بقرش لكل واحد منهم يصعدون الجبال ليصلوا عقبة العوينات ومعاينة الهلال

في منزله المعروف ببيت (الخطمة) وهو منزل أثري تراثي جميل يتمثل فيه عبق الماضي وتظهر عليه هندسة وآثار البناء الإسلامي المعماري الذي ازدان بساكنيه في أسرة عرفت بإكرام الضيف والحرص على راحة وإسعاد زائريهم نشأ الوالد زاهر بن خلفان بن سعيد الفهدي الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاما ولا زال يتمتع بصحة جيدة يحكي لنا ذكرياته مع رمضان فيقول: «كان الآباء والأجداد يسكنون الجبل الأخضر وانتقلوا للإقامة في هذا المكان حيث ولدت هنا في هذه القرية التي يقول فيها جدي سعيد بن خلفان الفهدي في إحدى قصائده الطويلة التي كتبها في قرية «الخطمة»

ومنها هذان البيتان :

والخطمة الغراء حول الوادي

قد خلعت ثوب من الحداد

مشرقة مسفرة اللثام

ضاحكة على مدى الأيام

ويكمل حديثه قائلا: «صمت وعمري اثنتا عشرة سنة بعد أن أمرني وشجعني والدي - رحمه الله - واستطعت القيام بأداء فريضة الصيام كما يجب، وكان والدي يتابع أحوالي أولا بأول.

وعن بداية حياته يقول : تعلمت القرآن الكريم على يد المعلم صالح بن عبدالله الريامي في مدرسة العوينة وهي بجانب مسجد العوينة الأثري بالمحلة فختمت القرآن وحفظت بعضا منه.

وقال: «يتم منح المعلم أجر التعليم من الوقف الخاص بالمدرسة وعند انتهاء كل طالب من الختمة يقوم ولي الأمر بمنح المعلم خمسة قروش مكافأة له على جهده ثم يتم استدعاء جميع الطلبة مع معلمهم إلى وجبة غداء تقيمها أسرة الطالب الذي انتهى من التعليم.

وقال قرأت كتاب تلقين الصبيان للعلامة الشيخ نور الدين السالمي وأيضا كتاب الدلائل على اللوازم والوسائل للعلامة درويش بن جمعة المحروقي ، كما أن والدي سافر لدولة الكويت عام 1954م واصطحبني معه وكان عمري تسع سنوات وألحقني بالدراسة في المعهد الديني هناك لمدة أربع سنوات أنا وابن عمي محمد بن عبدالله بن سعيد الفهدي وتعلمنا خلالها جانبا من العلوم الدينية التي يجب على الإنسان المسلم أن يتعلمها ليعبد الله على بصيرة، كما سافرت بعدها لدولة الإمارات العربية المتحدة وبالذات إمارة أبو ظبي فعملت هناك.ثم عدت للوطن وعملت في وزارة التربية والتعليم لمدة ثمانية عشر عاما.

التجارة

وحول الأعمال التي مارسها في بلده يقول الوالد زاهر عملت في التجارة فكنت أنقل بعض البضائع التي تصلنا من فواكه الجبل الخضر وخاصة الرمان وأيضا السمن العماني البلدي الذي كنا نشتريه بكميات كبيرة من سوق ستال الذي كان رائجا ونشطا في تلك الفترة، ثم نذهب بالبضاعة مع مجموعة من أهالي الوادي إلى سوق مطرح لبيعه ونستغرق في الذهاب والإياب سبعة أيام، وفي أثناء سيرنا كنا تارة نمشي على الأقدام وراء الجمال بالمتاع وأحيانا نركب وهذا الحال طول فترة الليل فالسير غالبا يبدأ بعد صلاة العصر ويستمر حتى فجر اليوم التالي، أما في النهار فنؤثر الاستراحة لنا ولدوابنا وتقديم الطعام لها وأيضا نقوم بإعداد الأكل فلم تكن المطاعم متوفرة فكنا نحمل معنا الزاد من الطعام والماء.

رؤية الهلال

ويقول الوالد زاهر أتذكر طريقة رؤية هلال شهر رمضان أو هلال أول أيام عيد الفطر أن يذهب نحو ثلاثة من الرجال المعروفين بحدة النظر والذين يتمتعون بالثقة والأمانة والحرص على الدين يذهبون بعد صلاة العصر بإيجار قرش لكل واحد منهم فيصعدون الجبال المحاذية للبلدة حتى يصلوا إلى مكان يسمى (عقبة العوينات) وهو مكان جبلي مرتفع يشرف من الجانب الآخر على وادي بني حراص وهناك بركة ماء تسمى بركة العقبة ( والبركة هي خزان ماء أرضي ) وينتظرون رؤية الهلال هناك ثم يفطرون من الزاد الذي حملوه معهم ويشربون الماء من تلك البركة فإن رأوا الهلال يرجعون إلى أن يصلوا مشارف قرى وادي بني خروص فيقومون هناك بإطلاق النار بهدف إشعار الأهالي بقدوم أول أيام عيد الفطر.

وغالبا ما كانت تستخدم بندقية المسماة (الصمعه) لأنها تحدث صوتا مسموعا وبعد ذلك يتوالى إطلاق النار من قرية إلى قرية حتى آخر قرى الوادي، وأذكر أننا في أحد أيام شهر رمضان أصبحنا صائمين ثم وصلنا خبر هلال العيد متأخرا وقد صلينا الظهر ولما وصل خبر الهلال قمنا بأداء صلاة العيد في مسجد العوينات الذي كان يحضر فيه عدد من الأهالي.

قراءة القرآن

وعن كيفيه قضائهم لأوقات الشهر يقول بعد أن نؤدي صلاة الفجر نقوم بقراءة القرآن الكريم حتى الصباح ثم نتوزع للعمل كل في مزرعته يحرث الأرض ويزرع ويحصد حتى تمام الساعة العاشرة في توقيتنا الحالي حيث نضطر للتوقف عن العمل فالصائم يتعب خاصة لوجود الحر وعدم توفر وسائل التكييف الحالية فنأخذ استراحة في المنازل ثم نذهب للمسجد لقراءة القرآن الكريم حتى يحين موعد صلاة الظهر فنصليها جماعة وبعد الصلاة يتوزع الناس فمنهم من يعاود الراحة في البيت ومنهم من يستمر في قراءة القرآن حتى صلاة العصر ثم ينتشرون مرة أخرى إلى مزارعهم حتى قرب أذان المغرب فيتجمعون هناك لتناول الفطور والبعض يفضل أن يفطر مع الجماعة وجزء آخر يحبون تناول الفطور مع أولادهم في البيت ووجبة الفطور كانت مكونة من (التمر والسمن البلدي واللبن المحلي). وبعد أداء صلاة المغرب يعودون للمنازل لاستكمال تناول وجبة الفطور ثم يرجعون للمسجد لتأدية صلاة التراويح ثم العودة للمنازل لتناول وجبة العشاء وغالبا ما تكون (ثريد لحم) أو عرسية ثم نلتقي بالجيران والبعض يواصل استمراره في تلاوة القرآن والتركيز على العبادة بشتى أصنافها إلى أن يصل وقت السحور فيتناول الناس سحورهم وهي وجبة يحرص الجميع على تناولها اقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويتناولون ما يتسير كالعيش (الأرز).

أما كيف يتم إيقاظهم للسحور يقول إن الكثير من الناس لا ينامون في ليالي شهر رمضان المبارك ويقضونه في التعبد وكسب الأجر لهذا فإنه لا بد أن يكون في كل بيت أحد مستيقظا وبدوره هو يقوم بإيقاظ بقية أفراد الأسرة.

المواقيت والنجوم

وأما ما كان الناس يعانيه من حرارة في الطقس وعدم تبريد للماء وعدم وجود إضاءة يقول كل ذلك كان يستخدم عنه البدائل بالوسائل التقليدية القديمة فمثلا لمعرفة الوقت في النهار يعتمدون على الظل لأوقات صلاتي العصر والظهر، أما في الليل فالمغرب والعشاء معروف وقتهن وكذلك الفجر أما لري المزروعات فكانت تستخدم النجوم في الليل وما يسمى باللمد في النهار وهو موجود في مسجد العقر وهي عبارة عن حطبه منصوبة وحولها علامات في الأرض فيعرف نصيب كل واحد في ري زراعته من خلال تنقل الظل من علامة إلى أخرى، أما الري في الليل فيقسم نصيب كل شخص بالنجوم ومنها نجم كوي ونجم المشتري ونجوم بنات نعش ويعتد بظهور أول نجمتين.

سراج بوسحة

وحول عدم وجود الكهرباء فللإضاءة كان يستخدم سراج بوسحة وذلك قبل وصول القناديل التي بيعت أول ما ظهرت بقرشين للقنديل الواحد وعودة إلى السراج بوسحة فهي عبارة عن علبة زجاجية يوضع داخلها حل حليل أو ما يسمى بالكيروسين وتوضع في فوهة الغرشة تمرة واحدة مدلوكة ثم يوصل فتحة الغرشة بحبل سوتلي (وهو الحبل الذي كان يستخدم للجواني لحفظ البسور أو الليمون) ويتم إظهار جزء صغير من الحبل إلى الأعلى وهذا الجزء هو الذي تشعل فيه النار ويظل الحبل موصلا بمادة الكيروسين التي تشعلها.

وعن غلاء المعيشة في الماضي يحدثنا الوالد زاهر فيقول بلغت جونية العيش (الأرز) الواحدة مائة قرش وكان يشتريها أكثر من شخص ويتقاسمونها لأنه من الصعب على الشخص الواحد أن يشتري جونية بمفرده لقلة ما في اليد وكان نوع الأرز الموجود (جرده - الدقيق - بنجالي).

كما أن الملابس كانت قليلة جدا وكان يتوفر فقط ثلاثة أنواع من القماش وهي (ثوب بوفته ، وثوب جاندي ، وثوب ساسوني وهو خفيف جدا لا يكاد يستر الجسم) ويقصد بالثوب أي قطعة القماش وهذه أقمشة الرجال، أما أقمشة النساء فتسمى (البنديرة) وقال في الماضي لا توجد أقمشة ملونة وبعض الأطفال يرغبون في ارتداء مثل هذا النوع خاصة أيام الأعياد فظهرت ما تسمى (بالمخبشه) ويتم صنعها بأن يؤتى بجذور السدر وتدق بشكل جيد ثم يطبخ في قدر ثم يضاف إليه كمية من الماء ثم يصفى ثم توضع عليه الدشداشة التي يراد تغيير لونها فتصبح إما صفراء أو خضراء بحسب لون الأشجار التي غليت بها والبعض يستخدم الورس مع حل الحليل لمثل هذه العملية، وقال لم تكن هناك محلات الخياطة كما هو الآن فكان كل بيت يستعين بالنساء الموجودات وهن اللائي كنّ يخطن للنساء وللرجال وللأطفال وتوجد نساء يستأجرن لخياطة الدشداشة بقرش واحد أما القماش فعلى قدر الدشداشة يباع بقرشين.

المحاصيل الزراعية

أما عن المحاصيل الزراعية واكتفاء الناس بها يقول كان الناس يأكلون ما يزرعون والآن يأكلون ما يستوردون وقال إن معظم قرى وادي بني خروص كانت مكتفية ذاتيّا من المنتجات المحلية التي تزرع وهي البر والشعير والسهوي ومن الفواكه العنب والمانجو والليمون والسفرجل والخوخ والرمان وكان في الوادي تزرع النخيل لثلاثة أصناف فقط وهي (النغال والفرض والخصاب) وقال إن ما يدل على ازدهار الزراعة في مزرع جلب (أرض زراعيه شاسعة) وجود أربعة جنانير وهي مواقع تحصد عليها محاصيل البر حيث استمر الحصاد او ما يسمى محليّا (الدوس) عشرة أيام وفي كل يوم لا يقل الحصاد عن ثلاثين جونية والجونية وزنها 50 كيلو جراما وهذا كان يشكل مصدر دخل لملاكه ولمن يعملون فيه.

وأخيرا ينصح الوالد زاهر الفهدي الناس بالعمل على مرضاة الله وتجنب نواهيه وأن يستغل الإنسان المسلم كل دقيقه من أيام شهر رمضان للذكر والعبادة ففيه ترفع الدرجات وتضاعف الحسنات، كما أنصح أبناء المجتمع بضرورة التمسك بالأرض والى مزاولة عمل الزراعة في الحرث والغرس ويقول ما يقوم به الإنسان من عمل يؤخر عليه والزراعة ثروة محلية تعود عليها العمانيون جيلا بعد جيل.