د. مروة البلوشية: المستشفى السلطاني سند للعاملين الصحيين - أجرى اللقاء - حميد بن سعيد الهنائي :- أكدت دراسة قامت بها مجموعة من الأطباء في المستشفى السلطاني تتعلق بالصحة النفسية للكوادر الصحية في السلطنة بارتفاع نسبة الإصابة بأعراض القلق والتوتر واضطرابات النوم وضعف الرفاه النفسي خلال جائحة كورونا، كما أوضحت الدراسات والبحوث العالمية التي أجريت سابقا حول التداعيات النفسية للأوبئة وتأثيرها على العاملين في مجال الرعاية الصحية ان هذه الفئة هم أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، كالقلق والاكتئاب واضطراب مابعد الصدمة واضطرابات النوم وغيرها، وإن هذه الاضطرابات قد يستمر أثرها لفترة طويلة حتى بعد انتهاء فيروس كورونا. ولمعرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع التقينا بـ د. مروة بنت أحمد البلوشية أخصائية في الطب النفسي بالمستشفى السلطاني، والتي بدأت حديثها قائلة: إن خط الدفاع الأول لمواجهة فيروس كورونا والمتمثل في الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين الصحيين على درجة عالية من الكفاءة والمرونة، إلا أنهم بشر يواجهون ضغوطا كبيرة في ظروف استثنائية تتمثل بداية في الإجهاد والتعب الجسدي المرتبط بازدياد ساعات العمل بصورة مكثفة وكثرة المناوبات، والحاجة للتقيد بتعليمات الوقاية بدقة متناهية، وارتداء معدات الحماية الشخصية لساعات طويلة قد تمنعهم من الأكل والشرب، كذلك الإجهاد العقلي والذهني المرتبط بازدياد حالات الإصابة مع نقص الكادر الطبي، والتحدي المرتبط بتوفير غرف النوم الكافية لاستقبال المرضى فيها مع الأدوات الطبية المصاحبة لها، وهذا ما يدفع الجهات المختصة إلى الاستعانة بكوادر طبية قد تكون غير متخصصة في مجالها التي تعمل فيه، إضافة إلى التعامل مع حالات حرجة تستدعي المتابعة المستمرة عن قرب مع حالات الوفاة الفجائية والتي قد تكون بشكل متكرر . خوف وقلق وتقول أخصائية الطب النفسي إن الهاجس الأكبر لدى فئة الكادر الطبي هو أن الخوف والقلق ليس فقط من الإصابة بالمرض ومضاعفاته التي حصدت ومازالت تحصد أرواح الآف الأطباء والممرضين فحسب، بل يكون في أن المقدم للرعاية الصحية سبب في انتقال العدوى بين بقية الأفراد العاملين معه أو المرضى الآخرين أو أفراد أسرته، وهذا ما أدى إلى إصابة بعض العاملين في المجال الصحي بأعراض نفسية متنوعة كالتوتر المستمر والقلق وغيرها الكثير، كما يشتكي البعض الآخر من اضطرابات النوم والكوابيس والعصبية المفرطة تجاه أفراد أسرته، بينما يلجأ البعض الآخر الى الإفراط الزائد في استخدام إجراءات الوقاية الاحترازية قبل مغادرة المستشفى أو المنزل، حيث يلجأ البعض منهم نحو العزل الذاتي بعيدا عن أسرته وخوفا من نقل العدوى إلى مختلف أفراد مجتمعه . وتستطرد د.مروة البلوشية في حديثها، قائلة: «المستشفى السلطاني أولى اهتماما كبيرا بالصحة النفسية لخط الدفاع الأول في المستشفى منذ الأيام الأولى لتفشي الجائحة الفيروسية، ومن ضمن هذه التدابير المتبعة قيام وحدة الطب النفسي الجسدي بالمستشفى السلطاني بإنشاء شبكة عمان للصحة النفسية، وهي شبكة تطوعية مكونة من 15 أخصائيا نفسيا من داخل وخارج المستشفى السلطاني لدعم خط الدفاع الأول في أجنحة كوفيد19 وغيرها من الأقسام التابعة له، إضافة إلى فتح قنوات التواصل المباشر مع الفريق المختص لتقديم الدعم النفسي المباشر، وكذلك الإسعافات النفسية الأولية مع الدعم النفسي للعاملين الصحيين الموجودين في الحجر الصحي. وتستقبل العيادة النفسية في المستشفى السلطاني العديد من العاملين الصحيين للتقييم النفسي السريري، حيث تم تشخيص عدد من حالات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم مع تقديم الدعم والعلاج المناسب لهم، وما زالت العيادة تستقبل مجموعة من العاملين الصحيين الذين سبق لهم الإصابة بكوفيد 19 للوقوف على أهم الآثار النفسية الناجمة عن الإصابة بالمرض الفيروسي كالاكتئاب والقلق الزائد. دعم صحي وأضافت: تم إنشاء فريق الدعم النفسي والاجتماعي في المستشفى السلطاني والذي يهدف إلى تقديم استراتيجيات التكيف للتعامل مع القلق الاستباقي أو الظرفي، وذلك عبر إجراء لقاءات جماعية مع العاملين الصحيين، وتتم خلالها مناقشة أساليب التعامل مع الكم الهائل من الضغوطات والعواطف النفسية، وكيفية مساندة الزملاء الأكثر عرضة للإصابة الفيروسية. وقد قام هذا الفريق بمراجعة الاحتياجات الأساسية للعاملين الصحيين مع توفير اللوازم الضرورية لهم، إضافة إلى توفر الحلقات الدورية التي تساعد الموظفين في التعامل المناسب مع الضغوطات الحياتية الناتجة عن الإغلاق والتباعد الاجتماعي المصاحب للجائحة، وينظم الفريق أيضا زيارات ميدانية بشكل دوري من أجل التفقد على أوضاع العاملين في خط الدفاع الأول، ومن ثم التواصل معهم وتلبية احتياجاتهم النفسية بأفضل وجه ممكن . إخفاء المشاعر تقول البلوشية: «إن حرص الكوادر الطبية على تلبية نداء الوطن بالعمل الدؤوب وبذل أقصى درجات العطاء، دفع الكثير منهم الى إخفاء مشاعر الإجهاد الجسدي والنفسي، ومنها لا يجدون الوقت المناسب للإفصاح عن معاناتهم النفسية والجسدية، وأن الصحة النفسية للكادر الطبي لها أهمية كبرى في استكمال مسيرة العطاء الوطني، فعلى جميع العاملين في خط الدفاع الأول أن لا يترددوا في طلب المساعدة والدعم النفسي في أي وقت، وهناك أيضا نصائح نشرتها منظمة الصحة العالمية للعاملين في القطاع الصحي بغية الاعتناء بصحتهم، منها الحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة خصوصا بين المناوبات وبعد ساعات العمل، مع الاهتمام بالتغذية الصحية، وممارسة الرياضة، والتواصل أيضا مع الأسرة والأصدقاء باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة». وتنهي د.مروة حديثها مشيرة إلى أن الأبطال في خط الدفاع الأول قد آثروا سلامة الآخرين على سلامتهم وراحتهم النفسية في المقام الأول، فهم بمثابة السد المنيع في مواجهة فيروس كورونا الذي لايرى بالعين المجردة، حيث زعزع نظام الحركة بالعالم في جميع جوانبه لكن لم ينجح في منع خط الدفاع الأول من تلبية نداء الواجب الوطني في سبيل مواجهته. لذا فإن الواجب علينا كأفراد وجماعات إنسانية أن نعي الدور والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق هذه الكوادر الطبية بتقدير جهودهم وتضحياتهم الإنسانية التي لا زالت تبذل حتى اليوم بأفضل جهد ممكن، مع الضرورة القصوى في أن نتقيد جميعا بالتعليمات والنصائح الطبية للحد من انتشار هذا الوباء الفيروسي، وتخفيف الحمل عن كاهل الطواقم الطبية جميعها.