ترجمة: قاسم مكي
في سبتمبر خاطب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: «أنا أقف هنا اليوم لأول مرة خلال عشرين عاما والولايات المتحدة ليست في حرب. لقد طوينا (تلك) الصفحة».
لكن الدور الذي ظلت تلعبه القوات الأمريكية هذا العام في مواجهة تهديد متجدد من داعش في العراق وسوريا يناقض إعلانه المسرف في التفاؤل.
في 3 فبراير، نفذت قوات العمليات الخاصة الأمريكية غارة في شمال غرب سوريا أدت إلى مقتل زعيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. لم يصب أي جندي في الهجوم بأذى لكن 13 شخصا قتلوا من بينهم أطفال. وذكر مسؤول أمريكي أن القرشي فجر قنبلة قتلته هو وأسرته قبل دخول القوات المهاجمة لمنزله.
وفي الأسبوع السابق للغارة نفذت القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا عمليات قتالية لمساعدة شركائها الأكراد في التصدي لفرار معتقلي داعش من سجن الحسكة.
توضح هذه التطورات لماذا يجب إبقاء القوات الأمريكية (التي يصل عددها إلى ما يقرب من 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا) في خطوط القتال لمحاربة مهددات محدودة مثل مهدد جماعة داعش التي اتضحت مرونتها على نحو مفزع.
تعود جذور داعش إلى جماعة القاعدة في العراق التي ظهرت إلى الوجود بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وبحلول عام 2009 بعد زيادة أعداد القوات الأمريكية وبروز صحوة الأنبار كانت جماعة القاعدة في العراق على وشك الانهيار. لكن قرار الرئيس باراك أوباما بسحب كل القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 وأثناء نشوب الحرب في سوريا أنعش الجماعة.
بعد تحولها إلى جماعة القاعدة في العراق وسوريا (داعش)، صارت هذه المنظمة المتطرفة أقوى من أي وقت مضى واجتذبت مجندين جددا من مختلف أنحاء العالم وحفزت على شن هجمات إرهابية من سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى باريس. وبحلول عام 2014 سيطرت جماعة داعش على أراض بحجم بريطانيا على كلا جانبي الحدود السورية -العراقية.
كما أرسل أوباما قوات أمريكية إلى العراق للمساعدة على وقف هذا المد. وبحلول عام 2017 استعادت القوات العراقية الموصل، وفي عام 2019 فقدت داعش آخر معاقلها في سوريا.
لكن داعش لم تختف تماما. فمع انتهاء خلافتها ومقتل زعيمها أبوبكر البغدادي في غارة أمريكية عام 2019 اتجهت الجماعة إلى الهجمات الخاطفة (اضرب واهرب) على كلا جانبي الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا فيما نفذت المجموعات التابعة لها هجمات في إفريقيا وأفغانستان.
وحسب تحليل لمايكل نايتس الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط وآليكس آلميدا المحلل بشركة أبحاث الطاقة «هورايزون كلاينت آكسيس»، نفذت جماعة داعش 808 هجمات في العراق خلال الربع الثاني من عام 2020. بعد ذلك كان هنالك تراجع في الهجمات التي بلغت في المتوسط 330 هجوما في كل ربع عام بداية من يوليو 2020 وإلى نوفمبر 2021. وكانت في معظمها هجمات بسيطة. لكن عام 2022 شهد سلسلة جديدة من الهجمات اللافتة.
ففي محافظة ديالى العراقية على مبعدة 75 ميلا فقط إلى الشمال من بغداد هاجم مسلحون يُشَك في أنهم ينتمون للقاعدة ثكنةً تابعة للجيش العراقي في يناير وقتلوا 11 جنديا أثناء نومهم.
وفي مدينة الحسكة السورية هاجمت الجماعة سجنا يأوي أعضاء من القاعدة. قتل المئات في اشتباك عنيف عندما عملت القوات الديمقراطية السورية (وهي مليشيا كردية أساسا) مع الجنود الأمريكيين على استعادة السيطرة على السجن. وتقدر القوات الأمريكية أن حوالي مائتي معتقل من القاعدة لاذوا بالفرار.
مقتل القرشي الذي لا يعرف عنه الكثير ستكون انتكاسة للجماعة. لكن ربما مؤقتا فقط. فالقرشي تم تعيينه بعد أقل من أسبوع من مقتل البغدادي في عام 2019. والآن من المفترض أن قائدا جديدا سيتم تعيينه. لكن الجماعة صارت لا مركزية ومبعثرة تنظيميا بحيث لن يُحدِث التغيير في القيادة العليا فرقا على الأرجح.
جماعة الدولة في خراسان، أهم فروع داعش، مستقلة إلى حد بعيد. وغالبا ما ستجد مجالا للمزيد من التمدد في أثناء صراع طالبان لتقوية سيطرتها على ذلك البلد.
في الأثناء ستظل السياسة في العراق ضعيفة وانقسامية على الدوام. وستظل الفوضى قائمة في سوريا مع استمرار دوران رحى الحرب الأهلية بعد أكثر من عشرة أعوام من اندلاعها. ويتيح غيابُ أنظمة الحكم الفعّالة لداعش فرصا جديدة لتنفيذ هجمات في أفغانستان وسواها من البلدان التي تنشط فيها. كما يمكِّنها من إعادة بناء قوتها.
لا يوجد الشيء الكثير الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذا الصدد. وأفضل ما في مقدورها أن تأمل فيه هو احتواء عواقب الفوضى بالاحتفاظ بعدد محدود من القوات البرية في العراق وسوريا للعمل مع قوات الأمن العراقية والقوات الديمقراطية السورية في تعزيز قدراتها لمحاربة داعش وفي ذات الوقت احتواء تعاظم النفوذ «الإيراني».
يمكن حتى لعدد قليل من الجنود الأمريكيين إحداث فرق كبير. فهم في مقدروهم تقديم «مُعينات» لا تتوافر للبلدان الأخرى مثل المعلومات الاستخبارية والإسناد الجوي.
لكن خيارات الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر محدودية. فمحاربة داعش تفرض على الولايات المتحدة أن تكون حليفَ «أمرٍ واقع» لطالبان.
تمكَّن بايدن من إخراج الولايات المتحدة من أفغانستان (بتكلفة عالية). لكنه كان حكيما في رفض سحب القوات الأمريكية بأكملها من القتال ضد الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط الكبير. فأحداث الأسبوعين الماضيين تُبيِّن أن وجود القوات الأمريكية لا يزال مطلوبا لوقف داعش عند حدها.
ماكس بوت خبير في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي
في سبتمبر خاطب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: «أنا أقف هنا اليوم لأول مرة خلال عشرين عاما والولايات المتحدة ليست في حرب. لقد طوينا (تلك) الصفحة».
لكن الدور الذي ظلت تلعبه القوات الأمريكية هذا العام في مواجهة تهديد متجدد من داعش في العراق وسوريا يناقض إعلانه المسرف في التفاؤل.
في 3 فبراير، نفذت قوات العمليات الخاصة الأمريكية غارة في شمال غرب سوريا أدت إلى مقتل زعيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. لم يصب أي جندي في الهجوم بأذى لكن 13 شخصا قتلوا من بينهم أطفال. وذكر مسؤول أمريكي أن القرشي فجر قنبلة قتلته هو وأسرته قبل دخول القوات المهاجمة لمنزله.
وفي الأسبوع السابق للغارة نفذت القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا عمليات قتالية لمساعدة شركائها الأكراد في التصدي لفرار معتقلي داعش من سجن الحسكة.
توضح هذه التطورات لماذا يجب إبقاء القوات الأمريكية (التي يصل عددها إلى ما يقرب من 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا) في خطوط القتال لمحاربة مهددات محدودة مثل مهدد جماعة داعش التي اتضحت مرونتها على نحو مفزع.
تعود جذور داعش إلى جماعة القاعدة في العراق التي ظهرت إلى الوجود بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وبحلول عام 2009 بعد زيادة أعداد القوات الأمريكية وبروز صحوة الأنبار كانت جماعة القاعدة في العراق على وشك الانهيار. لكن قرار الرئيس باراك أوباما بسحب كل القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 وأثناء نشوب الحرب في سوريا أنعش الجماعة.
بعد تحولها إلى جماعة القاعدة في العراق وسوريا (داعش)، صارت هذه المنظمة المتطرفة أقوى من أي وقت مضى واجتذبت مجندين جددا من مختلف أنحاء العالم وحفزت على شن هجمات إرهابية من سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى باريس. وبحلول عام 2014 سيطرت جماعة داعش على أراض بحجم بريطانيا على كلا جانبي الحدود السورية -العراقية.
كما أرسل أوباما قوات أمريكية إلى العراق للمساعدة على وقف هذا المد. وبحلول عام 2017 استعادت القوات العراقية الموصل، وفي عام 2019 فقدت داعش آخر معاقلها في سوريا.
لكن داعش لم تختف تماما. فمع انتهاء خلافتها ومقتل زعيمها أبوبكر البغدادي في غارة أمريكية عام 2019 اتجهت الجماعة إلى الهجمات الخاطفة (اضرب واهرب) على كلا جانبي الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا فيما نفذت المجموعات التابعة لها هجمات في إفريقيا وأفغانستان.
وحسب تحليل لمايكل نايتس الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط وآليكس آلميدا المحلل بشركة أبحاث الطاقة «هورايزون كلاينت آكسيس»، نفذت جماعة داعش 808 هجمات في العراق خلال الربع الثاني من عام 2020. بعد ذلك كان هنالك تراجع في الهجمات التي بلغت في المتوسط 330 هجوما في كل ربع عام بداية من يوليو 2020 وإلى نوفمبر 2021. وكانت في معظمها هجمات بسيطة. لكن عام 2022 شهد سلسلة جديدة من الهجمات اللافتة.
ففي محافظة ديالى العراقية على مبعدة 75 ميلا فقط إلى الشمال من بغداد هاجم مسلحون يُشَك في أنهم ينتمون للقاعدة ثكنةً تابعة للجيش العراقي في يناير وقتلوا 11 جنديا أثناء نومهم.
وفي مدينة الحسكة السورية هاجمت الجماعة سجنا يأوي أعضاء من القاعدة. قتل المئات في اشتباك عنيف عندما عملت القوات الديمقراطية السورية (وهي مليشيا كردية أساسا) مع الجنود الأمريكيين على استعادة السيطرة على السجن. وتقدر القوات الأمريكية أن حوالي مائتي معتقل من القاعدة لاذوا بالفرار.
مقتل القرشي الذي لا يعرف عنه الكثير ستكون انتكاسة للجماعة. لكن ربما مؤقتا فقط. فالقرشي تم تعيينه بعد أقل من أسبوع من مقتل البغدادي في عام 2019. والآن من المفترض أن قائدا جديدا سيتم تعيينه. لكن الجماعة صارت لا مركزية ومبعثرة تنظيميا بحيث لن يُحدِث التغيير في القيادة العليا فرقا على الأرجح.
جماعة الدولة في خراسان، أهم فروع داعش، مستقلة إلى حد بعيد. وغالبا ما ستجد مجالا للمزيد من التمدد في أثناء صراع طالبان لتقوية سيطرتها على ذلك البلد.
في الأثناء ستظل السياسة في العراق ضعيفة وانقسامية على الدوام. وستظل الفوضى قائمة في سوريا مع استمرار دوران رحى الحرب الأهلية بعد أكثر من عشرة أعوام من اندلاعها. ويتيح غيابُ أنظمة الحكم الفعّالة لداعش فرصا جديدة لتنفيذ هجمات في أفغانستان وسواها من البلدان التي تنشط فيها. كما يمكِّنها من إعادة بناء قوتها.
لا يوجد الشيء الكثير الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذا الصدد. وأفضل ما في مقدورها أن تأمل فيه هو احتواء عواقب الفوضى بالاحتفاظ بعدد محدود من القوات البرية في العراق وسوريا للعمل مع قوات الأمن العراقية والقوات الديمقراطية السورية في تعزيز قدراتها لمحاربة داعش وفي ذات الوقت احتواء تعاظم النفوذ «الإيراني».
يمكن حتى لعدد قليل من الجنود الأمريكيين إحداث فرق كبير. فهم في مقدروهم تقديم «مُعينات» لا تتوافر للبلدان الأخرى مثل المعلومات الاستخبارية والإسناد الجوي.
لكن خيارات الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر محدودية. فمحاربة داعش تفرض على الولايات المتحدة أن تكون حليفَ «أمرٍ واقع» لطالبان.
تمكَّن بايدن من إخراج الولايات المتحدة من أفغانستان (بتكلفة عالية). لكنه كان حكيما في رفض سحب القوات الأمريكية بأكملها من القتال ضد الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط الكبير. فأحداث الأسبوعين الماضيين تُبيِّن أن وجود القوات الأمريكية لا يزال مطلوبا لوقف داعش عند حدها.
ماكس بوت خبير في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي