يتابع العالم هذه الأيام عبر الشاشات وبقلق متفاوت الحرب الروسية الأوكرانية؛ الحرب التي كنا نظنها مجرد تهديد لا أكثر، حتى شاهدنا الجيش الروسي يقتحم بلادا آمنة ويقضّ أمانها وسلامها وهدوء إنسانها ويغير مجريات حيواته البسيطة واعتياداته اليومية.

ومهما كانت الأسباب، ومهما كان دور البلدين أو غيرهما من شياطين الأرض في تأجيج هذه الحرب، فلا يمكن للإنسان الطبيعي في أي مكان من هذه البسيطة التي نحيا عليها مباركة الحرب، أو تبريرها، أو تسويغ دوافعها مهما بدت ضرورية من وجهة طرف ما، كما لا يمكن للإنسان في المكان الآمن من العالم إلا أن يتعاطف مع ذلك الإنسان الذي كان آمنا قبل قليل، مستقرا هادئا.

ولعل أبسط تعاطف يمكن أن يحدث أن يضع نفسه في مكانه بل يتخيل الفترة العصيبة التي مر بها العالم والإنسان في كل مكان في أزمة كورونا من الحظر والإغلاقات والحبس الجبري الذي حدث في البيوت الآمنة المستقرة والممتلئة بكل ما يحتاجه الإنسان من طعام وماء واحتياجات إنسانية ضرورية إضافة للأمان والدفء ومع ذلك كانت الأرواح مرهقة والنفوس قلقة والضجر يملأ البشر فكيف بحال الحرب من دمار ولجوء وتهجير ناهيك عن احتمالية الموت القائمة كل لحظة للإنسان أو لمن يحب؛ ففي الحرب صبح كل شيء غريبا بشعا، ويصبح الخوف سيد الموقف على كل شيء الروح وكل ما تتعلق به وتتعالق معه كالأهل والبيوت فاحتمالية الجوع والذل والموت قائمة وحاضرة بقوة ومبررة جدا لأنها الحرب؛ مع ذلك ورغم كل هذا فهناك أصوات تتعالى بين شامت ومحلل وقليلا جدا بين متأمل ومتوجع على مصير الإنسان عبر الفرجة والشاشات التي تنقل الحرب بلا كثير اهتمام.

ومع الحديث عن الحرب لا يسع لقارئ الشعر ومتذوقه إلا أن يستحضر قصيدة زهير بن أبي سلمى مصدقا قوله وكارها للحرب وداعيا للسلام.

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ** وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً** وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ

فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها** وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ

فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم** كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ

كما أن صدفة ما قادتني منذ زمن بعيد إلى "قصيدة السلام ليانيس ريتسوس ترجمة : جمعة عبدالله

" استحضرها مع هذه الحرب التي شعرت الحزن والغضب مجتمعا على البشرية الذي يحكمها جنون العظمة ويحركها الجنون ورفضها كل مبدعو العالم على مر الأزمان ودفع ثمنها كل ناشطي السلام والحرية حتى اليوم، الحرب التي تثبت مجددا أن فكرة الحرب قائمة مادام مرض الجنون لبعض الأفراد من الجنس البشري وعنترياته وحماقاته مستمرة، وللأسف هم من يصنعون التاريخ البشري البشع على مدى الأزمنة.

"حلم الطفل هو السلام/حلم الام هو السلام/كلمات الحب تحت الاشجار هي السلام/ الأب حين يعود في المساء في أبتسامة منشرحة في عينيه محملاً بزنبيل مليء بالفواكه وقطرات العرق على جبينه/ كأنها قطرات باردة من جرة على شرفة النافذة هو السلام.

السلام حين يضمد جروح العالم/في حفر القنابل نزرع اشجاراً/ في القلوب المحروقة بالنيران , نزرع براعم الامل

عندها ينام الموتى على جنبهم مرتاحين دون شكوى/ بأن دمائهم لم تذهب عبثاً/هو السلام.

السلام هو رائحة الطعام في المساء/عندما تتوقف السيارة في الطريق , لا يعني الخوف/عندما يطرق الباب , يعني تحية صديق/عندما تفتح النافذة كل ساعة , يعني سماء/تتكلل العيون بأفراح الأعياد . حين تدق الاجراس البعيدة الملونة للسلام.

السلام هو كوب الحليب الساخن/وكتاب أمام الطفل عند الاستيقاظ/عندها تتمايل اعواد القمح وتهمس لبعضها البعض.

النور . . النور/النور الذي يتألق في تيجان الافق/هو السلام

حين تتحول السجون الى مكتبات/حين ذاك تزغرد الاغاني وتتنقل من عتبة الى عتبة في المساء/عندها يخرج القمر من سحابة الغيم/مثلما يخرج العامل من محل الحلاقة في الحي بشوش الوجه ليحتفل بعطلة نهاية الاسبوع

هو السلام.

اليوم الذي مضى ليس خسارة ً/يكون الجذر الذي يرفع اشجار الفرح في المساء/عندها يكون يوماً مريحاً , ونوماً لطيفاً

نشعر بأن الشمس في عجلة في شد رباطها/لطرد الحزن من زوايا الزمن/السلام في اكوام القمح التي تحصد في سهول الصيف/في ابجدية الخير على ركبتي الفجر.

عندما تقول يا أخي .... عندما تقول غداً سوف نبني/نبني ونغني/هو السلام

عندها سيكون للموت مساحات صغيرة في القلب/حين تشير المواقد بأصابعها المسار نحو السعادة/ نشم عطر القرنفل في ساعة الاصيل/ يستنشقها الشاعر البروليتاري . يغني وينشد للسلام/ ويصافح الناس بالسلام

السلام هو الخبز الساخن على مائدة العالم/ هو ابتسامة الأم/لا شيء غير السلام

في المحاريث التي تحفر عميقاً في كل أخاديد الارض/تكتب أسماً واحداً/السلام .... لا شيء غير السلام

فوق حروف القصيدة/ في القطار الذي يتجه الى الغد/محملاً بالقمح والازهار/ هو السلام

أخوتي :مدوا أياديكم لنصافح السلام .