"تغطية علاج الصلع ضمن التأمين الصحي العام"، هكذا أثار مرشح الحزب الحاكم لانتخابات الرئاسة في كوريا الجنوبية هذا الأسبوع اللغط في بلاده بهذا الوعد الانتخابي الذي عزاه إلى أن نحو عشرة ملايين كوريّ يُعانون من تساقُط الشعر. وإذ كان لا يخفى أن لهذا العدد الهائل من "الصُلْع" في كوريا دورًا في إطلاق مثل هذا الوعد "الشعبوي"، إلا أن كثيرين من الساخرين من مُطلِقه (لي جاي ميونغ) ينطلقون أيضًا من رفضهم لتلك النظرة الدونية للصَلَع لدى كثير من الناس، ومن هنا نفهم تداوُل كثيرين في كوريا لمقطع فيديو مزيف ساخر مدته خمس عشرة ثانية على هيئة إعلان تجاري عن تساقط الشعر يبدو فيه ذلك المرشح وهو يخاطب الناخبين قائلا: "إنني أفضل مرشح لشَعركم"!.

ورغم أن كثيرًا من المشاهير على مر التاريخ كانوا صُلعًا، كيوليوس قيصر، وسقراط، ونابليون، وأرسطو، وغاندي، وداروين، وتشرشل، وشكسبير، وبقراط، ولينين، وغيرهم كثر، إلا أن النظرة الدونية للصلع لم تتوقف، وربما ساهم في إذكائها بعض هؤلاء المصابين به، فيوليوس قيصر على سبيل المثال كان يخجل من رأسه الأملس وبذل جهودًا مضنية ليحصل على الشعر الطبيعي من جديد ولكن دون جدوى. كما أن استحضار كثير من الكتّاب والأدباء الصَلَع والصُلْع في مواضع النقد الساخر أدى إلى تعميق هذه النظرة الدونية. ولعل أشهر هؤلاء الكاتب المسرحي الفرنسي [الأصلع] يوجين يونيسكو مؤلف المسرحية الشهيرة "المغنية الصلعاء" التي لا علاقة لحبكتها بالغناء ولا بالصلع، لكن يرد فيها حوار ساخر شهير تسأل فيه إحدى شخصياتها: "ما هي أخبار المغنية الصلعاء؟" فيأتيها الرد فورا: "ما زالت تمشط شعرها بالطريقة نفسها"!. والطريف أن يونسكو كان قد عنون مسرحيته بعد فراغه من كتابتها "المعلمة الشقراء"، لكن الممثل الذي كان يؤدي دور رجل الإطفاء أخطأ أثناء التدريبات فقال "المغنية الصلعاء" بدلا من "المعلمة الشقراء"، فنال هذا الخطأ إعجاب يونسكو واعتمده عنوانًا لمسرحيته!.

هذه السخرية من الصلع نجدها أيضًا لدى بورخيس، وإنْ كان لها ما يُبرِّرُها، عندما وصف حرب فوكلاند بين بلاده الأرجنتين وبريطانيا بأنها "حرب على مشط بين رَجُلين أصلعين"، ونجدها أيضًا في تلك النصيحة الطريفة التي نقلها عباس محمود العقاد في كتابه "جحا الضاحك المضحك": "لا تقصّ على الأصلع حكاية يقف لها الشَعر، فهو جهدٌ ضائع".

غير أن هذا لا ينفي أن هناك كتابًا وأدباء آخرين انطلقتْ كتاباتهم من احترام الصلع وتوقيره، والتعاطف مع المصابين به. من هؤلاء إدواردو غاليانو الذي حثَّ الحلاقين على مراعاة مشاعر الصُلْع وعدم إثارة شعورهم بنقص الشَعر بطلب نصف الأجرة فقط، وعزّى هؤلاء الصُلعَان بالقول إنه "لو كان الشَعر مهمًّا لنما داخل رؤوسنا لا خارجها". ومنهم أيضا القاصة العُمانية نوف السعيدية التي خصصت في مجموعتها "حكايات الفراغ والضجر" قصة كاملة في التعاطف مع الصُلْع عنونتْها "ما قاله الأصلع لصلعته"، ويكفي أن نقرأ مُفتتحها لنقف على هذا التعاطف، حيث يخاطب بطل القصة صَلعته قائلًا: "لا أريدُك أن تظني بأني كباقي الرجال، لا بدّ أن أمثالك يعانين من الإحباط والخذلان بسبب الرفض، وهذا لأنهم رجال يفتقرون للباقة. أما أنا فأؤكد لك أنه مرحبٌ بك جدا، اكبري يا صغيرتي على رأسي ولا تخشي شيئا! إني أحمد شجاعتك في الظهور، أرجوك تمددي بكل الاتجاهات ولا تخشي شيئا!". لكن الذي أنصف الصُلع أكثر من نوف ومن غاليانو هو الفيلسوف اليوناني سينيسيوس الذي ألف كتابًا "في مديح الصلع" تساءل فيه باستنكار: "لماذا نخجل عندما تكون رؤوسنا ملساء، في الوقت الذي تكون فيه بداخلها أفكارٌ كثيرة".

بقي أن أقول إن العبارة الشهيرة "البقاء للأصلح" التي تُنسَبُ لعالم التاريخ الطبيعي البريطاني (الأصلع) تشارلز داروين، يحاجج البعض أنها ليست له وإنما هي للفيلسوف البريطاني (الأصلع أيضًا) هربرت سبنسر، وسواء كانت لهذا أو ذاك، فإن الأكيد أن كليهما عَلَمان شهيران كان لهما تأثير كبير على البشرية، وبقي اسماهما معروفين إلى اليوم. وهذا يعني أنه بشيء من التحوير لتلك العبارة المنسوبة إليهما يمكن القول أن "البقاء للأصلع".