لا تشْرَئِبُّ الأعناق كثيرا تجاه النظام العالمي الجديد، الذي قد عول عليه في فترات سابقة على أنه حامي الحمى، والمدافع عن المظلوم، والمقتص من الظالم الذي تشكل مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى وإن ابتدع مجالس وهيئات "دولية" والتي أكدت حقيقتها على أنها "ذر الرماد على العيون" وليس أكثر، حيث أصبحت هذه المنظمات والهيئات بمثابة أوكار لصنع المآسي وإهلاك الشعوب، وانتهاك القيم الإنسانية كلها، بل أكد هذا النظام على أنه من لم ينتصر للظلم، فلن يكون له موطئ قدم فيه، ويبقى القول الفصل للقطب الواحد "ومن لم يكن معه فهو ضده" شريعة غاب بامتياز، فالنظام العالمي الجديد لا يخرج عن كونه مجموعة مستقوية من اللصوص، يتفقون على مصلحة واحدة في ليلة، وفي الليلة الأخرى يعمل الكل على إضعاف الكل، بصورة مباشرة أو من وراء حجاب، وهذا الحجاب يخفي وراءه مجموعة من الاتفافات، والخيانات، وبيع الضمائر، والقتل، والظلم، والترهيب، ليصل البعض في نهاية المطاف إلى أن "الحياة للأقوى" وأن هذه الحياة التي يراد لها أن تكون خضراء، هي عبارة عن غابة من الوحوش، تقاتل بعضها بعضا، وتفتك ببعضها بعضا، والصورة لا تحتاج إلى كثير من التدليل، فلينظر أحدنا مشرقا ومغربا، ليرى كمية الدماء المراقة، وكمية النفوس النافقة على الأرصفة، وكمية المهاجرين واللاجئين، الذين دمرت ديارهم، ويتمت أطفالهم، ورملت نساؤهم، وما زالت القافلة تسير وفق هذه المنهجية القاتلة، في استئساد لم يكن له نظير من قبل.
وكما هو معلوم بالضرورة إن النظام العالمي الجديد يرتهن بقاءه على إضعاف كل دول العالم، وبقاء قطب واحد متسيد، وله الكلمة الفصل على الجميع: "شرطي العالم" يعبث بمقدراته وفق ما يتفق مع مصالحه وطموحاته، واستمراره، سمه ما شئت "شرطي العالم" أو شركة أحادية الجنسية؛ بدلا من "شركات متعددة الجنسية" كما هي التسمية الشائعة، ولعل مسمى "شركة" أقرب إلى المعنى بدلا من "شرطي" لأن الشرطي في المفهوم العام هو يحمي النظام، بينما في مفهوم الشركة تبقى المصلحة الخاصة بالشركة هي المتسيدة على المشهد، وهذا ما يحدث بالفعل في الواقع، فالشركة وفق مفهومها الاقتصادي تسعى إلى الربح، ولا ترضى بالخسارة، ولا تقبل المنافسة، ومعنى ذلك أن على دول العالم كلها أن تدفع بكل مقدراتها من الثروات الطبيعية وغيرها إلى هذه الشركة العالمية "أحادية الجنسية" ومن يعاند سوف "يلاقي كما لاقى مجير أم عامر" بلا نقاش.
عندما يوصف هذا العالم اليوم بأنه "النظام العالمي الجديد" فإن الجدية هنا هي تجدد الوسائل وتطورها عما كانت عليه، أما الفكر الإنساني لم يتجدد بما يخدم الحالة الإنسانية البحتة، وهي الحالة التي لا تزال تعاني من إهمال الإنسان نفسه لها، وكأن الإنسانية شيء، والإنسان بجبروته، وطموحاته، وغلوه في المادة شيء آخر، وفكره الإبداعي لم يتطور "ثقافيا" بما ينسجم مع هذه الروح الإنسانية، وبما تتوق إليه من الأمن والاستقرار الدوليين، والعيش بسلام، بقدر ما تطور "ميكانيكيا" فأدى به إلى ابتداع أساليب التعذيب، والتدمير، والبطش، وتنامي الجبروت، بصورة مفرطة، ومخيفة، إلى درجة التشكيك أن هذا الإنسان بقامته الفارعة لا يزال ينتمي إلى السلالة البشرية، أمر مخيف بالفعل؛ حيث تطورت آلة الحرب من صورها التقليدية، إلى الغزو الـ "سبراني" والـ "بيولوجي" والذي يبلغ تدميره أضعافا مضاعفة عما كان عليه الحال أيام الحروب التقليدية.
يأتي تصنيف الدول المتقدمة، والدول النامية/ المتأخرة، ليوجد مفهومين للقوة، تكون إحداهما أضعف من الأخرى، وهي التي يتم استحلابها، وإنهاك ثرواتها إلى حد الجفاف، مع أن كلا التصنيفين غير منصف، فالأول؛ (المتقدمة) فالتقدم هنا لن يخرج كثيرا عن ضخامة العمارة، وترسانة الأسلحة، والقلوب القاسية المتعطشة للدماء، والتصرفات الغوغائية، وتكريس العبودية واللصوصية، والكيل بمكيالين، والظهور بمظهر العنترية، والصلف، والدسائس، وتكريس الخيانات، وشراء الذمم، وإذا كان هناك من تَقَدُّمٍ فيحسب ذلك للقانون المطبق بحذافيره وسلطته الحيادية التي لا تجامل باطلا على حق، ولا ظلما على عدل، ولا كذبا على صدق، ومع ذلك فهذا القانون يفرغ من مضامينه في كثير من المواقف، وخاصة عند التعامل مع الضعيف، والمستضعف بفعل لي الأذرعة، فأي تقدم هذا؛ في ظل هذه الضبابية الموحشة بالفعل السيء؟ وأما الثاني؛ "النامية" فهو لا يزال يبحث له عن موطئ قدم ليعيش فقط، ولا ليطمح أكثر من ذلك، فكل الحلال محرم عليه.
توصف بعض المجتمعات بـ "المجتمعات الغبية" وفي المقابل توصف أخرى بـ "المجتمعات الذكية" وهذا التوصيف عنصري بدرجة كبيرة، ويحمل الكثير من الصور النمطية المتأصلة عند كل الشعوب؛ بلا استثناء، الفقيرة منها والغنية، فـ "الغباء" على سبيل المثال؛ فهو للشعوب الفقيرة، والشعوب المهزومة، والشعوب المستقوى عليها، بينما "الذكاء" فهو للشعوب المتقدمة، والغنية، والمنتصرة، والمستقوية على غيرها، فالأولى لا حول لها ولا قوة، أميتت في مهدها، ولم تعد لها قائمة، وفي المقابل استسلمت – هي الأخرى - استسلاما مطلقا للثانية، بينما في حقيقة الأمر إن الثانية قائمة على الأولى، تستغل ثرواتها نهبا وترهيبا، واستقواء، بـ "الطييب والطيب" والسؤال ألا يوجد في الشعوب المُضَعِّفَةِ نفسَها أذكياءُ، وعقلاءُ، ونابهون ونابغون، وأصحابُ رأيٍ؟ بلى كل هذه موجود، ولكن ينطبق عليهم المعنى الذي يذهب إلى: "قد تستطيع أن تبيع السمك في حارة الصيادين" لماذا؟ لأنك أوهمتهم بالخوف وبالضعف، حتى كبلت مشاعرهم، فلم تستطع هذه المشاعر بعد ذلك، لأن تحفز هؤلاء الصيادين لركوب البحر من جديد، فهناك حسب دروس الخوف؛ حيتان كبيرة قد تلتهم الصياد مع قاربه، فأنَّى لك صيادا بعد ذلك سوف يوافقك لركوب البحر؟ بالتأكيد لن يكون، وفوق ذلك فالمسألة ليس يسيرا تخطيها بين عشية وضحاها حيث تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، وتوليد القناعات بأن الساحة آمنة، وبإمكانكم أن تخرجوا من جحوركم إلى ساحة المدينة، أو القرية، أو ركوب البحر، وهذا يتوافق مع حادثة منع زراعة القمح في دولة ما، تنفيذا لتهديد من دولة ما محسوبة على الدول المتقدمة؛ إنها لمفارقة بين التقدم الذي يذهب إلى التخلف.
يقال: "إن الأذكياء والعقلاء والنابهين يقودون المجتمع ويصنعون السعادة حتى للأغبياء أيضاً" وهذا يتفق مع منطق الكيف، ولكن ما هو معاش أن مجمل مشاكل العالم، وما تعانيه الإنسانية هو المتموضع مع هذا المنطق، فالذكاء والنباهة، والعقل المادي، ما يتم توظيفه في الإساءة إلى الآخر، وفي خلق قضايا من لا شيء، وإسقاطها على الواقع على أنها حقيقة، ومن ثم اعتمادها لكي تكون مبررا لإذلال الشعوب وتهجيرها، وهدم المدن، والعودة من جديد إلى المربع الأول، سواء اليوم أو كما كان الحال بالأمس، فالحال سيان، لم يختلف شيء إطلاقا، سوى تقدم آلة الحرب، وكل هذه العقول الجبارة والذكاء المفرط لم تسع لما يخدم الإنسان لمعيشته ورخائه، وحمايته وبقائه، إلا من خلال تنظير متراكم تحتويه ملفات كثيرة لا أول لها ولا آخر، فجل القوانين والأنظمة، والاتفاقات، والتعهدات، والصفقات والمعاهدات التي وقعتها الدول لتحقيق شيئ ما مما يحتاجه هذا الإنسان ليستقر، ويأمن، ويعيش بعيدا عن المنغصات، لم يستطع كل ذلك أن يحقق شيئا يسيرا من ذلك، فظلت ثقافة الغابة "البقاء للأقوى" هي المسيطرة على كل الممارسات التي يقوم بها الإنسان، وظل ولا يزال ينتهز الفرصة المناسبة للإنقضاض على الآخر .
يحدث كثيرا أن يكون هناك تفكير "منطقي" وتفكير آخر "عاطفي" ومما نسمعه كثيرا أن الشعوب في الدول الـ "متقدمة" كما هي الصورة النمطية يفكرون تفكيرا منطقيا، حيث لا مكان للعاطفة فيه فـ (1+1 = 2) ولذلك؛ كما يعلل؛ هم متقدمون، ولكن هذا التقدم لا يظهر في تعاملاتهم مع الشعوب الأخرى، حيث يستخدمون كل أنواع التفكير، ويعزفون على وتر المشاعر لتسترق قلوب الطرف الآخر، فيسلم للأمر بكل ما يحمله الكف، ويظل منطق الـ "جيوسياسي" المهدرة كرامته "وطن محتل" هو السائد، بينما؛ وكما هي الصورة النمطية؛ عند الشعوب النامية يحضر التفكير العاطفي بقوة، فتنسل مجموعة من الالتزامات عن واجباتها ومسؤولياتها، وتتماهى بين يدي العلاقات، فهؤلاء ضيوف، ويجب إكرامهم، بينما يستغل المنطقي هذه الثغرات فيجني أرباحا أكثر على حساب كل القيم، والأعراف، فالمهم هنا هي المصلحة، ولتذهب كل الاعتبارات الأخرى إلى الجحيم.
• أحمد الفلاحي كاتب وصحفي عماني
وكما هو معلوم بالضرورة إن النظام العالمي الجديد يرتهن بقاءه على إضعاف كل دول العالم، وبقاء قطب واحد متسيد، وله الكلمة الفصل على الجميع: "شرطي العالم" يعبث بمقدراته وفق ما يتفق مع مصالحه وطموحاته، واستمراره، سمه ما شئت "شرطي العالم" أو شركة أحادية الجنسية؛ بدلا من "شركات متعددة الجنسية" كما هي التسمية الشائعة، ولعل مسمى "شركة" أقرب إلى المعنى بدلا من "شرطي" لأن الشرطي في المفهوم العام هو يحمي النظام، بينما في مفهوم الشركة تبقى المصلحة الخاصة بالشركة هي المتسيدة على المشهد، وهذا ما يحدث بالفعل في الواقع، فالشركة وفق مفهومها الاقتصادي تسعى إلى الربح، ولا ترضى بالخسارة، ولا تقبل المنافسة، ومعنى ذلك أن على دول العالم كلها أن تدفع بكل مقدراتها من الثروات الطبيعية وغيرها إلى هذه الشركة العالمية "أحادية الجنسية" ومن يعاند سوف "يلاقي كما لاقى مجير أم عامر" بلا نقاش.
عندما يوصف هذا العالم اليوم بأنه "النظام العالمي الجديد" فإن الجدية هنا هي تجدد الوسائل وتطورها عما كانت عليه، أما الفكر الإنساني لم يتجدد بما يخدم الحالة الإنسانية البحتة، وهي الحالة التي لا تزال تعاني من إهمال الإنسان نفسه لها، وكأن الإنسانية شيء، والإنسان بجبروته، وطموحاته، وغلوه في المادة شيء آخر، وفكره الإبداعي لم يتطور "ثقافيا" بما ينسجم مع هذه الروح الإنسانية، وبما تتوق إليه من الأمن والاستقرار الدوليين، والعيش بسلام، بقدر ما تطور "ميكانيكيا" فأدى به إلى ابتداع أساليب التعذيب، والتدمير، والبطش، وتنامي الجبروت، بصورة مفرطة، ومخيفة، إلى درجة التشكيك أن هذا الإنسان بقامته الفارعة لا يزال ينتمي إلى السلالة البشرية، أمر مخيف بالفعل؛ حيث تطورت آلة الحرب من صورها التقليدية، إلى الغزو الـ "سبراني" والـ "بيولوجي" والذي يبلغ تدميره أضعافا مضاعفة عما كان عليه الحال أيام الحروب التقليدية.
يأتي تصنيف الدول المتقدمة، والدول النامية/ المتأخرة، ليوجد مفهومين للقوة، تكون إحداهما أضعف من الأخرى، وهي التي يتم استحلابها، وإنهاك ثرواتها إلى حد الجفاف، مع أن كلا التصنيفين غير منصف، فالأول؛ (المتقدمة) فالتقدم هنا لن يخرج كثيرا عن ضخامة العمارة، وترسانة الأسلحة، والقلوب القاسية المتعطشة للدماء، والتصرفات الغوغائية، وتكريس العبودية واللصوصية، والكيل بمكيالين، والظهور بمظهر العنترية، والصلف، والدسائس، وتكريس الخيانات، وشراء الذمم، وإذا كان هناك من تَقَدُّمٍ فيحسب ذلك للقانون المطبق بحذافيره وسلطته الحيادية التي لا تجامل باطلا على حق، ولا ظلما على عدل، ولا كذبا على صدق، ومع ذلك فهذا القانون يفرغ من مضامينه في كثير من المواقف، وخاصة عند التعامل مع الضعيف، والمستضعف بفعل لي الأذرعة، فأي تقدم هذا؛ في ظل هذه الضبابية الموحشة بالفعل السيء؟ وأما الثاني؛ "النامية" فهو لا يزال يبحث له عن موطئ قدم ليعيش فقط، ولا ليطمح أكثر من ذلك، فكل الحلال محرم عليه.
توصف بعض المجتمعات بـ "المجتمعات الغبية" وفي المقابل توصف أخرى بـ "المجتمعات الذكية" وهذا التوصيف عنصري بدرجة كبيرة، ويحمل الكثير من الصور النمطية المتأصلة عند كل الشعوب؛ بلا استثناء، الفقيرة منها والغنية، فـ "الغباء" على سبيل المثال؛ فهو للشعوب الفقيرة، والشعوب المهزومة، والشعوب المستقوى عليها، بينما "الذكاء" فهو للشعوب المتقدمة، والغنية، والمنتصرة، والمستقوية على غيرها، فالأولى لا حول لها ولا قوة، أميتت في مهدها، ولم تعد لها قائمة، وفي المقابل استسلمت – هي الأخرى - استسلاما مطلقا للثانية، بينما في حقيقة الأمر إن الثانية قائمة على الأولى، تستغل ثرواتها نهبا وترهيبا، واستقواء، بـ "الطييب والطيب" والسؤال ألا يوجد في الشعوب المُضَعِّفَةِ نفسَها أذكياءُ، وعقلاءُ، ونابهون ونابغون، وأصحابُ رأيٍ؟ بلى كل هذه موجود، ولكن ينطبق عليهم المعنى الذي يذهب إلى: "قد تستطيع أن تبيع السمك في حارة الصيادين" لماذا؟ لأنك أوهمتهم بالخوف وبالضعف، حتى كبلت مشاعرهم، فلم تستطع هذه المشاعر بعد ذلك، لأن تحفز هؤلاء الصيادين لركوب البحر من جديد، فهناك حسب دروس الخوف؛ حيتان كبيرة قد تلتهم الصياد مع قاربه، فأنَّى لك صيادا بعد ذلك سوف يوافقك لركوب البحر؟ بالتأكيد لن يكون، وفوق ذلك فالمسألة ليس يسيرا تخطيها بين عشية وضحاها حيث تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، وتوليد القناعات بأن الساحة آمنة، وبإمكانكم أن تخرجوا من جحوركم إلى ساحة المدينة، أو القرية، أو ركوب البحر، وهذا يتوافق مع حادثة منع زراعة القمح في دولة ما، تنفيذا لتهديد من دولة ما محسوبة على الدول المتقدمة؛ إنها لمفارقة بين التقدم الذي يذهب إلى التخلف.
يقال: "إن الأذكياء والعقلاء والنابهين يقودون المجتمع ويصنعون السعادة حتى للأغبياء أيضاً" وهذا يتفق مع منطق الكيف، ولكن ما هو معاش أن مجمل مشاكل العالم، وما تعانيه الإنسانية هو المتموضع مع هذا المنطق، فالذكاء والنباهة، والعقل المادي، ما يتم توظيفه في الإساءة إلى الآخر، وفي خلق قضايا من لا شيء، وإسقاطها على الواقع على أنها حقيقة، ومن ثم اعتمادها لكي تكون مبررا لإذلال الشعوب وتهجيرها، وهدم المدن، والعودة من جديد إلى المربع الأول، سواء اليوم أو كما كان الحال بالأمس، فالحال سيان، لم يختلف شيء إطلاقا، سوى تقدم آلة الحرب، وكل هذه العقول الجبارة والذكاء المفرط لم تسع لما يخدم الإنسان لمعيشته ورخائه، وحمايته وبقائه، إلا من خلال تنظير متراكم تحتويه ملفات كثيرة لا أول لها ولا آخر، فجل القوانين والأنظمة، والاتفاقات، والتعهدات، والصفقات والمعاهدات التي وقعتها الدول لتحقيق شيئ ما مما يحتاجه هذا الإنسان ليستقر، ويأمن، ويعيش بعيدا عن المنغصات، لم يستطع كل ذلك أن يحقق شيئا يسيرا من ذلك، فظلت ثقافة الغابة "البقاء للأقوى" هي المسيطرة على كل الممارسات التي يقوم بها الإنسان، وظل ولا يزال ينتهز الفرصة المناسبة للإنقضاض على الآخر .
يحدث كثيرا أن يكون هناك تفكير "منطقي" وتفكير آخر "عاطفي" ومما نسمعه كثيرا أن الشعوب في الدول الـ "متقدمة" كما هي الصورة النمطية يفكرون تفكيرا منطقيا، حيث لا مكان للعاطفة فيه فـ (1+1 = 2) ولذلك؛ كما يعلل؛ هم متقدمون، ولكن هذا التقدم لا يظهر في تعاملاتهم مع الشعوب الأخرى، حيث يستخدمون كل أنواع التفكير، ويعزفون على وتر المشاعر لتسترق قلوب الطرف الآخر، فيسلم للأمر بكل ما يحمله الكف، ويظل منطق الـ "جيوسياسي" المهدرة كرامته "وطن محتل" هو السائد، بينما؛ وكما هي الصورة النمطية؛ عند الشعوب النامية يحضر التفكير العاطفي بقوة، فتنسل مجموعة من الالتزامات عن واجباتها ومسؤولياتها، وتتماهى بين يدي العلاقات، فهؤلاء ضيوف، ويجب إكرامهم، بينما يستغل المنطقي هذه الثغرات فيجني أرباحا أكثر على حساب كل القيم، والأعراف، فالمهم هنا هي المصلحة، ولتذهب كل الاعتبارات الأخرى إلى الجحيم.
• أحمد الفلاحي كاتب وصحفي عماني