يوجد وقف مخصص لتوزيع الدقيق.. وكل صائم له مكيالان في اليوم
لرؤية الهلال موقعان عند حصن «حدس» صيفا وأعلى قرية «بديّ» شتاء
في السبعين من عمره، لا يزال محافظا على مهنته القديمة في حرث الأرض ورعي الأغنام، يصف عمله أنه رغم صعوبته لكنه يكسب من ورائه الخير فالأغنام هي مصدر رزق وغذاء له ولأسرته كما أنه يكرم بها ضيفه، والحرث وزراعة الأرض من أساسيات الحياة خاصة في الماضي حيث كانت القرى تكتفي ذاتيا من منتجاتها الزراعية، إنه الوالد صالح بن سليمان بن محمد الحراصي.
يحدثنا الوالد صالح عن رمضان في الماضي وكيف يقضي الناس وقتهم فيه، وما الأمور التي طرأت وتغيرت عما كانت عليه، يقول: شهر رمضان شهر صوم وعبادة تتغير فيه مظاهر الحياة من قرية إلى قرية فالعادات قد تختلف أحيانا ونحن كنا نقيم في قرية حدس وكانت القرية زاهية بوجود السكان فيها، والآن معظم الأهالي خرجوا إلى منازل أخرى، فمنهم من مكثوا في المنطقة نفسها ومنهم من هاجر إلى خارج الولاية.
يقول: بدأت الصيام وعمري خمس عشرة سنة وكان والدي رحمه الله تعالى يشجعني على ذلك وأتذكر جدي محمد بن صالح كان وكيلا للمسجد، وكان قد خصص وقفا لإفطار الصائمين من أبناء القرية وكان يحتفظ بالتمر المخصص لوجبة الفطور في منزل أحد الأهالي فمنزلنا كان ضيقا ولا يتسع لذلك، وكان قبل المغرب يذهب هو وجماعة المسجد إلى مكان يسمى (بركة السيدي) فيفطرون هناك بالتمر والقهوة، وكانوا يحملون القهوة ويتم طحنها وطبخها يدويا، وهكذا الحال من أول شهر رمضان حتى آخر يوم منه.
وإلى جانب التمر فإن هناك وقفا مخصصا لتوزيع البر «الدقيق» فكل صائم له مكيالان كل يوم وإن زاد شخص في الأسرة أو جاءه ضيف يضاف له نصف مكيال (والمكيال هو وعاء مصنوع من الخشب يتسع لنحو 2 كيلو جرام على قياس الوزن الحالي وأقل منه السدس وهو أيضا وعاء صغير مصنوع من الخشب يتسع لنحو نصف كيلو جرام).
يضيف الوالد صالح: كان الناس في الماضي يعتمدون اعتمادا كليا في الغذاء على خيرات الأرض وكانت القرية تكتفي ذاتيا من إنتاج زراعتها من أرضها وخيراتها فلم تكن بقية الأعمال موجودة إلاّ تربية ورعي الأغنام وتربية الأبقار وتربية خلايا عسل النحل والفلاحة في الأراضي الزراعية وكان مالك الأرض أو الأجير فيها مستفيدين وكانت تكثر زراعة القمح والبر والشعير والمستحيّة والقيصرية وبذرة خفدي والسهوي والجرّيدة والدنجو والشعير والغرغر والباقل والمنج والثوم والبصل كما توجد أشجار النخيل وأنواع من الفواكه والليمون والسفرجل وغيرها، وكانت الزراعة لمواسم يعرفها المزارعون ويعرفون الوقت المناسب لزراعة كل نوع من أنواعها فما يزرع في الصيف لا يستقيم أن يزرع في الشتاء والعكس صحيح».
وعن كيفية رؤية شهر رمضان أو الأول من شوال يقول كنت واحدا من الذين يذهبون لهذه المهمة فقد كنت أبصر جيدا وكنت أرى كوكبي (الزهرة والمشتري) في وضح النهار ومن بين الذين كانوا يذهبون لرؤية الهلال خالي درويش بن ناصر الشريقي، وحمد بن غريب الحراصي (رحمهما الله) وكان لنا موقعان لرؤية الهلال ففي الشتاء نصعد إلى جبل أعلى من قرية بديّ وفي الصيف نصعد إلى حصن قرية حدس ونشاهد الهلال من هناك وبرج القرية مواجه تماما لمكان غروب الشمس، وقال: حدث في سنة من السنوات أن أطلقت طلقة نار بالخطأ وكان الناس يترقبون الهلال خلال تلك الفترة ومعروف أن إطلاق النار يعني مشاهدة الهلال فسمع إطلاق النار في القرى المجاورة وتتابع الطلق وقد تم إخبارهم أن ذلك قد وقع بالخطأ فتم تصحيحه، وكانت العادة أن من يرى الهلال يكافأ بمكيال من حب البر.
وأوضح الحراصي أن الناس كانوا يجتمعون في رمضان لتناول القهوة بصورة جماعية وكان الجميع كأسرة واحده تارة في المسجد لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وتارة في السبلة التي كانت هي مكان اجتماع ولقاء أهالي القرية الواحدة الصغار والكبار وكان من يتغيب عن المسجد والسبلة يفتقد ويسأل عنه إن كان مريضا أو مسافرا أو مشغولا، وعن الحياة في رمضان وعن اشتداد الحر و العطش، يقول الحراصي: يذهب الناس إلى ظلال الأشجار فيجلسون تحتها أو بقرب ساقية الفلج ليبللوا أجسامهم وملابسهم بالماء لإطفاء الحرارة والتخفيف من الظمأ.
أما ما يتناولونه في الفطور فلم يكن الماء البارد متوفرا وربما البعض لا توجد لديه أوان لحفظه في المنزل فيذهبون إلى (حوض الفحول) فيشربون منه وهذا الحوض عبارة عن خزان أرضي تتم تعبئته من ماء الفلج وكونه يقع في الظل وتهب عليه الريح يكون باردا.
وعن مظاهر العيد يقول: في أول أيام العيد يجتمع الناس لتناول وجبة تسمى التصبيحة وهي عبارة عن أرز أو حب البر ويعمل بها عرسية ويُشترى بقرش واحد سمن بقر محلي ويتم تناولها بالسمن ثم يقوم الجميع لأداء سنة صلاة العيد وكان العدد ـ في ذلك الوقت ـ قليلا لا يتجاوز عشرة أشخاص وبعد الصلاة يتبادل الجميع التهاني ثم يتعاونون في ذبح الأغنام فكانت هي التي تذبح أيام الأعياد ومن يجهز طعامه أولا، كالتقلية مثلا يقوم بتقديمها لجيرانه ومن معه وهكذا كل واحد يقرب ما لديه وتجد أن جميع من في القرية أكلوا من طعام بعضهم البعض وهذه الظاهرة تزيدهم أُلفة ومحبة.
لرؤية الهلال موقعان عند حصن «حدس» صيفا وأعلى قرية «بديّ» شتاء
في السبعين من عمره، لا يزال محافظا على مهنته القديمة في حرث الأرض ورعي الأغنام، يصف عمله أنه رغم صعوبته لكنه يكسب من ورائه الخير فالأغنام هي مصدر رزق وغذاء له ولأسرته كما أنه يكرم بها ضيفه، والحرث وزراعة الأرض من أساسيات الحياة خاصة في الماضي حيث كانت القرى تكتفي ذاتيا من منتجاتها الزراعية، إنه الوالد صالح بن سليمان بن محمد الحراصي.
يحدثنا الوالد صالح عن رمضان في الماضي وكيف يقضي الناس وقتهم فيه، وما الأمور التي طرأت وتغيرت عما كانت عليه، يقول: شهر رمضان شهر صوم وعبادة تتغير فيه مظاهر الحياة من قرية إلى قرية فالعادات قد تختلف أحيانا ونحن كنا نقيم في قرية حدس وكانت القرية زاهية بوجود السكان فيها، والآن معظم الأهالي خرجوا إلى منازل أخرى، فمنهم من مكثوا في المنطقة نفسها ومنهم من هاجر إلى خارج الولاية.
يقول: بدأت الصيام وعمري خمس عشرة سنة وكان والدي رحمه الله تعالى يشجعني على ذلك وأتذكر جدي محمد بن صالح كان وكيلا للمسجد، وكان قد خصص وقفا لإفطار الصائمين من أبناء القرية وكان يحتفظ بالتمر المخصص لوجبة الفطور في منزل أحد الأهالي فمنزلنا كان ضيقا ولا يتسع لذلك، وكان قبل المغرب يذهب هو وجماعة المسجد إلى مكان يسمى (بركة السيدي) فيفطرون هناك بالتمر والقهوة، وكانوا يحملون القهوة ويتم طحنها وطبخها يدويا، وهكذا الحال من أول شهر رمضان حتى آخر يوم منه.
وإلى جانب التمر فإن هناك وقفا مخصصا لتوزيع البر «الدقيق» فكل صائم له مكيالان كل يوم وإن زاد شخص في الأسرة أو جاءه ضيف يضاف له نصف مكيال (والمكيال هو وعاء مصنوع من الخشب يتسع لنحو 2 كيلو جرام على قياس الوزن الحالي وأقل منه السدس وهو أيضا وعاء صغير مصنوع من الخشب يتسع لنحو نصف كيلو جرام).
يضيف الوالد صالح: كان الناس في الماضي يعتمدون اعتمادا كليا في الغذاء على خيرات الأرض وكانت القرية تكتفي ذاتيا من إنتاج زراعتها من أرضها وخيراتها فلم تكن بقية الأعمال موجودة إلاّ تربية ورعي الأغنام وتربية الأبقار وتربية خلايا عسل النحل والفلاحة في الأراضي الزراعية وكان مالك الأرض أو الأجير فيها مستفيدين وكانت تكثر زراعة القمح والبر والشعير والمستحيّة والقيصرية وبذرة خفدي والسهوي والجرّيدة والدنجو والشعير والغرغر والباقل والمنج والثوم والبصل كما توجد أشجار النخيل وأنواع من الفواكه والليمون والسفرجل وغيرها، وكانت الزراعة لمواسم يعرفها المزارعون ويعرفون الوقت المناسب لزراعة كل نوع من أنواعها فما يزرع في الصيف لا يستقيم أن يزرع في الشتاء والعكس صحيح».
وعن كيفية رؤية شهر رمضان أو الأول من شوال يقول كنت واحدا من الذين يذهبون لهذه المهمة فقد كنت أبصر جيدا وكنت أرى كوكبي (الزهرة والمشتري) في وضح النهار ومن بين الذين كانوا يذهبون لرؤية الهلال خالي درويش بن ناصر الشريقي، وحمد بن غريب الحراصي (رحمهما الله) وكان لنا موقعان لرؤية الهلال ففي الشتاء نصعد إلى جبل أعلى من قرية بديّ وفي الصيف نصعد إلى حصن قرية حدس ونشاهد الهلال من هناك وبرج القرية مواجه تماما لمكان غروب الشمس، وقال: حدث في سنة من السنوات أن أطلقت طلقة نار بالخطأ وكان الناس يترقبون الهلال خلال تلك الفترة ومعروف أن إطلاق النار يعني مشاهدة الهلال فسمع إطلاق النار في القرى المجاورة وتتابع الطلق وقد تم إخبارهم أن ذلك قد وقع بالخطأ فتم تصحيحه، وكانت العادة أن من يرى الهلال يكافأ بمكيال من حب البر.
وأوضح الحراصي أن الناس كانوا يجتمعون في رمضان لتناول القهوة بصورة جماعية وكان الجميع كأسرة واحده تارة في المسجد لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وتارة في السبلة التي كانت هي مكان اجتماع ولقاء أهالي القرية الواحدة الصغار والكبار وكان من يتغيب عن المسجد والسبلة يفتقد ويسأل عنه إن كان مريضا أو مسافرا أو مشغولا، وعن الحياة في رمضان وعن اشتداد الحر و العطش، يقول الحراصي: يذهب الناس إلى ظلال الأشجار فيجلسون تحتها أو بقرب ساقية الفلج ليبللوا أجسامهم وملابسهم بالماء لإطفاء الحرارة والتخفيف من الظمأ.
أما ما يتناولونه في الفطور فلم يكن الماء البارد متوفرا وربما البعض لا توجد لديه أوان لحفظه في المنزل فيذهبون إلى (حوض الفحول) فيشربون منه وهذا الحوض عبارة عن خزان أرضي تتم تعبئته من ماء الفلج وكونه يقع في الظل وتهب عليه الريح يكون باردا.
وعن مظاهر العيد يقول: في أول أيام العيد يجتمع الناس لتناول وجبة تسمى التصبيحة وهي عبارة عن أرز أو حب البر ويعمل بها عرسية ويُشترى بقرش واحد سمن بقر محلي ويتم تناولها بالسمن ثم يقوم الجميع لأداء سنة صلاة العيد وكان العدد ـ في ذلك الوقت ـ قليلا لا يتجاوز عشرة أشخاص وبعد الصلاة يتبادل الجميع التهاني ثم يتعاونون في ذبح الأغنام فكانت هي التي تذبح أيام الأعياد ومن يجهز طعامه أولا، كالتقلية مثلا يقوم بتقديمها لجيرانه ومن معه وهكذا كل واحد يقرب ما لديه وتجد أن جميع من في القرية أكلوا من طعام بعضهم البعض وهذه الظاهرة تزيدهم أُلفة ومحبة.