استطلاع ـ خليفة المياحي:

لا أحد ينكر أهميّة وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل تواصل أبناء المجتمع ببعض، بل إن الكثيرين استفادوا من وسائل التواصل الاجتماعي من النواحي التجارية والأعمال كونها سهلت التواصل مع الزبائن وحققت الكثير من قيم المعرفة ونقل المعلومات المفيدة، ولكن في المقابل هذه الوسائل أخذت حيّزا كبيرا من وقت البعض وأثرت سلبا حتى على مستوى العلاقات الاجتماعية والأسرية وقاد تواصل الناس عبرها إلى تعميق الفجوة في اللقاء المباشر بين الأقارب والأرحام، وهذه من أبرز السلبيات الظاهرة على السطح إلى جانب الفتور الذي يحدث بين الكثيرين نتيجة الاعتماد فقط على التواصل غير المباشر ودون اللقاء وجها لوجه.

وحول أضرار الإفراط في استخدام الهاتف وانشغال الكثيرين به انشغالا تاما وأثر ذلك على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع التقت «عمان» عددا من المواطنين لتستطلع آراءهم حول هذا الموضوع.

مصاعب في الفهم للناشئة

يقول يوسف بن زاهر الشريقي: مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي التي أرى أنها لا تعدو أن تكون سوى وسائل اتصال افتراضي قد غزت العالم بشكل كبير وسريع جدا حيث أصبح لا يخلو هاتف كل فرد من وسيلة تواصل واحدة ما يبعد الفرد عن التواصل الحقيقي الذي أمرتنا به الشريعة الإسلامية حيث تجد الكثير من الناس تاركين مهامهم المناطة بهم من واجبات تجاه أسرهم ومجتمعهم وأصبحوا منغرسين في جو آخر من الاهتمامات التي تشملها هذه الوسائل، أضف إلى ذلك ضرر الجوانب النفسيّة التي يصل إليها المستخدم وهو ما أشارت إليه بعض الدراسات بأن مجموعة من مستخدمي «السوشيال ميديا» يصابون بالاكتئاب والعزلة لا سيما الأطفال، ومن واقع تجربتي التربوية والأسرية فإن استخدام الأطفال للهاتف النقال لفترة يؤدي عند مراجعة كتبهم المدرسية إلى صعوبة في الحفظ والفهم.

إفرازات تكنولوجيا الاتصالات

ويتحدث حمود بن حماد الصارمي قائلا: وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها هي إحدى إفرازات تكنولوجيا الاتصالات التي أضحت لها أهمية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها ويتباين تأثيرها على حياتنا ومجتمعاتنا إيجابا وسلبا، ولعل سهولة وسرعة التواصل مع الآخرين من أهم إيجابياتها، أضف إلى ذلك أنها وسيلة لنقل المعرفة والعلوم في شتى المجالات ووسيلة للتعبير عن الآراء والأفكار الشخصيّة بحريّة وسهولة؛ مما يؤدي إلى وعي المجتمع بقضاياه واهتماماته، ومن الناحية الاقتصادية فهي لها دور كبير في تعزيزها ورفدها بوسائل حديثة للتسويق والترويج، مما يتيح فرص عمل للعديد من المستخدمين، الأمر الذي أنعش التجارة الإلكترونية بل وجعلها الخيار الأول لبعض المتسوقين، كونها تتيح التسوق من أسواق عالمية وعلى كثرة مزايا واستخدامات هذه الوسائل، إلا أنها أفرزت العديد من السلبيات التي لا يمكن نكرانها؛ بسبب طبيعة الأجهزة المستخدمة، أضف إلى ذلك سوء الاستخدام الشخصي لهذه الوسائل، مما يؤدي إلى ظهور العديد من السلبيات ولعل أسوأها تعلق الأطفال بهذه الأجهزة لفترات طويلة، بسبب تقليد أولياء أمورهم، بالإضافة إلى الحد من التواصل المباشر وجها لوجه بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يحد من التواصل العاطفي، ويقلل العلاقات الإنسانية بينهم.

عادات سيئة

ويقول أسعد بن سالم المياحي: إنه وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي في مجال الاتصال بسهولة ومعرفة أخبار الآخرين ومنهم الأسرة إلا أن هناك عادات سيئة بدأت تظهر متمثلة في الفتور في اللقاءات المباشرة وتباعدها إن لم تكن معدومة مع البعض، وإن حدثت الزيارة واللقاء المباشر فإن الإدمان المفرط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يجعل طعم اللقاء معدوما لعدم الحوار وتبادل الحديث، فيكون الشغل الشاغل هو أجهزة الهواتف مما يجعل اللقاء مجرد صورة شكليّة.

ويضيف أسعد المياحي: من المؤسف أن تجد بعض الأشخاص نشطين جدا في منصات التواصل الخاصة بالأصدقاء ومتفاعلين معهم بشكل كبير بينما هم لا يشاركون مع منصات التواصل الأسرية التي خصصت للأقارب لمعرفة أخبارهم وهذا الأمر لجميع الفئات ولا يقتصر فقط على الشباب وفي نظري فان ما يجعل الشخص يدمن وسائل التواصل الاجتماعي هو عدم تنظيمه لبرنامج حياته اليومية بالشكل المناسب والمفترض أن يضع جدولا لتأدية الواجبات الدينية في العبادة من الذكر وتلاوة القرآن وأداء الصلاة في وقتها وكذلك في ممارسة الرياضة والقيام بالعمل وتأدية واجبات الأسرة وأن يضع وقتا محددا للتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي.

تقنيات ملهية

يقول عيسى بن سالم الخروصي: أصبحت أجهزة الهاتف المحمول بما فيها من تطبيقات وتقنية ملهية عن أداء الواجبات حتى في أمور العبادة فمثلا يدخل الشاب إلى المسجد وبدلا أن يأخذ مصحف القرآن ليقرأ وردا للأسف نجده منشغلا إما في أحد برامج التواصل أو بالألعاب، كذلك فإن كثير من أبناء المجتمع تهاونوا في القيام بواجب زيارة الأرحام متخذين الهاتف بديلا عن التواصل المباشر.

كما أصبحنا نعاني من كثرة عبث الشباب بالهاتف حتى أثناء الجلوس في الاجتماعات الأسرية أو غيره من الاجتماعات كمجالس الأفراح أو الأتراح فتجد الشاب يجلس بجنبك ولكن عقله وفكره في تطبيقات الهاتف.

ويقول ناصر بن محمد العوفي: وسائل التواصل الاجتماعي تعد سلاحا ذا حدين ففيها الإيجابيات والسلبيات أما إيجابياتها فهي أنها وسيلة لتسهيل إنجاز الأعمال والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، وهذا الأصل في إيجاد مثل هذه الخدمة لكن البعض أساؤوا استخدامها مما تسبب في فك عرى الترابط الاجتماعي بين بعض الأسر لقلة التواصل المباشر بين أفرادها حتى لذوي الرحم، مما جعل هناك فتورا في المودة التي كانت تسود الكثير من العائلات فالابتعاد الطويل أدى إلى اضمحلال في العلاقات وهذا أخطر شيء نعانيه ويجب على الشخص أن يكون يقظا وأن يأخذ ما يفيده في حياته ويساعد على تقدمه العلمي والعملي.

عواقب وخيمة

أما حمد بن راشد الهطالي فيقول: إن ظاهرة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي ينتج عنها العديد من السلبيات والعواقب الوخيمة، ويمكن لنا أن نذكر العزلة كأحد نتائجها، وانخراط الشخص في عالم افتراضي مما يعرضه في كثير من الأحيان إلى الابتزاز. كما أن استخدامها السيئ يعتبر هدرا للوقت الثمين، الذي لو استغل فيه بشكل أفضل لعاد على الفرد والمجتمع بالخير العميم.

إلى جانب تأثر الفرد وخاصة في مرحلة المراهقة بما يعرض في قنوات التواصل الاجتماعي، بما يؤثر على القيام بالواجبات الدينية والأسرية والاجتماعية، كما أن قضاء وقت طويل في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يقود للكثير من الأمراض المتعلقة بقلة النشاط البدني كالسمنة والسكري ونقص المناعة وانحناء العمود الفقري.

وتعريض العينين لضوء الهاتف لساعات طويلة يوميا يعرضهما للتلف. وتقلب الحالة المزاجية للشخص، والميل إلى العدوانية في كثير من الأحيان. وقلة النوم، والتركيز. ويضيف حمد الهطالي: أنصح بمجموعة من الأمور التي تقودنا للتقليل من استخدام منصات وقنوات التواصل الاجتماعي، وأهمها الحرص على المشاركة في المناسبات الاجتماعية والدينية والمساهمة فيها. وتخصيص وقت محدد لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي. والاستفادة من أوقات الفراغ بالانخراط في برامج تعليمية أو رياضية تتناسب وميول وقدرات الشخص.

جوانب إيجابية

ويعتقد محمد بن حارث الخروصي أن الحديث في هذا الموضوع شيق وذو شجون، ولقد كتب عنه وتحدث الكثيرون إذ تتيح وسائل التواصل الاجتماعي التواصل الإنساني وتعميق العلاقات، حيث يمكن لأي شخص في العالم أن يتواصل مع أشخاص بعيدين جغرافيا عنه، ولهذا الأمر فوائد جمّة في الحياة العمليّة والشخصية ولا ريب أن هذه الوسيلة جاءت لتواكب تطورات الحياة، فهي في تطور وتغيير مستمر فما كان بالأمس مستحيلا أصبح حقيقة يعيشها الناس. ولكن مع هذا يجب الترشيد في الاستخدام لينعم الجميع بهذه الخدمة. فالمثل يقول: «كل شيء زاد عن حده انقلب ضده» وهي أيضا سلاح ذو حدين. باعتبارها وسيلة وطاقة «وما زاد عن حاجتك فهو ليس لك»، وهي نعمة فالواجب علينا شكرها وتسخيرها فيما يعود بالنفع المباح.

وهناك تأثيرات سلبية حيث أصبح الكثير منا يترك نداء أبويه ولا يتفاعل مع حاجتهما أو القيام بحقوقهما أو حقوق رحمه، أو يزور أخا له، ولكن بالمقابل من الصعب عليه أن يترك هذا الجهاز ولو للحظة، فمن باب الفضول تجده يستقبل سيلا من رنات الرسائل من المجموعات، ويستمع لها، كما أن الرسائل والمقاطع التي هي معظمها مكررة نسخ لصق إرسال منها أكاذيب، وتشويه سمعة أناس ومن المستغرب أنك تجد الكثير حتى عند تناوله الطعام ممسكا «نقاله» بيد ويده الأخرى يتناول بها الطعام. وتجد أفراد الأسرة كل متواصل بعالمه ومن كثرة انسجامهم مع الهاتف لا يعرفون ما الذي يدور حولهم.