أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية نشرة خاصة بـ (آثار جائحة كوفيد 19 على كبار السن في المنطقة العربية)، فمع تزايد خطر الوفاة جراء الإصابة بالمرض، فإن نسبة هذا الخطر ترتفع لمن تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق، بسبب الأعراض الحادة والمضاعفات الصحية، فقد “تسببت جائحة كوفيد 19 بزيادة المخاطر على نحو 32 مليون من كبار السن في المنطقة العربية”ـ بحسب الإسكواـ.
إضافة إلى ذلك فإن الإعاقة تؤدي إلى مضاعفة آثار جائحة كوفيد 19 ومخاطرها على كبار السن؛ حيث “تزيد نسبة كبار السن من ذوي الإعاقة على 46٪ من مجموع كبار السن، أكثر من 7 ملايين منهم يعانون من إعاقات متوسطة إلى شديدة”ـ كما ورد في نشرة الإسكواـ، كما أظهرت الأبحات التي تمت خلال الأعوام الماضية بشأن تأثير الجائحة أن خطر الوفاة يزداد بين المرضى الذين يعانون من أمراض أساسية (منها أمراض غير معدية)، وأن كبار السن يعانون من هذه الأمراض أكثر من غيرهم؛ حيث “تتراوح معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية لدى كبار السن بين 35 إلى 51 ٪”، مما يشير إلى أن الخطر عليهم يزداد بسبب الجائحة، وبالتالي يستوجب زيادة تغطية أنظمة الحماية الاجتماعية، والتكافل الاجتماعي من أجل الحد من ذلك الخطر والتقليل من تداعياته.
وفي سلطنة عمان تبلغ نسبة العمانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 ـ 80+ (3.7٪) بحسب ما ورد في (نتائج التعداد الإلكتروني 2020) الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وهي نسبة ليست قليلة إذا ما قورنت بعدد السكان العمانيين البالغ (2.731.456) ـ كما ورد في النتائج نفسها ـ، الأمر الذي يعني مزيدا من أنظمة الحماية الاجتماعية والصحية في ظل الظروف الراهنة التي تحتاج إلى التكافل الاجتماعي ليس من قِبل الحكومة وحدها بل من قِبل أفراد المجتمع جميعا، فكبار السن لا يحتاجون إلى الرعاية الصحية الجسدية فقط، بل رعاية صحتهم النفسية، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية والثقافية بين أسرتهم ومجتمعهم.
والحق أن الدولة قدمت وما زالت تقدم العديد من أنظمة الحماية الاجتماعية التي تكفل لكبار السن بشكل خاص التمتع بالرعاية الصحية والاجتماعية، وهناك برامج ومبادرات عديدة تم تقديمها من أجل ترسيخ هذه الأنظمة والتوعية بتبنيها من قِبل أفراد المجتمع، إضافة إلى ما يقدمه المجتمع المدني من عناية بكبار السن ورعاية بهم، فهم آباؤنا وأمهاتنا الذين قدموا جُلَّ ما يستطيعون خدمة لوطنهم ولمجتمعهم، وما يُمنح لهم اليوم ما هو إلاَّ أحد تلك الحقوق التي ينبغي أن تكون.
إن ما تقدمته الدولة لكبار السن لا يكمن في الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وحسب، بل أيضا في تلك البرامج والمشروعات البحثية التي تُعنى بجمع التراث الثقافي اعتماد على أهمية ذاكرتهم التاريخية وقدرتهم على السرد من ناحية، وأهمية ما شهدوه وما قدَّموه للوطن خلال الحُقب الماضية من ناحية أخرى؛ فكبار السن يُنظر إليهم بوصفهم (رواة إخباريين)، يُخبرون عن التاريخ والأدب والحياة الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، ويؤرخون لفترات مهمة من ذاكرة الوطن ما كانت لتبقى لولاهم. إن هذا الاهتمام الذي توليه الدولة لكبار السن من الناحية الثقافية يدل على رؤية سامية حكيمة، تنظر بعين الرعاية لهذه الفئة المهمة من المجتمع كونها تمثل جسرا حضاريا وثقافيا بين الأجيال.
يقول الباحث السنغالي آمادو هامباتي “إذا مات شيخ أفريقي فقد احترقت مكتبة”، هكذا يُنظر إلى كبار السن في المجتمعات التي تُقدِّر المخزون المعرفي الذي تملكه هذه الفئة المهمة من المجتمع، ولعلنا في تجارب عدة ضمن العمل في برامج ومشروعات التراث الثقافي لاحظنا عن قُرب الأهمية الحضارية والثقافية لهذه الذاكرة التي دُوِّن منها المجلدات من المعلومات التاريخية والفكرية والأدبية، التي ما فتأت تحرص على التعاون وتكالب التعب والجَهد والمرض من أجل تقديم ما تكنزه من المعارف باعتباره واجبا وطنيا.
وبقدر ما احتوت تلك الذاكرة على معارف وآداب وتاريخ وسير بقدر ما يهددها من فقدان بسبب المرض والعجز أو حتى الوفاة؛ ومن يعمل في ميدان جمع التراث المروي يعرف ذلك، بل يراه على الدوام، ويعرف أن هذه الذاكرة آيلة للسقوط والاندثار في أية لحظة، فإذا كنَّا قد دعونا مرارا إلى أهمية الإسراع في جمع ما تحويه ذاكرة الوطن التي يحملها كبار السن (الرواة الإحباريين)، فإننا اليوم ندعو اليوم إلى البدء حالا في دعم البرامج والمشروعات، والعمل على توسيع نطاق العمل ليشمل أكبر عدد ممكن من الرواة في شتى المجالات، فهذه الذاكرة لا تهددها الأمراض الأساسية وحسب بل تهددها جائحة أودت بالكثير من حاملي تراث الوطن، وجعلت من خطر الاندثار يبدو قريبا جدا.
يُصرِّح (ملخص السياسات. تأثير كوفيد 19 على كبار السن) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، أن معدل الوفيات بسبب جائحة كوفيد 19 وتداعياتها “لمن هم في فوق 80 عاما هي خمسة أضعاف المتوسط العالمي”، وهذا يعني أن مسؤوليتنا نحو هذه الفئة المجتمعية تتضاعف من حيث الرعاية الصحية أولا، ثم الرعاية الاجتماعية والثقافية، ولعل تأكيدنا هنا على الرعاية والدعم الثقافي يتأتى من الأهمية الثقافية لكبار السن، وأهمية تمكينهم مجتمعيا انطلاقا من تلك المكانة الثقافية التي يتميزون بها عن غيرهم من فئات المجتمع.
إن كبار السن باعتبارهم رواة إخباريين لا يقلُّون مكانة عن أي مبدع في مجال الثقافة والفكر، إنهم مكنزا معرفيا يجب تقديره حق قدره، ولعل هذه المكانة الثقافية التي يتميزون بها دفعت العديد من الدول إلى تخصيص أندية ومجالس للالتقاء بهم من قِبل الباحثين والمهتمين بالتراث الثقافي وتدوين الفكر، إضافة إلى تخصيص مكافآت ورواتب لهم مقابل ما يقدمونه من جهود ومعلومات وتاريخ يُسهم في تدوين التاريخ المروي للدولة، إضافة إلى مساهمة ما يقدمونه في دعم الإبداع والابتكار لفئة الشباب، مما يؤسس لمنظومة حضارية وثقافية مستدامة.
لهذا فإن إيلاء الرواة الإخباريين الذين يمثلون فئة كبار السن الأهمية التي يستحقونها لا ينبع من كونهم فئة مهمة من فئات المجتمع وحسب، بل ينبع من تلك المكانة الحضارية التي يتميزون بها، والتي تؤهلهم ليكونوا الأساس الفكري لثقافة المجتمع، والشاهد على أنماط الحياة المجتمعية، والتطورات التي حدثت على مر السنين، وبالتالي فهم المكنز الفكري الذي يجب المحافظة عليه، ورعايته بما يجعله قادرا على العطاء الوطني ومُسهما في البناء الثقافي في المجتمع.
إن رعاية كبار السن والاهتمام بهم يجب أن يتأسس بشكل تكاملي في منظومة قادرة على ضمان حقوقهم الاجتماعية والصحية والثقافية من ناحية، وتأكيد إدماجهم ومشاركتهم الفاعلة من ناحية أخرى؛ ذلك لأنهم لا ينتظرون منَّا تقديم الخدمات وحسب، بل ينتظرون التقدير المجتمعي والذي يكون في مقدمته تقدير مكانتهم الثقافية في المجتمع؛ فكم هي برامج ومشروعات التراث الثقافي التي قامت على ما يملكون من ذاكرة وخبرات، وكم هي المجلدات التي صدرت من قِبل المؤسسات أو الباحثين أو المهتمين التي ما كانت لتكون لولاهم.
ولنسأل أنفسنا بعد ذلك ماذا قدمنا لهم في مقابل ما قدموه من ساعات طويلة من وقتهم وجهدهم وصحتهم، فرغم سعادتهم الغامرة وهم يتحدثون عن مكامن فكرهم، ويفتحون خزائن معارفهم، ورغم ما يغالبونه من تعب أو مرض في سبيل تقديم هذا الواجب الوطني، إلاَّ أنهم لا يسألون عن مقابل، لكن علينا أن نقدرهم حق قدرهم، وأن نضعهم في المكانة التي يستحقونها، فماذا لو كان في كل محافظة سبلة للالتقاء بكبار السن والجلوس معهم والاستفادة منهم! ماذا لو استقطعت كل محافظة موازنة لجمع تراثها المروي بالتعاون مع المؤسسات المعنية! ماذا لو تم تكريم الرواة الإخباريين المساهمين في المشروعات الوطنية!
إننا ونحن نقرأ إحصائيات الوفيات جراء تداعيات كوفيد 19 وتأثيره على كبار السن، ندرك أننا لا نفقد آباءنا وأمهاتنا وحسب، بل نفقد معهم جزء من تاريخنا وموروثنا الفكري والأدبي، إننا فعلا نفقد ذاكرة وطن، فلنشمِّر عن سواعد الجِد ونعمل من أجل حمايتهم أولا، وحماية تاريخنا الثقافي ثانيا..
إضافة إلى ذلك فإن الإعاقة تؤدي إلى مضاعفة آثار جائحة كوفيد 19 ومخاطرها على كبار السن؛ حيث “تزيد نسبة كبار السن من ذوي الإعاقة على 46٪ من مجموع كبار السن، أكثر من 7 ملايين منهم يعانون من إعاقات متوسطة إلى شديدة”ـ كما ورد في نشرة الإسكواـ، كما أظهرت الأبحات التي تمت خلال الأعوام الماضية بشأن تأثير الجائحة أن خطر الوفاة يزداد بين المرضى الذين يعانون من أمراض أساسية (منها أمراض غير معدية)، وأن كبار السن يعانون من هذه الأمراض أكثر من غيرهم؛ حيث “تتراوح معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية لدى كبار السن بين 35 إلى 51 ٪”، مما يشير إلى أن الخطر عليهم يزداد بسبب الجائحة، وبالتالي يستوجب زيادة تغطية أنظمة الحماية الاجتماعية، والتكافل الاجتماعي من أجل الحد من ذلك الخطر والتقليل من تداعياته.
وفي سلطنة عمان تبلغ نسبة العمانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 ـ 80+ (3.7٪) بحسب ما ورد في (نتائج التعداد الإلكتروني 2020) الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وهي نسبة ليست قليلة إذا ما قورنت بعدد السكان العمانيين البالغ (2.731.456) ـ كما ورد في النتائج نفسها ـ، الأمر الذي يعني مزيدا من أنظمة الحماية الاجتماعية والصحية في ظل الظروف الراهنة التي تحتاج إلى التكافل الاجتماعي ليس من قِبل الحكومة وحدها بل من قِبل أفراد المجتمع جميعا، فكبار السن لا يحتاجون إلى الرعاية الصحية الجسدية فقط، بل رعاية صحتهم النفسية، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية والثقافية بين أسرتهم ومجتمعهم.
والحق أن الدولة قدمت وما زالت تقدم العديد من أنظمة الحماية الاجتماعية التي تكفل لكبار السن بشكل خاص التمتع بالرعاية الصحية والاجتماعية، وهناك برامج ومبادرات عديدة تم تقديمها من أجل ترسيخ هذه الأنظمة والتوعية بتبنيها من قِبل أفراد المجتمع، إضافة إلى ما يقدمه المجتمع المدني من عناية بكبار السن ورعاية بهم، فهم آباؤنا وأمهاتنا الذين قدموا جُلَّ ما يستطيعون خدمة لوطنهم ولمجتمعهم، وما يُمنح لهم اليوم ما هو إلاَّ أحد تلك الحقوق التي ينبغي أن تكون.
إن ما تقدمته الدولة لكبار السن لا يكمن في الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وحسب، بل أيضا في تلك البرامج والمشروعات البحثية التي تُعنى بجمع التراث الثقافي اعتماد على أهمية ذاكرتهم التاريخية وقدرتهم على السرد من ناحية، وأهمية ما شهدوه وما قدَّموه للوطن خلال الحُقب الماضية من ناحية أخرى؛ فكبار السن يُنظر إليهم بوصفهم (رواة إخباريين)، يُخبرون عن التاريخ والأدب والحياة الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، ويؤرخون لفترات مهمة من ذاكرة الوطن ما كانت لتبقى لولاهم. إن هذا الاهتمام الذي توليه الدولة لكبار السن من الناحية الثقافية يدل على رؤية سامية حكيمة، تنظر بعين الرعاية لهذه الفئة المهمة من المجتمع كونها تمثل جسرا حضاريا وثقافيا بين الأجيال.
يقول الباحث السنغالي آمادو هامباتي “إذا مات شيخ أفريقي فقد احترقت مكتبة”، هكذا يُنظر إلى كبار السن في المجتمعات التي تُقدِّر المخزون المعرفي الذي تملكه هذه الفئة المهمة من المجتمع، ولعلنا في تجارب عدة ضمن العمل في برامج ومشروعات التراث الثقافي لاحظنا عن قُرب الأهمية الحضارية والثقافية لهذه الذاكرة التي دُوِّن منها المجلدات من المعلومات التاريخية والفكرية والأدبية، التي ما فتأت تحرص على التعاون وتكالب التعب والجَهد والمرض من أجل تقديم ما تكنزه من المعارف باعتباره واجبا وطنيا.
وبقدر ما احتوت تلك الذاكرة على معارف وآداب وتاريخ وسير بقدر ما يهددها من فقدان بسبب المرض والعجز أو حتى الوفاة؛ ومن يعمل في ميدان جمع التراث المروي يعرف ذلك، بل يراه على الدوام، ويعرف أن هذه الذاكرة آيلة للسقوط والاندثار في أية لحظة، فإذا كنَّا قد دعونا مرارا إلى أهمية الإسراع في جمع ما تحويه ذاكرة الوطن التي يحملها كبار السن (الرواة الإحباريين)، فإننا اليوم ندعو اليوم إلى البدء حالا في دعم البرامج والمشروعات، والعمل على توسيع نطاق العمل ليشمل أكبر عدد ممكن من الرواة في شتى المجالات، فهذه الذاكرة لا تهددها الأمراض الأساسية وحسب بل تهددها جائحة أودت بالكثير من حاملي تراث الوطن، وجعلت من خطر الاندثار يبدو قريبا جدا.
يُصرِّح (ملخص السياسات. تأثير كوفيد 19 على كبار السن) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، أن معدل الوفيات بسبب جائحة كوفيد 19 وتداعياتها “لمن هم في فوق 80 عاما هي خمسة أضعاف المتوسط العالمي”، وهذا يعني أن مسؤوليتنا نحو هذه الفئة المجتمعية تتضاعف من حيث الرعاية الصحية أولا، ثم الرعاية الاجتماعية والثقافية، ولعل تأكيدنا هنا على الرعاية والدعم الثقافي يتأتى من الأهمية الثقافية لكبار السن، وأهمية تمكينهم مجتمعيا انطلاقا من تلك المكانة الثقافية التي يتميزون بها عن غيرهم من فئات المجتمع.
إن كبار السن باعتبارهم رواة إخباريين لا يقلُّون مكانة عن أي مبدع في مجال الثقافة والفكر، إنهم مكنزا معرفيا يجب تقديره حق قدره، ولعل هذه المكانة الثقافية التي يتميزون بها دفعت العديد من الدول إلى تخصيص أندية ومجالس للالتقاء بهم من قِبل الباحثين والمهتمين بالتراث الثقافي وتدوين الفكر، إضافة إلى تخصيص مكافآت ورواتب لهم مقابل ما يقدمونه من جهود ومعلومات وتاريخ يُسهم في تدوين التاريخ المروي للدولة، إضافة إلى مساهمة ما يقدمونه في دعم الإبداع والابتكار لفئة الشباب، مما يؤسس لمنظومة حضارية وثقافية مستدامة.
لهذا فإن إيلاء الرواة الإخباريين الذين يمثلون فئة كبار السن الأهمية التي يستحقونها لا ينبع من كونهم فئة مهمة من فئات المجتمع وحسب، بل ينبع من تلك المكانة الحضارية التي يتميزون بها، والتي تؤهلهم ليكونوا الأساس الفكري لثقافة المجتمع، والشاهد على أنماط الحياة المجتمعية، والتطورات التي حدثت على مر السنين، وبالتالي فهم المكنز الفكري الذي يجب المحافظة عليه، ورعايته بما يجعله قادرا على العطاء الوطني ومُسهما في البناء الثقافي في المجتمع.
إن رعاية كبار السن والاهتمام بهم يجب أن يتأسس بشكل تكاملي في منظومة قادرة على ضمان حقوقهم الاجتماعية والصحية والثقافية من ناحية، وتأكيد إدماجهم ومشاركتهم الفاعلة من ناحية أخرى؛ ذلك لأنهم لا ينتظرون منَّا تقديم الخدمات وحسب، بل ينتظرون التقدير المجتمعي والذي يكون في مقدمته تقدير مكانتهم الثقافية في المجتمع؛ فكم هي برامج ومشروعات التراث الثقافي التي قامت على ما يملكون من ذاكرة وخبرات، وكم هي المجلدات التي صدرت من قِبل المؤسسات أو الباحثين أو المهتمين التي ما كانت لتكون لولاهم.
ولنسأل أنفسنا بعد ذلك ماذا قدمنا لهم في مقابل ما قدموه من ساعات طويلة من وقتهم وجهدهم وصحتهم، فرغم سعادتهم الغامرة وهم يتحدثون عن مكامن فكرهم، ويفتحون خزائن معارفهم، ورغم ما يغالبونه من تعب أو مرض في سبيل تقديم هذا الواجب الوطني، إلاَّ أنهم لا يسألون عن مقابل، لكن علينا أن نقدرهم حق قدرهم، وأن نضعهم في المكانة التي يستحقونها، فماذا لو كان في كل محافظة سبلة للالتقاء بكبار السن والجلوس معهم والاستفادة منهم! ماذا لو استقطعت كل محافظة موازنة لجمع تراثها المروي بالتعاون مع المؤسسات المعنية! ماذا لو تم تكريم الرواة الإخباريين المساهمين في المشروعات الوطنية!
إننا ونحن نقرأ إحصائيات الوفيات جراء تداعيات كوفيد 19 وتأثيره على كبار السن، ندرك أننا لا نفقد آباءنا وأمهاتنا وحسب، بل نفقد معهم جزء من تاريخنا وموروثنا الفكري والأدبي، إننا فعلا نفقد ذاكرة وطن، فلنشمِّر عن سواعد الجِد ونعمل من أجل حمايتهم أولا، وحماية تاريخنا الثقافي ثانيا..