ما يحدث من حراك سياسي وعسكري على صعيد الأزمة الأوكرانية واعتراف الرئيس الروسي بوتين بأجزاء من أراضي أوكرانيا الشرقية، كجمهوريات مستقلة أدخل الأزمة في منعطف خطير؛ خاصة أن القوات الروسية بدأت أمس بالدخول إلى تلك الأراضي الأوكرانية تحت مسمى «حماية السلام».
ومن خلال متابعة جلسة مجلس الأمن بالأمس فإن هناك إجماعًا سياسيًا من معظم أعضاء مجلس الأمن برفض الخطوة الروسية، وإن كان المندوب الصيني لم يُعلن الاعتراض بشكل واضح وهذا موقف سياسي مفهوم بحكم العلاقة المتنامية بين موسكو وبكين، ورغم ذلك فإن أجواء التوتر تعيد للأذهان مناخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق التي امتدت لعقود وانتهت بتفكك الاتحاد السوفييتي. وعلى ضوء ذلك فإن الأزمة الأوكرانية قد تُعيد ذلك المشهد، الذي بدأت ملامحه بشكل متسارع خاصة أن الرئيس الأمريكي بايدن بدأ بإجراءات تتحدث عن عقوبات اقتصادية، كما أن الدول الغربية تتحدث عن إجراءات صارمة تجاه القرار الروسي.
قضايا الأمن
تنطلق الإشكالية السياسية في الموقف المتوتر بين روسيا والغرب من قضايا الأمن الاستراتيجي، حيث إن توسع الناتو وضم عدد من دول أوروبا الشرقية إلى عضوية الحلف أوجد حالة من عدم الارتياح خاصة بالنسبة لجمهوريات البلطيق وحتى بولندا ومع تمدد حلف الناتو ووصوله إلى مشارف الجغرافيا الروسية فإن موسكو أظهرت موقفًا حاسمًا خاصة تجاه نوايا كييف في الانضمام إلى حلف الناتو وهو موقف يمكن تبريره على صعيد الأمن القومي الروسي.
إن قضايا الأمن في أوروبا وروسيا الاتحادية يبقى من الأمور الحساسة في ظل الوضع الروسي الاقتصادي الذي دخل مرحلة إيجابية علاوة على الدور المهم لموسكو على صعيد التحكم في الطاقة خاصة النفط والغاز مع بقية الشركاء. ومن هنا فإن الملمح الأساسي للقضايا الأمنية والاستراتيجية بين أوروبا وروسيا الاتحادية تنطلق من خلال الدور الروسي المتصاعد، وأيضًا التعاون المتصاعد مع الصين. كما أن هناك حساسية كبيرة بين الجمهوريات السوفيتية السابقة وموسكو خاصة تلك التي تقع في الجانب الأوروبي.
وقد أكد الرئيس الروسي بوتين أن روسيا الاتحادية تشعر بخطر أمني كبير من خلال تمدد حلف الناتو، وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير الخطوة الروسية ومنع كييف من الانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي. وهذا منطق سياسي ينطلق من الهواجس الأمنية لروسيا الاتحادية، ومع ذلك فإن الخيار الأفضل لحل الأزمة الأوكرانية هو الحوار على طاولة المفاوضات، ولعل الاجتماع المرتقب بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي هذا الأسبوع قد ينتج عنه تفاهمات محددة تخفض من التصعيد الحالي، وتراجع موسكو عن الاعتراف ببعض أجزاء أوكرانيا الشرقية كجمهوريات مستقلة كما حدث عام ٢٠١٤ في جورجيا وأبخازيا، وهذا يعيدنا للمسألة الأمنية بين روسيا الاتحادية والجمهوريات السوفييتية السابقة حيث سيظل الأمن هاجسًا كبيرًا قد يؤدي إلى حروب في المستقبل على نمط الوضع المتردي في أوكرانيا.
الحرب الباردة
الحرب الباردة تلوح في الأفق ببن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والسبب يعود إلي قضايا الأمن في أوروبا. وموضوع تمدد حلف الأطلسي قريبًا من الجغرافيا الروسية هو أمر لا يمكن أن تقبله موسكو، وهذا يفسر العبارات الحاسمة في خطاب الرئيس الروسي بوتين، وهناك حقيقة مهمة في العلاقات بين موسكو والجمهوريات السوفيتية السابقة، حيث إن هناك تداخلا عرقيا واجتماعيا فلا يزال ملايين الروس يعيشون في أوكرانيا ولاتفيا وروسيا البيضاء وسلوفينيا وغيرها من الجمهوريات. ولعل شرق أوكرانيا هو نموذج على هذا التداخل الديموجرافي بين الجمهوريات السوفييتية السابقة وروسيا الاتحادية. وهنا تكون الأمور أكثرا تعقيدًا، كما أن الأمن في أوروبا يرتبط بشكل كبير بالوضع في تلك الجمهوريات المحاذية لأوروبا الشرقية بشكل خاص.
ومن هنا فإن الحرب الباردة وحتى بالنسبة لموضوع الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى قد تكون مدخلًا مباشرًا لتعقد العلاقات الروسية الأمريكية خاصة إذا اتخذت واشنطن عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو. ومن خلال الأزمة الأوكرانية قد تندلع تلك الحرب الباردة ونشهد نفس أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويبدو لي أن مجلس الأمن الدولي الذي تترأسه حاليًا روسيا الاتحادية لن يستطيع عمل الكثير، وبدلا من ذلك فإن الحوار المباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية هو المخرج الوحيد لإيجاد آليات محددة لإنهاء التوتر أو حتى التخفيف منه وفي مقدمة ذلك استبعاد عضوية أوكرانيا في حلف الناتو وهذا موضوع مهم يجعل موسكو تتجاوب مع أحد أهم مطالبها الأمنية من دول الناتو.
الخطوة المهمة لابد من حوار أوكراني روسي والبعد عن التصريحات السلبية من قبل كييف وموسكو وإيجاد علاقة طبيعية بين البلدين، خاصة أن هناك مصالح مهمة بين البلدين، حيث يمر الغاز الروسي المتجه إلى ألمانيا وأوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، وهناك تداخل مجتمعي وديموجرافي وجغرافي يجعل من أمر العلاقات الطبيعية أمرًا مهما خاصة لأوكرانيا وعلى ضوء ذلك فإن هندسة الأمن والاستقرار في أوروبا بما فيها روسيا الاتحادية هو أمر استراتيجي لا بد من وضعه في سلم أولويات الفرقاء خاصة دول الناتو، حيث يصعب على أي دولة أن تقبل بدولة عضو في الناتو على حدودها. ومن هنا يمكن تجنب اندلاع الحرب الباردة من خلال التفاهمات الأمريكية الروسية وأيضًا الحوار الروسي الأوكراني.
مسار الأزمة
لعب الإعلام الأمريكي والغربي دورًا غير مسبوق في التحريض على الحرب والغزو الروسي لأوكرانيا من خلال تحديد أيام الاجتياح الكامل، وهي استراتيجية مفهومة في إطار الصراع الاستراتيجي بين الغرب وروسيا الاتحادية ومع ذلك فإن الاعتراف الروسي ببعض مناطق أوكرانيا الشرقية هو رسالة روسية حاسمة تتعلق بخصوص الاشتراطات الأمنية لروسيا وهذا يُعطي مؤشرًا بأن تخلي أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى عضوية الناتو قد تجعل موسكو تعيد النظر في مسألة الاعتراف بالجمهوريات الجديدة في شرق أوكرانيا ومن الصعب على المجتمع الدولي أن يعترف باقتطاع أراض من دولة مستقلة.
ومن هنا فإن الضغوط المتبادلة توحي بأهمية الحوار وتلبية هواجس موسكو الأمنية وتحديدًا موضوع توسع حلف الناتو شرقا وبدون تلك التفاهمات سوف نشهد اندلاع الحرب الباردة والحرب الاقتصادية بين روسيا الاتحادية والصين وبعض دول أمريكا اللاتينية من جانب، والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وهنا يدخل العالم في تطور خطير على الأمن والاستقرار في العالم.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي
ومن خلال متابعة جلسة مجلس الأمن بالأمس فإن هناك إجماعًا سياسيًا من معظم أعضاء مجلس الأمن برفض الخطوة الروسية، وإن كان المندوب الصيني لم يُعلن الاعتراض بشكل واضح وهذا موقف سياسي مفهوم بحكم العلاقة المتنامية بين موسكو وبكين، ورغم ذلك فإن أجواء التوتر تعيد للأذهان مناخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق التي امتدت لعقود وانتهت بتفكك الاتحاد السوفييتي. وعلى ضوء ذلك فإن الأزمة الأوكرانية قد تُعيد ذلك المشهد، الذي بدأت ملامحه بشكل متسارع خاصة أن الرئيس الأمريكي بايدن بدأ بإجراءات تتحدث عن عقوبات اقتصادية، كما أن الدول الغربية تتحدث عن إجراءات صارمة تجاه القرار الروسي.
قضايا الأمن
تنطلق الإشكالية السياسية في الموقف المتوتر بين روسيا والغرب من قضايا الأمن الاستراتيجي، حيث إن توسع الناتو وضم عدد من دول أوروبا الشرقية إلى عضوية الحلف أوجد حالة من عدم الارتياح خاصة بالنسبة لجمهوريات البلطيق وحتى بولندا ومع تمدد حلف الناتو ووصوله إلى مشارف الجغرافيا الروسية فإن موسكو أظهرت موقفًا حاسمًا خاصة تجاه نوايا كييف في الانضمام إلى حلف الناتو وهو موقف يمكن تبريره على صعيد الأمن القومي الروسي.
إن قضايا الأمن في أوروبا وروسيا الاتحادية يبقى من الأمور الحساسة في ظل الوضع الروسي الاقتصادي الذي دخل مرحلة إيجابية علاوة على الدور المهم لموسكو على صعيد التحكم في الطاقة خاصة النفط والغاز مع بقية الشركاء. ومن هنا فإن الملمح الأساسي للقضايا الأمنية والاستراتيجية بين أوروبا وروسيا الاتحادية تنطلق من خلال الدور الروسي المتصاعد، وأيضًا التعاون المتصاعد مع الصين. كما أن هناك حساسية كبيرة بين الجمهوريات السوفيتية السابقة وموسكو خاصة تلك التي تقع في الجانب الأوروبي.
وقد أكد الرئيس الروسي بوتين أن روسيا الاتحادية تشعر بخطر أمني كبير من خلال تمدد حلف الناتو، وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير الخطوة الروسية ومنع كييف من الانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي. وهذا منطق سياسي ينطلق من الهواجس الأمنية لروسيا الاتحادية، ومع ذلك فإن الخيار الأفضل لحل الأزمة الأوكرانية هو الحوار على طاولة المفاوضات، ولعل الاجتماع المرتقب بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي هذا الأسبوع قد ينتج عنه تفاهمات محددة تخفض من التصعيد الحالي، وتراجع موسكو عن الاعتراف ببعض أجزاء أوكرانيا الشرقية كجمهوريات مستقلة كما حدث عام ٢٠١٤ في جورجيا وأبخازيا، وهذا يعيدنا للمسألة الأمنية بين روسيا الاتحادية والجمهوريات السوفييتية السابقة حيث سيظل الأمن هاجسًا كبيرًا قد يؤدي إلى حروب في المستقبل على نمط الوضع المتردي في أوكرانيا.
الحرب الباردة
الحرب الباردة تلوح في الأفق ببن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والسبب يعود إلي قضايا الأمن في أوروبا. وموضوع تمدد حلف الأطلسي قريبًا من الجغرافيا الروسية هو أمر لا يمكن أن تقبله موسكو، وهذا يفسر العبارات الحاسمة في خطاب الرئيس الروسي بوتين، وهناك حقيقة مهمة في العلاقات بين موسكو والجمهوريات السوفيتية السابقة، حيث إن هناك تداخلا عرقيا واجتماعيا فلا يزال ملايين الروس يعيشون في أوكرانيا ولاتفيا وروسيا البيضاء وسلوفينيا وغيرها من الجمهوريات. ولعل شرق أوكرانيا هو نموذج على هذا التداخل الديموجرافي بين الجمهوريات السوفييتية السابقة وروسيا الاتحادية. وهنا تكون الأمور أكثرا تعقيدًا، كما أن الأمن في أوروبا يرتبط بشكل كبير بالوضع في تلك الجمهوريات المحاذية لأوروبا الشرقية بشكل خاص.
ومن هنا فإن الحرب الباردة وحتى بالنسبة لموضوع الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى قد تكون مدخلًا مباشرًا لتعقد العلاقات الروسية الأمريكية خاصة إذا اتخذت واشنطن عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو. ومن خلال الأزمة الأوكرانية قد تندلع تلك الحرب الباردة ونشهد نفس أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويبدو لي أن مجلس الأمن الدولي الذي تترأسه حاليًا روسيا الاتحادية لن يستطيع عمل الكثير، وبدلا من ذلك فإن الحوار المباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية هو المخرج الوحيد لإيجاد آليات محددة لإنهاء التوتر أو حتى التخفيف منه وفي مقدمة ذلك استبعاد عضوية أوكرانيا في حلف الناتو وهذا موضوع مهم يجعل موسكو تتجاوب مع أحد أهم مطالبها الأمنية من دول الناتو.
الخطوة المهمة لابد من حوار أوكراني روسي والبعد عن التصريحات السلبية من قبل كييف وموسكو وإيجاد علاقة طبيعية بين البلدين، خاصة أن هناك مصالح مهمة بين البلدين، حيث يمر الغاز الروسي المتجه إلى ألمانيا وأوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، وهناك تداخل مجتمعي وديموجرافي وجغرافي يجعل من أمر العلاقات الطبيعية أمرًا مهما خاصة لأوكرانيا وعلى ضوء ذلك فإن هندسة الأمن والاستقرار في أوروبا بما فيها روسيا الاتحادية هو أمر استراتيجي لا بد من وضعه في سلم أولويات الفرقاء خاصة دول الناتو، حيث يصعب على أي دولة أن تقبل بدولة عضو في الناتو على حدودها. ومن هنا يمكن تجنب اندلاع الحرب الباردة من خلال التفاهمات الأمريكية الروسية وأيضًا الحوار الروسي الأوكراني.
مسار الأزمة
لعب الإعلام الأمريكي والغربي دورًا غير مسبوق في التحريض على الحرب والغزو الروسي لأوكرانيا من خلال تحديد أيام الاجتياح الكامل، وهي استراتيجية مفهومة في إطار الصراع الاستراتيجي بين الغرب وروسيا الاتحادية ومع ذلك فإن الاعتراف الروسي ببعض مناطق أوكرانيا الشرقية هو رسالة روسية حاسمة تتعلق بخصوص الاشتراطات الأمنية لروسيا وهذا يُعطي مؤشرًا بأن تخلي أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى عضوية الناتو قد تجعل موسكو تعيد النظر في مسألة الاعتراف بالجمهوريات الجديدة في شرق أوكرانيا ومن الصعب على المجتمع الدولي أن يعترف باقتطاع أراض من دولة مستقلة.
ومن هنا فإن الضغوط المتبادلة توحي بأهمية الحوار وتلبية هواجس موسكو الأمنية وتحديدًا موضوع توسع حلف الناتو شرقا وبدون تلك التفاهمات سوف نشهد اندلاع الحرب الباردة والحرب الاقتصادية بين روسيا الاتحادية والصين وبعض دول أمريكا اللاتينية من جانب، والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وهنا يدخل العالم في تطور خطير على الأمن والاستقرار في العالم.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي