( يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يحرز نقلة نوعية كبيرة في مسيرته من خلال الانتقال إلى صيغة التكامل الاقتصادي)

مع ظهور هذا المقال تكون قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اختتمت أعمالها في العاصمة السعودية الرياض من خلال البيان الختامي والذي سوف يكون ترجمة حقيقية لما صدر من بيانات للدول الست الأعضاء في المجلس خلال الجولة الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان علاوة على أهمية انطلاق المجلس من خلال تنفيذ رؤيته التكاملية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وهي أمور تهم شعوب المنطقة.

كما أن انتهاء الأزمة الخليجية قد أعطى دروسا كبيرة لأهمية آلية الحوار حتى عند وقوع الاختلافات وهي سمة العلاقات الدولية وهو ما يحدث بين الحلفاء في الغرب.

وعلى ضوء ذلك فان السؤال الأهم هنا هل هناك إرادة سياسية للانتقال من صيغة التعاون الخليجي التي مضى عليها أربعة عقود الى مرحلة التكامل الاقتصادي والاجتماعي وهي المرحلة الثانية من مراحل النظام الأساسي وأهداف المجلس الكبيرة أم يظل الوضع على ما هو عليه كما ان السؤال الآخر هل هناك استعداد خليجي لإنهاء التوتر في المنطقة من خلال أمن إقليمي لدول المنطقة الثمان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وايران والعراق وحتى اليمن.

مرحلة التكامل الاقتصادي

يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يحرز نقلة نوعية كبيرة في مسيرته التي تعدت الأربعة عقود من خلال الانتقال إلى صيغة التكامل الاقتصادي وهي المرحلة الأهم من خلال رؤية اقتصادية واحدة وتكامل في التشريعات والقوانين والمواطنة الخليجية وتكامل المشاريع، وتنفيذ اهم ملمح من ذلك التكامل الاقتصادي وهو السوق الخليجية المشتركة وهو نفس المفهوم الذي طبقته دول الاتحاد الأوروبي في المرحلة قبل الأخيرة، والذي أحدث فرقا جوهريا في التكامل الاقتصادي والاجتماعي، وجعل تلك الدول تصبح كتلة اقتصادية هامة على صعيد كل الآليات التي تخدم التجارة والاستثمار المشترك، ودعم الاقتصاديات الأقل نموا.

ومن هنا فان أمام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فرصة كبيرة للانتقال من مفهوم التعاون الى مفهوم التكامل خاصة وإن هناك رؤى محددة لدول المجلس منها رؤية سلطنة عمان ٢٠٤٠ ورؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ وأيضا بقية دول مجلس التعاون. ومن خلال تكامل وانسجام تلك الرؤى على الصعيد المحلي والجماعي فإن إنجازا اقتصاديا خليجيا سوف يتحقق من خلال جملة من المعطيات حيث ربط الموانئ والقطاع اللوجستي وقطاع الطيران والمشاريع الكبرى في قطاع الطاقة والاقتصاد الأخضر وتكامل المناطق الاقتصادية الخاصة وتنشيط المطارات الخليجية والتسويق لمجمل مواقع المنطقة سياحيا والكثير من آليات التكامل الاقتصادي والذي سوف يجعل منطقة الخليج العربي أحد أهم الكتل والتجمعات الاقتصادية في العالم حيث وجود الإمكانات الكبيرة على صعيد الموارد الطبيعية وأيضا البشرية والموقع الاستراتيجي الذي يصل آسيا بإفريقيا وأوروبا والصين وشبه القاره الهندية، هذا هو الهدف الأكبر لمسبرة مجلس التعاون الخليجي التي يتطلع لها المواطن في المنطقة.

الأمن الإقليمي

عانت منطقة الخليج العربي على مدى أربعة عقود مشكلات وحروب وصراعات جعلها منطقه غير مستقرة، ودفعت من مقدراتها الشيء الكثير وحتى يتحقق التكامل الاقتصادي لابد من آليات محددة للوصول إلى الأمن الإقليمي بين دول المنطقة، وهي دول مجلس التعاون وايضا ايران والعراق وإدخال اليمن كمنطقه جغرافية أصيلة في شبه الجزيرة العربية ويمكن تحقيق هذا الأمن الإقليمي من خلال الحوار الفردي كما يحدث الآن بين المملكة العربية السعودية وإيران أو من خلال الحوار الجماعي وهو حوار واتصال متواصل بين إيران وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.

إقامة علاقات طبيعية بين الدول على ضفتي الخليج هو هدف استراتيجي يعيد الأمن والاستقرار للمنطقة ويجعل من أمر التعاون أمرا طبيعيا ويجعل المنطقة تعيش مناخ من العلاقات الإيجابية وأن يكون هناك شعور متبادل من المحبة بين شعوب المنطقة والتي تربطها الكثير من المشتركات.

التوتر المتواصل في المنطقة لا يخدم دول مجلس التعاون حتى على صعيد مفاوضات الملف النووي الإيراني لأن أي إخفاق في جولة فيينا الحالية واندلاع صراع مسلح بين ايران من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي من ناحية أخرى سوف يكون مدمرا للمنطقة ومقدرات شعوبها.

ومن هنا فان التوصل إلى اتفاق والرجوع إلى اتفاق ٢٠١٥ بين ايران والقوى الدولية سوف يكون بمثابة انهاء فتيل التوتر الذي تحرض عليه إسرائيل رغم أن هذه الأخيرة تمتلك عشرات القنابل النووية التي تكفي لتدمير منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

اذن الأمن الإقليمي وتحقيقه الاستقرار مرتبط بالانتقال الخليجي الى مرحلة التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولاشك ان الإشارات التي قد تكون وردت في بيان الرياض للقمة الخليجية أو من خلال الإرادة السياسية الجماعية لدول مجلس التعاون فان تحقيق الأمن الإقليمي على الصعيد الذاتي أولا والجماعي ثانيا يعد من الأولويات للأمن القومي الخليجي في ظل مؤشرات استراتيجية حيوية منها الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط لأسباب تتعلق بالتكلفة الاقتصادية أولا وأيضا بالمواجهة الاستراتيجية مع الصين على شاطئ الباسفيك ثانيا ولعل الانسحاب من أفغانستان وأيضا الانسحاب المرتقب من العراق يعطي مؤشرات في هذا الصدد وهو رسالة واضحة لدول مجلس التعاون الخليجي وهذه المؤشرات تجعل من الأمن الذاتي الخليجي في غاية الأهمية على صعيد التكامل العسكري والأمني وربما يكون العودة الى موضوع الجيش الخليجي من الأمور التي يمكن أن تشكل جزءا استراتيجيا من الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون لأن مسالة قوة درع الجزيرة الرمزية تبقى قوة عسكرية محدودة لا ترقى للدفاع الحقيقي عن أمن ومصالح الدول الست الأعضاء.

ومن هنا فان وجود قوة ردع خليجية هو أمر في غاية الأهمية في ظل مستقبل غير واضح وتوتر مستمر لمنطقة حساسة تجتمع فيها مصالح الشرق والغرب خاصة على صعيد الطاقة وأيضا كسوق استهلاكي مهم وفي المحصلة الأخيرة فإن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعد من المنظومات الحيوية وهي التي تبقى من المجالس العربية التي اختفت أو تلاشى دورها ونقصد هنا بمجلس التعاون العربي الذي كان يضم مصر والأردن والعراق واليمن وأيضا الاتحاد المغاربي الذي كان يضم المغرب والجزائر وتونس ومريتانيا وليبيا. وعلى ضوء ذلك فإن الإرادة السياسية لقيادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تبقى هي المحرك الأساسي لانتقال مجلس التعاون لمرحلة التكامل الاقتصادي أو يظل المجلس رهان الاجتهادات من هنا وهناك.

*صحفي ومحلل سياسي