بصورة عامة قياس الأداء يستخدم لمعرفة مدى التقدم أو التحسين أو ارتفاع مستوى الجودة في المنتج أو الخدمة المقدمة للمستفيدين أوالعملاء. فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بمعدلات الإنتاجية واستخدام الموارد البشرية والمالية بكفاءة أفضل. عليه فإن الأداء الفردي هو المتعلق بالفرد ذاته سواء كان يعمل لحسابه الخاص أو يعمل لحساب مؤسسة خاصة أو عامة. أما الأداء المؤسسي (Institutional Performance) أو الأداء التنظيمي (Organisational Performance ) بمعنى آخر، فهو يأخذ اتجاهين: الاتجاه الأول هو الفاعلية (Effectiveness) والذي يؤدي إلى عمل رابط بين الأهداف والنتائج أو المخرجات. الاتجاه الثاني هو الكفاءة أو الجدارة ((Efficiency، والذي يشمل طرق تحليل التكلفة ومؤشرات الإنتاجية أو الدراسات المتعلقة بعامل الارتباط (Regression Analysis) الذي يستخدم في العمليات الإحصائية التي تعمل على بناء أو تقدير العلاقة بين المتغيرات، لذا فالنتيجة إما أن تكون علاقة إيجابية أو سلبية أو لا توجد أية علاقة بين تلك المتغيرات.
الأداء الفردي أو الإجادة الفردية هو نظام جديد لتقييم الأداء السنوي للموظفين تم تدشينه هذا العام في جميع الوحدات الحكومية ليحل محل النظام السابق غير المبني على الأهداف والنتائج. لا نخوض فيه كثيرا لأنه أخذ حقه من التعريف عبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها. ما يميز هذا النظام هو الشفافية والوضوح بين الموظف والمسؤول المباشر عند تحديد الخطط الفردية. من عوامل نجاحه هو الشراكة والتغذية الراجعة في سير عملية التقييم ومدى المقدرة على تحقيق الهدف حسب مؤشرات قياسه والتي عادة تكون إما تاريخا يقيس فترتين أو نسبة مئوية أو عددا. وصحيح أن الأداء الفردي يعتبر مقياسا للفرد نفسه ولكن الأهداف المراد إنجازها يجب أن تكون متسقة مع الأهداف التشغيلية أو الخطط الإستراتيجية للمؤسسة التي تكون التزمت بتحقيقها خلال فترة زمنية معينة. على وجه العموم الأداء الفردي هو الخطوة الأولى نحو التوجه إلى تطبيق الأداء المؤسسي، حيث إن درجة نجاحه على مستوى موظفي الوحدة يؤثر في التقدم الذي من الممكن أن تحرزه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها السنوية في الزمن المحدد لتنفيذها. ولكي نعطي توضيحا لمؤشرات الأداء المؤسسي فسوف نقسم بعض المؤشرات حسب القطاعات الإنتاجية.
القطاع الصحي: من القطاعات المهمة في كل دولة وشكله الهيكلي والتنظيمي يختلف حسب سياسة الدولة في تهيئة الخدمات الصحية المقدمة لمواطنيها. بعضها يعتبر الصحة قضية مفصلية، وعلى الدولة الإشراف عليها بالكامل والابتعاد عن إدخال القطاع الخاص في أن يكون شريكا مع الدولة ومثال ذلك النهج البريطاني فقلما تجد العيادات أو المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية، فكل القطاع يدار من قبل الحكومة. النهج الآخر هو النظام الأمريكي الذي يعتمد على التأمين الصحي في تقديم خدمات الرعاية الصحية هذا النهج يتم استخدامه من قبل دول عدة منها دول الخليج العربية، أما نهج التأمين الصحي في سلطنة عمان فهو في طور الاعتماد النهائي لتطبيقه في مرحلته الأولى على العاملين العمانيين في القطاع الخاص. بمعنى أن بناء مؤشرات الأداء للقطاع الخاص يتحدد بنوعية وهيكلية إدارة هذا المرفق المهم. حيث يتم تحديد مؤشرات قياس الأنشطة والقطاعات الإنتاجية عادة من الهدف العام الذي من أجله تم إنشاء أو توفير الخدمة. ففي القطاع الصحي يعتبر الفرد أو المريض هو محور العملية الصحية. وعليه قد يقاس الأداء المؤسسي بها بناء على قوة النظام الصحي في توفير العلاج أو الدواء أو رؤية الطبيب في وقت مناسب بما لا تؤثر درجة التأخير في إلحاق الضرر بالمريض وتدهور حالته الصحية. ولعل من مؤشرات قياس الأداء المؤسسي للقطاع الصحي أيضا هو عدد الأسرة بالمستشفيات قياسا بعدد السكان على سبيل المثال كم سرير لكل 100.000 نسمة. هذا المؤشر أحدث تفاوتا كبيرا بين الدول عند مجابهة وباء كوفيد-19 حيث استطاعت الدول التي كان مؤشر عدد الأسرة فيها مرتفعا في تقديم خدمات صحية أفضل. ومؤشر آخر قد يكون مدة انتظار المواعيد في العيادات الخارجية أو المراكز الصحية أو مواعيد إجراء العمليات الجراحية المتقدمة فتكون مدة الانتظار هي أداة القياس المؤسسي بشكل عام. أيضا مؤشر آخر وهو مدى التحسن في الميزانية المخصصة للرعاية الصحية قياسا بالميزانية السنوية للدولة. وممكن قياس الخدمة الصحية بمدى توفير العلاج للجميع بشكل متساو وعادل دون تفرقة بينهم بسبب المكانة الاجتماعية أو المنصب، أيضا مؤشر صحي آخر هو جودة الخدمة الصحية والتي ممكن قياسها بعدد العمليات الجراحية ونسبة نجاحها مقارنة بعدد الشكوى المقدمة من المرضى أو عدد الأخطاء الطبية.
القطاع التعليمي ما قبل الجامعي: هي المرحلة الدراسية التي تسبق الدخول للدراسة الجامعية. قطاع التعليم يكون محور العملية التعليمية فيه هو الطالب الذي تبنى عليه الأهداف التعليمية التشغيلية منها والاستراتيجية. فهناك مؤشرات مؤسسية تتعلق بجودة المخرجات ومدى تمكنها من استكمال مشوار التعلم للصفوف الدراسية (1-12) حيث يقاس ذلك بالفاقد العددي الذي يفترض أن يكون قليلا بين إجمالي عدد الطلاب. بمعنى آخر المؤشر يقيس مدى تحسن معدلات التسرب الدراسية الناتجة عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية أو بسبب عدم تهيئة الناشئة للدراسة بشكل أفضل. ولعل مبدأ إلزامية التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي المنتظر تطبيقها عملا بالنظام الأساسي للدولة، سوف تعمل على سد الفجوة في تقليل معدلات التسرب الدراسي وتحسين مؤشرات عدد الطلاب المتعلمين. كما أن هناك مؤشرات مؤسسية مهمة وهي نسبة عدد المعلمين مقارنة بعدد الطلاب حيث إن ارتفاع النسبة يعني تقليلا في العبء الدراسي للمعلم وتخفيضا في الكثافة الصفية. أيضا من المؤشرات المهمة هي نسبة اجتياز مخرجات التعليم العام لمتطلبات اللغة الإنجليزية والرياضيات والحاسب الآلي عند بداية تعليمهم الجامعي، حيث إنها تعطي دلالة قوية على جودة مخرجات التعليم قبل الجامعي.
قطاع التعليم الجامعي: هذا القطاع شبيه بالقطاع السابق المستهدف فيه هو الطالب الجامعي. لعل أهم مؤشر مؤسسي تتبارى فيه أغلب الجامعات العريقة والحديثة هو الفترة الزمنية التي يقضيها الخريج في البحث عن وظيفة بعد تخرجه وحتى التحاقه بالعمل والتي عادة تكون في حدود 6 أشهر في حال الأوضاع الاقتصادية العادية. فكلما قلّت تلك الفترة أعطت مؤشرا مؤسسيا للجامعة بجودة الطالب الخريج. أيضا مؤشر عدد الخريجين قياسا بعدد الطلاب المقبولين في سنة معينة، بمعنى مدى تمكن الطالب من التخرج حسب الخطة الدراسية عند دخوله الجامعة. حيث أصبحت بعض الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية تقيس المؤشر المؤسسي للجامعات بناء على تحسن عدد الخريجين كل عام. وقد يتم فرض قيود في حال كان سجل الجامعة غير جيد في مؤشر عدد الخريجين وعدد الذين يتركون الجامعة في المراحل الدراسية الجامعية. أيضا مؤشر الخريجين ومؤشر التسرب الطلابي (Attrition Rate ) عادة تستخدمه بعض وكالات الاعتماد الأكاديمي بياناتٍ لقياس الاستفادة من اعتماد البرامج الأكاديمية ومدى تأثير الاعتماد في تحسين تلك المؤشرات من عدمه. وعلى المستوى العالمي تواجه أغلب جامعات العالم تحديا حقيقيا في تحسين معدلي عدد الخريجين والتسرب، ومنها الدول الخليجية، حيث أشار معهد ماكنيزي للأبحاث (2015)، إلى أن إحدى الدول الخليجية يصل معدل التسرب لطلاب المرحلة الجامعية بها إلى 50%، بمعنى آخر، بأن نصف الذين يلتحقون بمقاعد الدراسة الجامعية يتخرجون والنصف الآخر يتركون الجامعة أثناء سنوات الدراسة. معدل التسرب يكون مرتبطا بمؤشر مؤسسي آخر وهو معدل الاستبقاء (Retention)، والذي تحاول أغلب الجامعات تحسينه من سنة إلى سنة أخرى بحيث في نهاية المطاف يسهم في تحسين معدل الخريجين. وأيضا الأداء المؤسسي الجامعي عادة يقاس بأدوات أخرى تتحكم فيها مؤسسات خارجية مثل التصنيفات العالمية للجامعات، حيث إن التحسن في أي منها يعتبر أداء مميزا لتلك الجامعة لأن أغلب التصنيفات تأخذ معايير معينة عند تقييم الجامعات منها على سبيل المثال، عدد الأوراق العلمية المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المحكمة، عدد مرات الاقتباس لأعضاء هيئة التدريس، نسبة الطلاب الدوليين، نسبة طلاب الماجستير والدكتوراه مقارنة بعدد طلاب الدراسات الجامعية. كما أن أهم مؤشر يعمل على تحسين التصنيف العالمي للجامعات هو عدد براءات الاختراع والحصول على جوائز مرموقة مثل جوائز نوبل التي تمنح بشكل سنوي. المؤشر الأخير عادة ما تستحوذ عليه الجامعات المرموقة المصنفة ضمن افضل 10 جامعات على مستوى العالم.
قطاع التنمية الاجتماعية: أيضا من القطاعات الهامة لارتباطه بالحياة الاجتماعية للأفراد من الطفولة وحتى مرحلة الشيخوخة مع تأثر تلك الحياة بالتداعيات الأسرية والاقتصادية والمعيشية. حيث تدخل مؤشرات عديدة ضمن برامج التنمية الاجتماعية منها رعاية الدولة للأيتام والأرامل والمطلقات وكبار السن وأصحاب الدخل المحدود، عليه فإن تلك الفئات يكون المؤشر المؤسسي هو درجة تمكن الجهة الحكومية المختصة من تحقيق مستوى أفضل من الحماية الاجتماعية مقارنة بحجم وعدد الطلبات المستحقة أو مقارنة بعددهم على مستوى الدولة.
من تلك المؤشرات أيضا مدى التحسن في الحد من حالات الطلاق في المجتمع مقارنة بعدد السكان لكل منطقة أو نطاق جغرافي معين. كذلك من المؤشرات ما يتعلق بالتوعية والتثقيف المجتمعي وعدد الدورات أو الزيارات التوعوية، وأيضا مدى تمكن أصحاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدود من استكمال أولادهم للمراحل الدراسية الجامعية الأمر الذي يساعدهم ليكونوا منتجين ومنخرطين في المجتمع. ولعل مؤشر جودة الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة مقارنة بعددهم على المستوى الوطني يعد من المؤشرات المؤسسية التي تدخل ضمن نطاق الحماية أو التنمية الاجتماعية.
قطاع العمل والتشغيل: بشكل عام يعتمد هذا القطاع بمدى قدرة القطاعات الإنتاجية في الدولة بكل فئاتها، العمل الحر، العمل الحكومي والخاص من توفير وإيجاد وظائف للباحثين عن العمل. فهناك مؤشر يتم فيه قياس معدل الباحثين عن العمل في فترة زمنية معينة وفي نطاق جغرافي معين. هذا المؤشر يفترض أن يعطى أهمية من حيث التمكين وذلك ببناء نظام إلكتروني يحسب معدل الباحثين عن العمل والذي يقيس عدد الباحثين عن العمل مقسوما على إجمالي قوة العمل الوطنية ويمكن أن يستخرج المعدل بشكل أسبوعي أو شهري أوسنوي. هذه الطريقة تساعد متخذي القرار من معرفة مدى تحرك نسبة التوظيف قياسا بنسبة الأيدي العاملة الوافدة غير العمانية. حيث يلاحظ بأن هناك جهدا وطنيا نحو وضع مؤشرات قياس أداء مؤسسية تسهم في معرفة بيانات وتصنيف الوظائف الماهرة وغير الماهرة وقياس ذلك على حجم الطلب من الوظائف بسوق العمل والتشغيل على المستوى الوطني.
عليه وتجدر الإشارة إلى أن جميع القطاعات السالفة الذكر، لا يمكن لها النجاح في تحقيق مؤشرات الأداء المؤسسي إلا بتكامل وتشارك الأدوار المؤسسية لجميع هياكل الدولة في العمل بشكل متناغم. على سبيل المثال تحسين مؤشرات جودة التعليم الأساسي والجامعي تكمن أساسا في مدى ملاءمة وتوفير الكفاءات الوطنية التي تحتاجها العملية التعليمية وأيضا تهيئة البيئة المدرسية والجامعية بشكل ملائم من حيث تجويد الخدمات المساندة المقدمة للطالب. أيضا تحسن مؤشر الجامعات الوطنية في تصنيف الجامعات على المستوى العالمي يحتاج إلى فهم مشترك بين الجهات المانحة للموارد المالية ومؤسسات التعليم في توفير الكادر الأكاديمي وتأهيله وتدريبه علميا، لأنه هو الممكن الأساسي في تحسين مؤشر التعليم بشكل عام.
وودعا جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في أكثر من مناسبة إلى تكامل الأدوار في عمل مؤسسات الدولة. وعليه نختم بالقول بأن قياس الأداء المؤسسي هو نظام مخطط له من قبل الحكومة وينتظر الدور التنفيذي في تطبيقه بداية من عام 2023م، وذلك بعدما يكمل نظام قياس الأداء الفردي عامه الأول والذي تم تدشينه مطلع العام 2022م.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس
الأداء الفردي أو الإجادة الفردية هو نظام جديد لتقييم الأداء السنوي للموظفين تم تدشينه هذا العام في جميع الوحدات الحكومية ليحل محل النظام السابق غير المبني على الأهداف والنتائج. لا نخوض فيه كثيرا لأنه أخذ حقه من التعريف عبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها. ما يميز هذا النظام هو الشفافية والوضوح بين الموظف والمسؤول المباشر عند تحديد الخطط الفردية. من عوامل نجاحه هو الشراكة والتغذية الراجعة في سير عملية التقييم ومدى المقدرة على تحقيق الهدف حسب مؤشرات قياسه والتي عادة تكون إما تاريخا يقيس فترتين أو نسبة مئوية أو عددا. وصحيح أن الأداء الفردي يعتبر مقياسا للفرد نفسه ولكن الأهداف المراد إنجازها يجب أن تكون متسقة مع الأهداف التشغيلية أو الخطط الإستراتيجية للمؤسسة التي تكون التزمت بتحقيقها خلال فترة زمنية معينة. على وجه العموم الأداء الفردي هو الخطوة الأولى نحو التوجه إلى تطبيق الأداء المؤسسي، حيث إن درجة نجاحه على مستوى موظفي الوحدة يؤثر في التقدم الذي من الممكن أن تحرزه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها السنوية في الزمن المحدد لتنفيذها. ولكي نعطي توضيحا لمؤشرات الأداء المؤسسي فسوف نقسم بعض المؤشرات حسب القطاعات الإنتاجية.
القطاع الصحي: من القطاعات المهمة في كل دولة وشكله الهيكلي والتنظيمي يختلف حسب سياسة الدولة في تهيئة الخدمات الصحية المقدمة لمواطنيها. بعضها يعتبر الصحة قضية مفصلية، وعلى الدولة الإشراف عليها بالكامل والابتعاد عن إدخال القطاع الخاص في أن يكون شريكا مع الدولة ومثال ذلك النهج البريطاني فقلما تجد العيادات أو المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية، فكل القطاع يدار من قبل الحكومة. النهج الآخر هو النظام الأمريكي الذي يعتمد على التأمين الصحي في تقديم خدمات الرعاية الصحية هذا النهج يتم استخدامه من قبل دول عدة منها دول الخليج العربية، أما نهج التأمين الصحي في سلطنة عمان فهو في طور الاعتماد النهائي لتطبيقه في مرحلته الأولى على العاملين العمانيين في القطاع الخاص. بمعنى أن بناء مؤشرات الأداء للقطاع الخاص يتحدد بنوعية وهيكلية إدارة هذا المرفق المهم. حيث يتم تحديد مؤشرات قياس الأنشطة والقطاعات الإنتاجية عادة من الهدف العام الذي من أجله تم إنشاء أو توفير الخدمة. ففي القطاع الصحي يعتبر الفرد أو المريض هو محور العملية الصحية. وعليه قد يقاس الأداء المؤسسي بها بناء على قوة النظام الصحي في توفير العلاج أو الدواء أو رؤية الطبيب في وقت مناسب بما لا تؤثر درجة التأخير في إلحاق الضرر بالمريض وتدهور حالته الصحية. ولعل من مؤشرات قياس الأداء المؤسسي للقطاع الصحي أيضا هو عدد الأسرة بالمستشفيات قياسا بعدد السكان على سبيل المثال كم سرير لكل 100.000 نسمة. هذا المؤشر أحدث تفاوتا كبيرا بين الدول عند مجابهة وباء كوفيد-19 حيث استطاعت الدول التي كان مؤشر عدد الأسرة فيها مرتفعا في تقديم خدمات صحية أفضل. ومؤشر آخر قد يكون مدة انتظار المواعيد في العيادات الخارجية أو المراكز الصحية أو مواعيد إجراء العمليات الجراحية المتقدمة فتكون مدة الانتظار هي أداة القياس المؤسسي بشكل عام. أيضا مؤشر آخر وهو مدى التحسن في الميزانية المخصصة للرعاية الصحية قياسا بالميزانية السنوية للدولة. وممكن قياس الخدمة الصحية بمدى توفير العلاج للجميع بشكل متساو وعادل دون تفرقة بينهم بسبب المكانة الاجتماعية أو المنصب، أيضا مؤشر صحي آخر هو جودة الخدمة الصحية والتي ممكن قياسها بعدد العمليات الجراحية ونسبة نجاحها مقارنة بعدد الشكوى المقدمة من المرضى أو عدد الأخطاء الطبية.
القطاع التعليمي ما قبل الجامعي: هي المرحلة الدراسية التي تسبق الدخول للدراسة الجامعية. قطاع التعليم يكون محور العملية التعليمية فيه هو الطالب الذي تبنى عليه الأهداف التعليمية التشغيلية منها والاستراتيجية. فهناك مؤشرات مؤسسية تتعلق بجودة المخرجات ومدى تمكنها من استكمال مشوار التعلم للصفوف الدراسية (1-12) حيث يقاس ذلك بالفاقد العددي الذي يفترض أن يكون قليلا بين إجمالي عدد الطلاب. بمعنى آخر المؤشر يقيس مدى تحسن معدلات التسرب الدراسية الناتجة عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية أو بسبب عدم تهيئة الناشئة للدراسة بشكل أفضل. ولعل مبدأ إلزامية التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي المنتظر تطبيقها عملا بالنظام الأساسي للدولة، سوف تعمل على سد الفجوة في تقليل معدلات التسرب الدراسي وتحسين مؤشرات عدد الطلاب المتعلمين. كما أن هناك مؤشرات مؤسسية مهمة وهي نسبة عدد المعلمين مقارنة بعدد الطلاب حيث إن ارتفاع النسبة يعني تقليلا في العبء الدراسي للمعلم وتخفيضا في الكثافة الصفية. أيضا من المؤشرات المهمة هي نسبة اجتياز مخرجات التعليم العام لمتطلبات اللغة الإنجليزية والرياضيات والحاسب الآلي عند بداية تعليمهم الجامعي، حيث إنها تعطي دلالة قوية على جودة مخرجات التعليم قبل الجامعي.
قطاع التعليم الجامعي: هذا القطاع شبيه بالقطاع السابق المستهدف فيه هو الطالب الجامعي. لعل أهم مؤشر مؤسسي تتبارى فيه أغلب الجامعات العريقة والحديثة هو الفترة الزمنية التي يقضيها الخريج في البحث عن وظيفة بعد تخرجه وحتى التحاقه بالعمل والتي عادة تكون في حدود 6 أشهر في حال الأوضاع الاقتصادية العادية. فكلما قلّت تلك الفترة أعطت مؤشرا مؤسسيا للجامعة بجودة الطالب الخريج. أيضا مؤشر عدد الخريجين قياسا بعدد الطلاب المقبولين في سنة معينة، بمعنى مدى تمكن الطالب من التخرج حسب الخطة الدراسية عند دخوله الجامعة. حيث أصبحت بعض الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية تقيس المؤشر المؤسسي للجامعات بناء على تحسن عدد الخريجين كل عام. وقد يتم فرض قيود في حال كان سجل الجامعة غير جيد في مؤشر عدد الخريجين وعدد الذين يتركون الجامعة في المراحل الدراسية الجامعية. أيضا مؤشر الخريجين ومؤشر التسرب الطلابي (Attrition Rate ) عادة تستخدمه بعض وكالات الاعتماد الأكاديمي بياناتٍ لقياس الاستفادة من اعتماد البرامج الأكاديمية ومدى تأثير الاعتماد في تحسين تلك المؤشرات من عدمه. وعلى المستوى العالمي تواجه أغلب جامعات العالم تحديا حقيقيا في تحسين معدلي عدد الخريجين والتسرب، ومنها الدول الخليجية، حيث أشار معهد ماكنيزي للأبحاث (2015)، إلى أن إحدى الدول الخليجية يصل معدل التسرب لطلاب المرحلة الجامعية بها إلى 50%، بمعنى آخر، بأن نصف الذين يلتحقون بمقاعد الدراسة الجامعية يتخرجون والنصف الآخر يتركون الجامعة أثناء سنوات الدراسة. معدل التسرب يكون مرتبطا بمؤشر مؤسسي آخر وهو معدل الاستبقاء (Retention)، والذي تحاول أغلب الجامعات تحسينه من سنة إلى سنة أخرى بحيث في نهاية المطاف يسهم في تحسين معدل الخريجين. وأيضا الأداء المؤسسي الجامعي عادة يقاس بأدوات أخرى تتحكم فيها مؤسسات خارجية مثل التصنيفات العالمية للجامعات، حيث إن التحسن في أي منها يعتبر أداء مميزا لتلك الجامعة لأن أغلب التصنيفات تأخذ معايير معينة عند تقييم الجامعات منها على سبيل المثال، عدد الأوراق العلمية المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المحكمة، عدد مرات الاقتباس لأعضاء هيئة التدريس، نسبة الطلاب الدوليين، نسبة طلاب الماجستير والدكتوراه مقارنة بعدد طلاب الدراسات الجامعية. كما أن أهم مؤشر يعمل على تحسين التصنيف العالمي للجامعات هو عدد براءات الاختراع والحصول على جوائز مرموقة مثل جوائز نوبل التي تمنح بشكل سنوي. المؤشر الأخير عادة ما تستحوذ عليه الجامعات المرموقة المصنفة ضمن افضل 10 جامعات على مستوى العالم.
قطاع التنمية الاجتماعية: أيضا من القطاعات الهامة لارتباطه بالحياة الاجتماعية للأفراد من الطفولة وحتى مرحلة الشيخوخة مع تأثر تلك الحياة بالتداعيات الأسرية والاقتصادية والمعيشية. حيث تدخل مؤشرات عديدة ضمن برامج التنمية الاجتماعية منها رعاية الدولة للأيتام والأرامل والمطلقات وكبار السن وأصحاب الدخل المحدود، عليه فإن تلك الفئات يكون المؤشر المؤسسي هو درجة تمكن الجهة الحكومية المختصة من تحقيق مستوى أفضل من الحماية الاجتماعية مقارنة بحجم وعدد الطلبات المستحقة أو مقارنة بعددهم على مستوى الدولة.
من تلك المؤشرات أيضا مدى التحسن في الحد من حالات الطلاق في المجتمع مقارنة بعدد السكان لكل منطقة أو نطاق جغرافي معين. كذلك من المؤشرات ما يتعلق بالتوعية والتثقيف المجتمعي وعدد الدورات أو الزيارات التوعوية، وأيضا مدى تمكن أصحاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدود من استكمال أولادهم للمراحل الدراسية الجامعية الأمر الذي يساعدهم ليكونوا منتجين ومنخرطين في المجتمع. ولعل مؤشر جودة الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة مقارنة بعددهم على المستوى الوطني يعد من المؤشرات المؤسسية التي تدخل ضمن نطاق الحماية أو التنمية الاجتماعية.
قطاع العمل والتشغيل: بشكل عام يعتمد هذا القطاع بمدى قدرة القطاعات الإنتاجية في الدولة بكل فئاتها، العمل الحر، العمل الحكومي والخاص من توفير وإيجاد وظائف للباحثين عن العمل. فهناك مؤشر يتم فيه قياس معدل الباحثين عن العمل في فترة زمنية معينة وفي نطاق جغرافي معين. هذا المؤشر يفترض أن يعطى أهمية من حيث التمكين وذلك ببناء نظام إلكتروني يحسب معدل الباحثين عن العمل والذي يقيس عدد الباحثين عن العمل مقسوما على إجمالي قوة العمل الوطنية ويمكن أن يستخرج المعدل بشكل أسبوعي أو شهري أوسنوي. هذه الطريقة تساعد متخذي القرار من معرفة مدى تحرك نسبة التوظيف قياسا بنسبة الأيدي العاملة الوافدة غير العمانية. حيث يلاحظ بأن هناك جهدا وطنيا نحو وضع مؤشرات قياس أداء مؤسسية تسهم في معرفة بيانات وتصنيف الوظائف الماهرة وغير الماهرة وقياس ذلك على حجم الطلب من الوظائف بسوق العمل والتشغيل على المستوى الوطني.
عليه وتجدر الإشارة إلى أن جميع القطاعات السالفة الذكر، لا يمكن لها النجاح في تحقيق مؤشرات الأداء المؤسسي إلا بتكامل وتشارك الأدوار المؤسسية لجميع هياكل الدولة في العمل بشكل متناغم. على سبيل المثال تحسين مؤشرات جودة التعليم الأساسي والجامعي تكمن أساسا في مدى ملاءمة وتوفير الكفاءات الوطنية التي تحتاجها العملية التعليمية وأيضا تهيئة البيئة المدرسية والجامعية بشكل ملائم من حيث تجويد الخدمات المساندة المقدمة للطالب. أيضا تحسن مؤشر الجامعات الوطنية في تصنيف الجامعات على المستوى العالمي يحتاج إلى فهم مشترك بين الجهات المانحة للموارد المالية ومؤسسات التعليم في توفير الكادر الأكاديمي وتأهيله وتدريبه علميا، لأنه هو الممكن الأساسي في تحسين مؤشر التعليم بشكل عام.
وودعا جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في أكثر من مناسبة إلى تكامل الأدوار في عمل مؤسسات الدولة. وعليه نختم بالقول بأن قياس الأداء المؤسسي هو نظام مخطط له من قبل الحكومة وينتظر الدور التنفيذي في تطبيقه بداية من عام 2023م، وذلك بعدما يكمل نظام قياس الأداء الفردي عامه الأول والذي تم تدشينه مطلع العام 2022م.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس