يمكن القول إن التواصل - علما كان أم ممارسة - قد تأصل في البشرية قديما منذ نشأتها، ولعل أبرز دليل على ذلك يكمن في قصة آدم عليه السلام وخروجه من الجنة بسبب (التأثير Influence) الذي مارسه عليه إبليس حتى اقتنعا هو وحواء بقيمة ثمر "شجرة الخلد" التي أكلا منها وتسببت في خروجهما من الجنة ونزولهما إلى الأرض بعد ذلك.
ترجح بعض التقديرات أن الفترة التي خلق فيها آدم عليه السلام تعود إلى ما لا يربو عن عشرة آلاف عام - وهو ما قد يستدعي الكثير من البحث ولكنه يرد هنا على سبيل المثال - وبذا فقد كان من الممكن لكاتب المقال أن يذكر المعلومة البحتة عن متى بدأ استخدام التواصل في البشرية في الفقرة الأولى بالصيغة التالية: بدأ استخدام ممارسة التواصل في البشرية منذ ما لا يربو على عشرة آلاف سنة. لكن يا ترى أي الصياغتين سترسخ أكثر في ذهن المتلقي؟ تشير بعض الدراسات النفسية إلى أن القصص أكثر قابلية لأن يتذكرها مخ المتلقي باثنين وعشرين مرة مقابل قدرته على تذكر الأرقام والمعلومات البحتة؛ ذلك لأن تعرض المخ للقصص المروية ينتج عنه تفعيل مناطق أكبر من تلك التي تنشط مع تلقي المخ للبيانات بصيغتها البسيطة. ويمكن في ذات السياق الربط مع القول بأن رواية القصص يمكن أن تقود إلى التأثير في مشاعر الجمهور وأفكاره وسلوكه وأسلوبه في التعبير.
إن من أهم ما يمكن الاستفادة منه في توظيف رواية القصص في أنشطة وممارسات التواصل هو أنه يمكن أن يؤدي أدوارا هامة في التوعية والإلهام وإيصال القيم والعناصر الثقافية إلى الجمهور المستهدف، بالإضافة إلى أنه غالبا ما يتبع منهجية السبب والنتيجة في العلاقة بين الأشياء وربطها بشخصيات معرفة - حقيقية أو خيالية - وأطر زمنية معينة وبيئات محددة، كما أن هذه الممارسة تعزز الجانب التفاعلي للتواصل عبر دفعه بالجمهور المتلقي إلى تحفيز خياله حول القصة المروية. إن لرواية القصص القدرة على تشكيل صيغة مشتركة لفهم موضوع ما بين شريحة واسعة من الجمهور، بالإضافة إلى تمتعه بمستويات عالية من الجاذبية لأعداد متزايدة من الجمهور وذلك نظرا لطبيعة وسرعة انتشار القصص سواء عبر وسائل الإعلام أو حتى عبر التواصل البشري بالأحاديث والحوارات وحتى على منصات التواصل بين الأفراد أنفسهم. ويمكن اعتبار أن أهم ما يمكن أن يحققه أسلوب رواية القصص من فوائد هو أنه لا يتطلب أن يحظى الجمهور بمستويات عالية من المعرفة أو الخبرة في موضوع معين، حيث أنه عادة ما يصاحبه المفردات الشائعة والقوالب اللغوية غير المعقدة دون وجود المصطلحات العلمية أو التخصصية التي إما أن تنفر الجمهور من الموضوع أو على الأقل تؤدي إلى عدم أو سوء الفهم.
إذن ما هي تركيبة القصة؟ يحاول روبيرت ماكي أشهر محاضري كتابة السيناريو صيتا في العالم - والذي تخرج على يديه كتاب سيناريوهات حازوا على عشرات جوائز الأوسكار والإيميز وغيرها - أن يشرح مفهوم صياغة القصة بشكل مبسط من أجل تسهيل تضمين رواية القصص في التواصل، حيث يقول بأن القصة يجب أن تعبر عن كيف ولماذا تتغير الحياة، وذلك عبر البدء باستعراض الوضع الطبيعي للحياة الذي يستمر فترة زمنية طويلة لكي يكتسب أُلفة الجمهور المتلقي، متبوعا بوقوع حدث غير اعتيادي - قد يسميه المختصون في أركان القصة "العقدة" أو لحظة التأزم" - كأن يتغير شيء ما في حياة شخصية معينة، ثم تمضي القصة بعد ذلك لتشرح كيف تقوم تلك الشخصية ضمن محاولتها استعادة الوضع المألوف في البداية بالاصطدام بواقع مغاير ومن ثم الوصول إلى الحل.
ويلخص ماكي - بالاستعانة ببحوث علمية في علم النفس الإدراكي - طريقة العقل البشري في فهم أو حفظ ما يتعرض له الفرد في حياته اليومية وذلك عبر قيامه بتجميع أجزاء المعلومات في قالب قصصي بالعناصر المذكورة أعلاه، وهو ما يؤكده كذلك عالم النفس جوناثان هايدت الذي يقول بأن العقل البشري يمكنه استيعاب القصص أكثر من قدرته على استيعاب المنطق. وقد يكون هذا الطرح ما يفسر رواج الأخبار الإعلامية التي تحمل في ثناياها القصص مثل أن تقوم قناة تلفزيونية بالتركيز على قصة شخص قام بإنقاذ قطة عالقة أثناء حدوث عاصفة، أكثر من التركيز على تغطية خبر العاصفة نفسها، أو استعراض قصة رجل يمتهن حرفة صناعة كرة كأس العالم عوضا عن تسجيل تقارير عن إحصائيات البطولات والأحداث الرسمية والمسؤولين الكبار.
وبالنظر إلى النظريات العلمية والأمثلة العالمية التي تم استعراضها أعلاه فإن التساؤل مشروع حول مدى انطباق ذلك على السياق المحلي. يمكن الإجابة على ذلك باستحضار مثال لمقطع فيديو انتشر حديثا لمحمد المخيني - وهو أحد الفاعلين على منصات التواصل - يروي فيه قصته مع فواتير الخدمات ومستخدما - بطبيعته البشرية أو موهبته الإعلامية - منهج رواية القصص عبر حديثه عن الوضع المعتاد في منزله ثم العقدة التي تمثلت في استغرابه من المبلغ الوارد في فاتورة الخدمة ومحاولته طرح التساؤلات وفهم الوضع. ومع وجود الجهود التي تقوم بها مختلف الجهات المعنية حول هذا الموضوع فإن ما يمكن استخلاصه في هذا المثال هو مدى سرعة ونطاق انتشار قصة محمد المخيني مقارنة بما يتم توضيحه باستمرار وفي مختلف وسائل التواصل والإعلام حول الموضوعات المرتبطة بفواتير الخدمات. كما أنه يمكن للقارئ في ذات سياق الحديث عن رواية القصص والفاعلين على شبكات التواصل استذكار ما يتعرض إليه من منهجيات يطبقها بعض الفاعلين في ترويجهم لمنتجات أو خدمات أو موضوعات عبر تضمينها في قصص تعبر عن حياتهم اليومية أو إشكالات صادفوها أو أي من السيناريوهات التي قد لا تعدو كونها رواية للقصص.
* مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية
ترجح بعض التقديرات أن الفترة التي خلق فيها آدم عليه السلام تعود إلى ما لا يربو عن عشرة آلاف عام - وهو ما قد يستدعي الكثير من البحث ولكنه يرد هنا على سبيل المثال - وبذا فقد كان من الممكن لكاتب المقال أن يذكر المعلومة البحتة عن متى بدأ استخدام التواصل في البشرية في الفقرة الأولى بالصيغة التالية: بدأ استخدام ممارسة التواصل في البشرية منذ ما لا يربو على عشرة آلاف سنة. لكن يا ترى أي الصياغتين سترسخ أكثر في ذهن المتلقي؟ تشير بعض الدراسات النفسية إلى أن القصص أكثر قابلية لأن يتذكرها مخ المتلقي باثنين وعشرين مرة مقابل قدرته على تذكر الأرقام والمعلومات البحتة؛ ذلك لأن تعرض المخ للقصص المروية ينتج عنه تفعيل مناطق أكبر من تلك التي تنشط مع تلقي المخ للبيانات بصيغتها البسيطة. ويمكن في ذات السياق الربط مع القول بأن رواية القصص يمكن أن تقود إلى التأثير في مشاعر الجمهور وأفكاره وسلوكه وأسلوبه في التعبير.
إن من أهم ما يمكن الاستفادة منه في توظيف رواية القصص في أنشطة وممارسات التواصل هو أنه يمكن أن يؤدي أدوارا هامة في التوعية والإلهام وإيصال القيم والعناصر الثقافية إلى الجمهور المستهدف، بالإضافة إلى أنه غالبا ما يتبع منهجية السبب والنتيجة في العلاقة بين الأشياء وربطها بشخصيات معرفة - حقيقية أو خيالية - وأطر زمنية معينة وبيئات محددة، كما أن هذه الممارسة تعزز الجانب التفاعلي للتواصل عبر دفعه بالجمهور المتلقي إلى تحفيز خياله حول القصة المروية. إن لرواية القصص القدرة على تشكيل صيغة مشتركة لفهم موضوع ما بين شريحة واسعة من الجمهور، بالإضافة إلى تمتعه بمستويات عالية من الجاذبية لأعداد متزايدة من الجمهور وذلك نظرا لطبيعة وسرعة انتشار القصص سواء عبر وسائل الإعلام أو حتى عبر التواصل البشري بالأحاديث والحوارات وحتى على منصات التواصل بين الأفراد أنفسهم. ويمكن اعتبار أن أهم ما يمكن أن يحققه أسلوب رواية القصص من فوائد هو أنه لا يتطلب أن يحظى الجمهور بمستويات عالية من المعرفة أو الخبرة في موضوع معين، حيث أنه عادة ما يصاحبه المفردات الشائعة والقوالب اللغوية غير المعقدة دون وجود المصطلحات العلمية أو التخصصية التي إما أن تنفر الجمهور من الموضوع أو على الأقل تؤدي إلى عدم أو سوء الفهم.
إذن ما هي تركيبة القصة؟ يحاول روبيرت ماكي أشهر محاضري كتابة السيناريو صيتا في العالم - والذي تخرج على يديه كتاب سيناريوهات حازوا على عشرات جوائز الأوسكار والإيميز وغيرها - أن يشرح مفهوم صياغة القصة بشكل مبسط من أجل تسهيل تضمين رواية القصص في التواصل، حيث يقول بأن القصة يجب أن تعبر عن كيف ولماذا تتغير الحياة، وذلك عبر البدء باستعراض الوضع الطبيعي للحياة الذي يستمر فترة زمنية طويلة لكي يكتسب أُلفة الجمهور المتلقي، متبوعا بوقوع حدث غير اعتيادي - قد يسميه المختصون في أركان القصة "العقدة" أو لحظة التأزم" - كأن يتغير شيء ما في حياة شخصية معينة، ثم تمضي القصة بعد ذلك لتشرح كيف تقوم تلك الشخصية ضمن محاولتها استعادة الوضع المألوف في البداية بالاصطدام بواقع مغاير ومن ثم الوصول إلى الحل.
ويلخص ماكي - بالاستعانة ببحوث علمية في علم النفس الإدراكي - طريقة العقل البشري في فهم أو حفظ ما يتعرض له الفرد في حياته اليومية وذلك عبر قيامه بتجميع أجزاء المعلومات في قالب قصصي بالعناصر المذكورة أعلاه، وهو ما يؤكده كذلك عالم النفس جوناثان هايدت الذي يقول بأن العقل البشري يمكنه استيعاب القصص أكثر من قدرته على استيعاب المنطق. وقد يكون هذا الطرح ما يفسر رواج الأخبار الإعلامية التي تحمل في ثناياها القصص مثل أن تقوم قناة تلفزيونية بالتركيز على قصة شخص قام بإنقاذ قطة عالقة أثناء حدوث عاصفة، أكثر من التركيز على تغطية خبر العاصفة نفسها، أو استعراض قصة رجل يمتهن حرفة صناعة كرة كأس العالم عوضا عن تسجيل تقارير عن إحصائيات البطولات والأحداث الرسمية والمسؤولين الكبار.
وبالنظر إلى النظريات العلمية والأمثلة العالمية التي تم استعراضها أعلاه فإن التساؤل مشروع حول مدى انطباق ذلك على السياق المحلي. يمكن الإجابة على ذلك باستحضار مثال لمقطع فيديو انتشر حديثا لمحمد المخيني - وهو أحد الفاعلين على منصات التواصل - يروي فيه قصته مع فواتير الخدمات ومستخدما - بطبيعته البشرية أو موهبته الإعلامية - منهج رواية القصص عبر حديثه عن الوضع المعتاد في منزله ثم العقدة التي تمثلت في استغرابه من المبلغ الوارد في فاتورة الخدمة ومحاولته طرح التساؤلات وفهم الوضع. ومع وجود الجهود التي تقوم بها مختلف الجهات المعنية حول هذا الموضوع فإن ما يمكن استخلاصه في هذا المثال هو مدى سرعة ونطاق انتشار قصة محمد المخيني مقارنة بما يتم توضيحه باستمرار وفي مختلف وسائل التواصل والإعلام حول الموضوعات المرتبطة بفواتير الخدمات. كما أنه يمكن للقارئ في ذات سياق الحديث عن رواية القصص والفاعلين على شبكات التواصل استذكار ما يتعرض إليه من منهجيات يطبقها بعض الفاعلين في ترويجهم لمنتجات أو خدمات أو موضوعات عبر تضمينها في قصص تعبر عن حياتهم اليومية أو إشكالات صادفوها أو أي من السيناريوهات التي قد لا تعدو كونها رواية للقصص.
* مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية