هناك حاجة لإعادة النظر في سياسات تطوير المنظومة المصرفية للبنوك المحلية وإعادة النظر في منظومة البنوك المصرفية يكون متوافقا مع التطوير الذي تشهده سلطنة عمان في العمل على جاذبية المناخ الاستثماري على المستوى المحلي والخارجي وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل في الأنظمة المصرفية وأنظمة التحويلات المالية
يسلط هذا المقال الضوء على النظام المصرفي في سلطنة عمان، ليس من باب تصنيفه أو معرفة ترتيبه على المستوى الإقليمي أو الدولي، وإنما لمعرفة مدى تطوره على المستوى الوطني وقدرته في تقديم خدمات للأفراد ذات جودة وشفافية عالية المستوى.
تتسم الخدمات المصرفية التي تقدمها أغلب البنوك المحلية فيما يخص فتح الحسابات وطلب البطاقات ذات الخصم المباشر وإغلاق الحسابات بالسهولة والتطور والتشابه. ولكن يغلب على الخدمات الأخرى المتصلة بالتمويل الشخصي أو السكني من البنوك التقليدية والإسلامية بشيء من عدم الوضوح والشفافية، منها عند تقديم طلب التمويل يتم الفحص الدقيق للمستندات الثبوتية التي تطلب من الزبون لحفظ حقوق البنك وأهمها تأكيد قيام الجهة التي يعمل بها الزبون بتحويل راتبه الشهري للبنك، ولكن في المقابل فإن الزبون تكون معرفته شبه سطحية في الأمور المتعلقة بنسب الفوائد وتذبذبها خلال فترة التمويل، وأيضا ما هي الرسوم أو المبالغ التي يتحملها الزبون في حال رغبته في تأجيل القسط الشهري كما كان سائدا خلال الأعياد الدينية. أيضا عدم الشفافية تكمن في حال رغبة الزبون بدفع جزء أو كامل مبلغ التمويل دفعة واحدة وآلية فرض رسوم بنسبة 1% من المبلغ المتبقي. على سبيل المثال في حال رغبة الزبون بدفع مبلغ التمويل المتبقي وقدره (10.000) ريال فإنه سوف يدفع مبلغا وقدره (100) ريال مقابل ذلك. حيث سيفاجأ الزبون بهذا الإجراء ويكون عبئا إضافيا عليه لا يعرف حقيقته وقت التعاقد. في المقابل يكون البنك أصلا قد استفاد من الفوائد أو أرباح التمويل والتي عادة ما تكون مرتفعة في السنوات الأولى من عمر التمويل وأيضا قيام الزبون بدفع المبلغ كاملا يتيح للبنك الحصول على سيولة مالية غير متوقعة مما يتيح له الفرصة في إعادة استثمارها في تمويلات أخرى. على وجه العموم فإن الزبون الذي يخطط للحصول على تمويل من البنك لا يعطى دليلا استرشاديا عن المعاملة البنكية والتي سوف تستمر معه لعدة أعوام.
في الجانب الآخر، من المشاهدات التي لاحظتها وقد يكون وقع فيها البعض، هو عندما يتم استخدام الأنظمة البنكية الآلية (Mobile Banking) في تحويل الأموال خارج السلطنة وفي حال لم تتم عملية التحويل بنجاح، فإن النظام الآلي يقوم باستقطاع رسوم التحويل مباشرة من حساب الزبون. مثل هذا الإجراء لا يتناسب مع مبدأ الرسم مقابل الحصول على الخدمة حيث إن الخدمة المطلوبة وهي تحويل المبلغ لم تتم مما يضطر الزبون إلى القيام بها مرة أخرى وبرسم جديد. علاوة على ذلك فإن أنظمة التحويل الآلية يفترض أن تفضي إلى إلغاء رسوم التحويلات المالية التي يقوم بها الزبائن بين البنوك المحلية ولكن الأمر غير ذلك، حيث تفرض البنوك رسما ماليا لكل تحويلة على الرغم من أن الزبائن عند قيامهم بمثل هذه التحويلات هم في الأساس يوفرون جهدا ووقتا على موظفي الصرافة داخل فروع البنوك. هذا الأمر يعطي انطباعا أن البنوك لا تتبع معايير الجودة في تقديم الخدمة والهدف الأسمى لها هو الرسوم التي تأخذها من الزبون بغض النظر إن كان الزبون راضيا عن الخدمة أو مستفيدا منها.
في المقابل ومن جوانب الشفافية، فإن أحد المبتعثين العمانيين بالمملكة المتحدة استلم رسالة مفادها: «عزيزي الزبون لقد أغلقنا الفرع رقم (...) ونحن موجودن لخدمتك بشكل أفضل في هذه الفروع القريبة من محل إقامتك ونعتذر لك عن أي إزعاج قد يحدث نتيجة ذلك». هذه الرسالة وهو يشرحها وجدت استغرابا من قبل صاحبنا فهو طالب مبتعث يكون رصيده صفرا نهاية كل شهر، بينما البنك كلف نفسه بكتابة خطاب رسمي أرسل بالبريد مع ما صاحب ذلك من تكاليف الطباعة. الفرق يكمن أن البنك بالمملكة المتحدة ملزم بسياسات الإفصاح وإطلاع الزبائن على سير الخدمات التي يقدمها البنك ووجود بيئة تنافسية بين البنوك نفسها.
ولعل أغلب البنوك تتشابه في أنواع البطاقات الائتمانية التي تقدمها للزبائن، من حيث الرسوم السنوية والرسوم الشهرية أو العمولة الشهرية. وحسب الموقع الإلكتروني لبعض البنوك، فإن الزبون الذي يحصل على البطاقة الائتمانية بقيمة (2.500) ريال تفرض عليه رسوم سنوية قدرها (50) ريالا وأيضا أجرة شهرية تخصم من مبلغ التمويل بمبلغ (14) ريالا. عليه يحصل البنك على إجمالي مبلغ وقدره (218) ريالا بشكل سنوي في حال استمر الزبون في استخدام تلك البطاقة، وبهذا تكون نسبة الفائدة التي يحصل عليها البنك من تلك البطاقة تزيد على (8%) سنويا وهي نسبة عالية جدا مقارنة بنسب التمويل المتعارف عليها بين البنوك التقليدية والتي تأخذ النهج الإسلامي. البطاقات الائتمانية قد تكون أكثر تأثيرا على محفظة الزبون الادخارية من التمويل الشخصي أو السكني، حيث أن القسط الشهري المستقطع من الزبون يضاف مرة ثانية لمبلغ البطاقة وبالتالي هذه الطريقة تعمل على استمرار النزعة الاستهلاكية لدى الزبائن لأنها غير مرتبطة بفترة زمنية شأنها شأن التمويل العادي. عليه وبالرغم من تعدد وتنوع البنوك المحلية ووجود الأجنبية منها، فإن هذا التعدد لم يساهم في تحسين تنافسية البطاقات الائتمانية ووجود بدائل تمويلية قليلة التكاليف خاصة لذوي الدخول المتوسطة الذين تضطرهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية لاستخدام تلك البطاقات في تدبير أمورهم المعيشية، على الرغم من ظهور بدائل تطبق المبادئ الإسلامية في ممارسة العمل المصرفي.
وإذا قدرنا الحاجة لإعادة تطوير الخدمات التي تقدمها البنوك للأفراد، فإن ذلك يكون منطقيا والحال مع الرسوم التي تفرض على الحسابات الجارية وحسابات التوفير في حال وصل رصيد الحساب لمستوى معين. والشاهد في هذا الأمر فإن أساسه قد يكون قيام الزبائن بالمحافظة على السيولة التي لديهم، ولكن في الجانب الآخر فإنه يكون صعب التطبيق مع حسابات الأفراد ذات الدخل المنخفض وحتى المتوسط في متابعة انخفاض أرصدت حساباتهم البنكية لكي لا تصل لمستوى يتم فيها خصم رسم شهري (500) بيسة لحسابات التوفير على سبيل المثال. في الجانب الآخر قد يكون مناسبا ومن باب المساهمة في تطوير النظام المصرفي ورفع كفاءته، المبادرة بتطبيق نظام (Cash Back) هذا النظام يتيح لزبائن البنوك الحصول على مبالغ نقدية بحدود معينة أثناء القيام بتسوقهم المعتاد من المتاجر المعروفة الهايبرماركت على سبيل المثال، حيث إنه مطبق في أغلب الدول المتقدمة، كما أنه يوفر تكاليف مالية على البنوك من زيادة عدد أجهزة الصرف الآلية والتي تحتاج إلى متابعة وتوفير طاقم خدمة وصيانة بصفة دورية.
ومن الجوانب الإيجابية، وأثناء بداية جائحة كوفيد-19، وزيادة أعداد المتقاعدين والمسرحين عن العمل فقد كان تدخل الحكومة عام 2020م عن طريق البنك المركزي بمخاطبة البنوك نحو رفع السن القانوني الذي يحتسب على أساسه القسط الشهري وإعادة جدولة ديون المقترضين من البنوك إلى سن (70) عاما وبدون تكاليف مالية إضافية من شأنه التخفيف عن كاهل المقترضين. أيضا، يعتبر القرار الذي اتخذه البنك المركزي العماني والذي دخل حيز التنفيذ بداية من عام 2022م، القاضي بإلغاء نظام السحوبات والجوائر على حسابات الودائع في غاية الأهمية. تلك السحوبات الشهرية والسنوية التي انتهجتها البنوك خلال العقود الماضية، استفاد منها المئات من الذين لديهم ودائع كبيرة حيث كانت نسب حظوظهم في الفوز من السحوبات عالية جدا. كما كانت هناك منافسة من البنوك في رصد جوائز كبيرة، على سبيل المثال حساب المزيونة من بنك مسقط كان مخصص له في عام 2021م ملبغ يقدر (1.5) مليون ريال عماني. عليه فإن قرار البنك المركزي سوف يعمل على إعادة رسم السيولة المالية للأفراد وتوجيه مدخراتهم في طرق استثمار أخرى - غير الودائع عبر البنوك - قد تكون أكثر ربحية بتوفير السيولة المالية وتدويرها لخدمة الاقتصاد الوطني. في الجانب الآخر ينبغي للبنوك العمل على إيجاد بيئة تنافسية مبتكرة في توجيه الأموال التي كانت تخصص لسحوبات الودائع في إعادة تدويرها في فروع التجارة والصناعة حيث إن الأصل في النقود هو الاستثمار وليس الإيداع.
نختم القول بأن هناك حاجة نحو إعادة النظر في سياسات تطوير المنظومة المصرفية للبنوك المحلية، وإن كانت هناك مبادرات تم مشاهدتها عبر وسائل الإعلام في تبني مجلس الدولة لدراسة رفع أداء النظام المصرفي قبل عدة أعوام، فإن تلك الدراسات مطلوبة وقد تستشرف الحاجة للمضي قدما نحو تفعيلها في ظل الاندماجات في قطاع البنوك التي حدثت العام الماضي وحاليا الاندماج المتوقع بين كل من بنك صحار وبنك نزوى، أيضا الحاجة نحو إعادة النظر في منظومة البنوك المصرفية يكون متوافقا مع التطوير الذي تشهده سلطنة عمان في العمل على جاذبية المناخ الاستثماري على المستوى المحلي والخارجي وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل في الأنظمة المصرفية وأنظمة التحويلات المالية.