د. محمد فاروق: تخوف بين المستهلكين من الغذاء المنتج عبر الهندسة الوراثية

ما زال العالم في جدل حول الأغذية المعدلة وراثيا وإمكانية استخدام تقنيات الهندسة الوراثية المختلفة لإنتاج أغذية بصفات جديدة.

وعلى الرغم من التساؤلات المطروحة حول أضرار وفوائد الأغذية المعدلة وراثيا ما زالت سلطنة عمان بحاجة إلى سن التشريعات المرتبطة بهذا الجانب وتشجيع البحوث العلمية وتوفير الكوادر الوطنية لبناء القدرات البحثية لدراسة هذه الأغذية خاصة أنه لا توجد دراسات متخصصة في سلطنة عمان حول مأمونية الغذاء المعدل وراثيًا، وأغلب الأغذية تستورد من الخارج.

وحول هذا الجانب قال الدكتور علي بن مسعود الصبحي مشرف مختبر بقسم علوم النبات كلية العلوم الزراعية والبحرية في جامعة السلطان قابوس: الأغذية المعدلة وراثيًا هي الأغذية التي تم إنتاجها من الكائنات الحية المختلفة المعدلة وراثيًا التي أُدخلت بعض التغييرات إلى حمضها النووي وذلك بتعديل جيناتها الأصلية أو بنقل جين إلى حمضها النووي باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية المختلفة.

هذا التعديل الجيني يسمح بإكساب صفات جديدة معينة للكائن الحي المعدل وراثيًا، مثل مقاومة النباتات للملوحة والجفاف والأمراض والإصابات الحشرية، وبالإضافة إلى زيادة السيطرة على صفات الكائن الحي الأصلية على عكس التقنيات السابقة مثل (التربية الانتقائية) تربية النبات التقليدية وذلك لنقل الصفات المرغوبة من نبات إلى نبات آخر لا يحمل هذه الصفات يكون عن طريقة التلقيح بينهما والانتخاب وتحسين سلالات الحيوات وذلك بتزاوج بين الحيوان الذي يحمل الصفات الجيدة مع الحيوان الذي لا يحمل تلك الصفات أو تربية الطفرات باستخدام تقنيات التطفر من إشعاع أو كيميائي وهذه التقنيات التقليدية تحتاج إلى سنوات للحصول على نبات محسن أو سلالة حيوان محسنة تصل إلى عشرات السنين ونسبة نجاحها منخفض بعكس تقنيات الهندسة الوراثية فتحتاج إلى سنوات معدودة ونسبة نجاح عالية.

وأضاف: أول غذاء معدل وراثيا تم تداوله في الأسواق من إنتاج شركة مونسانتو عام 1994 نوع من الطماطم المتأخر النضج والذي أطلق عليه اسم «حافظ النكهة» مما يمكن تخزينه في الغرفة لمدة أطول من الطماطم غير المعدل جينيًا، وتمتلك هذه شركة مونسانتو من 70 إلى 100% من أسواق بذور المحاصيل في العالم ولهذا تعتبر أكبر منتج للبذور المعدلة وراثيا، ويسميها المعارضون والناشطون ضد الأغذية المعدلة وراثيا باسم «شيطان».

والتعديل الجيني يدخل في الإنتاج الصناعي والدوائي ومستحضرات التجميل، وبواسطة الهندسة الوراثية ‏أو التعديل الوراثي هي تلاعب إنساني مباشر بالمادة الوراثية للكائن الحي بطريقة لا تحدث في الظروف الطبيعية وتتضمن استخدام DNA لجين معين وإدخاله في كائن ويعتبر أي كائن حي يتم إنتاجه باستخدام هذه التقنيات كائنًا معدلًا وراثيًا، وكانت البكتيريا هي أول الكائنات التي تمت هندستها وراثيا في عام 1973 ثم تليها الفئران في عام 1974، وقد تم إنتاج واستخدام الأنسولين البشري في عالم 1982 الذي تنتجه البكتيريا المعدلة وراثيا مما ساهم في حصول مرضى السكري على الأنسولين بسهولة وتوفره بأسعار مناسبة.

تجارب مخبرية

وعن الدراسات المنفذة في جامعة السلطان قابوس حول مأمونية الغذاء المعدل وراثيا، أجاب الصبحي قائلا: حسب علمي لا توجد دراسات في جامعة السلطان قابوس حول مأمونية الغذاء المعدل، ولكن كان هناك بعض الدراسات البحثية لتعديل بعض المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيًا وكانت على المستوى المختبري ولم تصل إلى الحقول الزراعية للإنتاج، ولقد أنشئت اللجنة الوطنية لأخلاقيات البيولوجيا التي تضم كثيرا من الباحثين والعلماء العمانيين من مختلف التخصصات وعقدت ملتقيات فكرية من ضمنها مأمونية الغذاء المعدل وراثياًا، شارك فيها باحثون وعلماء متخصصون من سلطنة عمان ودول أخرى بهدف التعرف على أهم جوانب موضوع كل ملتقى، خصوصًا الجوانب الأخلاقية والعلمية للخروج برؤية أوضح ولنشر الوعي المجتمعي وبناء القدرات البحثية والاستفادة فيما يصدر عن اللجنة الوطنية لأخلاقيات البيولوجيا من توصيات ومقترحات ترفع إلى الجهات ذات العلاقة والاختصاص لاتخاذ اللازم.

وفي سلطنة عمان هناك توجهات لدى الجهات المعنية لإصدار قانون ينظم بحوث واستخدام وتداول الأغذية المعدلة وراثيًا لتحدد الأطر والأنظمة القانونية في هذا الجانب ونتمنى الإسراع في إصدارها.

وذكر الدكتور أهمية إجراء المزيد من البحوث وبناء الكوادر الوطنية في مجال الأغذية المعدلة وراثيًا وخاصة في طرق الكشف عنها لمواكبة متطلبات ومستجدات العالم في هذه المجال وتوفر الكادر البحثي العماني القادر على التعامل مع تقنيات الهندسة الوراثية في سلطنة عمان، وبهذه الكادر البحثي المحلي سوف تكون لدينا القدرة على تقييم فوائد وأضرار الغذاء المعدل وراثيًا، وكذلك وضع القوانين واللوائح المناسبة الـتي تؤطر تداول الأغذية المعدلة وراثيًا في داخل البلاد، وفي حالة إثبات مأمونية هذه الأغذية نكون مستعدين وقادرين على إنتاج الغذاء المعدل وراثيًا مما يساهم في توفر الغذاء وإنتاج نباتات مقاومة للملوحة والجفاف والأمراض والإصابات الحشرية، وهذا يساعد على تحقيق الأمن الغذائي للبلد.

السوق المحلي

وفي السياق ذاته أفاد الدكتور محمد فاروق رئيس قسم علوم النبات وأستاذ مشارك بكلية العلوم الزراعية والبحرية بأن هناك عشرات الأغذية المعدلة وراثيًا موجودة في الأسواق، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأولى من ناحية الإنتاج والبحوث العلمية في هذه المجال، وأغلب التعديلات الوراثية في النباتات تركز على المحاصيل النقدية مثل: الأرز والقمح وفول الصويا والذرة والكانولا والقطن والبطاطا.

وعن مدى توافر الأغذية المعدلة وراثيا في أسواق سلطنة عمان، قال الدكتور: حتى نلم بفوائد وأضرار الغذاء المعدل وراثيا نحن بحاجة إلى عمل البحوث العلمية في الكشف عن الأغذية المعدلة وراثيا، والاطلاع على نتائج الدراسات العالمية في مأمونية الأغذية المعدلة وراثيا، وحتى نكون قادرين على الإجابة عن التساؤلات المطروحة هل بالفعل نحتاجها في مجتمعاتنا أم لا؟ وهل دخلت إلى أسواقنا؟ لأنه من الصعب الكشف عن الأغذية المعدلة وراثيا إذا لم تخبرنا الشركات المصدرة لهذه الأغذية، والشركات المنتجة للغذاء تحتفظ بسر تسلسل الحمض النوي ((DNA المستخدم أو أنه استخدم مكون واحد معدل وراثيا كزيت من مكونات المادة الغذائية، ولهذا هناك مطالبات بوجوب وجود ملصق يدل على الغذاء المعدل وراثيا في المنتجات الغذائية، ولا يستبعد دخولها في سلسلة غذائنا في سلطنة عمان وخاصة نحن نستورد أغلب الأغذية من الخارج، ومثل ما ذكرت سابقا كثير من المحاصيل موجودة في الأسواق العالمية معدلة وراثيا من ضمنها الذرة والقطن والأرز وغيرها.

واستطرد في حديثه عن وجود جدل وخلاف حول تأثيرات هذه الأغذية على صحة الإنسان، قائلا: هناك جدل عالمي كبير وواسع بين أضرار وفوائد الأغذية المعدلة وراثيا بصحة الإنسان أو البيئة، ولا يزال الخلاف قائمًا لم يحسم حتى اليوم، وفي الأسواق توجد عشرات من الكائنات الحية نباتية أو حيوانية المعدلة وراثيا، وكثير من التخوف بين المستهلكين من الغذاء المنتج من الكائنات الهندسة الوراثية مع أنّ فوائدها كثيرة وعديدة، وسبب معارضة تجارب الهندسة الوراثية مخاوفهم من إنتاج بكتيريا أو أغذية ضارة للإنسان أو البيئة لا يمكن السيطرة عليها، وهناك كثير من التساؤلات حول أخلاقية أستخدام المادة الوراثية للمخلوقات الحية، لأن هذا الاستخدام هو سلاح ذو حدين قد يستخدم لأهداف نبيلة وذلك بتوفير الغذاء الكافي والصحي للناس أو يستخدم في التأثير السلبي على صحة الناس.