(الملف النووي الإيراني هو موضوع الساعة ولابد من التوصل إلى حل سياسي ينهي معه كل التوتر في المنطقة وقطع الطريق على الكيان الإسرائيلي الذي يحيك المؤامرات لتدمير المنطقة ومقدراتها)

كما يقال ما أشبه اليوم بالبارحة حيث تعيش منطقة الخليج العربي مناخا متزايدا من التوتر وحالة من عدم اليقين بين إيران والكيان الاسرائيلي حيث موضوع الملف النووي الإيراني يضع المنطقة في حاله من الشد والجذب خلال الجولة السابعة في فيينا والتي انتهت تقريبا دون حل سياسي يعيد الشركاء الدوليين وإيران إلى اتفاق عام ٢٠١٥ والتي كان للدبلوماسية العمانية دور بارز ومقدر من المجتمع الدولي.

وعلى ضوء ذلك تأتي المناورات العسكرية الإيرانية في مياه المنطقة والمصحوبة بالتهديدات الحاسمة الايرانية ضد التلويح الاسرائيلي بضرب المفاعلات النووية الايرانية علاوة على تعثر مفاوضات فيينا، والتي دخلت مرحلة حاسمة بسبب الخلاف على تفاصيل المسودة الإيرانية، والتي تتحدث عن مقاربة تبدو منطقية وهي العودة الى الاتفاق النووي الإيراني بكل بنوده مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن إيران مع التزام طهران بآليات التفتيش على المفاعلات النووية وموضوع نسب تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي من قبل وكالة الطاقة الذرية ولعل الذي ساعد على ذلك التعثر في المفاوضات في فيينا هو الموقف الأوروبي المتردد وغير الحاسم رغم التصريحات الإيجابية عن القبول بالمقترح الإيراني.

بين الحوار والتوتر

المشهد السياسي في المنطقة يبدو متوترا ومشابها للوضع الذي كانت عليه منطقة الخليج العربي ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي الايراني عام ٢٠١٥ .ومن هنا فإن ثمة بارقة أمل تتعلق بالحوار بين المملكة العربية السعودية وايران من خلال عدد من الجولات عقدت في العاصمة العراقية بغداد علاوة على اللقاء الأمني بين الجانبين في العاصمة الاردنية عمان وأخيرا اللقاء بين وزيري خارجية البلدين. ومن هنا جاءت التصريحات الأمريكية التي ترحب بالحوار السعودي الإيراني والأمل بتخفيض التوتر والتصعيد في المنطقة.

والحوار يعد الآلية الصحيحة لتجاوز الخلافات بين الدول عموما وهي الآلية التي تعد من صميم مبادىء السياسة الخارجية لسلطنة عمان والتي حققت نجاحات كبيرة على صعيد دور سلطنة عمان في عدد من الازمات الاقليمية، وايضا من خلال احترام المجتمع الدولي قيادات وشعوبا لتلك النظرة الموضوعية العمانية في حل القضايا والخلافات بين الدول. ومن هنا فإن المنطقة تحتاج الى الحوار بدلا من التوتر المتواصل والحروب التي عانت منها المنطقة ويبدو لي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد مزيدا من الحروب بعد عدد من الكوارث التي خيمت على عدد من شعوب المنطقة ومقدراتها نتيجة تلك الحروب خاصة في العراق وافغانستان.

ومن هنا فإن فكرة الحوار هي الآلية التي من خلالها يمكن ان يتحقق السلام والامن والاستقرار للمنطقة وشعوبها وتكمن أهمية الحوار في فيينا وايضا بين الاطراف في المنطقة هو التوصل الى مقاربة سياسية موضوعية تنهي كل الازمات وفي مقدمتها الحرب في اليمن وايضا مد يد المساعدة للشعب الافغاني وإرساء مبدأ الحوار والاحترام بين الدول وعدم التدخل في شؤون الآخرين وإقامة علاقات تعاون في كل المجالات التي تخدم مصالح الدول وشعوبها في منطقة جغرافية ممتدة ومشتركات حضارية واجتماعية وتاريخية واحدة في الاقليم منذ قرون متواصلة.

الكيان الاسرائيلي هو العقبة الاساسية أمام تحقيق السلام والامن ليس في منطقة الخليج العربي ولكن على صعيد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مؤامراته التي لا تنتهي، وهو المحرض الاول على اندلاع الحروب والصراعات. ومن هنا فإن امام الولايات المتحدة الأمريكية والغرب فرصة حقيقية للعودة الى بنود الاتفاق النووي الايراني عام ٢٠١٥ لأن واشنطن هي التي انسحبت من ذلك الاتفاق ،والذي تمت المصادقة عليه من قبل الامم المتحدة خاصة مجلس الامن الدولي، كما أن المرونة السياسية مطلوبة من كل أطراف الملف النووي الايراني حتى يمكن إخماد التحريض الاسرائيلي البغيض والذي يحتل ارض فلسطين منذ سبعة عقود واستخدم كل الانتهاكات الخطيرة ضد الشعب الفلسطيني منتهكا القانون الدولي الانساني وضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية منذ عام ١٩٤٨ وهذا الكيان الاسرائيلي العنصري يحاول الآن إدخال منطقة الخليج العربي في صراعات وحروب جديدة مع الجانب الإيراني بهدف إشعال المنطقة.

دور للدبلوماسية

بين مفهوم الحوار وأهميته لصون السلام والاستقرار في منطقة حساسة وحيوية كمنطقة الخليج العربي فإن المشهد السياسي على جانب كبير من الخطورة حتى لو كانت في حدها الادنى ورغم ان الحرب التكتيكية المحدودة او الشاملة ليست حتميه لكن جغرافية المنطقة والتصريحات الملتهبة بين الاطراف والحوادث البحرية بين وقت وآخر، وتواصل التعثر في فيينا هي أمور مزعجة وقد تنفلت الامور خاصة من قبل الكيان الصهيوني الذي يجد في الحروب في أوقات عديدة هروبا من مشاكله وصراعاته الداخلية كما حدث في حروبه العدوانية ضد قطاع غزة وجنوب لبنان ومن هنا فإن لجم الجنوح الاسرائيلي نحو التصعيد للحرب لابد أن يأتي من إدارة الرئيس بايدن خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية لديها استراتيجية انسحابها من مشهد الحروب والصراعات في المنطقة بل وانسحابها تدريجيا من المنطقة كما حدث بالنسبة لأفغانستان وربما من العراق مع نهاية العام الحالي او بعده بقليل والاتجاه نحو المحيط الهادي حيث المواجهة الاستراتيجية مع الصين.

ومن هنا فإن من مصلحة دول المنطقة هو استمرار الحوار وايجاد جوانب ايجابية تساعد على إنهاء جوانب الخلاف خاصة بين طهران والرياض ومن خلال ذلك الحوار المهم يمكن إنهاء حالة التوتر والانطلاق نحو آفاق جديده قوامها السلام والاستقرار وإقامة علاقات طبيعية سوف تمهد لتعاون إقليمي فاعل وتعاون في المجال الاقتصادي والعودة الى المناخ الايجابي الذي ميز المنطقة خلال العقود الماضية قبل اندلاع الحروب.

إن الملف النووي الايراني هو موضوع الساعة ولابد من التوصل الى حل سياسي ينهي معه كل التوتر في المنطقة وقطع الطريق على الكيان الاسرائيلي الذي يحيك المؤامرات لتدمير المنطقة ومقدراتها. وهنا تبرز أهمية آلية الحوار الذي تم التركيز عليها حتى يمكن إنقاذ المنطقة من ويلات الحروب والصراعات كما استطاعت الدبلوماسية العمانية ان تفعل ذلك من خلال جهودها المخلصة حتى تم التوصل الى الاتفاق النووي بعد سنوات من المثابرة والصبر. وسوف تواصل دبلوماسية سلطنة عمان دورها السياسي والإنساني لتجنيب المنطقة أي جنوح للصراعات من خلال دبلوماسيتها الموضوعية والتي لها دورها المقدر اقليميا ودوليا وتحظى بالمصداقية والاحترام.

* صحفي ومحلل سياسي