هناك علاقة لا تزال حتى اليوم ترهن باستمرار وعي المسلمين بالموقف من التاريخ ولا سيما الجانب التراثي العظيم من تاريخهم، وبطريقة قد يقتضي التأمل فيها طرح تساؤلات متصلة بمدى القدرة اليوم على تكييف ذلك الموقف الذي يوشك اليوم أن يكون في أذهان غالبية عوام المسلمين موقفًا تعكس الهيبة منه تشويشًا كبيرًا يمنع من القدرة على تقييمه بصورة أكثر ميلًا إلى العقلانية.
غالبية المسلمين اليوم ينظرون إلى التاريخ الإسلامي، ولاسيما في قرون الإسلام الأولى، بوصفه أحداثًا مهيبة لأن الشخصيات التي صنعت تلك الأحداث هي شخصيات جيل الصحابة الذي عاصر حياة النبي الكريم، وقام ذلك الجيل بأعمال تاريخية لعبت دورًا كبيرًا في تغيير العالم القديم.
ولقد خلفت تلك الأحداث (التي صنع بها ذلك الجيل آثارًا عظيمةً في المجتمع والتاريخ الإنسانيين) في العصور اللاحقة للمسلمين درجات عالية الحساسية من الهيبة المعيارية التي يمكن القول أنها هيبة ظلت باستمرار من أهم عناصر تماسك هوية المسلمين على مر التاريخ.
ذلك أن التقليد الذي أدى إلى تجميد حياة المسلمين، خصوصًا، بعد قفل باب الاجتهاد، كان قد لعب دورًا إضافيًا في معيارية تلك الحياة التي ينقلها المسلمون عن أسلافهم كابرًا عن كابر بطريقة تعكس الهيبة ذاتها، وبما توحي به تلك الأعمال الكبرى في التاريخ.
إنه عبء التاريخ وجدل الذاكرة بصورة من الصور، فبين القدرة على إدراك مبهم -لكنه قوي ومؤثر- بالعظمة المطلقة لذلك التاريخ العظيم، على أجيال المسلمين على مر العصور، وبين عدم الاعتراف بواقع تخلف أصبح اليوم سمةً بارزة في حياة كثيرين من المسلمين ينشأ ذلك الاختلال الذي يوشك أن يكون مانعًا من أي تغيير إيجابي للتفاعل مع العصور الحديثة التي تحكم العالم منذ أربعة قرون.
لقد كان الإحساس المستمر بعظمة تاريخ المسلمين في عصوره الأولى هو السر الدائم في الإيهام الذي يوحي للمسلمين، باستمرار، أن لهم عودةً ما لذلك التاريخ وأعماله التأسيسية التي تئن تحتها حمولات الذاكرة الجمعية للحس التاريخي.
في مقابل ذلك، تبدو اليوم فكرة التقدم بوصفها عجلة التاريخ التي تدفعه إلى الأمام باستمرار هي النقيض لذلك التصور التاريخي التقليدي للمسلمين، لاسيما في ظل آثار وأحاديث نبوية وأقوال، تصور تلك اللحظة التأسيسية على أنها لحظة مرجعية مفارقة! وحيال هذا التعارض الظاهري بين ضرورة وعي العصور الحديثة وبين التصور المعياري لمرجعية اللحظة التاريخية التي تشد المسلمين إلى ماضٍ مفارق في طبيعة أحداثه كلحظة تأسيسية للذاكرة؛ تضخ تلك المفارقة، بين ضغط التاريخ وعجلة الحداثة، توترًا يبدو في ظل التخلف الذي تعيشه المنطقة، كما لو أنه هوية جامدة للمسلمين وغير قابلة للاندراج في أي لحظة من لحظات الحداثة السائلة (بحسب زيخمونت باومان)! وفي تقديرنا، أن ذلك الاستعصاء الذي يفرضه ضغط تاريخ المسلمين وهيبته في ظل حاضر تخلفهم، لا يمكن أن يؤسس لوعي نقدي يرفع ذلك التناقض الذي أعاق حياتهم في الأزمنة الحديثة وجعل استعصاء المحيط الجيوسياسي للمنطقة العربية، تحديدًا، من أكبر علامات الاستفهام التي جعلت مستشرق مثل برنارد لويس ينعت ذلك الاستعصاء بــوصفه: "استثناءً عربيًا" معيقًا للمنطقة من الاندراج في الحداثة السياسية للعالم.
ولعل من أهم الملاحظات ذات الدلالة في تأويل ذلك الوعي الشقي بتاريخ للمسلمين أكبر من حاضرهم؛ ما تؤكده الرؤية الأيدلوجية لجماعات الإسلام السياسي الذين يعتقدون عبر خطاب الهوية المغلق: أن كل ما يحتاجه المسلمون في الأزمنة الحديثة هو في ماضيهم، وأن المطلوب اليوم هو الاستثمار الأداتي في التعامل مع العالم، أي التعامل مع التحديث وليس مع الحداثة، بحسبان الحداثة وفكرها منطقة محرمة في ذلك الخطاب، فيما الحقيقة هي؛ أن إهدار جماعات الإسلام السياسي لثقافة التاريخ (التي تقرأ النصوص القرآنية في ضوء تحولات التاريخ) لصالح ثقافة النص التي تنطوي على قراءة للنصوص مجردة من سياقاتها ومجتزأة في الوقت نفسه، هو الذي أوقعهم في فخ الاغتراب عن العالم الحديث، ومن ثم أصبحت العلاقة مع ذلك العالم في خطاب ورؤية جماعات الإسلام السياسي؛ علاقة صراعية أبدية تجعلها متوترة باستمرار، دون أي أفق لرؤية تختبر وعيًا مختلفًا وجديدًا لذلك العالم؛ مما أفضى إلى حدث خطير ككارثة 11 من سبتمبر 2001 في نيويورك!
غالبية المسلمين اليوم ينظرون إلى التاريخ الإسلامي، ولاسيما في قرون الإسلام الأولى، بوصفه أحداثًا مهيبة لأن الشخصيات التي صنعت تلك الأحداث هي شخصيات جيل الصحابة الذي عاصر حياة النبي الكريم، وقام ذلك الجيل بأعمال تاريخية لعبت دورًا كبيرًا في تغيير العالم القديم.
ولقد خلفت تلك الأحداث (التي صنع بها ذلك الجيل آثارًا عظيمةً في المجتمع والتاريخ الإنسانيين) في العصور اللاحقة للمسلمين درجات عالية الحساسية من الهيبة المعيارية التي يمكن القول أنها هيبة ظلت باستمرار من أهم عناصر تماسك هوية المسلمين على مر التاريخ.
ذلك أن التقليد الذي أدى إلى تجميد حياة المسلمين، خصوصًا، بعد قفل باب الاجتهاد، كان قد لعب دورًا إضافيًا في معيارية تلك الحياة التي ينقلها المسلمون عن أسلافهم كابرًا عن كابر بطريقة تعكس الهيبة ذاتها، وبما توحي به تلك الأعمال الكبرى في التاريخ.
إنه عبء التاريخ وجدل الذاكرة بصورة من الصور، فبين القدرة على إدراك مبهم -لكنه قوي ومؤثر- بالعظمة المطلقة لذلك التاريخ العظيم، على أجيال المسلمين على مر العصور، وبين عدم الاعتراف بواقع تخلف أصبح اليوم سمةً بارزة في حياة كثيرين من المسلمين ينشأ ذلك الاختلال الذي يوشك أن يكون مانعًا من أي تغيير إيجابي للتفاعل مع العصور الحديثة التي تحكم العالم منذ أربعة قرون.
لقد كان الإحساس المستمر بعظمة تاريخ المسلمين في عصوره الأولى هو السر الدائم في الإيهام الذي يوحي للمسلمين، باستمرار، أن لهم عودةً ما لذلك التاريخ وأعماله التأسيسية التي تئن تحتها حمولات الذاكرة الجمعية للحس التاريخي.
في مقابل ذلك، تبدو اليوم فكرة التقدم بوصفها عجلة التاريخ التي تدفعه إلى الأمام باستمرار هي النقيض لذلك التصور التاريخي التقليدي للمسلمين، لاسيما في ظل آثار وأحاديث نبوية وأقوال، تصور تلك اللحظة التأسيسية على أنها لحظة مرجعية مفارقة! وحيال هذا التعارض الظاهري بين ضرورة وعي العصور الحديثة وبين التصور المعياري لمرجعية اللحظة التاريخية التي تشد المسلمين إلى ماضٍ مفارق في طبيعة أحداثه كلحظة تأسيسية للذاكرة؛ تضخ تلك المفارقة، بين ضغط التاريخ وعجلة الحداثة، توترًا يبدو في ظل التخلف الذي تعيشه المنطقة، كما لو أنه هوية جامدة للمسلمين وغير قابلة للاندراج في أي لحظة من لحظات الحداثة السائلة (بحسب زيخمونت باومان)! وفي تقديرنا، أن ذلك الاستعصاء الذي يفرضه ضغط تاريخ المسلمين وهيبته في ظل حاضر تخلفهم، لا يمكن أن يؤسس لوعي نقدي يرفع ذلك التناقض الذي أعاق حياتهم في الأزمنة الحديثة وجعل استعصاء المحيط الجيوسياسي للمنطقة العربية، تحديدًا، من أكبر علامات الاستفهام التي جعلت مستشرق مثل برنارد لويس ينعت ذلك الاستعصاء بــوصفه: "استثناءً عربيًا" معيقًا للمنطقة من الاندراج في الحداثة السياسية للعالم.
ولعل من أهم الملاحظات ذات الدلالة في تأويل ذلك الوعي الشقي بتاريخ للمسلمين أكبر من حاضرهم؛ ما تؤكده الرؤية الأيدلوجية لجماعات الإسلام السياسي الذين يعتقدون عبر خطاب الهوية المغلق: أن كل ما يحتاجه المسلمون في الأزمنة الحديثة هو في ماضيهم، وأن المطلوب اليوم هو الاستثمار الأداتي في التعامل مع العالم، أي التعامل مع التحديث وليس مع الحداثة، بحسبان الحداثة وفكرها منطقة محرمة في ذلك الخطاب، فيما الحقيقة هي؛ أن إهدار جماعات الإسلام السياسي لثقافة التاريخ (التي تقرأ النصوص القرآنية في ضوء تحولات التاريخ) لصالح ثقافة النص التي تنطوي على قراءة للنصوص مجردة من سياقاتها ومجتزأة في الوقت نفسه، هو الذي أوقعهم في فخ الاغتراب عن العالم الحديث، ومن ثم أصبحت العلاقة مع ذلك العالم في خطاب ورؤية جماعات الإسلام السياسي؛ علاقة صراعية أبدية تجعلها متوترة باستمرار، دون أي أفق لرؤية تختبر وعيًا مختلفًا وجديدًا لذلك العالم؛ مما أفضى إلى حدث خطير ككارثة 11 من سبتمبر 2001 في نيويورك!