سوف تكون لها نتائج مهمة على صعيد النظام الدولي الحالي. إذن هناك صراع استراتيجي بين واشنطن وموسكو تتكشف ملامحه بشكل اكبر مع تواصل الحرب الروسية على أوكرانيا ومع تدفق السلاح الأمريكي والغرب على كييف وأصبحت هذه الأخيرة ساحة للحرب الاستراتيجية بين القوى المختلفة، وهذا سوف يؤدي إلى كارثة لجمهورية أوكرانيا والتي بدأت ملامحها في الظهور من خلال تدمير المدن الأوكرانية كما نقلت تلك المشاهد المروعة القنوات التلفزيونية، وهذا يعني أن الشعب الأوكراني ومقدراته هو الضحية الكبرى في الحرب الحالية كما هو الحال في بقية الحروب والصراعات السابقة والحالية وليس حروب اليمن والصومال وأفغانستان والعراق ببعيد عن مشاهد الحرب في أوكرانيا.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي
ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا لأسباب تتعلق بالأمن الروسي كما تقول موسكو والولايات المتحدة الأمريكية تقدم مساعدات عسكرية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية عموما هي الأقسى في التاريخ الحديث علاوة على الحرب الإعلامية والنفسية بين موسكو وواشنطن. كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية بلينكن إلى كييف يعد أحد المؤشرات نحو الاندفاع الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية. وعلى ضوء ذلك فإن أوكرانيا في نهاية المطاف هي ضحية تلك الحرب والتي تحولت إلى حرب بالوكالة من خلال بعض ملامح السلوك الأمريكي ولعل تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف الأخيرة حول التدخل الأمريكي والغربي في الحرب قد تنتج عنه حرب عالمية ثالثة وهذه تصريحات جادة.
مسار الحروب
الحروب والصراعات عادة تندلع لأسباب أمنية أو اقتصادية خاصة بين الدول ذات الجوار الجغرافي ولعل أطول تلك الحروب في التاريخ الحديث هي الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت ثماني سنوات وتحولت إلى حرب استنزاف وتدمير المدن. وخرج البلدان الجاران من تلك الحرب وهما في حالة من الضعف الاستراتيجي والاقتصادي وتدمير البنية الأساسية علاوة على فقد الملايين من البشر بين الذين فقدوا حياتهم وملايين الجرحى والنازحين ولعل من الأسباب الجوهرية لتواصل تلك الحرب الكارثية بين إيران والعراق هو دخول أطراف إقليمية ودولية من خلال تدفق السلاح على الطرفين وكان الهدف الأساسي إضعاف البلدين اللذين كانا يشكلان أهم الدول الإقليمية في المنطقة. وهذا النموذج للحرب العراقية الإيرانية يمكن تطبيقه على عدد من الحروب لعل من ضمنها الحرب الأهلية في لبنان في عقد السبعينيات وأيضا الحرب في اليمن وغيرها من الصراعات.
ومن هنا فإن تلك الحروب بين بلدين جارين أو حرب أهلية تتحول إلى حرب إقليمية من خلال دخول أطراف دولية لها مصلحة في تداعيات تلك الحرب على صعيد المصالح الاستراتيجية.
والحرب الروسية الأوكرانية هي مثال صارخ على الحروب بالوكالة، حيث إن واشنطن والغرب عموما ربط الوقوف القوي مع أوكرانيا عسكريا واقتصاديا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن الناحية الموضوعية يمكن الدفاع عن هذا التوجه ومع ذلك فإن التخطيط الاستراتيجي في الغرف المغلقة يختلف جذريا عن المظاهر الخارجية للحروب.
تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينيات أعطى الولايات المتحدة الأمريكية مساحة كبيرة من الهيمنة الدولية من خلال سياسة القطب الواحد واشتغلت روسيا الاتحادية ببناء الدولة التي جاءت على انقاض الاتحاد السوفييتي بكل إرهاصات البيروقراطية والتدخلات العسكرية خاصة في أفغانستان وسباق التسلح مع واشنطن وهو أحد الأسباب الجوهرية لتفكك الإمبراطورية السوفييتية مع عدد من الأسباب الجوهرية الأخرى. ومن هنا فإن المواجهة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ذهبت للقطب الآسيوي الصاعد الصين مما مكن القيادة الروسية والرئيس بوتين في بناء الاقتصاد الروسي خاصة التركيز على قطاع الطاقة وخلال أقل من عقدين برزت روسيا الاتحادية بصفتها لاعبًا دوليًا كبيرًا في مجال الغاز والنفط واستعادة الاقتصاد الروسي عافيته وبدأت العلاقات الروسية مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي تتحسن من خلال شراكات اقتصادية ومنها جمهورية أوكرانيا. ومن هنا فإن اندلاع الحرب في أوكرانيا لأسباب مختلفة حفز الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول فيها بشكل غير مباشر من خلال الحرب بالوكالة، حيث تدفق السلاح الأمريكي وبكميات كبيرة ونوعية إضافة إلى المساعدات العسكرية من قبل دول الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
فنموذج الحرب الروسية الأوكرانية يعيد مشهد الحروب بالوكالة من جديد خاصة وأن وزير الدفاع الأمريكي أشار مؤخرا إلى أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية هو إضعاف روسيا وعدم تمكنها مستقبلا من تهديد أوكرانيا أو الدول المجاورة لها وهكذا تتحول الحرب في أوكرانيا إلى هذا النوع من الحروب التي تستهدف استنزاف روسيا الاتحادية خاصة وإن تدفق السلاح يعني إطالة الحرب وهذه هي الاستراتيجية الأمريكية وقد يكون الغزو السوفييتي لأفغانستان هو النموذج المتكرر في هذا الإطار وان كان بأدوات مختلفة.
الأهداف الاستراتيجية
لا شك أن كلفة الحرب الروسية على أوكرانيا هي تكلفه عالية على الصعيد الاقتصادي والعسكري والإنساني. ولكن مع دخول متغير استراتيجي في الحرب وهو الحرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فإن مسار الموقف الروسي سوف يتغير لأن الهدف الآن هو إضعاف روسيا الاتحادية كما أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا. ومن هنا فإن المشهد السياسي والعسكري في أوكرانيا سوف يشهد مزيدا من التصعيد والتعقيد معا لأن الحرب الآن تحولت إلى حرب دولية من خلال طرفي الصراع ولم تعد أوكرانيا هي الطرف المواجه للقوات الروسية بل إن التدفق العسكري الأمريكي والغربي على كييف والعقوبات الاقتصادية القاسية والحملة الإعلامية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد روسيا من خلال الضغط الأمريكي على الدول النامية للتصويت يضع الحرب في أوكرانيا في مسارات مختلفة ويجعل من تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف تصريحات حقيقية في ظل شعور روسي أن واشنطن أصبحت لها أهداف إستراتيجية ليس فقط إضعاف روسيا ولكن ربما أبعد من ذلك خاصة إذا انضمت دول جديدة مثل فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي. ومن هنا فإن الحرب الروسية الأوكرانية تحولت إلى حرب استراتيجية بين روسيا الاتحادية ومعها الصين وان كان بشكل غير معلن وأيضا مجموعة شنجهاي التي تضم روسيا الاتحادية والصين وإيران والهند وآخرين وهذه المجموعة تسعى إلى تغيير النظام الدولي الذي يقوم على أحادية القطب الأمريكي الأوحد. ومن هنا فإن الحرب الأوكرانية سوف تكون لها نتائج مهمة على صعيد النظام الدولي الحالي. إذن هناك صراع استراتيجي بين واشنطن وموسكو تتكشف ملامحه بشكل اكبر مع تواصل الحرب الروسية على أوكرانيا ومع تدفق السلاح الأمريكي والغرب على كييف وأصبحت هذه الأخيرة ساحة للحرب الاستراتيجية بين القوى المختلفة، وهذا سوف يؤدي إلى كارثة لجمهورية أوكرانيا والتي بدأت ملامحها في الظهور من خلال تدمير المدن الأوكرانية كما نقلت تلك المشاهد المروعة القنوات التلفزيونية، وهذا يعني أن الشعب الأوكراني ومقدراته هو الضحية الكبرى في الحرب الحالية كما هو الحال في بقية الحروب والصراعات السابقة والحالية وليس حروب اليمن والصومال وأفغانستان والعراق ببعيد عن مشاهد الحرب في أوكرانيا.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي