ينظر كثير من المحللين والمتابعين للشأن الاقتصادي في أي قطاع كان إلى أعضاء مجالس إدارات الشركات على أنها الجهة التي تحمي الشركة من الانهيار وتحافظ على كيانها، وقد سعت الهيئة العامة لسوق المال إلى تأصيل هذا الدور لدى شركات المساهمة العامة من خلال تحديد مسؤوليات مجالس الإدارة بشأن الأعمال التي ينبغي على المجلس القيام بها للمحافظة على هذا الكيان ليحقق أهدافه ويُبرز دوره الفاعل في النشاط الاقتصادي بما ينعكس إيجابًا على بورصة مسقط التي تستمد نشاطها وحيويتها من الأداء الجيد لشركات المساهمة العامة المدرجة بها.

ولعل أبرز الجوانب التي تم الاهتمام بها هو التفريق بين الدور الذي ينبغي أن يلعبه أعضاء مجالس الإدارة وبين الأدوار التي ينبغي أن تضطلع بها الإدارات التنفيذية بحيث يكون هناك تناغم في الأداء بين الطرفين وانسجام فيما بينهما لتحقيق أهداف الشركة وطموحات المستثمرين والمساهمين فيها.

غير أنه من الملاحظ أن بعض الشركات تعاني من تدخلات أعضاء مجالس الإدارة فيها خاصة الشركات التي يملك فيها أحد الأعضاء حصة مهمة من رأسمالها، إذ تجده -نتيجة خشيته على الشركة ورغبة منه في أن يكون أداؤها أفضل- يتدخل في أعمال الإدارة التنفيذية من أعلاها إلى أدناها وهو ما يجعل الإدارة التنفيذية غير قادرة على تحقيق أهداف الشركة لتدخل في صراع مع أعضاء مجالس الإدارة الذين يكادون يتصرفون في شركات المساهمة العامة وكأنها شركاتهم الخاصة؛ في حين أن التشريعات فرّقت بين دور كل طرف بحيث يركز مجلس الإدارة على الاستراتيجيات التي تدفع الشركة إلى الأمام وتحقق لها الريادة بين الشركات المنافسة وتمكنها من دخول أسواق جديدة وتنويع استثماراتها ومنتجاتها، في حين تتحمل الإدارة التنفيذية تنفيذ تلك الاستراتيجيات بالشكل الذي يحقق للشركة أهدافها مع وجود خطة عمل واضحة وأهداف وأدوار محددة لكل إدارة من إدارات الشركة؛ بل كل موظف من الموظفين، وفي ظل وجود منظومة من التسلسل الإداري الواضح ووجود رقابة داخلية ومدققين ماليين وخبراء من ذوي المهارات العالية الذين يرفدون الشركة بأفكار وخطط قابلة للتنفيذ تعزز مكانة الشركة وتنافسيتها فإن الإدارات التنفيذية تستطيع تحقيق الأهداف التي أُنشِئت الشركة من أجلها.

وبما أنه لم يتبق إلا القليل على عقد الاجتماعات العامة السنوية لشركات المساهمة العامة التي سيشهد بعضها انتخابات جديدة لمجالس الإدارة فإنه من المناسب أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التوعية للمساهمين بشأن كيفية اختيار أعضاء مجالس الإدارة، بحيث يتم التركيز على أن يكون العضو ذا كفاءة عالية ولديه خبرات متراكمة في القطاع الذي تعمل فيه الشركة ليساهم بأفكاره في تنمية الشركة وتوجيه الإدارة التنفيذية. وكما يؤكد المساهمون على ضرورة أن يكون الرئيس التنفيذي للشركة ذا خبرة جيدة وقدرة على إدارة الشركة فإنه يتوجب عليهم الحرص على انتقاء أعضاء مجالس الإدارة؛ إذ لا يمكن للشركة أن تحقق أهدافها بدون التعاون بين مختلف أطراف العلاقة بالشركة وهم أعضاء مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية والمساهمون.

كذلك فإنه من المهم أيضًا عقد حلقات عمل تثقيفية لأعضاء مجالس الإدارة سواء من قبل الهيئة العامة لسوق المال أو من قبل جمعية الوسطاء أو غيرهما من الكيانات الأخرى ذات العلاقة بقطاع سوق رأس المال؛ إذ لا يوجد أدنى شك في أنّ عضو مجلس الإدارة حريص على أن تكون الشركة ضمن أفضل 10 شركات أو أفضل 5 شركات في القطاع الذي تعمل فيه غير أن التدخل في الأعمال اليومية للإدارة التنفيذية يؤثر سلبًا على الشركة.

كما أنه من المهم أيضًا التركيز خلال الفترة المقبلة على ضرورة أن تكون الإدارات (الدوائر) في شركات المساهمة العامة متكاملة -قدر الإمكان- وذات استقلالية واضحة ومحددة الأدوار حتى تستطيع تحقيق أهداف الشركة، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تنجح أي شركة بدون وجود مختصين بالتسويق والإعلام أو عدم وجود موقع إلكتروني لها على شبكة المعلومات العالمية وعدم وجودها في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا يمكن تصوّر وجود شركة ناجحة بدون وجود دائرة للموارد البشرية تنتقي أفضل الكوادر للعمل في الشركة وتعمل على تدريبهم وتأهيلهم، كما أن وجود المدققين الماليين داخل الشركة يحافظ على أموال الشركة ويساهم في حسن استغلالها وإدارتها؛ كل هذه الإدارات وغيرها تقع عليها مهمة قيادة الشركة إلى أفضل سبل النجاح وهو ما يعني في النهاية أن دور مجالس الإدارة هو تمكين الإدارات التنفيذية من أداء دورها في تعزيز مكانة الشركة وليس التدخل المباشر في جوانب هي اختصاص أصيل للإدارات التنفيذية.