أقام النادي الثقافي اليوم ملتقى عمانيا سعوديا في مجال أدب الطفل واليافعين تضمن جلستين شهدت مشاركة واقعية في مقره مرتبطة في أجزاء منها بالتواصل عن بُعد، وشهدت الجلسة الأولى التي أدارتها الباحثة فاطمة الزعابية جلسة حوارية شارك فيها من الجانب السعودي السعودي عبدالله الخالد والقاصة رند صابر ومن سلطنة عمان الشاعر العماني أحمد بن هلال العبري والكاتبة فوزية الفهدية، حملت الجلسة الأولى عنوان "الشعر والقصة في أدب الطفل ما بين الريادة والتجديد" حيث استعرض الجانبان نماذج أدبية متنوعة من الشعر والقصة الموجهة للطفل في سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، كما استعرض الجانبان بعض القصص والتجارب التي تستشرف النموذج الأمثل للطفل المتلقي وكيفية الدخول في عوالم طفل اليوم على مستوى الشعر والقصة، كما تم النقاش وطرح الأفكار حول الفروقات بين طفل الأمس وطفل اليوم في طريقة التلقي ومسألة الرسالة الموجهة نحوهم.

ترجمة الهوية

أما الجلسة الثانية فشملت قراءة نقدية حول التجربة السعودية والعمانية في أدب الطفل شارك فيها من الجانب السعودي الدكتورة صباح عبدالكريم عيسوي ومن الجانب العماني الدكتورة فائزة بنت محمد الغيلانية وأدارت الجلسة زهرة الجامعية، وقدمت الدكتورة صباح عبدالكريم عيسوي ورقة بعنوان "أدب الطفل السعودي وترجمة الهوية إلى لغة الآخر" أكدت فيه أن أدب الطفل في المملكة العربية السعودية تقدم بخطوات واسعة اتضحت معالمها مع بداية الألفية الثالثة، وأصبح يتناول قضايا جوهرية تدور حول الطفل وتعكس في الوقت ذاته المتغيرات التي طرأت على المجتمع.

وتناول بحث الدكتورة صباح عيسوي إحدى القضايا في محاولة لرصد ما يطرحه من موضوعات ملحة يكثر الجدل حولها اليوم كموضوع الهوية القومية في عصر العولمة، وتظهر هذه القضايا في أعمال مجموعة من الكاتبات السعوديات عمدن إلى توظيف التراث والتاريخ العربي في تجربة فريدة لتأكيد الهوية المحلية عبر لغة مختلفة. ترمي الدراسة للإجابة على عدة تساؤلات تتعلق بأدب الطفل واللغة التي يكتب بها وأثره في تشكل هوية الطفل: ما تأثير الأدب المكتوب بلغة غير لغة الطفل القومية على تشكيل الهوية لديه؟ ولماذا يكتب الكاتب العربي للطفل العربي باللغة الإنجليزية مثلا؟ ما الموضوعات التي يطرحها؟ وأي ثقافة يحاول ايصالها للطفل، الثقافة القومية أم ثقافة الآخر؟ وهل هذه ظاهرة إيجابية أم أنها حسب رأي مجموعة من التربويين تؤثر سلبا على تشكيل الهوية لدى الطفل وعلى اللغة القومية نفسها؟

وأضافت "عيساوي" : برزت في الدراسة المسحية للكتاب أسماء ثلاث كاتبات: سميرة زيدان، مها الفيصل وهلا بنت خالد قدمن للطفل قصصا مصورة باللغتين العربية والإنجليزية. وبتحليل نماذج من قصصهن للطفل في ظل الدراسات النقدية الحديثة المتعلقة بالتعددية الثقافية توصلت الدراسة إلى عدة نتائج: تتسع دائرة قراء هذا النوع من الأدب، ويظهر لنا الدور الذي تلعبه هذه القصص المكتوبة باللغة الإنجليزية التي جاءت هنا كلغة للخطاب تنقل الكاتبات من خلاله ثقافتهن القومية للتعريف بتلك الثقافة. نجد اتفاقا بين الكاتبات في إعطاء لمحات عن الثقافة العربية والإسلامية في قصصهن مع التركيز على الجانب الإنساني الذي تشترك فيه حضارات العالم أجمع. ورغم الاختلاف في طريقة تقديم هذا المحتوى لتحقيق أغراض القصص، إلا أن الكاتبات يتفقن على أن تقديم الهوية العربية بلغة أجنبية ضرورة للتعريف بالشخصية العربية الإسلامية.

وفي الختام أكدت الناقدة والباحثة الدكتورة صباح عبدالكريم عيسوي أن مثل هذه الأدب مطلوب على المستوى العالمي لإدراجه ضمن تلك الأعمال الأدبية التي تعمل على تحقيق التعددية الثقافية والتعريف بحضارات العالم المختلفة من أجل العمل على التعارف والتقارب بين الحضارات وتقبل الاختلاف الذي يعطي لكل حضارة هويتها القومية المميزة لها.

منظومة القيم

وقدمت الباحثة الدكتورة فايزة بنت محمد الغيلانية ورقة بعنوان "منظومة القيم في أغاني الأطفال الشعبية في سلطنة عمان ـ مدينة صور أنموذجًا" أشارت فيها إلى ان أفراد المجتمع يتأثرون بالمكونات المختلفة التي تصبغ مجتمعهم، منها الغناء والموسيقى والطرب، الذي يعدّ مكونًا نفسيًا، يكون قادرا مع ما يصاحبه من حركات وإيماءات جسدية، على أن يشحن الألفاظ المختلفة بحمولات عاطفية وفكرية ونفسية متعددة، ومثلت الأغاني الشعبية المختلفة زادَا معرفيا، ومنهلا ثقافيا تربت عليه الأجيال المختلفة الفترات الزمنية المتعاقبة، وشكلت المصدر الرئيس للمتعة والبهجة في الوقت الذي نشأت فيه أجيال عدة بعيدة عن التلفاز والحاسوب والآيباد والهواتف الذكية.

وأضافت "الغيلانية" : الأغنية الشعبية مرآة للثقافة تحمل في طيات نصوصها الاتجاهات الراسخة والمعبرة عن رؤى المجتمع التي تصدر عنه عاداته وتقاليده، وتكون الألفاظ، والمعاني التي تحملها هذه الأغاني سلسلة من القواعد، والمعايير، والقيم التي تؤشّر إلى المعتقد المأمول، والسّلوك المطلوب.

وتطرقت الباحثة إلى تعريف القيم في المعاجم والاصطلاح كما تحدثت عن وظائف تلك القيم في تشكيل شخصية الفرد وتقوّية إرادته وطموحه، كما تحدثت عن تصنيف القيم وأنواعها ومفهوم أغاني الأطفال الشعبية ومنظومة القيم في أغاني الأطفال الشعبية في مدينة صور منها "القيمة الدينية" عند النوم، وعند نزول المطر والمناسبات الدينية في أغاني الأطفال الشعبية، والصفات المكروهة في الدين الإسلامي، والقيم الاجتماعية والقيم الأخلاقية الإسلامية التي تدعو إلى وترك الكسل والخمول، وتقدير قيمة الوقت وتشجيع المثابرة، وتعزيز القدرات الجسمية للطفل وإعلاء قيمة العمل، وارتباطه بالمال وجنيه.

كما استعرضت الباحثة سمات أغاني الأطفال الشعبية في مدينة صور والتي أشارت إلى أن الأغنية الشعبية ذات عاطفة فياضة للطفل، تحمل في دلالاتها المحبة والحنان والاحتواء البالغ له، وهي بالتالي مكون نفسي عالي القيمة للطفل يساهم في تنشئته نفسيا على نحو سليم، مؤكدة أن بعضها ـ الأغاني الشعبية ـ يقولها الكبار للصغار، وبعضها يردده الصغار أنفسهم، كما أنها قد لا تكون موجهة للأطفال ولكن جرى استخدامها عند هدهدة الصغار، وتنويمهم، أو عند ترقيصهم. والكثير من هذه الأغاني عالية في مستواها وأفكارها على الطفل، ولكنَّ اللحن المصاحب لها جعلها قابلة للاستخدام معه لما يتصف به اللحن من الحزن والشجن المناسب مع التنويم والهدهدة، أو الحركة والرقص الذي يتناسب مع الاطفال وتدريبهم على بعض المهارات الحركية كالحبو والتصفيق والمشي.

مشيرة "الغيلانية" إلى أن الكثير من تلك الأغاني الشعبية لا يعرف مؤلفوها ولا المناسبات التي قيلت فيها، ويرد بعضها بصورة تلبس في فهم المعاني التي تريدها، كما تحفل الكثير منها بالرموز التي تحيل إلى قضايا اجتماعية، أو سياسية نظرا للمحتوى الذي يبدو أحيانا غير مترابط في الأغنية الواحدة مع صعوبة تعيين القضية أحيانا للجهل بالمناسبة التي قيلت فيها الأبيات، كما تعتمد اعتمادًا كبيرا على الوزن والقافية واللحن ولا يمكن تفريغها من هذه العناصر الثلاثة، وتحتوي على مجموعة متداخلة من القيم، كأن تضم قيما دينية واجتماعية وترويحية إلى جوار بعضها البعض، وتحتوي بعض الأغاني على قيم سلبية، كما تحوي غيرها قيما إيجابية، فنجد في مجموع هذه الأغاني القيمة وضدها، وفي بعض الأغاني الشعبية تختلف بعض المفردات، أو الأبيات المستخدمة من منشدة لأخرى، وبعضها يكون مجالًا لأن يصوغ المنشد ضمنها أبياته الخاصة تبعا لمقدرته على النظم.

وفي الختام قالت الباحثة الدكتورة فايزة بنت محمد الغيلانية إن الحوار حول هذه القيم، وصحتها أو خطأها، عمقها أو سطحيتها يترك الباب مفتوحا للمؤلفين في أدب الطفل اليوم لتصحيح المغلوط، وتثبيت الموثوق، وتمكين الطفل من قيم أخرى استحدثها العصر، والتقدم، ومواكبة التّطور المعرفي في العالم، فالأغاني أو الأهازيج الشعبية نتاج بشري فائت لمجتمعات قامت وفق قوانين عصرها الخاص، ويمكن لكتابات الأطفال اليوم أن تصبح يومًا ما في المستقبل القريب أو البعيد موروثات شعبيّة تطالها الأجيال التي ستأتي يومذاك، وتستظرفها ـ كما فعلنا ـ وتستخرج منها ما يعمّق في أجيالهم القادمة قيم الخير والإنتاج والفعالية.