أ.د.عبد الباسط عودة إبراهيم -
خبير بستنة النخيل -
المنظومة الغذائية للتمر -
يعتبر التمر جزءا بل مكونا أساسيا من الغذاء اليومي للكثير من السكان في مناطق عديدة من الوطن العربي ولكن تطور الحياة وتغير أساليب المعيشة جعلته بعيدا عن الموائد وأصبح لدى البعض من الكماليات وتمت الاستعاضة عنه بأنواع عديدة من المأكولات ويتم تناوله في مناسبات معينة ربما في شهر رمضان المبارك حصرا كون الإفطار على التمر سنة نبوية شريفة، للتمور نقاط قوة داعمة ، مثل القيمة الغذائية العالية، فالتمور منجم غذائي عالي السعرات وهي من الثمار ذات القيمة الغذائية العالية صلاحيتها طويلة وغير محددة ويمكن استهلاكها على مدار العام، تتميز التمور بالطاقة العالية لاحتوائها على نسبة سكر عالية «60-80%» ، لذا تسمى الحلوى الطبيعية ، والتمر يحتوي على أكثر من 3000 من السعرات الحرارية للكيلوجرام الواحد ولتميز التمور غذائيا يعتبر دافعا للمساهمة في دعم المناطق الفقيرة والمنكوبة والمحتاجة للمعونات الغذائية حول العالم. وهي من المصادر الغذائية الهامة التي تحتوي على الأملاح المعدنية وهي منجم طبيعي غني بالعناصر المعدنية ومحتوى التمور من العناصر المعدنية يتغير مع تقدم الثمار نحو النضج ووجد أن نسبة العناصر في الثمار تتراوح بين 2.14-3.38% على شكل رماد ويمثل الكالسيوم ما نسبته 2-4% والمغنيسيوم 2-3% و الحديد 6-25 جزءا بالمليون من وزن الرماد، وغنية بفيتامين A، وكذلك فهي تحتوي على كميات متوسطة من فيتامينات B1, B2, B7 ، وتحتوي على كمية قليلة من فيتامين C ولا تحتوي على الكوليسترول وقليلة الدهون وهي مصدر فعال لمضادات الأكسدة يحتوي على كميات مناسبة منها في قشرة الثمرة ولحمها فالمركبات التي تكون الصبغة الصفراء في ثمار الأصناف ذات اللون الأصفر وهي الكاروتينات والمركبات التي تكون اللون الأحمر في ثمار الأصناف ذات اللون الأحمر وهي الانثوسيانين تعمل كمضادات للأكسدة في الجسم.
التمور ثمار متميزة عن جميع أنواع الفواكه الرئيسية الأخرى، إذ يتم استهلاك التمر في ثلاثة مراحل رئيسية من مراحل نُضجه (بدءا من مرحلة الخلال أو البسر حيث تكون حلوة لبعض الأصناف والثمار تتحمل الخزن المبرد والتجميد والشحن والنقل وكذلك وهو في مرحلة الرطب الطازج ، مرحلة النضارة وإلى مرحلة الليونة المرِنة وخاصة للتمور الطرية ومرحلة التمر الذي يستهلك بدون خزن على مدار العام.
وللتمر أهمية كبيرة كفاكهة طازجة، حيث يتم استخدامه كعنصر أساسي وبديل للسكر في إعداد الحلويات، والوجبات الخفيفة، والمنتجات الأخرى التي يتم تحضيرها عن طريق الخَبْز، وفي الأطعِمة الصحية. ويمكن إنتاج التمور بمواصفات وأشكال مختلفة إذا اتبعت مع أشجار النخيل الإدارة الرشيدة والمعاملات الزراعية السليمة واستغلت هذه الشجرة بالطريقة الصحيحة لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير الغذاء بشكل آمن للناس ويبعد عنهم شبح الخوف من المجاعة.
المنظومة البيئية
النخلة شجرة نظيفة لا تترك أوساخاً حولها، ومنظومة غذاء متكاملة، ومواد بناء وخامات للاستعمال البشري يمتد أثرها من الكرسي حتى الطبق، وأدوات الخزن، والمفروشات، والحُصُر. وتحافظ نخلة التمر على التوازن البيئي ومكافحة زحف الصحراء لما تتمتع به من قدرة على التأقلم مع تلك البيئات من خلال المميزات التالية:
- جذورها تمتد وتنتشر عموديا وأفقياً في التربة حتى تصل إلى المناطق الرطبة التي تحصل منها على احتياجاتها المائية.
- أوراقها (السعف) تكون مركبة ريشية ووريقاتها (الخوص) مغطاة بطبقة شمعية تكون منطوية بشكل طولي من منتصفها مكونة ما يشبه الزورق ويكون قعرها مواجهاً للسماء وتسمى Induplicate لتقليل فقد الماء بالتبخر- النتح.
- ثغورها صغيرة الحجم غائرة وموزعة على الوريقات بشكل يقلل فقد الرطوبة حيث يكون عددها في السطح السفلي للوريقة أكثر من السطح العلوي.
- تقدم زراعة النخيل العديد من المنافع البيئية المباشرة والغير مباشرة، المنافع تتضمن:
زرعت أشجار النخيل كمصدات للرياح على حواف المزارع، وتعد إحدى وسائل مكافحة التصحر في العديد من الأقطار العربية لكونها توفر الحماية للأشجار والنباتات التي تزرع معها أو تحتها يمكن استغلال أرض بستان النخيل بزراعات بينية كالمحاصيل الحقلية والخضروات والأشجار المثمرة وهذا يعتمد على طبيعة تربة المزرعة وطريقة زراعة الأشجار أو الفسائل وهي توفر الظل والحماية اللازمة لنمو أشجار الفاكهة وإثمارها، وللمحاصيل المختلفة التي تزرع معها، وتمثل عامل التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي لسكان الصحاري.
تؤدي هذه الشجرة دوراً كبيراً في تلطيف الجو من الغبار والملوثات خاصة غاز الفحم CO2 ، ومن الحلول المقترحة للسيطرة على تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو هو زيادة الرقعة الخضراء، فالغطاء النباتي يقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون أثناء نموه مما يقلل من معدلات تزايد ظاهرة الدفيئة. وزراعة أشجار النخيل لها فوائد عدة بالإضافة إلى التقليل من ثاني أكسيد الكربون المتسبب في التغير المناخي، حيث تعمل أشجار النخيل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر من أهم غازات ظاهرة الدفيئة حيث يمثل حوالي 60% من مجمل هذه الغازات وزيادة الأوكسجين في الجو من خلال عملية التمثيل الضوئي. وفي هذا السياق أوضحت دراسة أجرها الباحثون في جامعة كاليفورنيا أن الشجرة الواحدة بصفة عامة تمتص حوالي 6 كيلوجرامات من الكربون سنويًا وتطلق بدلاً عنه غاز الأوكسجين يكفي لحياة شخصين، كما أن فدانا من الأشجار يمتص حوالي 2.5 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا وهي كمية كربون تساوي الكمية المنتجة من قيادة سيارة لمسافة حوالي 26000 كيلومتر، كذلك كشفت دراسة أخرى أن الشجرة الواحدة تعطي ثمنًا عينيًا حوالي 2000 دولار سنويًا، حيث تعطي الشجرة الواحدة طنا من الأوكسجين سنويًا بما يعادل حوالي 640 دولارا، وتمتص ثاني أكسيد الكربون بما يعادل حوالي 1300 دولار، بالإضافة إلى القيم الجمالية والبيئية الأخرى للشجرة من خلال تلطيف الجو عن طريق عملية النتح وتحسين المناخ وخفض درجات الحرارة في فصل الصيف، وقيمة جمالية متمثلة في تحسين نوع حياة السكان الذين ينتقلون إليها بحثا عن الراحة والتمتع بالمناظر الطبيعية وهذا ما قيمته 60 دولارا سنويًا. وتحتجز النخلة في المتوسط 60 مترا مربعا من الغبار العالقة في الهواء وما نسبته 40-80%
لا توفر زراعة النخيل ميزة إعدادنا لعصر ما بعد النفط المتمثل في إنتاج الوقود الحيوي (البيوإيثانول) فحسب بل إنها تقع في نطاق الاهتمام المعبر عنه في بروتوكول كيوتو، حيث إن استخدام 5 بالمائة من الوقود الحيوي في وقود السيارات يقلل نسبة أول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بمعدل 30 بالمائة. وسوف يبرز قطاع النخيل تدريجيا كقطاع استراتيجي للبلدان المنتجة للطاقة للإعداد لحقبة ما بعد النفط وسوف يكون مصدرا للأمن الغذائي للإنسان والحيوان باعتباره محصولاً زراعياً ذات فوائد اقتصادية وغذائية ومقاومة للجفاف.
تلعب زراعة أشجار النخيل دورا هامًا في إدارة الموارد الطبيعية حيث إن مزارع النخيل تسهم في حماية نوعية المياه وفي تخصيب التربة وحماية خصائصها، وحماية سطح التربة من التأثير المباشر للمطر، وفي تحسين بنية التربة من خلال تغلل الجذور وإضافة المادة العضوية من الأوراق المتحللة والجذور والخشب، كما تسهم في تحسين المناخ المحلي من خلال التبخر والترطيب.