نصار النصار: النص مرن ولا أمانع من لعب المخرج في النص كيفما يشاء

ماهر الحراصي: دائما هناك شد بين الكاتب والمخرج.. والجميل في النصار تركه المجال لارتجال المخرج

كتب - عامر بن عبدالله الأنصاري

بعدما أسدل الستار على العرض المسرحي السوداوي «المهاجر» الذي أداه ليومين متتاليين -الأحد والاثنين الماضيين- الفنان عبدالحكيم الصالحي ضمن أيام تواصل المسرحية التي تقام حتى مساء اليوم الخميس بتنظيم فرقة تواصل المسرحية بالاشتراك مع كلية الدراسات المصرفية والمالية، ها هو عرض «عبر الأثير» يكسر تراجيديا «المهاجر» التي ما زالت عالقة في الذهن عن تفاصيل مهاجر إلى الغربة بل إلى الموت الذي لا مفر منه في بلده أو في بلد المهجر، ليصنع عرض «عبر الأثير» الابتسامة بل والضحكات في عرض كوميدي بديع، وهو ثاني عروض أيام تواصل المسرحية، والذي عُرض بدايةً مساء أمس الأول الثلاثاء، وكذلك مساء أمس الأربعاء.

عرض «عبر الأثير» حكاية تدور في خيال «عثمان» هذا الموظف التقني الذي يتعرض للعقاب مرارًا وتكرارًا، فتدور أحداث المسرحية في أحد عقاباته حيث يودعه المسؤول في مخزن يضم كل ما هو قديم ليعود إلى أيام الستينات من خلال المحسوسات أمامه من أدوات إعلامية قديمة ودفاتر وصوتيات وآلات سمعية وتماثيل لشخصيات متعددة، ويعود من خلال خياله الذي يعيد لهذه التماثيل أرواحها فيعيش «عثمان» معها في تفاصيل عديدة.

«عثمان» الذي أدى دوره الفنان سامي البوصافي، يحاط بخمسة تماثيل تتجسد أمامه بصورة حية، لكل تمثال شخصية مختلفة، يجمعهم العمل في إذاعة «صوت الناس»، فهذا المقدم الرئيسي للإذاعة الذي أدى دوره الفنان قحطان الحسني، وهذا المذيع باللغة الانجليزية ذو الطباع الخشنة وأدى دوره الفنان سرور الخليلي، ومعهم في الفريق الرجل البسيط الذي يعمل في كل مجال وأدى دوره الفنان زاهر الصارمي، ومعد البرامج ذو الشعر الطويل والأناقة الفائقة وأدى دوره الفنان عمار الحسني، وأخيرا الخبير الإعلامي المصري وأدى دوره الفنان حامد السيد.

يُصعق «عثمان» بداية بحركة التماثيل حوله، وما أن يستعيد أنفاسه ويلملم شتات خياله يجد نفسه مخرجا إذاعيا لهذا الفريق، لينطلق البرنامج بداية بالأخبار المحلية، مرورا بالأخبار العالمية، ثم فقرة الأخبار باللغة الانجليزية، كما يعرض الفريق بصورة حية من خلال أعضائه الخمسة عملا مسرحيا بحلقات متسلسلة، وليس ختاما بفقرة «هل تعلم»، وأخيرا الفقرات الغنائية.

يصور العمل واقع الحال في الإذاعات قديما، حيث تعمل وفق إمكانيات بسيطة، مع فريق مكون من أعداد قليلة، همهم أولا تقديم الفائدة للجمهور المستمع، يكنون لإذاعتهم الولاء والحب والانتماء ويعملون ليل نهار دون كلل أو ملل لتوصيل رسالته، فهل وصلت!

لم يغفل العمل المسرحي عن بعض المسائل الاجتماعية، فقد طرح العمل عدة مواضيع تشغل الرأي العام في قالب كوميدي ورسالة علها تجد طريقا إلى التحقيق من خلال فقرات الإذاعة، ففي فرقة الاخبار المحلية التي تتكرر يوميا، يذكر المذيع خبر افتتاح نادٍ رياضي يوميا، إلى أن يضجر المذيع من هذا الخبر المتكرر، فيقول أحدهم «عن أي نادٍ تتحدث، وهو نادٍ لا توجد فيه حتى سيارة إسعاف!»، كما تطرق العمل كذلك إلى مواضيع عديدة منها ما يتعلق بالعمل الإعلامي والواقع الاجتماعي والواقع الفني من محسوبيات وغيرها من المسائل.

العمل المسرحي الذي رسم الابتسامة والضحكات على وجود الحضور من خلال أداء ممثليه القوي والعفوي نجح -من وجهة نظري- في تحقيق الغاية المسرحية الكوميدية، وهي الفرجة الممتعة والترفيه والفسحة النفسية وصنع البهجة، وقد تتفق الغالبية العظمى من الجماهير الحاضرة التي علت أصوات ضحكاتهم في المسرح، حتى وأنا أحاور أحد الأصدقاء حيث أشار إلى أنه قد حضر العرض المسرحي مع جملة من أصدقائه، وقد كان واضعا في اعتباره أن العمل المسرحي لن يكون مضحكا أو مسليا، فليس من طبيعته حب المسرح، إلا أن العمل فاجأه وترك فيه انطباعا جيدا عزم بعدها على حضور المسرحيات العمانية.

ولم يتحقق هذا النجاح إلا من خلال اشتغال حقيقي وفرق عمل يحق أن ترفع له القبعة بداية من التأليف الذي كان نتيجة أفكار وخيالات الكاتب المخرج الكويتي نصار النصار، وبمخرج العمل الفنان ماهر الحراصي الذي أبدع في توظيف عناصر التمثيل فقدم عملا مسرحيا رائعا «عبر الأثير» في داخله عمل مسرحي آخر «بوسطة الوزير»، وهي المسرحية الاذاعية ذات الحلقات المتعددة، وكذلك نجح العمل باشتغال بقية الفريق وهم عزيزة المحروقية التي تولت تنفيذ صوتيات العمل، مع محمد البطاشي ومازن السيابي اللذين توليا الإدارة المسرحية، أما الديكور فهو من تنفيذ شركة «ون تايم».

هذا وتختتم فعاليات أيام تواصل المسرحية اليوم الخميس بعرض مسرحي باللغة الانجليزية بعنوان «before breakfast» وأمسية فنية غنائية يقدمها كل من الفنانين نورة النظيرية وسامي البوصافي وزمزم البلوشية.

النص المسرحي

وتواصلت «عمان» مع مؤلف المسرحية نصار النصار، والذي تحدث عن النص بقوله: «النص بكل بساطة هو عبارة عن فرق الجيلين، والفرق بينهما كبير جدا، لا أتحدث عن جيلين متتاليين، بينهما فارق 80 سنة، والجيل القديم وضعت فيه شخصيات شابة لديها طموح وأهداف وأحلام ذلك العصر يريدون طرحها عبر الاذاعة، فكانت لديهم رسالة لم يستطيعوا إيصالها، رسالة ضد الاستعمار ورسائل اجتماعية مهمة ورسائل ثقافية وهم الشباب، وبعد 80 سنة عندما أتيحت الفرصة لمخرج أن يعيش مع هذه الشخصيات التاريخية، ووضعه مثل وضعهم، ولكن بجيل مختلف واهتمامات مختلفة، ولكنَّ الجيلين يشتركان في عربيتهما، وفي نهاية المسرحية كانت مع المخرج رسالة قديمة، هي ذات الرسالة التي كانت الشخصيات القديمة تريد إيصالها ولم يستطيعوا، ونص الرسالة تقول (عزيزي المستمع أيها المستمع العربي، تحية طيبة وبعد.....) فتركت الرسالة مفتوحة ليقول المتلقي ما في خاطره من قضية واهتمام».

وتابع النصار: «النص المسرحي (عبر الأثير) كُتِبَ خصيصا لمهرجان جامعات الخليج في الدورة التي كانت في مسقط، وحققنا حينها بهذا النص جوائز متعددة منها أفضل عرض متكامل، وأفضل نص، وكان عرضا كويتيا، وحينما قدمها العمل المخرج ماهر الحراصي كذلك حقق فيه جوائز، وقد كُتِبَ النص في ورشة كتابة وبطريقة ارتجالية، وهو نوع من النصوص المشتهرة في فرنسا وأوروبا».

وحول تغير ملامح النص المسرحي في العرض العماني الذي أقيم مساء أمس الأول: «أنا في الأساس مخرج مسرحي، صحيح أن لدي تجارب حققت النجاح والجوائز في الكتابة، ولكني مخرج بالمقام الأول، وهذا النص أسميه نص مخرج، وفي أول نسخة للنص كنتُ أكتب بين الفقرات عبارة (مونولوج يُكتب خلال البروفات) فهو نص مرن يطوعه المخرج، وأنا لا أمانع من أن يلعب المخرج في النص كيفما يشاء».

الإخراج المسرحي

بينما تحدث مخرج عمل «عبر الأثير» ماهر الحراصي لـ «عمان» قائلا: «الرؤية الإخراجية هي كوميدية تحكي مواقف متسلسلة تحدث في زمن قديم، فيدخل معهم شخص من الزمن الحالي، لتنسال المواقف الكوميدية، وتنبع الكوميديا من خلال الأزياء والديكور والحالة والموقف والحوارات الكوميدية، العمل يحمل قضايا ومواضيع متعددة على شكل فقرات إذاعية».

وحول التحكم بالنص المسرحي قال: «دائما هناك شد وجذب بين الكاتب والمخرج، الجميل في نصار النصار أنه كتب النص وترك به مجالا للارتجال يتصرف به المخرج، طبعا تم تعمين النص، فقد كتب مناسبا للهجة الكويتية والقضايا الكويتية، بعد التعمين ظهر العرض بروح مختلفة وطبيعة مغايرة عما كتبها المؤلف، فاللهجة أصبحت عمانية والقضايا عمانية، لذلك أصبح هناك تغيير بين العرض الكويتي والعرض العماني، ولكن الفكرة العامة للنص نفسها، وبقيت بعض الفقرات كما هي، مثلا مسرحية (بوسطة الوزير) لأنه محور رئيسي وهي مسرحية تعرض داخل مسرحية (عبر الاثير)».