التقاه - خليل الكلباني:

صحة الإنسان هي أهم ما يملكه في هذه الحياة، فكما قالوا الجسم السليم في العقل السليم، وشهر رمضان المبارك يعتبر فرصة لإثبات هذه المقولة، بحيث أنك تجد الكثير من الناس يهتمون بلياقتهم البدنية وتغذيتهم الصحية في شهر رمضان بشكل أفضل من الأيام العادية، كما أنها فرصة ذهبية لمن يسعى إلى إنقاص وزنه أو تحسين لياقته البدنية والحصول على جسم صحي وسليم خلال هذا الشهر والعمل على نظام مشي رياضي متوازن لكبار السن لمساعدتهم على تقوية مناعتهم الجسمية والبدنية، كذلك هو فرصة لتعزيز صحة الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة وأمراض السكري وغيرها بوضع نظام غذائي متناسب مع روتينهم اليومي في شهر رمضان.

«عُمان» تحدثت في هذه المساحة إلى حسين بن علي الناصري اختصاصي تغذية ورئيس قسم التغذية العلاجية بمستشفى نزوى، حول صحة الإنسان وكيفية الحفاظ على عادات غذاء سليم وصحي في شهر رمضان المبارك.

وحول كيفية المحافظة على جسم صحي وسليم في شهر رمضان المبارك يقول الدكتور الناصري: من المهم جداً الانتظام في نمط حياة صحي يشمل النوم لساعات كافية، وتناول غذاء متنوع بكميات مناسبة لاحتياجات الجسم وممارسة الرياضة بشكل يومي لمدة 30 دقيقة على الأقل، كما انه من الضروري جداً المحافظة على عوامل أساسية تشمل الابتعاد عن مسببات التوتر والإجهاد، بالإضافة إلى إعطاء الجسم حاجته من الماء خلال ساعات الإفطار (ما بعد الفطور إلى وقت الإمساك) ومن بقية العناصر الغذائية الأساسية مثل الكربوهيدرات والبروتينات والدهون، والفيتامينات والمعادن.

ويضيف: إن لكل من هذه العناصر عدة وظائف في جسم الإنسان، فمثلا تعتبر الكربوهيدرات من أهم مصادر الطاقة للجسم حيث تقوم بإمداد الجسم بالطاقة والحرارة اللازمة للأنشطة الإرادية واللاإرادية وهي تنقسم إلى مجموعة من السكريات البسيطة والمعقدة، ولها مصادر كثيرة مثل الأرز ومنتجات القمح والمعجنات بالإضافة إلى الخضروات الورقية والنشوية والبقوليات بكميات متفاوتة.

كما أن الدهون تعتبر من مصادر الطاقة والحرارة المركزة، بحيث إن الجرام الواحد منها يعطي 9 سعرات حرارية، وتعتبر ضرورية للجسم ولكن بكميات متفاوتة حسب المصدر، وتنقسم الدهون إلى دهون مشبعة وأخرى غير مشبعة، وتقترح معظم الأنظمة الغذائية ضرورة تناول الدهون باعتدال مع ضرورة التخفيف من تناول الدهون المشبعة مثل (السمن/زيت النارجيل/ الزيوت المهدرجة)، كما أن التوصيات تميل إلى إمكانية تناول كميات معتدلة من الزيوت النباتية غير المشبعة مثل زيت الزيتون والشوران والكتان.

كما أشار الناصري إلى أن البروتينات، بحيث إنها تعتبر من العناصر المهمة جداً في بناء العضلات وتجديد الخلايا التالفة وترميم الجسم وأيضاً تدخل في عمليات تصنيع الهرمونات والإنزيمات داخل الجسم ولها مصادر حيوانية مثل اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك وغيرها بالإضافة إلى مصادر نباتية مثل البقول والمكسرات.

وأكد أيضا في سياق حديثه إلى أن الفيتامينات عناصر مهمة جداً لمراقبة وتنظيم الوظائف الحيوية داخل الجسم وتنقسم إلى قسمين؛ فمنها الذائبة في الدهون (مثل فيتامين أ/د/ه/ك) والتي يتم تخزينها في الأنسجة الدهنية لمدة طويلة نوعًا ما، والتي ينبغي تناولها ضمن حدود مناسبة خوفاً من المشاكل المرتبطة بزيادة تركيزها داخل الجسم، وأما القسم الثاني فهي الفيتامينات الذائبة في الماء مثل مجموعة فيتامين «ب» وفيتامين «ج» وعادةً ما يتم إفراز وإخراج الفيتامينات الذائبة في الماء بشكل أسرع، وتختلف المصادر باختلاف نوع الفيتامين المطلوب فمثلا يتوفر فيتامين بشكل كبير في الفلفل الأخضر والحمضيات أما مجموعة فيتامينات «ب» فتتوفر من خلال المنتجات الحيوانية مثل البيض والحليب بالإضافة إلى بعض المصادر النباتية مثل الخضروات والفواكه.

أما العناصر المعدنية فهي عناصر يحتاج إليها الجسم بكميات محددة وتساهم في الكثير من العمليات داخل الجسم، فمثلا الحديد يدخل في تركيب هيموجلوبين الدم وأما الكالسيوم والفسفور فلها علاقة قوية بتكون العظام والمحافظة على تماسكها وكثافتها.

أغذية مضرة !

وتحدث الطبيب الناصري عن الأغذية التي تضر صحة جسم الإنسان في وقت الإفطار في شهر رمضان، مشيرا إلى أنه غالبا ما يكون الإكثار من الأكل في أول وقت الإفطار عموماً ضاراً بصحة الإنسان، ويسبب زيادة في مشاكل التخمة والغثيان وحتى مشاكل الجهاز الهضمي مثل الحموضة والارتجاع المريئي، وعليه فإننا ننصح دائماً بضرورة تقسيم الإفطار على مرحلتين، بحيث تكون الأفضلية للتمر والماء والقليل من اللبن في المرحلة الأولى، بحيث تساهم هذه المواد في استعادة مخزون الجسم من السكريات المفقودة بالإضافة إلى إعطاء كمية مناسبة من السوائل لتعويض جزء من السوائل المفقودة خلال النهار، وفي المرحلة الثانية والتي يفضل أن تكون بعد أداء صلاة المغرب بحيث يتناول الإنسان نوعا من الحساء (الشوربة) والتي يفترض أن تمد الجسم بالعديد من العناصر الغذائية النافعة، كما انها تهيئ المعدة للوجبات الأخرى اللاحقة، على أنه يفضل تجنب تناول الأطعمة عالية السكر أو الدهون في أول وجبة الإفطار لما لهذه الأطعمة من آثار جانبية، فمنها ما يساهم في رفع كمية الأنسولين المنتجة من البنكرياس كما أن بعضها يزيد من الشعور بالتخمة نتيجة بقاء الأطعمة الدهنية لفترات طويلة دون هضم كامل.

كذلك ينبغي التقليل من المنبهات مثل الشاي والقهوة لأنها تحتوي على مركب الكافيين والذي يمكن أن يعيق امتصاص العناصر الغذائية بالإضافة إلى أنه يعمل على تسريع الدورة الدموية والتي قد تسبب تأخير عملية الهضم داخل المعدة، وكما أنها تزيد أيضا من إدرار البول وبالتالي تساهم في خروج الأملاح من الجسم وترفع من معدل الجفاف. ممارسة الرياضة

وحول نصائح الأطباء وخبراء التغذية للحفاظ على رشاقة الجسم في رمضان يقول : ينبغي الانتباه إلى الصحة بمنظور أشمل، حيث إن لكل مرحلة عمرية يمر بها الإنسان في حياته محددات ومتطلبات تغذوية وفسيولوجية، فكما يحتاج الإنسان إلى الطاقة بمعدلات متفاوتة حسب الجنس والعمر، فإنه أيضا يحتاج إلى النشاط البدني والحركة بشكل عام، حيث إن لهما دوراً مهما في تدعيم الجهاز المناعي للجسم من حيث قدرة الجسم على بناء الكتلة العضلية المناسبة، بالإضافة إلى دوره في خفض مستويات السكر بالدم واستعمال الطاقة الزائدة والمخزنة في الكبد والعضلات قبل أن تتحول إلى أنسجة دهنية في الجسم، حيث وجد أنها تساهم في رفع معدلات زيادة الوزن والسمنة .

وأضاف: في رمضان يمكن للإنسان السليم ممارسة الرياضة حسب حالته الصحية، ووفقاً لتعليمات الفريق الطبي إذا كان يعاني من أي مشكلة صحية، ولكن يفضل دائماً الانتباه إلى الوقت المناسب، والانتباه لدرجة الحرارة في الأوساط الخارجية، مع تجنب ممارسة الرياضة الشاقة أو المجهدة قبل الإفطار بساعات طويلة، حيث إنها تزيد من احتمالية الإصابات العضلية والجفاف والإجهاد ، كما ينبغي أيضا الانتباه إلى إمكانية ممارسة الرياضة بعد الوجبات بساعتين أو ثلاث ساعات حتى يكون هناك وقت كاف لهضم الطعام وبالتالي تقل مشكلات سوء الهضم والتلبك المعوي، مع ضرورة تهيئة الجسم مسبقا خلال وقت الإفطار من حيث تناول كميات كافية من الماء الصافي أو من خلال الأطعمة المحتوية على الماء.

كفاءة الجهاز الهضمي !

وعن المأكولات والوجبات التي ينصح بالإكثار منها في شهر رمضان أشار إلى أن الاعتدال أساس من أساسيات التغذية عموماً ولكن قد يتم تفضيل بعض الأطعمة على غيرها من خلال احتوائها على عناصر غذائية معينة، أو لتمتعها بخصائص غذائية معينة بعد تناولها، وخير بداية لهذه الأصناف هو الماء، لأنه شريان الحياة الأساسي فوجوده مهم للحفاظ على درجة حرارة الجسم وأيضاً لإتمام الكثير من التفاعلات الكيميائية داخل الجسم بالإضافة إلى دوره في تسهيل عملية الهضم والحفاظ على ليونة الجسم وكفاءة الجهاز الهضمي والجسم بشكل عام.

أما الأغذية الأخرى التي تعتبر مناسبة (بكميات معتدلة) في وجبة الإفطار فهي الخضروات بشكل عام بالإضافة إلى أصناف الفواكه مثل التمر والزبيب والتين والموز والتفاح والأناناس والرمان لاحتوائها على عنصر البوتاسيوم و الألياف، التي تساعد على توافر السوائل في الجسم، وتقلل من الشعور بالعطش خلال ساعات النهار، وتساهم في عملية الهضم ومكافحة الإمساك، كما أنها تساهم في تصحيح انخفاض سكر الدم نتيجة العمل في ساعات النهار، كما ينصح أن تكون الأطباق الرئيسية من الأصناف المحتوية على منتجات القمح الكامل أو الأرز البني، بالإضافة إلى تغيير طريقة تحضيرها بحيث تقل كمية زيت الطبخ المستعملة في التحضير ويمكن الاتجاه إلى الوسائل الجدية مثل القلاية الهوائية وأجهزة الطبخ بالبخار.

وأكد أخصائي التغذية بمستشفى نزوى: أن التغذية السليمة في رمضان هي فرصة للتغيير وتحقيق التوسط في التغذية خلال ساعات الإفطار وممارسة النشاط البدني وشرب الكميات الكافية من الماء وأخذ قسط مناسب من النوم والراحة؛ فالصوم يعتبر نظاماً صحياً مناسباً لتعديل السلوك الغذائي، وهو أيضاً فرصة لإنزال الوزن بالإضافة إلى فعالية الصوم في كبح الشهية وتأثيره في تصغير حجم المعدة، وتنظيم مستوى ضغط الدم، كما أن الصوم يساهم في رفع حساسية مستقبلات الأنسولين في الخلايا، وبالتالي يرفع من كفاءة الأنسولين في الجسم، كما أن الصوم أيضا يساهم في تمكين الجسم من إذابة القليل من الكتلة الدهنية المخزنة واستعمالها في إنتاج الطاقة وبالتالي يساهم في إنقاص الوزن وإنقاص الكتلة الدهنية التي تعتبر عاملا رئيسا في زيادة عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المرتبطة بالقلب والأوعية الدموية.

إجراءات مهمة

ونصح الناصري بأن يشمل النظام الصحي والتغذوي لشهر رمضان عددا من الإجراءات منها مراجعة الطبيب لتنظيم الأدوية اليومية للمصابين بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وخمول الغدة الدرقية، والتخفيف من كميات القهوة والشاي التي يتناولها الأفراد خلال الأيام السابقة لرمضان بهدف التخفيف من احتمالية الإصابة بالصداع الناتج عن الإكثار من شرب المنبهات، كذلك التخفيف قدر الإمكان من الوجبات الخفيفة التي غالبا يتم تناولها بين الوجبات الرئيسية، أيضاً التسوق الصحي للمشتريات من خلال زيادة الأغذية والمنتجات الطازجة، وشراء البقوليات المجففة، وشراء المعلبات المحفوظة في الماء أو في الزيت النباتي، والتقليل من شراء المشروبات السكرية أو العجائن أو الشوربات الجاهزة، مع عدم الإكثار في الشراء والاكتفاء بشراء المواد حسب الحاجة، وللناس المدخنين محاولة تخفيف كمية السجائر المدخنة يومياً لتجنب الأعراض المصاحبة لانسحاب النيكوتين في الجسم.

النشاط البدني يؤدي إلى تدعيم الصحة الجسدية وبناء العضلات

التخفيف من المنبهات يحمي الصائم وينبغي الحذر من تناول الزيوت المشبعة