اللياقة والاستعداد النفسي والبدني أمر ضروري للموسيقيين كما هو الحال للرياضيين، فعلاوة على السعي الحثيث لاكتساب المزيد من المعارف، يحرص الموسيقيون على تعظيم المهارات الأدائية الفردية والجماعية، والحفاظ على مستوى معين من اللياقة الذاتية وتطويرها استعدادًا لمواجهة الجمهور.
وهكذا فإن هذا الجهد المبذول من الموسيقيين يفترض أن يفضي إلى منتج موسيقي يقدم للناس في مهرجانات ومؤتمرات وحفلات وأمسيات منتظمة، وغيرها، وإذا تعذر تحقيق ذلك سيصيب الموسيقيين الكسل ثم فقدان الحماس واللياقة وبالتالي تخلف الموسيقى وعلومها وضعف مستوى الأداء الفني، وإصابة هذه الصناعة بالخسارة تؤدي إلى الخسارة في الصناعة الثقافية، والنتيجة ضعف في المهارات وانتشار الجهل وتخلف المجتمع والدولة وانطفاء شعلة التنوير والإبداع، ولنا في الماضي دروس وعبر.
اليوم وبعد أكثر من خمسين عامًا من التنمية حصلت الكثير من المستجدات بحيث لم تعد الموسيقى التقليدية وأدواتها الجمالية والفنية المصدر الوحيد لصناع الغناء العُماني الحديث، والاهتمام الرسمي والشعبي بالموسيقى التقليدية أفرز توجهين فنيين بارزين، الأول: محافظ على التقاليد المتوارثة.
والثاني: يبحث في الموسيقات المختلفة عن أساليب فنية جديدة بالتواصل مع المحلي أو بمعزل عنه.
في المقابل تواجه الموسيقى التقليدية تحديات جوهرية في التعليم الأكاديمي بسبب عدم توفر الكادر المؤهل لتدريسها واستبعاد المنهج الشفهي من التعليم الأكاديمي الذي يتناسب مع نقل الخبرات والمهارات الموسيقية العُمانية.
لهذا أرى أن المشتغلين في البحث الموسيقي الناشئ في بلادنا بحاجة إلى بذل جهود مضاعفة برعاية أكاديمية حثيثة نحو حلحلة أزمة الموسيقى التقليدية، فهذه الموسيقى جميلة وفيها الكثير من القوالب والأساليب الفنية المعقدة وتحتاج إلى ابتكار مناهج علمية وأساليب فنية معاصرة تناسبها وتحافظ على هويتها.
إن عدم توفر حلول من الداخل وقلة وضعف عدد الفرق الموسيقية والمراكز الثقافية الراعية يتجه عدد من الموسيقيين الموهوبين إلى خيارات فردية عديدة يضيع فيها الكثير من الوقت والجهد دون تحقيق الأهداف.
إن جذور الموسيقى العُمانية التقليدية ثلاثة: محلية عربية، وإفريقية، وشيء من آسيا الغربية الجنوبية، ومن وجهة نظري يفترض أن يستمر التواصل الثقافي القديم بيننا وبين شعوب طرفي المحيط الهندي عبر فعاليات متنوعة موسيقية وبحثية في علم الموسيقى والعلوم المجاورة، فنحن نجهل هذه الموسيقات جهلًا تامًا تقريبًا، ولم نعد نعرف الكثير عن الموسيقى الهندية ولا الإيرانية أو الباكستانية أو الإفريقية، وسفننا لم تعد ترسو في تلك الموانئ، في المقابل هذه الشعوب تبادلنا هذا الجهل المشترك بالرغم من وجود المئات منهم في بلادنا، ولا توجد مساعٍ حسب علمي لتجديد هذه الصلات الثقافية القديمة وتفعيلها.
نحن نعيش متغيرات جدية في هذا السياق، فصلاتنا الموسيقية التقليدية التي كانت عبر القرون الماضية مع المحيط الثقافي والاجتماعي -وهي صلات كانت قد بلورت ما نسميه في وقتنا هذا بالموسيقى التقليدية- بدأت هذه الصلات القديمة تتراجع وتضعف على حساب التأثير الموسيقى الأوروبي الجديد.
إن هذا التنوع مرحب به، ولعلنا كنّا من زمان نحتاج هذا الانفتاح على الموسيقى الأوروبية والغربية وعلومها، والذي بسببه توفرت في بلادنا دار للأوبرا لم نكن نحلم بوجودها لولا هذه الصلات الحديثة مع الثقافة والموسيقى الأوروبية.
وعليه أتطلع إلى تبني استراتيجية توازن ثقافي في أنشطتها السنوية بحيث تكون ملتقى آخر وعظيما للموسيقى والموسيقيين العُمانيين، وباب للمشاركة والتفاعل لتحقيق مؤشرات محلية وعالمية لما تتوفر فيها من تجهيزات حديثة من شأنها أن تستوعب طرح برامج متنوعة لبناء القدرات والمهارات واكتشاف ورعاية المواهب، وتنظيم الفعاليات السنوية النوعية المنتظمة غير المنقطعة في خدمة الموسيقى العُمانية بما يؤدي إلى إحداث فارق في المشهد الموسيقي العُماني في هذا العهد الجديد ودخول حلبة المنافسة الثقافية الإقليمية والدولية بهويتنا الموسيقية.
كما يمكن مضاعفة هذه الجهود رأسيًا وأفقيًا مع التوجه الحالي نحو منح المحافظات صلاحيات مهمة في إدارة شؤونها المحلية باستغلال المميزات الموسيقية الخاصة في كل محافظة وتلبية خططها التنموية احتياجات قطاع واسع من المواطنين الممارسين للموسيقى العُمانية بأنواعها بإنشاء وتطوير البنية الأساسية كالمراكز الثقافية والمسارح وإقامة الفعاليات الموسيقية المتنوعة.
مسلم بن أحمد الكثيري موسيقي وباحث
وهكذا فإن هذا الجهد المبذول من الموسيقيين يفترض أن يفضي إلى منتج موسيقي يقدم للناس في مهرجانات ومؤتمرات وحفلات وأمسيات منتظمة، وغيرها، وإذا تعذر تحقيق ذلك سيصيب الموسيقيين الكسل ثم فقدان الحماس واللياقة وبالتالي تخلف الموسيقى وعلومها وضعف مستوى الأداء الفني، وإصابة هذه الصناعة بالخسارة تؤدي إلى الخسارة في الصناعة الثقافية، والنتيجة ضعف في المهارات وانتشار الجهل وتخلف المجتمع والدولة وانطفاء شعلة التنوير والإبداع، ولنا في الماضي دروس وعبر.
اليوم وبعد أكثر من خمسين عامًا من التنمية حصلت الكثير من المستجدات بحيث لم تعد الموسيقى التقليدية وأدواتها الجمالية والفنية المصدر الوحيد لصناع الغناء العُماني الحديث، والاهتمام الرسمي والشعبي بالموسيقى التقليدية أفرز توجهين فنيين بارزين، الأول: محافظ على التقاليد المتوارثة.
والثاني: يبحث في الموسيقات المختلفة عن أساليب فنية جديدة بالتواصل مع المحلي أو بمعزل عنه.
في المقابل تواجه الموسيقى التقليدية تحديات جوهرية في التعليم الأكاديمي بسبب عدم توفر الكادر المؤهل لتدريسها واستبعاد المنهج الشفهي من التعليم الأكاديمي الذي يتناسب مع نقل الخبرات والمهارات الموسيقية العُمانية.
لهذا أرى أن المشتغلين في البحث الموسيقي الناشئ في بلادنا بحاجة إلى بذل جهود مضاعفة برعاية أكاديمية حثيثة نحو حلحلة أزمة الموسيقى التقليدية، فهذه الموسيقى جميلة وفيها الكثير من القوالب والأساليب الفنية المعقدة وتحتاج إلى ابتكار مناهج علمية وأساليب فنية معاصرة تناسبها وتحافظ على هويتها.
إن عدم توفر حلول من الداخل وقلة وضعف عدد الفرق الموسيقية والمراكز الثقافية الراعية يتجه عدد من الموسيقيين الموهوبين إلى خيارات فردية عديدة يضيع فيها الكثير من الوقت والجهد دون تحقيق الأهداف.
إن جذور الموسيقى العُمانية التقليدية ثلاثة: محلية عربية، وإفريقية، وشيء من آسيا الغربية الجنوبية، ومن وجهة نظري يفترض أن يستمر التواصل الثقافي القديم بيننا وبين شعوب طرفي المحيط الهندي عبر فعاليات متنوعة موسيقية وبحثية في علم الموسيقى والعلوم المجاورة، فنحن نجهل هذه الموسيقات جهلًا تامًا تقريبًا، ولم نعد نعرف الكثير عن الموسيقى الهندية ولا الإيرانية أو الباكستانية أو الإفريقية، وسفننا لم تعد ترسو في تلك الموانئ، في المقابل هذه الشعوب تبادلنا هذا الجهل المشترك بالرغم من وجود المئات منهم في بلادنا، ولا توجد مساعٍ حسب علمي لتجديد هذه الصلات الثقافية القديمة وتفعيلها.
نحن نعيش متغيرات جدية في هذا السياق، فصلاتنا الموسيقية التقليدية التي كانت عبر القرون الماضية مع المحيط الثقافي والاجتماعي -وهي صلات كانت قد بلورت ما نسميه في وقتنا هذا بالموسيقى التقليدية- بدأت هذه الصلات القديمة تتراجع وتضعف على حساب التأثير الموسيقى الأوروبي الجديد.
إن هذا التنوع مرحب به، ولعلنا كنّا من زمان نحتاج هذا الانفتاح على الموسيقى الأوروبية والغربية وعلومها، والذي بسببه توفرت في بلادنا دار للأوبرا لم نكن نحلم بوجودها لولا هذه الصلات الحديثة مع الثقافة والموسيقى الأوروبية.
وعليه أتطلع إلى تبني استراتيجية توازن ثقافي في أنشطتها السنوية بحيث تكون ملتقى آخر وعظيما للموسيقى والموسيقيين العُمانيين، وباب للمشاركة والتفاعل لتحقيق مؤشرات محلية وعالمية لما تتوفر فيها من تجهيزات حديثة من شأنها أن تستوعب طرح برامج متنوعة لبناء القدرات والمهارات واكتشاف ورعاية المواهب، وتنظيم الفعاليات السنوية النوعية المنتظمة غير المنقطعة في خدمة الموسيقى العُمانية بما يؤدي إلى إحداث فارق في المشهد الموسيقي العُماني في هذا العهد الجديد ودخول حلبة المنافسة الثقافية الإقليمية والدولية بهويتنا الموسيقية.
كما يمكن مضاعفة هذه الجهود رأسيًا وأفقيًا مع التوجه الحالي نحو منح المحافظات صلاحيات مهمة في إدارة شؤونها المحلية باستغلال المميزات الموسيقية الخاصة في كل محافظة وتلبية خططها التنموية احتياجات قطاع واسع من المواطنين الممارسين للموسيقى العُمانية بأنواعها بإنشاء وتطوير البنية الأساسية كالمراكز الثقافية والمسارح وإقامة الفعاليات الموسيقية المتنوعة.
مسلم بن أحمد الكثيري موسيقي وباحث