دخلت الحرب الروسية الأوكرانية في تطور خطير على الساحة الدولية، وهو إطلاق الحرب الغربية الاقتصادية على روسيا الاتحادية بهدف وقف الحرب ضد أوكرانيا أولا، وعدم تكرار الخيار العسكري في حل الأزمات السياسية ثانيًا. ومن هنا، جاءت العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي والدول الغربية بشكل كبير تتعدى ٦٠٠٠ عقوبة، وهي الأشمل والأقسى في التاريخ.
والسؤال الأهم الذي يناقشه هذا المقال هل يمكن للعقوبات الاقتصادية القاسية أن تغير المواقف السياسية حتى لو تعلق الأمر بقضايا أمنية تتحدث عنها روسيا الاتحادية؟ كما أن هناك تساؤلًا آخر، وهو هل يمكن للدول الغربية أن تستغني عن إمدادات الطاقة، وخاصة الغاز من روسيا الاتحادية خاصة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا؟ وهل هناك بديل لتعويض النقص المتوقع من الطاقة؟ وعلى ضوء هذه التساؤلات تبرز مدى جدوى العقوبات الاقتصادية، وهل يمكن أن تنجح في تغيير المواقف السياسية للدول سواء كانت روسيا الاتحادية في المشهد الحالي الخاص بالحرب الروسية ضد أوكرانيا أو من خلال تجارب سابقة فرضت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عقوبات اقتصادية، ومنها على سبيل المثال إيران، وهناك نماذج أخرى تعرضت لعقوبات اقتصادية مثل كوبا وغيرها من الدول التي دخلت في خلافات كبيرة مع واشنطن والدول الغربية. ومن هنا فإن سلاح العقوبات بشكل عام تاريخيًا لم يحقق النجاح المطلوب سياسيًا، رغم أن تلك العقوبات الاقتصادية سببت ضررًا كبيرًا لكل الدول التي كانت هدفًا مباشرًا لتلك العقوبات الاقتصادية.
تأرجح المواقف
العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا الاتحادية خلال أقل من شهر تعد الأقسى في التاريخ الحديث خاصة وأنها شملت الصادرات والتعاملات المالية، وتجميد الأصول والحظر الجوي التجاري في بعض الدول وعدم التعامل مع الشركات الروسية والحديث عن ضرورة وقف شراء الغاز والنفط الروسي، وهذا الأخير إن حدث سوف يشكل معضلةً اقتصاديةً عالميةً، وليس فقط على الاقتصاد الروسي كما أن المواقف الغربية متأرجحة فيما يخص موضوع الغاز الروسي خاصة ألمانيا، التي تعتمد على صادرات الغاز الروسي بما يقترب من نصف حاجة ألمانيا، وهناك إيطاليا وتركيا، ومن هنا ارتفعت تلك الأصوات متحفظة على موضوع الغاز الروسي وعدم شرائه على الأقل حتى نهاية الأزمة الأوكرانية.
إنَّ العقوبات الاقتصادية أصبحت عاملًا أساسيًا في الأزمة الأوكرانية، ويبدو لي أن تلك العقوبات الاقتصادية لن تثني روسيا الاتحادية عن موقفها السياسي حول إبعاد أوكرانيا عن حلف الناتو، وهو المطلب الأساسي والاحتفاظ بشبه جزيرة القرم وإيجاد مقاربة سياسية للوضع في شرق أوكرانيا، ومن هنا يدور الآن صراع إرادات بين روسيا الاتحادية وحلفائها بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على مسألة تحقيق تلك الأهداف السياسية. وهناك النموذج الإيراني، حيث فرضت عقوبات قاسية منذ قيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ ثم رفعت تلك العقوبات الاقتصادية عام ٢٠١٥ بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني الذي كان للدبلوماسية العمانية دور كبير في التوصل إليه ثم جاء الرئيس الأمريكي السابق ترامب وانسحب من ذلك الاتفاق وعادت العقوبات الاقتصادية مرة أخرى.
إذن العقوبات الاقتصادية ليست العامل الحاسم في الأزمات السياسية، كما أن هناك دولًا عديدةً في العالم لها مصالح كبيرة، كما هو الحال في النموذج الروسي، وعلى ضوء ذلك فإنَّ مسألة الطاقة تعد على جانب كبير من الحساسية والتأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في دولة مثل ألمانيا. ومن هنا برزت التصريحات المتحفظة على مسألة وقف شراء الغاز الروسي، كما أن دول الاتحاد الأوروبي متحفظة على مسألة الحظر الجوي في أوكرانيا، كما أن الرئيس الأمريكي بايدن أكد أن واشنطن لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مع موسكو؛ لأن ذلك يعني قيام حرب عالمية ثالثة سوف تكون مدمرة للعالم. ومن هنا فإن العقوبات الاقتصادية لا شك أنها مؤلمة للاقتصاد الروسي على المدى المتوسط والبعيد ولكنها لن تجعل روسيا الاتحادية تغير من توجهاتها الاستراتيجية الخاصة بالوضع في أوكرانيا خاصة تلك المتعلقة بالضمانات الأمنية.
الكل خاسر
الحروب ومهما تكون نتائج تلك الحروب تظل هناك خسارة لكل الأطراف، حيث إن روسيا تعاني الآن اقتصاديًا وهذه إحدى نتائج الحرب وما بعدها، أما فيما يخص أوكرانيا فهي الخاسر الأكبر، حيث تدمير المدن الأوكرانية، ونزح الملايين من مناطقهم عدا الضحايا، ومن هنا فإن المشهد السياسي في أوكرانيا هو مشهد قاس، وهناك مفاوضات لم تسفر عن شيء حتى الآن، حيث إن المقاربة الروسية هي أبعد عن المقاربة الأوكرانية والغربية خاصة مسألة عضوية كييف في حلف الناتو أو عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وعلى ضوء تلك المؤشرات فإن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تتحول إلى حرب استنزاف مكلفة خاصة إذا تحولت إلى حرب عصابات مسلحة، وهي التجربة نفسها التي فشلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق قبل عقود في أفغانستان، وكان آخرها الانسحاب الأمريكي الفوضوي والمذل من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على كل محافظات أفغانستان. ومن هنا، فإن النموذج الأفغاني قد يتكرر، وقد تكون هناك مسألة الحسم العسكري الروسي إذا تغيرت المعادلة، وتم احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن بسبب المقاومة الأوكرانية المسلحة، كما أن تدفق السلاح الأمريكي والغربي على أوكرانيا كان له دور كبير في استمرار الحرب.
الانفلات العسكري
المشهد العسكري والعقوبات الاقتصادية تثير القلق على صعيد العالم خاصة إذا حدث انفلات عسكري وبدأت شرارات الحرب تصل إلى الدول المجاورة لأوكرانيا مثل بولندا ودول البلطيق، وهنا تكمن الخطورة ولعل الباعث الأساسي على إمكانية الانفلات العسكري هو تدفق السلاح الثقيل على أوكرانيا بهدف قلب المعادلة العسكرية ليس بهدف حسم الحرب لأوكرانيا، وهو أمر لن يحدث ولكن لإطالة الحرب وجعلها مكلفة اقتصاديًا وعسكريًا، وحتى سياسيًا على روسيا الاتحادية. وهنا يكمن الهدف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وعلى الجانب الآخر فإن الموقف الروسي في تصوري لن يتزحزح حتى مع تلك العقوبات الاقتصادية القاسية؛ لأن الموضوع بالنسبة لروسيا الاتحادية يدخل في إطار الأمن القومي وهي مسألة حساسة لأي دولة في العالم.
كما أن الحرب الروسية الأوكرانية في جانب منها صراع يتعدى المسألة الأوكرانية، وقد تكشف جزءًا من تلك المواجهة الاستراتيجية، خاصة موضوع المعامل البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا التي تحدثت عنها موسكو في مجلس الأمن.
ومن هنا فإن الصراع الحالي قد يشكل مرحلة مهمة في النظام الدولي الحالي خاصة وأن دول كالصين متحفزة لإيجاد أقطاب دولية وضرورة إنهاء الهيمنة الأحادية الأمريكية على قضايا العالم، وهو الأمر الذي تدعمه عدد من القوى الدولية منها روسيا الاتحادية، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية.
عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي
والسؤال الأهم الذي يناقشه هذا المقال هل يمكن للعقوبات الاقتصادية القاسية أن تغير المواقف السياسية حتى لو تعلق الأمر بقضايا أمنية تتحدث عنها روسيا الاتحادية؟ كما أن هناك تساؤلًا آخر، وهو هل يمكن للدول الغربية أن تستغني عن إمدادات الطاقة، وخاصة الغاز من روسيا الاتحادية خاصة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا؟ وهل هناك بديل لتعويض النقص المتوقع من الطاقة؟ وعلى ضوء هذه التساؤلات تبرز مدى جدوى العقوبات الاقتصادية، وهل يمكن أن تنجح في تغيير المواقف السياسية للدول سواء كانت روسيا الاتحادية في المشهد الحالي الخاص بالحرب الروسية ضد أوكرانيا أو من خلال تجارب سابقة فرضت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عقوبات اقتصادية، ومنها على سبيل المثال إيران، وهناك نماذج أخرى تعرضت لعقوبات اقتصادية مثل كوبا وغيرها من الدول التي دخلت في خلافات كبيرة مع واشنطن والدول الغربية. ومن هنا فإن سلاح العقوبات بشكل عام تاريخيًا لم يحقق النجاح المطلوب سياسيًا، رغم أن تلك العقوبات الاقتصادية سببت ضررًا كبيرًا لكل الدول التي كانت هدفًا مباشرًا لتلك العقوبات الاقتصادية.
تأرجح المواقف
العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا الاتحادية خلال أقل من شهر تعد الأقسى في التاريخ الحديث خاصة وأنها شملت الصادرات والتعاملات المالية، وتجميد الأصول والحظر الجوي التجاري في بعض الدول وعدم التعامل مع الشركات الروسية والحديث عن ضرورة وقف شراء الغاز والنفط الروسي، وهذا الأخير إن حدث سوف يشكل معضلةً اقتصاديةً عالميةً، وليس فقط على الاقتصاد الروسي كما أن المواقف الغربية متأرجحة فيما يخص موضوع الغاز الروسي خاصة ألمانيا، التي تعتمد على صادرات الغاز الروسي بما يقترب من نصف حاجة ألمانيا، وهناك إيطاليا وتركيا، ومن هنا ارتفعت تلك الأصوات متحفظة على موضوع الغاز الروسي وعدم شرائه على الأقل حتى نهاية الأزمة الأوكرانية.
إنَّ العقوبات الاقتصادية أصبحت عاملًا أساسيًا في الأزمة الأوكرانية، ويبدو لي أن تلك العقوبات الاقتصادية لن تثني روسيا الاتحادية عن موقفها السياسي حول إبعاد أوكرانيا عن حلف الناتو، وهو المطلب الأساسي والاحتفاظ بشبه جزيرة القرم وإيجاد مقاربة سياسية للوضع في شرق أوكرانيا، ومن هنا يدور الآن صراع إرادات بين روسيا الاتحادية وحلفائها بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على مسألة تحقيق تلك الأهداف السياسية. وهناك النموذج الإيراني، حيث فرضت عقوبات قاسية منذ قيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ ثم رفعت تلك العقوبات الاقتصادية عام ٢٠١٥ بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني الذي كان للدبلوماسية العمانية دور كبير في التوصل إليه ثم جاء الرئيس الأمريكي السابق ترامب وانسحب من ذلك الاتفاق وعادت العقوبات الاقتصادية مرة أخرى.
إذن العقوبات الاقتصادية ليست العامل الحاسم في الأزمات السياسية، كما أن هناك دولًا عديدةً في العالم لها مصالح كبيرة، كما هو الحال في النموذج الروسي، وعلى ضوء ذلك فإنَّ مسألة الطاقة تعد على جانب كبير من الحساسية والتأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في دولة مثل ألمانيا. ومن هنا برزت التصريحات المتحفظة على مسألة وقف شراء الغاز الروسي، كما أن دول الاتحاد الأوروبي متحفظة على مسألة الحظر الجوي في أوكرانيا، كما أن الرئيس الأمريكي بايدن أكد أن واشنطن لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مع موسكو؛ لأن ذلك يعني قيام حرب عالمية ثالثة سوف تكون مدمرة للعالم. ومن هنا فإن العقوبات الاقتصادية لا شك أنها مؤلمة للاقتصاد الروسي على المدى المتوسط والبعيد ولكنها لن تجعل روسيا الاتحادية تغير من توجهاتها الاستراتيجية الخاصة بالوضع في أوكرانيا خاصة تلك المتعلقة بالضمانات الأمنية.
الكل خاسر
الحروب ومهما تكون نتائج تلك الحروب تظل هناك خسارة لكل الأطراف، حيث إن روسيا تعاني الآن اقتصاديًا وهذه إحدى نتائج الحرب وما بعدها، أما فيما يخص أوكرانيا فهي الخاسر الأكبر، حيث تدمير المدن الأوكرانية، ونزح الملايين من مناطقهم عدا الضحايا، ومن هنا فإن المشهد السياسي في أوكرانيا هو مشهد قاس، وهناك مفاوضات لم تسفر عن شيء حتى الآن، حيث إن المقاربة الروسية هي أبعد عن المقاربة الأوكرانية والغربية خاصة مسألة عضوية كييف في حلف الناتو أو عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وعلى ضوء تلك المؤشرات فإن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تتحول إلى حرب استنزاف مكلفة خاصة إذا تحولت إلى حرب عصابات مسلحة، وهي التجربة نفسها التي فشلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق قبل عقود في أفغانستان، وكان آخرها الانسحاب الأمريكي الفوضوي والمذل من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على كل محافظات أفغانستان. ومن هنا، فإن النموذج الأفغاني قد يتكرر، وقد تكون هناك مسألة الحسم العسكري الروسي إذا تغيرت المعادلة، وتم احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن بسبب المقاومة الأوكرانية المسلحة، كما أن تدفق السلاح الأمريكي والغربي على أوكرانيا كان له دور كبير في استمرار الحرب.
الانفلات العسكري
المشهد العسكري والعقوبات الاقتصادية تثير القلق على صعيد العالم خاصة إذا حدث انفلات عسكري وبدأت شرارات الحرب تصل إلى الدول المجاورة لأوكرانيا مثل بولندا ودول البلطيق، وهنا تكمن الخطورة ولعل الباعث الأساسي على إمكانية الانفلات العسكري هو تدفق السلاح الثقيل على أوكرانيا بهدف قلب المعادلة العسكرية ليس بهدف حسم الحرب لأوكرانيا، وهو أمر لن يحدث ولكن لإطالة الحرب وجعلها مكلفة اقتصاديًا وعسكريًا، وحتى سياسيًا على روسيا الاتحادية. وهنا يكمن الهدف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وعلى الجانب الآخر فإن الموقف الروسي في تصوري لن يتزحزح حتى مع تلك العقوبات الاقتصادية القاسية؛ لأن الموضوع بالنسبة لروسيا الاتحادية يدخل في إطار الأمن القومي وهي مسألة حساسة لأي دولة في العالم.
كما أن الحرب الروسية الأوكرانية في جانب منها صراع يتعدى المسألة الأوكرانية، وقد تكشف جزءًا من تلك المواجهة الاستراتيجية، خاصة موضوع المعامل البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا التي تحدثت عنها موسكو في مجلس الأمن.
ومن هنا فإن الصراع الحالي قد يشكل مرحلة مهمة في النظام الدولي الحالي خاصة وأن دول كالصين متحفزة لإيجاد أقطاب دولية وضرورة إنهاء الهيمنة الأحادية الأمريكية على قضايا العالم، وهو الأمر الذي تدعمه عدد من القوى الدولية منها روسيا الاتحادية، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية.
عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي