سلوك طفل مسلم -
القاهرة - أماني أحمد -
مما لا ريب فيه أن الله سبحانه وتعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وعندما أحل الله لهم ما أحل وحرم عليهم ما حرم فلا ريب أن هذا مما يعود على الناس بالخير من أجل ذلك اقترن ما أحل الله بالطيب وما حرم بالخبائث يقول الله عز وجل: «ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم».
يقول الدكتور علي عبدالحليم محمود في كتابه «تربية الناشئ المسلم»: «الحلال»: هو الأمر أو الشيء الذي أباحه الله أو أباح فعله، وأصله من: حل العقدة أي فكها، واستعير من ذلك قولهم : حل الشيء أي صار حلالا، قال تعالى: «وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا». و«الحرام» هو الشيء الذي منع الشرع من فعله، وأصله من : حرم الشيء أي امتنع هو أو امتنع فعله، والحرام ما لا يحل انتهاكه من ذمة أو حق أو صحبة أو نحو ذلك.
وتربية الأخلاق في الإسلام عن طريق معرفة الحلال وممارسته ومعرفة الحرام والامتناع عنه أو عن فعله، مع تأكيد فضيلة الحلال ورذيلة الحرام، إن ذلك ليؤكد أن القيم الأخلاقية في الإسلام لا تدع مجالا من مجالات الحياة الإنسانية فعلا أو تركا إلا أثبت أن لها وجودا من خلاله.
وأيضا إن تربية الأخلاق عن طريق ممارسة الحلال واجتناب الحرام، لهي إسهام جيد في تطهير النفس والمجتمع من كل ما يعود عليها بالضرر أو الشر، غير أن ذلك متوقف على معرفة الحلال والحرام، ولذلك كانت هذه المعرفة مطلبا شرعيا لا مناص منه.
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طلب الحلال فريضة على كل مسلم». وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: «يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم». وقال : «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم»، ثم ذكر: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له».
والتماس معرفة الحلال والحرام على وجه التفصيل إنما يلتمس في كتب الفقه، فالحرام: هو ما كان حراما لصفة في عينه كالخمر والخنزير وأمثالهما، فهذه يحرم أكلها وشربها لذاتها أولا، ولما تحدثه من ضرر في آكلها أو شاربها بعد ذلك، والأصل في المأكولات والمشروبات أنها أنواع ثلاثة: الأول : كان من معادن الأرض كالملح والطين ونحوها، وهذه لا يحرم منها إلا ما كان ضارا بالآكل. والثاني: ما كان من نبات الأرض، ولا يحرم منه إلا ما يزيل العقل كالبنج والمسكرات، وما يزيل الحياة كالسم، وكذلك ما يؤدي إلى ضعف الصحة من هذه النباتات، أما ما يزيل الصحة كبعض ما يؤدي إلى ضعف هذه الصحة من هذه النباتات فيحرم. والثالث: ما كان حيوانا وهو نوعان: النوع الأول ما يؤكل وهو ما يحل ذبحه أو ما يخرج من البحر، والنوع الثاني، وما لا يؤكل وهو السباع وأمثالها من آكلة اللحم وكل ذي مخلب وناب.
ومن الحرام ما كان حراما لأن آكله أو شاربه لم يكسبه من حلال كالمسروق والمغصوب وأمثالهما. وهذا الحرام درجات وإن كان كله خبيثا، إذ أن بعضه أخبث من بعض، كما أن الحلال درجات وإن كان طيبا، لأن بعضه أطيب من بعض. والتزام المسلم بممارسة الحلال أو ترك بعضه خشية الوقوع في الحرام -أي الورع- والتزامه باجتناب الحرام، هو التربية الصحيحة لأخلاقه.
وليس بمقبول من مسلم أن يحرم على نفسه ما أحل الله له من الطيبات والزينة فضلا عن أن يحرم ذلك على غيره من الناس، لأن الله تبارك وتعالى يقول: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة».
فليس لأحد أن يحرم على نفسه أو على الناس شيئا مما أحل الله لهم من الطيبات والزينة،لأن الله وحده هو الذي يحرم. ولقد حرم الله تعالى على الناس كل ما فيه ضرر بهم على أي حال، سواء أكان هذا الضرر أخلاقيا أم أعم من أن يكون أخلاقيا، قال الله تعالى: «قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون».
وقال سبحانه وتعالى: «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم». وقال سبحانه وتعالى: «وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين».
ومن جهة أخرى يقول الدكتور رمضان المحلاوي في كتابه: «من أخلاق الإسلام»: إن النفوس الطيبة التي عرفت ربها تدرك تماما أن في الحلال ما يغنى عن الحرام والله سبحانه وتعالى قد شرع لعباده ما شرع وما جعل عليهم حرجا فيما أحل وفيما حرم يقول سبحانه: «ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون»، أما هؤلاء الذين غفلوا عن ذكر الله فإن الشيطان حينئذ يسلط عليهم جنوده ليزينوا لهم الخبائث التي تؤدي بهم إلى خسران الدنيا والآخرة، ويصدق قول الله سبحانه:«قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
ومن الجدير بالذكر أن الإسلام يربي الأخلاق من خلال الالتزام بممارسة ما أحل الله، واجتناب ما حرم سبحانه مع الأخذ بعين الاعتبار مقولة أسلافنا من العلماء:« إن العبرة في الحرام وهو ما حرمه الله، أما ما حرمه الناس فليس بشيء ». ونعتبر فقه الحلال والحرام والعمل بما يجب فيهما، هو ركيزة مهمة من الركائز التي يقيم عليها الإسلام التربية الأخلاقية للمسلمين، ناشئين وكبارا.