ثلاثة كتب مهمة، تضع مؤلفها سلمة بن مسلم بن ابراهيم العوتبي الصُّحاري (عاش بين القرنين الخامس والسادس الهجريين)، في صدارة المؤلفين العُمانيين الموسوعيين خلال تلك الفترة، أولها: «الأنساب»، كتاب مطبوع في جزءين، يتناول تاريخ نشوء القبائل والأمم السابقة، وثانيها «الضياء»، موسوعة في الفقه المقارن، نشرت مطبوعة في 24 جزءاً، وثالثها الأخير «كتاب الإبانة في اللغة العربية»، وهو موضوع إضمامتي لهذا الأسبوع، وقد رأيت أن أعرضه للقارئ، ضمن ما يقدم من قراءات ومقالات، احتفاءً بيوم اللغة العربية، الذي احتُفل به عربياً وإسلامياً قبل أسبوعين، وما أجمل الاحتفال حين يتم فيه تقديم كتاب، يُعَدُّ تحفة أدبية ونفيسة لغوية.
بدأت معرفتي بكتاب الإبانة قبل طباعته بعامين، فقد فتَحْتُ في الصفحة الأخيرة بجريدة «عُمَان» زاوية يومية أسميتها: «قناديل المعرفة» لشهر واحد، وهو شهر رمضان المبارك لعام 1417هجرية، يناير 1997م، قدمت فيها قراءات في مخطوطات عمانية، وكنت يومياً أبحث عن مخطوطة أقدمها للقارئ، بحسب المعلومات التي أحصل عليها، ولذلك ترددت خلال تلك الفترة على دائرة المخطوطات بوزارة التراث القومي والثقافة، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بالسيب، وبعض المكتبات الخاصة، للبحث عن نوادر المخطوطات العمانية، ثم أكتب عنها في مساحة تشغل النصف الأعلى من الصفحة الأخيرة.
في تلك الفترة تعرَّفت على هذا الكتاب المُعجَمي الفاتن، وتمكنت من قراءة بعض فصوله، قبل أن يظهر مطبوعاً في عام 1999م، حينها كانت مخطوطاته بين يدي مجموعة من الأساتذة المحققين الأردنيين، أسندت لهم وزارة التراث القومي والثقافة مهمة تحقيقها.
وفي تلك المساحة اليومية، أضَأْتُ واحداً من قناديل المعرفة العُمانية، فقدمت عرضاً لمخطوطة كتاب الإبانة في اللغة العربية، نشرته في جزءين، الأول بتاريخ 16 رمضان 1417هـ/ 25 يناير 1997م، بعنوان: (الإبانة لسلمة العوتبي: معجم فريد في أصول اللغة وعلم الكلام)، وأقصد بالكلام علم اللغة، وليس المتعلق بالعقيدة الإسلامية، كانت تلك القراءة خاصة بالمجلد الأول من الإبانة، الذي تحتفظ به دائرة المخطوطات، بقلم الناسخ: عبدالله بن عمر بن زياد بن أحمد الشقصي، انتهى من كتابته عام 967هـ.
ونشرت الجزء الثاني في اليوم التالي، بعنوان: (معجم الإبانة: ثراء في المعاني وتتبع دقيق في أصول اللغة)، قدمت فيها قراءة لمخطوطة من الإبانة، مكتوبة بقلم الناسخ: سليمان بن ماجد بن ناصر الحضرمي (ت: 1959م)، خطَّها عام 1343هجرية، للشيخ أبي مالك عامر بن خميس بن مسعود المالكي (ت: 1928) رحمهم الله، وتبدأ نسخته بحرف الدال من معجم الإبانة وتنتهي بحرف القاف، وكم سُعدت حين علمت عن هذه المخطوطة المحفوظة في دائرة المخطوطات، أن ناسخها تربطني به أواصر قربى، وأنه أسهم في حفظ العلم ونشره، فالناسخ يلعب هذا الدور، ولولا النساخ لضاعت منا الكتب، وكانت حركة النسخ تقوم مقام الطباعة، فتتناقل أمهات الكتب من جيل إلى آخر، حتى وصل إلينا ما تبقى منها.
كتاب الإبانة في اللغة العربية، (مما ألفه وحيد عصره وقريع دهره وفقيه مصره: سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري العماني) (ق: 5 – 6هـ/ 11 – 12م)، كتاب لغوي تجمع مادته بين المعاجم المبحرة في معاني الكلمات، والكتب المتعلقة بفقه اللغة، فهو كتاب لغة وأدب ونحو وصرف وبلاغة، كتاب نفيس وثري، لكل من يحب الاطلاع على جواهر اللغة ونفائسها الفريدة، وجاء وصفه في «الموسوعة العمانية» أنه معجم لغوي يؤصِّل لمعاني الألفاظ والمفردات، ويهتم بالظاهرة الصوتية، ويربطها بالبعد الدلالي، ويعنى بمسائل النحو والصرف، ويكثر الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار.
إن الناسخين: عبدالله بن عمر الشقصي، وسليمان بن ماجد الحضرمي، يستحقان من القارئ والكاتب والباحث في علوم اللغة العربية الثناء والتقدير، فلولاهما ضاع كتاب الإبانة، وأصبح في غيابة الفقدان، ولكن قُدِّرَ له أن يبقى، وتتناقله أقلام النساخ، منذ تأليفه الأول، ونسخته الخطية الأولى، التي ظهرت بخط المؤلف أو بقلم أحد من تلاميذه، بين القرنين الخامس والسادس الهجريين، وحتى مخطوطته الأخيرة المنسوخة في نهاية الربع الأول من القرن العشرين، يلامس عمرها الألف عام.
في أواخر عام 1420هـ/ 1999م، صدرت الطبعة الأولى من هذا السِّفر اللغوي القيِّم، في أربعة أجزاء كبيرة، عن وزارة التراث القومي والثقافة، بتحقيق الدكاترة: عبدالكريم خليفة، ونُصْرَتْ عبدالرحمن، وصلاح جرار، ومحمد حسن عوَّاد، اشتغلوا على هذا الكتاب، اشتغالاً أميناً، يستوجب الثناء، فقد قاموا بتحقيقه وفق أسس علمية، واستطاعوا قراءة ما غَمُضَ عليهم في المخطوطات المعتمدة في التحقيق، وعادوا إلى المَصادر التي استقى منها المؤلف، وكتبوا في ذلك بياناً توضيحياً، نقرأه في مقدمة الصفحات الأولى من الجزء الأول، يقول المحققون: إن العوتبي اعتمد في تأليف الإبانة على مصادر كثيرة من أمهات كتب الأدب واللغة، كمصنفات ابن قتيبة، وكتاب العين للفراهيدي، وكتب الجاحظ، وابن دريد، والمبرد، واعتمد كثيراً على كتاب «الزاهر في معاني كلمات الناس» للأنباري، وكذلك كتب غريب القرآن، والقراءات، والأمثال، ودواوين الشعر العربي، حتى القرن الرابع الهجري.
رتب المؤلف مادة الكتاب بحسب الترتيب الهجائي، بدءاً بالهمزة والباء والتاء وانتهاء بالياء. ويحفل المعجم بدرر فريدة من لغة العرب، لا نقرأها إلا في مصادر الأدب القديمة وأمهات الكتب.
فلنحتفل معاً بيوم اللغة العربية، بقراءة أمهات كتب الأدب واللغة ككتاب الإبانة للعوتبي، الذي بقي مجهولاً طوال ألف عام، وأحسب أنه لم يخرج من عُمان، فبقي في خزائنها وأرفف مكتباتها وبين أبنائها، تتلقفه أيادي القراء وأقلام النساخ، حتى قُيِّضَ له أن يرى النور محققاً، وعسى أن يجد دارسو اللغة له مسلكاً في بحوثهم، فهو سِفرٌ نفيس.
ولنبحر قليلاً في يمِّه الزاخر بدرر الكلام، والشواهد الشعرية النادرة، والأمثال العربية، والأساليب الفريدة، التي كان يتحدث بها الأدباء والشعراء، إحياءً للغتنا العربية، ومحاولة لتقويم لساننا باللغة السَّامقة.
وفي مسك الختام:
- سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، جاء وصفه في الموسوعة العمانية أنه (فقيه ومتكلم ولغوي ومؤرخ ونسَّابة)، ينتسب إلى قرية عوتب بصُحار، يُعَد من كبار العلماء والفقهاء، لأهمية مؤلفاته إلا أن المؤرخين مختلفون في تحديد الفترة التي عاش فيها على أقوال، واستقر الرأي على أنه عاش الحياة بين القرنين الخامس والسادس الهجريين.
- الناسخان لكتاب الإبانة: عبدالله بن عمر الشقصي (القرن العاشر الهجري)، وسليمان بن ماجد الحضرمي (توفي قريباً من الرِّياض عام 1959م)، كلاهما شاعران أيضاً، ولهما إسهامات في مجال نسخ الكتب.
- تحية شكر وتقدير للشيخ محمود بن زاهر الهنائي، الذي عمل مستشاراً علمياً في وزارة التراث والثقافة، فعلى يديه صدر هذا الكتاب، وله الشكر على إهدائه السَّخي لي نسخة من كتاب الإبانة، تلقيتها منه في مكتبه بتاريخ: 29 سبتمبر 2004م.
- صدرت الطبعة الأولى من كتاب الإبانة عام 1420هـ/ 1999م، في أربعة أجزاء، وأعيد طبعه ملوناً عام 1437هـ/ 2016م.
بدأت معرفتي بكتاب الإبانة قبل طباعته بعامين، فقد فتَحْتُ في الصفحة الأخيرة بجريدة «عُمَان» زاوية يومية أسميتها: «قناديل المعرفة» لشهر واحد، وهو شهر رمضان المبارك لعام 1417هجرية، يناير 1997م، قدمت فيها قراءات في مخطوطات عمانية، وكنت يومياً أبحث عن مخطوطة أقدمها للقارئ، بحسب المعلومات التي أحصل عليها، ولذلك ترددت خلال تلك الفترة على دائرة المخطوطات بوزارة التراث القومي والثقافة، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بالسيب، وبعض المكتبات الخاصة، للبحث عن نوادر المخطوطات العمانية، ثم أكتب عنها في مساحة تشغل النصف الأعلى من الصفحة الأخيرة.
في تلك الفترة تعرَّفت على هذا الكتاب المُعجَمي الفاتن، وتمكنت من قراءة بعض فصوله، قبل أن يظهر مطبوعاً في عام 1999م، حينها كانت مخطوطاته بين يدي مجموعة من الأساتذة المحققين الأردنيين، أسندت لهم وزارة التراث القومي والثقافة مهمة تحقيقها.
وفي تلك المساحة اليومية، أضَأْتُ واحداً من قناديل المعرفة العُمانية، فقدمت عرضاً لمخطوطة كتاب الإبانة في اللغة العربية، نشرته في جزءين، الأول بتاريخ 16 رمضان 1417هـ/ 25 يناير 1997م، بعنوان: (الإبانة لسلمة العوتبي: معجم فريد في أصول اللغة وعلم الكلام)، وأقصد بالكلام علم اللغة، وليس المتعلق بالعقيدة الإسلامية، كانت تلك القراءة خاصة بالمجلد الأول من الإبانة، الذي تحتفظ به دائرة المخطوطات، بقلم الناسخ: عبدالله بن عمر بن زياد بن أحمد الشقصي، انتهى من كتابته عام 967هـ.
ونشرت الجزء الثاني في اليوم التالي، بعنوان: (معجم الإبانة: ثراء في المعاني وتتبع دقيق في أصول اللغة)، قدمت فيها قراءة لمخطوطة من الإبانة، مكتوبة بقلم الناسخ: سليمان بن ماجد بن ناصر الحضرمي (ت: 1959م)، خطَّها عام 1343هجرية، للشيخ أبي مالك عامر بن خميس بن مسعود المالكي (ت: 1928) رحمهم الله، وتبدأ نسخته بحرف الدال من معجم الإبانة وتنتهي بحرف القاف، وكم سُعدت حين علمت عن هذه المخطوطة المحفوظة في دائرة المخطوطات، أن ناسخها تربطني به أواصر قربى، وأنه أسهم في حفظ العلم ونشره، فالناسخ يلعب هذا الدور، ولولا النساخ لضاعت منا الكتب، وكانت حركة النسخ تقوم مقام الطباعة، فتتناقل أمهات الكتب من جيل إلى آخر، حتى وصل إلينا ما تبقى منها.
كتاب الإبانة في اللغة العربية، (مما ألفه وحيد عصره وقريع دهره وفقيه مصره: سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري العماني) (ق: 5 – 6هـ/ 11 – 12م)، كتاب لغوي تجمع مادته بين المعاجم المبحرة في معاني الكلمات، والكتب المتعلقة بفقه اللغة، فهو كتاب لغة وأدب ونحو وصرف وبلاغة، كتاب نفيس وثري، لكل من يحب الاطلاع على جواهر اللغة ونفائسها الفريدة، وجاء وصفه في «الموسوعة العمانية» أنه معجم لغوي يؤصِّل لمعاني الألفاظ والمفردات، ويهتم بالظاهرة الصوتية، ويربطها بالبعد الدلالي، ويعنى بمسائل النحو والصرف، ويكثر الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار.
إن الناسخين: عبدالله بن عمر الشقصي، وسليمان بن ماجد الحضرمي، يستحقان من القارئ والكاتب والباحث في علوم اللغة العربية الثناء والتقدير، فلولاهما ضاع كتاب الإبانة، وأصبح في غيابة الفقدان، ولكن قُدِّرَ له أن يبقى، وتتناقله أقلام النساخ، منذ تأليفه الأول، ونسخته الخطية الأولى، التي ظهرت بخط المؤلف أو بقلم أحد من تلاميذه، بين القرنين الخامس والسادس الهجريين، وحتى مخطوطته الأخيرة المنسوخة في نهاية الربع الأول من القرن العشرين، يلامس عمرها الألف عام.
في أواخر عام 1420هـ/ 1999م، صدرت الطبعة الأولى من هذا السِّفر اللغوي القيِّم، في أربعة أجزاء كبيرة، عن وزارة التراث القومي والثقافة، بتحقيق الدكاترة: عبدالكريم خليفة، ونُصْرَتْ عبدالرحمن، وصلاح جرار، ومحمد حسن عوَّاد، اشتغلوا على هذا الكتاب، اشتغالاً أميناً، يستوجب الثناء، فقد قاموا بتحقيقه وفق أسس علمية، واستطاعوا قراءة ما غَمُضَ عليهم في المخطوطات المعتمدة في التحقيق، وعادوا إلى المَصادر التي استقى منها المؤلف، وكتبوا في ذلك بياناً توضيحياً، نقرأه في مقدمة الصفحات الأولى من الجزء الأول، يقول المحققون: إن العوتبي اعتمد في تأليف الإبانة على مصادر كثيرة من أمهات كتب الأدب واللغة، كمصنفات ابن قتيبة، وكتاب العين للفراهيدي، وكتب الجاحظ، وابن دريد، والمبرد، واعتمد كثيراً على كتاب «الزاهر في معاني كلمات الناس» للأنباري، وكذلك كتب غريب القرآن، والقراءات، والأمثال، ودواوين الشعر العربي، حتى القرن الرابع الهجري.
رتب المؤلف مادة الكتاب بحسب الترتيب الهجائي، بدءاً بالهمزة والباء والتاء وانتهاء بالياء. ويحفل المعجم بدرر فريدة من لغة العرب، لا نقرأها إلا في مصادر الأدب القديمة وأمهات الكتب.
فلنحتفل معاً بيوم اللغة العربية، بقراءة أمهات كتب الأدب واللغة ككتاب الإبانة للعوتبي، الذي بقي مجهولاً طوال ألف عام، وأحسب أنه لم يخرج من عُمان، فبقي في خزائنها وأرفف مكتباتها وبين أبنائها، تتلقفه أيادي القراء وأقلام النساخ، حتى قُيِّضَ له أن يرى النور محققاً، وعسى أن يجد دارسو اللغة له مسلكاً في بحوثهم، فهو سِفرٌ نفيس.
ولنبحر قليلاً في يمِّه الزاخر بدرر الكلام، والشواهد الشعرية النادرة، والأمثال العربية، والأساليب الفريدة، التي كان يتحدث بها الأدباء والشعراء، إحياءً للغتنا العربية، ومحاولة لتقويم لساننا باللغة السَّامقة.
وفي مسك الختام:
- سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، جاء وصفه في الموسوعة العمانية أنه (فقيه ومتكلم ولغوي ومؤرخ ونسَّابة)، ينتسب إلى قرية عوتب بصُحار، يُعَد من كبار العلماء والفقهاء، لأهمية مؤلفاته إلا أن المؤرخين مختلفون في تحديد الفترة التي عاش فيها على أقوال، واستقر الرأي على أنه عاش الحياة بين القرنين الخامس والسادس الهجريين.
- الناسخان لكتاب الإبانة: عبدالله بن عمر الشقصي (القرن العاشر الهجري)، وسليمان بن ماجد الحضرمي (توفي قريباً من الرِّياض عام 1959م)، كلاهما شاعران أيضاً، ولهما إسهامات في مجال نسخ الكتب.
- تحية شكر وتقدير للشيخ محمود بن زاهر الهنائي، الذي عمل مستشاراً علمياً في وزارة التراث والثقافة، فعلى يديه صدر هذا الكتاب، وله الشكر على إهدائه السَّخي لي نسخة من كتاب الإبانة، تلقيتها منه في مكتبه بتاريخ: 29 سبتمبر 2004م.
- صدرت الطبعة الأولى من كتاب الإبانة عام 1420هـ/ 1999م، في أربعة أجزاء، وأعيد طبعه ملوناً عام 1437هـ/ 2016م.