ترجمة: أحمد شافعي -

قبل ستة أشهر بالتمام والكمال، أغلقت أبواب مدرستي الداخلية للفتيات وخرجت لأسير في صمت كابول، أرى الأمل يتلاشى أمام عينيّ. لقد سقطت مدينتي. وجاء الطالبان. وصار العهد عهد طالبان تمليه كيفما تشاء.

لم أرجع إلى مدرستي منذ ذلك اليوم في شهر أغسطس الماضي. ولم ترجع مثلي ملايين الفتيات الأفغانيات المراهقات إلى مدارسهن.

أعاد الطالبان فتح المدارس لجميع الصبية في شهر سبتمبر. ورجعت إلى المدارس أيضا فتيات المدارس الابتدائية. أما فتيات الصف السابع والصفوف التي تليه، أو لنقل بعبارة أخرى إنهن الفتيات التي شارفن على البلوغ أو تجاوزنه، فليس لهن شيء. لا فصول. لا تعليم. لا مستقبل.

تبدأ السنة الدراسية في أفغانستان في الثالث والعشرين من مارس. وقد أعلن الطالبان للعالم أنه ربما يُسمح لجميع الفتيات بالرجوع إلى المدرسة. لكن المسألة الآن ـ كما يقول المسؤولون الطالبان ـ مسألة "قدرة": فالأمر لا يتعلق بوجوب ألا تتعلم الفتيات المراهقات، بل يتعلق بضرورة أن ينفصلن انفصالا تاما عن الصبية والرجال. لا بد لهن من فصول منفصلة في مدارس منفصلة. ولا بد لهن من منشآت إقامة منفصلة. ولا بد لهن من معلمات من الإناث.

هذه الذرائع غير جديدة عليَّ بأي حال من الأحوال. فلقد أقمت مدرسة للفتيات تقودها نساء وتدير مجلس إدارتها نساء، ولم يكن هذا الهيكل التنظيمي وليد الصدفة. بل لقد كانت الغاية منه هي مواجهة كل تلك الذرائع مباشرة والتغلب عليها.

وإنني الآن أنظر إلى ما بعد ستة أسابيع وأفكر: "لنفترض أن الطالبان سيفتحون جميع المدارس في جميع أرجاء البلد. فما العمل؟"

أكره أن أكون بمثابة الشخص الذي يغير القواعد ويضيف مصاعب إلى وضع صعب، وذلك لأنني لا أعتقد أن هذا ما أفعله. فأنا أعتقد ببساطة أنني أعيد توجيه اللاعبين إلى ميدان اللعب الحقيقي.

هل أريد أن تلتحق الفتيات بالمدارس في أفغانستان؟ نعم، بلا أدنى شك. وأريد هذا الآن، وأردته على مدار السنين السابقة لاستيلاء الطالبان على الحكم، أي في السنين التي كان المجتمع الدولي يصب فيها المال والاهتمام على أفغانستان، وهي نفسها السنون التي تقدَّر فيها نسبة الفتيات الأفغانيات اللاتي لم يلتحقن بالمدارس بثلثي العدد الإجمالي للفتيات، على الرغم من كل تلك الجهود.

في كل تلك السنين، لم يكن استثنائيا بالمرة في المناطق الريفية أن ينتهي تعليم فتاة عند الصف السادس. فهكذا كان الوضع حينذاك، وهكذا هو الوضع في ظل حكم طالبان، ولم يزل السبب واحدا، وهو أن أغلبية الأسر الأفغانية المحافظة تريد أن تتعلم بناتها المراهقات على أيدي نساء فقط. تريد التحاق بناتها بالمدارس، لكن فقط إذا توافرت معلمات إناث لتعليمهن. فإذا لم تتوافر المعلمات الإناث، لا تذهب تلك الفتيات إلى الفصول.

بأخذ ذلك بعين الاعتبار، تأملوا في حقيقة أن في أفغانستان أربعا وثلاثين محافظة ريفية. في سبع عشرة من هذه المحافظات، تقل نسبة المعلمات الإناث عن عشرين في المئة، وكذلك كان الحال قبل الخامس عشر من أغسطس الذي جاء وجاء معه الطالبان إلى الحكم.

هذا هو ميدان اللعب. ونحن نعرف اللاعبين. وما يلزم تغييره الآن هو طريقة أداء اللعب.

إنني أتحدث على مدار السنين مع مسؤولي التعليم في كل محافظة من هذه المحافظات السبع عشرة. وثمة خيط حاضر في حواراتنا، وليس في كلام شخص واحد، لكنه ما يقوله الجميع. يقولون إن المجتمع الدولي في الماضي، بقدر عظيم من المحبة والنية الحسنة كان يستورد حلولا بدلا من أن ينصت إلى ما يريده أهل البلد، وما أراده أهل البلد هو مكان آمن تتعلم فيه الفتيات على أيدي نساء، حتى تستطيع أولئك الفتيات أن يرجعن إلى بلداتهن ويعلمن فتيات أخريات.

إن كل فتاة متعلمة ستكبر لتصبح امرأة متعلمة. وكل امرأة متعلمة سوف تعلم المزيد من الفتيات. والعشرات يصبحن مئات، والمئات آلافا من معلمات أفغانيات إناث تم إنتاجهن محليا ويمارسن بدورهن الإنتاج محليا.

نعم، إعادة فتح المدارس أمر ضروري بلا أدنى شك، لكنه لن يكون كافيا لتحريك دائرة تغيير اللعبة. فلو أن الطالبان يريدون الزعم بأن تعليم الفتيات "مسألة قدرة"، فلا بد أن يضغط المجتمع الدولي على الجماعة لتوفير هذه القدرة، وتوفيرها الآن. والنموذج قائم، والنساء الأفغانيات مستعدات، وبخاصة في المناطق الريفية التي توجد فيها بنية أساسية تعليمية ذات قيادة نسائية تنتظر الاستثمار الدولي الذي تحتاج إليه حتى تنتعش.

تعرف الأسر في هذه المحافظات الريفية هذا وتنتظره. وجميع الفتيات الأفغانيات اللاتي يدرسن الآن في البيوت، ويغرسن في أنفسهن الأمل في مستقبل أفغانستان، يعرفن هذا ويردنه أيضا.

وإن أعينهن، وعينيَّ مثلهن، لتتطلع إلى الثالث والعشرين من مارس. ففي ذلك اليوم، في شتى أرجاء بلدنا، قد تنفتح جميع أبواب المدارس، وساعتها، ماذا يكون العمل؟

• شبانا باسيج راسيخ كاتب عمود مساهمة في صحيفة واشنطن بوست وهي المؤسس المشارك ورئيس مدرسة القيادة في أفغانستان. وناشطة في مجال تعليم الفتيات