في ظني أنّ كلمة "لكن" التي ذكرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأربعاء الماضي 23 فبراير 2022، أثناء استقباله للسيد بدر بن حمد وزير الخارجية العماني في طهران، لخّصت القصة برمتها؛ فالعلاقاتُ العمانية الإيرانية مميزة، ووصلت في بعض الحالات إلى درجة أن تكون استراتيجية، ويجب أن تبقى كذلك؛ فلا داعي للتذكير بأنّه عندما قاطعت الدول الخليجية إيران، فإنّ العلاقات العمانية الإيرانية كانت على ما يرام، كعادة عُمان في الحفاظ على علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء، وهو ما حصل مع مصر والعراق وسوريا واليمن. ولا داعي للتذكير أيضًا بأنّ التوصل إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بين إيران والمجموعة الدولية، يعود إلى نجاح جهود الوساطة العمانية، التي تكللت في جمع الإيرانيين والأمريكيين على طاولة تفاوض مباشر في مسقط، بدأت بسرية تامة من عام 2012، في أول لقاء مباشر لمسؤولين إيرانيين وأمريكيين لحلحلة الملف النووي، فيما كانت إيران قبل ذلك تتفاوض مع الترويكا الأوروبية فحسب.
تلك الإشارة عن العلاقات العمانية الإيرانية كانت ضرورية لمعرفة ماذا عنَت كلمة "لكن" التي ذكرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي ثمّن الدعوة الرسمية التي وجّهها له جلالة السلطان المعظم لزيارة عُمان، ورأى أنّ هذه اللقاءات يمكن أن تكون فعالة في تعزيز العلاقات بين البلدين وحلّ القضايا الإقليمية والدولية. ولم يفت الرئيس الإيراني الإشارة إلى أنّ مواقف الحكومة العمانية كانت جيدة وحازمة، وتختلف بشكل كبير عن سلوك بعض دول المنطقة، "خاصة أنّ اهتمام عُمان بفلسطين واليمن والقضايا الإقليمية لافت، وكذلك اهتمام الحكومة العمانية بأمن المنطقة والعالم الإسلامي والمظلومين في غرب آسيا"، ووصف العلاقات العمانية الإيرانية بأنها جيدة، "ولكن" في المجال الاقتصادي والتجاري هناك إمكانية لمزيد من التعزيز، ويمكن لإمكانيات البلدين الكبيرة استخدامها لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
فكرتُ كثيرًا في هذه "الولكن"، والتي تقودنا إلى العديد من الأسئلة، منها مثلا: ماذا استفادت عُمان من كلّ مواقفها السياسية المستقلة طوال نصف قرن؟ لستُ في معرض التذكير بأنّ السياسة هي مصالح؛ فهذه من الأبجديات التي يعرفها الصغير قبل الكبير، ولكن ماذا لو استفدنا من الدول التي وقفنا معها، ومنها إيران التي لديها الكثير لتقدمّه لعُمان اقتصاديًا وعلميًا وطبيًا وتكنولوجيًا وغير ذلك. فخلاف المواقف السياسية هناك جوار جغرافي كان يمكن أن نستفيد منه، ويستفيد منه الإيرانيون أيضًا. وما يؤسف له أن نرى أنّ هناك ثقافة متجذرة، سادت السياسة العمانية طوال العقود الماضية، هي الخوف والريبة من كلّ علاقة خارجية؛ فكانت النتيجة أن خسرنا الكثير من الاستثمارات، وبدأنا نفقد المزيد من رصيدنا السياسي والدبلوماسي، ونفقد أدوارنا التي ورثها الآخرون عنا بجدارة، وهم الذين كانوا مترددين، بل كانوا يتهجّمون في كلّ محفل على السياسات العمانية، فإذا هم بين ليلة وضحاها من يطبّقونها على أرض الواقع.
كان الرئيس الإيراني صادقًا وواضحًا عندما قال "إنّ هناك مزيدًا من الطاقات والفرص التي ينبغي توظيفها لتطوير التعاون الثنائي تجاريًا واقتصاديًا"، والمعنى أنّ الكرةَ في ملعبنا ليس الآن فقط، بل منذ زمن طويل، ولكن يبدو أنّ كلّ تسديداتنا كانت خارج المرمى؛ فكم من مشروع إيراني أعلن عنه فلم ير النور؟ وهل من المنطق ألا نستفيد من إيران إلا من بعض المستثمرين الصغار الذين انتشروا في عُمان لإصلاح إطارات السيارات فقط؟ أو من مطعم هنا وهناك تم إقفال بعضها بسبب أزمة كورونا؟ هذا ليس استثمارًا، ويجب أصلا أن تُعمّن هذه الأعمال ليقوم بها الشباب العماني.
وأنا أتابع زيارة الرئيس الإيراني للدوحة، التي اختتمها قبل يوم واحد من زيارة وزير الخارجية العماني لطهران، أعجبتُ جدًا بالخطوات الجريئة التي اتخذتها الحكومة القطرية، ومنها توقيع اتفاقيات بمجالات مختلفة، أحدها وأهمها يرتبط بإنشاء نفق بحري بين قطر وإيران، وهو مشروع فريد من نوعه وسيكون من ميناء دير بوشهر إلى قطر، ومن شأن هذا النفق - حسب تصريحات علي أكبر صفائي مساعد وزير الطرق الإيراني - أن يربط جميع دول الشمال وأوروبا وبحر قزوين والشرق والغرب بطرق برية وسكك حديد. كذلك فإنّ أبوظبي قامت أيضًا بخطوة جريئة هي الأخرى، بتوقيع مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري، يشمل تفعيل خطّ نقل بري بين البلدين عبر الأراضي الإيرانية، من شأنه أن يقلّص مدة الشحن بين تركيا والإمارات إلى سبعة أيام فقط، وهي ثلث المدة الحالية عبر البحر. والاتفاقيةُ هي تكملة لاتفاقية أخرى وقعتها تركيا مع باكستان للنقل البري عبر إيران أيضًا.
وإذا كانت الدول الشقيقة تتعامل مع المصالح بواقعية، بعيدًا عما يشبه "الحب العذري" الذي تسير عليه عُمان، فيحق لنا أن نتساءل: أين ذهبت فكرة إنشاء جسر يربط بين محافظة مسندم وإيران؟ ولو كان هذا الجسر قد رأى النور هل ستحتاج إيران أو قطر إلى نفق بحري من الصعوبة تنفيذه؟
عندما تكون هناك إرادة، فإنّ ذلك يلغي شيئًا اسمه مستحيل. فالمسافةُ التي تفصل بين البر العماني والإيراني أقل من 16 كيلومترا. وبناءُ ذلك الجسر أسهل بكثير من بناء نفق في البحر لمسافة طويلة. وقد علل البعض بأنّ هناك فاصلا بين مسندم وبقية الأراضي العمانية، فلا داعي لهذا الجسر، لكن ذلك ليس حجة؛ فالإرادةُ التي تبني ذلك الجسر، بإمكانها أن تبني جسرًا آخر يربط شناص بمسندم عبر المياه الدولية. وهذا ليس صعبًا أو مستحيلا؛ فقد رأينا كيف بنت الصين شارعًا بلغ طوله 860 كيلو مترًا بينها وباكستان، عبر تضاريس صعبة، حيث مرّ الشارع بجبال ووديان، وبلغ ارتفاع الجسر في بعض الأماكن أكثر من ثلاثة كيلومترات عن سطح البحر. وفي كلّ الأحوال، فإنّ جسرًا مثل ذلك كان سيخدم منطقة شرق آسيا والشرق الأوسط بأكمله، وسيعود بالنفع على العمانيين حاليًا ومستقبلا، وهو مشروع وطني بجدارة.
ما نحتاجه هو أن نفكر خارج الصندوق، ونخرج من القوقعة التي ألزمنا أنفسنا بها، وندع التغني بالماضي؛ فنحن أحوج من جيراننا الآن إلى تقوية الاقتصاد العماني، وإلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين العمانيين؛ فحركةُ التاريخ لا تنتظر أحدًا من المترددين، ولا بد أن يكون لكلّ مشكلة حلّ. أما إذا كان كلّ مسؤول "يتمنّى ويرجو" فقط، كما يتمنّى ويرجو المواطن العادي، الذي ليس بيده القرار، فالأمور ستبقى "محلك سر". ومحلك سر في وقت يتطور فيه الآخرون هو تراجع للخلف؛ ومن هنا أذكر ما قاله رضا بن جمعة آل صالح، رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان عندما زار إيران شهر نوفمبر من العام الماضي "هناك علاقات قوية ومتجذرة بين السلطنة وإيران. وتطوير هذه العلاقات يتطلب اتخاذ إجراءات جادة" ومثلُ هذه الإجراءات بالتأكيد ليست في يد المواطنين.
في لقاء السيد بدر بن حمد مع الرئيس الإيراني أعرب عن ثقته بأنّ زيارة الرئيس الإيراني إلى عُمان، ستكون زيارة تاريخية وستحقق أهداف الشعبين. ونحن بدورنا - كمتابعين - نرجو فعلا أن تفتح الزيارة مجالات للتعاون الاقتصادي والعلمي والطبي والتكنولوجي، وأن تستفيد عُمان من هذه العلاقة وتستفيد إيران منها أيضًا؛ فحجمُ التبادل التجاري بين البلدين يُعتبر صغيرًا، إذ بلغ نحو مليار و200 مليون دولار سنويًا، مع نهاية عام 2018، بمعنى أنه يجب أن نعمل على إلغاء كلمة "ولكن" من قاموسنا حتى تتحرك الأمور.
* زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب "الطريق إلى القدس"
تلك الإشارة عن العلاقات العمانية الإيرانية كانت ضرورية لمعرفة ماذا عنَت كلمة "لكن" التي ذكرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي ثمّن الدعوة الرسمية التي وجّهها له جلالة السلطان المعظم لزيارة عُمان، ورأى أنّ هذه اللقاءات يمكن أن تكون فعالة في تعزيز العلاقات بين البلدين وحلّ القضايا الإقليمية والدولية. ولم يفت الرئيس الإيراني الإشارة إلى أنّ مواقف الحكومة العمانية كانت جيدة وحازمة، وتختلف بشكل كبير عن سلوك بعض دول المنطقة، "خاصة أنّ اهتمام عُمان بفلسطين واليمن والقضايا الإقليمية لافت، وكذلك اهتمام الحكومة العمانية بأمن المنطقة والعالم الإسلامي والمظلومين في غرب آسيا"، ووصف العلاقات العمانية الإيرانية بأنها جيدة، "ولكن" في المجال الاقتصادي والتجاري هناك إمكانية لمزيد من التعزيز، ويمكن لإمكانيات البلدين الكبيرة استخدامها لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
فكرتُ كثيرًا في هذه "الولكن"، والتي تقودنا إلى العديد من الأسئلة، منها مثلا: ماذا استفادت عُمان من كلّ مواقفها السياسية المستقلة طوال نصف قرن؟ لستُ في معرض التذكير بأنّ السياسة هي مصالح؛ فهذه من الأبجديات التي يعرفها الصغير قبل الكبير، ولكن ماذا لو استفدنا من الدول التي وقفنا معها، ومنها إيران التي لديها الكثير لتقدمّه لعُمان اقتصاديًا وعلميًا وطبيًا وتكنولوجيًا وغير ذلك. فخلاف المواقف السياسية هناك جوار جغرافي كان يمكن أن نستفيد منه، ويستفيد منه الإيرانيون أيضًا. وما يؤسف له أن نرى أنّ هناك ثقافة متجذرة، سادت السياسة العمانية طوال العقود الماضية، هي الخوف والريبة من كلّ علاقة خارجية؛ فكانت النتيجة أن خسرنا الكثير من الاستثمارات، وبدأنا نفقد المزيد من رصيدنا السياسي والدبلوماسي، ونفقد أدوارنا التي ورثها الآخرون عنا بجدارة، وهم الذين كانوا مترددين، بل كانوا يتهجّمون في كلّ محفل على السياسات العمانية، فإذا هم بين ليلة وضحاها من يطبّقونها على أرض الواقع.
كان الرئيس الإيراني صادقًا وواضحًا عندما قال "إنّ هناك مزيدًا من الطاقات والفرص التي ينبغي توظيفها لتطوير التعاون الثنائي تجاريًا واقتصاديًا"، والمعنى أنّ الكرةَ في ملعبنا ليس الآن فقط، بل منذ زمن طويل، ولكن يبدو أنّ كلّ تسديداتنا كانت خارج المرمى؛ فكم من مشروع إيراني أعلن عنه فلم ير النور؟ وهل من المنطق ألا نستفيد من إيران إلا من بعض المستثمرين الصغار الذين انتشروا في عُمان لإصلاح إطارات السيارات فقط؟ أو من مطعم هنا وهناك تم إقفال بعضها بسبب أزمة كورونا؟ هذا ليس استثمارًا، ويجب أصلا أن تُعمّن هذه الأعمال ليقوم بها الشباب العماني.
وأنا أتابع زيارة الرئيس الإيراني للدوحة، التي اختتمها قبل يوم واحد من زيارة وزير الخارجية العماني لطهران، أعجبتُ جدًا بالخطوات الجريئة التي اتخذتها الحكومة القطرية، ومنها توقيع اتفاقيات بمجالات مختلفة، أحدها وأهمها يرتبط بإنشاء نفق بحري بين قطر وإيران، وهو مشروع فريد من نوعه وسيكون من ميناء دير بوشهر إلى قطر، ومن شأن هذا النفق - حسب تصريحات علي أكبر صفائي مساعد وزير الطرق الإيراني - أن يربط جميع دول الشمال وأوروبا وبحر قزوين والشرق والغرب بطرق برية وسكك حديد. كذلك فإنّ أبوظبي قامت أيضًا بخطوة جريئة هي الأخرى، بتوقيع مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري، يشمل تفعيل خطّ نقل بري بين البلدين عبر الأراضي الإيرانية، من شأنه أن يقلّص مدة الشحن بين تركيا والإمارات إلى سبعة أيام فقط، وهي ثلث المدة الحالية عبر البحر. والاتفاقيةُ هي تكملة لاتفاقية أخرى وقعتها تركيا مع باكستان للنقل البري عبر إيران أيضًا.
وإذا كانت الدول الشقيقة تتعامل مع المصالح بواقعية، بعيدًا عما يشبه "الحب العذري" الذي تسير عليه عُمان، فيحق لنا أن نتساءل: أين ذهبت فكرة إنشاء جسر يربط بين محافظة مسندم وإيران؟ ولو كان هذا الجسر قد رأى النور هل ستحتاج إيران أو قطر إلى نفق بحري من الصعوبة تنفيذه؟
عندما تكون هناك إرادة، فإنّ ذلك يلغي شيئًا اسمه مستحيل. فالمسافةُ التي تفصل بين البر العماني والإيراني أقل من 16 كيلومترا. وبناءُ ذلك الجسر أسهل بكثير من بناء نفق في البحر لمسافة طويلة. وقد علل البعض بأنّ هناك فاصلا بين مسندم وبقية الأراضي العمانية، فلا داعي لهذا الجسر، لكن ذلك ليس حجة؛ فالإرادةُ التي تبني ذلك الجسر، بإمكانها أن تبني جسرًا آخر يربط شناص بمسندم عبر المياه الدولية. وهذا ليس صعبًا أو مستحيلا؛ فقد رأينا كيف بنت الصين شارعًا بلغ طوله 860 كيلو مترًا بينها وباكستان، عبر تضاريس صعبة، حيث مرّ الشارع بجبال ووديان، وبلغ ارتفاع الجسر في بعض الأماكن أكثر من ثلاثة كيلومترات عن سطح البحر. وفي كلّ الأحوال، فإنّ جسرًا مثل ذلك كان سيخدم منطقة شرق آسيا والشرق الأوسط بأكمله، وسيعود بالنفع على العمانيين حاليًا ومستقبلا، وهو مشروع وطني بجدارة.
ما نحتاجه هو أن نفكر خارج الصندوق، ونخرج من القوقعة التي ألزمنا أنفسنا بها، وندع التغني بالماضي؛ فنحن أحوج من جيراننا الآن إلى تقوية الاقتصاد العماني، وإلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين العمانيين؛ فحركةُ التاريخ لا تنتظر أحدًا من المترددين، ولا بد أن يكون لكلّ مشكلة حلّ. أما إذا كان كلّ مسؤول "يتمنّى ويرجو" فقط، كما يتمنّى ويرجو المواطن العادي، الذي ليس بيده القرار، فالأمور ستبقى "محلك سر". ومحلك سر في وقت يتطور فيه الآخرون هو تراجع للخلف؛ ومن هنا أذكر ما قاله رضا بن جمعة آل صالح، رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان عندما زار إيران شهر نوفمبر من العام الماضي "هناك علاقات قوية ومتجذرة بين السلطنة وإيران. وتطوير هذه العلاقات يتطلب اتخاذ إجراءات جادة" ومثلُ هذه الإجراءات بالتأكيد ليست في يد المواطنين.
في لقاء السيد بدر بن حمد مع الرئيس الإيراني أعرب عن ثقته بأنّ زيارة الرئيس الإيراني إلى عُمان، ستكون زيارة تاريخية وستحقق أهداف الشعبين. ونحن بدورنا - كمتابعين - نرجو فعلا أن تفتح الزيارة مجالات للتعاون الاقتصادي والعلمي والطبي والتكنولوجي، وأن تستفيد عُمان من هذه العلاقة وتستفيد إيران منها أيضًا؛ فحجمُ التبادل التجاري بين البلدين يُعتبر صغيرًا، إذ بلغ نحو مليار و200 مليون دولار سنويًا، مع نهاية عام 2018، بمعنى أنه يجب أن نعمل على إلغاء كلمة "ولكن" من قاموسنا حتى تتحرك الأمور.
* زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب "الطريق إلى القدس"