- الصحافة المهاجرة وجدت في السيد هلال بن بدر صوتاً شعريًّا يصدح بالوطن مبكراً.
- نادى إلى النهضة مبكراً وسعى إلى الإصلاح في أغلب شعره ومواقفه
- حظيت المرأة بملمح أثيري في شعره ودعا إلى تعليمها وتثقيفها.
- مزّق شعره لظروف عصره فحفظت صحيفتا "الفلق" و"النهضة" بعضا منه.
- حظي بشهادات تألق وجودة شعرية من قبل أقرانه الأدباء.. ورثاه عبدالله الطائي بقصيدة عصماء
يا ناعياً لهلالَ بدرٍ إنني
أجدُ اصطباري للنبأ مخذولا
قد كنتُ آملُ أن يعيش لكي يرى
لنصر فوق جبالنا إكليلا
قومي بمسقطَ أين مدفن بدرنا
أترونه بينَ الترابِ نزيلا
شيّعتموه فهل وفيتم ْ حقّهُ
أم مات مثل حياته مجبولا؟
قومي وحفكمُ هلالٌ لم يمتْ
سيعيشُ بين قلوبنا موصولا
وهو الأديبُ إذا انقضتْ أيامُه
بدأ الخُطى نحو الخلودِ دخولا
تلقاهُ في أشعارهِ وخلالهِ
نبعاً يُغَذِّي أفرعاً وأصولا
"عبدالله الطائي 1966"
ظلَّ شعر الشاعر السيد هلال بن بدر البوسعيدي على الدوام محاطاً بأسئلة ديوانه الذي لم يكن راغباً في إصداره في حياته، بل ذهب به الشطط إلى حرقه وامحائه من الوجود، لأسباب نجهلها ولم نجد تفسيراً لها رغم أهمية شعره ومتانة تراكيبه ونسقه الكلاسيكي المتوافق مع طبيعة المدرسة الكلاسيكية في الشعر العربي إضافة إلى سيرها وفق تيار مدرسة البعث والإحياء في الشعر العُماني التي ينتمي إليها أقرانه شعراء المرحلة أمثال: عبدالله الطائي، وأبوسلام الكندي وعبدالله الخليلي، وأبوسرور الجامعي، وسالم بن حمود السيابي وغيرهم من شعراء النصف الثاني من القرن العشرين.
غاب الكثير مما كتب السيد هلال بن بدر وبقي ما كان في حافظة رواته من أصدقائه وخاصة الشيخ علي بن جبر الجبري والسيد حمد بن حمود البوسعيدي وغيرهما، وقد جُمِعَ في ديوانه المُسَمَّى باسمه وصدر في طبعته الأولى عن وزارة التراث القومي والثقافة عام 1984 وأعيد محققا من قبل الأستاذ محمد الصليبي سنة 1989م.
والقليل من شعره ما كان منشورا في الصحافة العُمانية المهاجرة، ونحن هنا نكشف عنها تأكيدا لمشاركاته التاريخية في التفاعل الثقافي والحراك السياسي الذي كانت يحفل به الوطن العربي بأسره، وكانت الصحف العربية جميعها مضان ومكامن لهذا الاحتفاء، غير أن اللافت للنظر أن الصحافة العُمانية المهاجرة كانت مضان استثنائية لهذا الشعر ونحن لم نتوقع أن صفحاتها تحوي شيئا منه حتى أتيحت لنا الفرصة كشفها فوجدنا له قصائد منشورة في الفلق والنهضة الزنجباريتين.
ومن المعلوم أن هذه الصحف لم تقتصر على نشر أخبار الأدباء وتواريخ وفياتهم، بل عَمَدَت إلى نشر قصائدهم في سبق صحفي رائد، ومن ذلك نشر قصائد السيد هلال بن بدر، الذي كانت قصائد ترد إلى الصحف من عُمان الواحدة تلو الأخرى عبر مراسلها "المسقطي" الذي أولاها بالغ اهتمامه وأخذ ينشرها بمقدمات احتفائية تدلُّ على مكانة هذا الشاعر البليغ، ولعل اهتمام الصحف ناتج من مواقفه السياسية المتوافقة مع أهداف هذه الصحف ومما وجدناه له فيها القصائد التالية:
1- قصيدته "ماذا يقول العذول"، نشرتها "الفلق" في عددها الصادر يوم السبت 13 صفر 1358هـ الموافق لـ 13 مارس 1940م، ومن أبياتها الأربعة عشر:
قلبي عليك يسيلُ
فهلْ إليكِ سبيلُ
أيقظتِ راقد قلبي
فالآن عنِّي تميلُ!
ملأتِ عيني جَمَالاً
فأنتَ عندي جَميلُ
ملأتِ سمعي حديثاً
لكنَّه معسولُ
2- قصيدته في مدح السلطان سعيد بن تيمور، ويبدو أنها ألقها أمامه بمناسبة عيد الحج الأكبر، وبحضور والده السلطان تيمور بن فيصل التي يقول في أبياتها:
إشراقُ وجهكَ للعروبةِ عيدُ
فاهنأ بدهركَ إنه لسعيدُ
وأعد مكان عُمان من تاريخها
فحليفكَ التوفيقُ والتأييدُ
واسعدْ بوالدكَ المليكَ وقُربِه ِ
فالشَّملُ مجتمعٌ ويومٌ عيدُ
ولنجلكمْ قابوس جُلُّ تهانئي
لا زال يسمو للعُلى ويَسودُ
هذا وقد نُشِرتْ " الفلق" هذه الأبيات في صدارة عددها الثالث عشر الصادر يوم السبت 29 رجب 1365هـ الموافق لـ 29 يونيو 1946 م.
ومن اللافت للنظر في نشرها أن "الفلق" أوضحت ما دار حول هذه القصيدة من نقد وجدل قائلة "وقد اعترض أدباء مسقط على الشطر الثاني من البيت الأول" فأهنأ بدهرك إنه لسعيد" وقد بنوا اعتراضهم على أن الشاعر هنأ السلطان بالدهر، وكأن الأولى به أن يهنئ الدهر بالسلطان، ولكنه أقنعهم أن ذلك الشطر هو الواقع، وأنه لو قال كلامهم " فليهنأ دهرك إنه لسعيد" لكان فيه مبالغة إلى آخر حد حتى أن السلطان نفسه لا يوافق عليه".
3- قصيدته الدَّاعية إلى طلب العلم التي ألقاها أمامه – بمناسبة "يوم عيد ميلاده" الموافق يوم 7 شعبان 1363هـ، وقد قدَّمت لها "الفلق" على لسان حال محررها المسقطي: "نزفُّ هذه القصيدة العصماء لشاعرنا العظيم جناب السيد هلال بن بدر إلى قرَّاء الفلق وفيها خطابٌ لأمته عامة والمسقطيين خاصة حاثًّا إيَّاهم بالتسابق إلى الأخذ بالعلم الحديث، والرشف من مناهله حتى يمكنهم السير في ركاب الأمم المعاصرة ... ".
إلى العلم هبُّوا يا شبابَ عمان
فما العلم إلا فخر كلِّ زمانِ
إلى العلم هبّوا يا بني العُرْب وابتغوا
به في ذرى العليا أعز مكانِ
سِراعا بني قومي إلى العلم أنه
به الغاية القصوى لأرفع شآنِ
إلى أن يقول: -
بني مسقط هذا هو الشرقُ ناظرٌ
إليكم بإخلاصٍ وَودٍّ وتحنانِ
فحَيُّوه يا رمزَ البلادِ وسِرّها
تحيةَ ذي ودٍّ وعلمٍ وإيمانِ
عُمان لك البشرى بأبناء مسقط
تحنُّ لرشفِ العلم رشفةَ ضمآنِ
عُمان لك البُشرى فنحنُ شبيبةٌ
تقدّرُ كلّ منهم حقَ أوطانِ
4 - أبياتٌ مُخمّسَةٌ مُهداة إلى جلالة السلطان سعيد بن تيمور، وفيها يصفُ حالة الشعب، وقد نشرتها "الفلق " في صفحتها الثانية من عددها الحادي عشر الصادر يوم السبت 22 رجب 1365هـ الموافق لـ 22 يونيو 1946م معلقة عليها على لسان مراسلها "المسقطي" بما نصّه "لهذا التخميس: مرحى مرحى أيها الشاعر الكبير لهذا التخميس الجميل الذي تستحق من أجله أرفع وسام.. لقد وقعت على الداء الدفين، وقد قلت الحقوا الوقع، فأين القادة أين هم؟ أم هم في ضلالة على وزن "صلالة".. إننا سنثيرها وثبة عربية، ولكن قل لي بربّك: أين الزعامة التي ستقودنا إلى العُلى والمجد..":
الشعبُ منيته ابن سراته هل علَّمُوه فأزهرت جنَّاته
أم ثقّفوه فأشرقت آياته ما قام شعبٌ نامَ عنه وُلاته
واستشعروا التفريطَ و(الإهمالا)
غفلوا وأرخو للخيال أزمة فإلام نبقى للأعادي طعمة
إن لم نثرها وثبة عربية تأبى الطبيعة أن تصافح أمة
ترضى الهوان وتأنف (الإذلالا)
أيجوزُ أن تبقى على علاتها؟ تبعاً لرأي ثقاتنا وسُراتنا
هبِّي عُمان فليس من عاداتنا تسعى الشعوبُ ونحن في غفلاتنا
تأبى الفعال وتكثر (الأقوالا).
سنقيمُ أركانَ المعارفِ عزمنا ويشدُّ أطراف التآخي حزمنا
ومن الجبانةِ أن نذل وغيرنا كبر متون العصفات وشأننا
إن تركبَ الأوهام و(الآمالا)
5-قصيدته " أحزان وآلام " وقد نشرتها "الفلق " في صفحتها الثالثة من عددها الحادي عشر الصادر يوم السبت 36 ربيع الثاني 1365هـ الموافق لـلثلاثين من مارس 1946م:
أغنّي ولكنَّ الغناء أنينُ
وأحدو ولكنَّ الحداءُ حنينُ
وإن قلتُ شعراً فهو جَمْرُ صبابتي
على أنه وسطُ الضلوعِ دفينُ
لواعجُ أحزانِ وآلام فرقةٍ
قد اعتَوَرا قلبي فكيف يكون؟
فمنْ لفؤادٍ وهو ولهان خافقٌ
ومن لجفونٍ دمعُهنَّ هَتونُ
أخلايَ قد ضقتُ الأمريّن بعدكم
وكلُّ شجاً غير الفراق يهونُ
يحدثكم قلبي لدى كل خلوة
كذاك صديقي والحديث شجونُ
أمامي وملأ العينِ في كلِّ لفتةٍ
طرائفُ من آثاركم وشجونُ
قضى يومكم أن لا سُلوّ لخاطري
وكيف بسلوى والفؤاد رهينُ
كتمتُ هواكم برهة جهد طاقتي
وإنَي به حتى الممات ضنينُ
فلا عَجَبٌ أن باحتَ دموعي بسرّه
وإني لأسرارِ الحبيبِ مَصُونُ
6-قصيدته "وسام يعقدها الأبناء " الاستنهاضية، وقد نشرتها "الفلق" في صفحتها الثالثة من عددها الحادي عشر الصادر يوم السبت 12 صفر 1363 هـ، الموافق 12 أكتوبر 1953م، وعدد أبياتها ثلاثين بيتاً، وطالعها: -
فرقتنا برزئها الأنباء وسرت بين قومي الضراء
إلى أن يقول مستنكرا الحال وما وصل إليه المآل: -
يا لقومي ضاعت شهامة قومي
وإلى الذُّل والمهانة باءوا
سوَّدوها عمائما كان منها
لطريق الهدى هدى واهتداء
صرَّحوا بالولاء لنجد
ألنجد يا قوم جاز الولاء؟
ومتى كان للإباضي يوماً
أن يوالي من كان منه براء؟
أين تاريخكم وما دونته
قادة الهدى سادة عظماء؟
أين منكم أئمة خير خلق؟
هداة أعزةٌ فضلاء
وملوك شادوا دعائم ملك
وبإفريقيا تعالى البناء
وطني والخطوب فيك توالتْ
هّلْ على مثل ما أتانا بقاء؟
قد عجزنا عن الفعال فقلنا
قدرٌ ساقه لنا وقضاء
هكذا يفعل العُماني منكم
بالعُماني أيُّها الأشقياء
أتريدون أن تعود عليكم
ذلة سامكم بها الزعماء
وجدير بالذكر أن هذه القصيدة لقيت صداها في نفوس العُمانيين إبان صدورها في هذه الصحيفة، فجاوبها بعض القضاء، ومنهم القاضي الشيخ سعيد بن أحمد الكندي، وقد أرسل جواباً إليه من ظفار شهر ذي الحجة 1372هـ، قال فيه: -
وقفت دونَ حدّكَ الشعراء
وانثنى عن مرامِكَ النظراءُ
7 - قصيدته في رثاء لياقت علي خان رئيس وزراء باكستان، نشرتها "النهضة" في عددها الصادر بتاريخ 8 صفر 1371 هـ، الموافق 18 نوفمبر 1951م، وعدد أبياتها أربعة عشر بيتاً منها قوله:
في ذمة التاريخ روحٌ طاهر
وإلى الجنان شهيد باكستان
إن سَرَّ مصرعك العداة
فربما يأتيهم يوم بشر هوان
أو ساءَ باكستان كان عزاؤها
فيما أقمتَ لها من الأركان
فجناح سدد خطوها وسما بها
نحو العُلى في أحرج الأزمان
حتى استجبتَ ليومك الدَّامي الذي
كان الشعارُ له النجيع القاني
وبجانب تلك القصائد المبكرة التي نشرت للسيد هلال بن بدر تسجّل صحيفة "النهضة" سبقاً صحفياً ربما يكون من أوائل ما نشرته الصحف العُمانية في عددها الصادر يوم الخميس 17 صفر 1372هـ ، الموافق 6 نوفمبر 1952م فتطالعنا بتعقيب على إحدى قصائده السياسية، تناول فيه كاتبه مضمون قصيدة الشاعر هلال بن بدر" وكان عنوان هذا التعقيب " اقرأ أيها العُماني العيد في مسقط " لكاتب وقَّع اسمه بتوقيع مستعارة و"العُماني" ونظنه (ناظم على صادق) لقرينة وجود هذا الاسم المستعار في مواضع أخرى من الصحيفة، وفيه يستنكر على الشاعر مديحه للسلطان سعيد بن تيمور، مبررا بما وصلت إليه سياسته في البلاد وما وصلت عليه الأحوال من تردٍ للأوضاع الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية ومما جاء في هذه القراءة التي نحسبها رائدة ، فهي من بواكير النقد الأدبي في عُمان، قول الناقد " اعتاد الشاعر العُماني الكبير هلال بن بدر أن يقدّم قصيدة لحضرة صاحب الجلالة كل عيد...وهي سنة حميدة وواجب محتم من شاعر يمثل بخواطره أهل مدينته ويستجيب لمشاعرهم وهواجسهم ومن أحق بالتهنئة من السلطان عنوان المدنية وسيد الرعية فقال : مخاطباً السلطان :
نكّلْ بهمْ فهمُ دُعاةُ شقاقِ
ما قام قائمهمْ بغير نفاقِ
وهذا مطلع قصيدته الجديدة التي جاءت مثالاً صادقاً لمسقط، وما هي فيه من حالٍ سيّئ وعيش ضنك، ألا تلاحظ أنه يبدأها بالتهنئة بل بشر مستطير وحضٍ ووعيد ولم تتضمن شيئاً من التهنئة إلا في ختامها فقال:
وأهنأ بعيدٍ أنتَ عينُ بهائه
وسناءُ وجهكَ دائمُ الإشراقِ
هذا هو البيت الذي وردت فيه التهنئة وهو يعزز قولي الذي سأقوله لك الآن: إن بهاء العيد في مسقط هو أن يكون سلطاننا فيها.. هذا أحق، ولكن سيدنا السلطان خيّب أمل الشاعر فسافر إلى "رأس الحد" يستجم من العناء، ويستريح من المسؤولية..
قلت وأنا أسمعه ماذا تراه يقول: أيوجد في مسقط عيد؟، وكلّ ما قلت لم يجد الشاعر في مسقط مقراً للعيد إلا قصر السلطان، وقد سافر السلطان إن صدق ظني، ومن أي مكان يقيس الشاعر ومضات شعره في مسقط، أمن الطرق الخالية، والمساكن الخاوية، أمن المهجورات والأطفال المفجوعين؟! أمن البؤس والسأم..
لقد كنت أتمنى أن يقول:
العيدُ ما العيدُ رسمٌ باقِ
إلا وجودُ مليكنا السبَّاقِ.
لنخرج من هذه المقدمة إلى فكرة القصيدة، فالشاعر يطالب السلطان بأن ينَكّل بالمنافقين الذين لا يحترمون الوطن، فمن هؤلاء؟ لا حاجة إلى سؤال هم قريبون من السلطان، وقريبون من الشاعر، ولكن الشاعر أن يشخصهم، وقد استمر في لومهم حتى نهاية القصيدة.. فاستحقوا هذا
وأخيرا يمكن القول إن هذه القصائد:
1- تكتسب في الفلق طابعاً تاريخيًّا خاصّا يتجلّى في ريادة النشر، فالقصائد المنشورة فيها قريبة من تاريخ نظمها، وتكاد الفلق أول من ينشرها على صفحاتها، وبذلك تكون الفلق رائدة في نشر الشعر العُماني ممثلة في هذا الشاعر العُماني الكبير.
2- توجد فوارق بين بعض الأشطار المنشورة في " الفلق " وبين أصلها المنشور في ديوانه، ونحن نرجح الأول لقرينة القرب التاريخي، فالقصائد أرسلت إلى الفلق بخط يده والأكيد أنه اطلع عليها، ومثال ذلك ما وجدناه في قصيته " أحزان وآلام " إذ ينتهي شطرها.
3- تبين القصائد المنشورة في الفلق عن تواصل السيد هلال بن بدر مع معطيات الأحداث، ففي قصائده ثبت دال على ذلك وأنه كان يحاول إخراج الشعر العماني إلى آفاق أخرى تلقي بظلالها أرجاء العالم العربي والإسلامي في لفتة تميز بها واتخذها سبيلا وموئلا.
هذا هو السيد هلال بن بدر الشاعر المهم في أشعاره المنشورة في الفلق والنهضة، وهو شاعرٌ شَهِدَ له أقرانه بجودة أشعاره فسمّاه عبدالله الطائي في كتابه الأدب المعاصر في الخليج العربي الشاعر الرقيق غزله، ووصفه ص 176: " بأن حبَّه لعمان يكاد يكون طابع شعره، اختلط به اختلاط الدم بالجسم كأنه ماء رقراق" وقد توفي بتاريخ السادس من رمضان 1385 هـ.
أمَّا الشيخ عبدالله الخليلي فقد أفاض في مدحه ولقبه في كتابه التراجم بالشاعر الظريف، وأنه أديب عبقري، وكاتب مجيد، وشاعر مطبوع، لشعره جاذبية وخيال، وغالباً يقف بشعره على حد يتناسب مع الظروف.. وكان يمثل الصدارة العليا في الأدب، ويمتاز شعره برقة الأسلوب ولطف المأخذ، وسلامة المادة، وكان كثيراً ما يعجب برقائق الشعراء العصريين، وكثيراً ما يمتدحهم ويجاريهم ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدلُّ على صفاء ذاكرته وانتعاشه بالحساسيات الأدبية .." .
أمَّا الشيخ سالم بن حمود السيابي فقد وصفه في مقدمة ديوانه ص5 " بعبقري في شعره، الرصين القول، المتين في الوضع، الصحيح المعاني، القوي المباني، الذي شبَّ في أحضان عُمان وتربَّى في أحصن البيئات، ورغب في الشعر وجعله سلوته ومستراحه.. وهو من المعدودين من أدباء مسقط ذي الذوق والمتانة والبراعة الخيالية.. ".
ويرى محقق ديوانه لأستاذ محمد الصليبي ص 22 بأن شعره يتمركزُ في الوجدانيات، فالقصائد التسع والثلاثون التي حوها ديوانه " يكثر فيها الشاعر من مناجاة النفس وبث لواعجها وآلامها ويتحدث عن همومها ولواعجها ".
هذا وقد بلغت نسب حضور هذا الجانب في شعره ممتزجا بالحسِّ الوطني قرابة 85 % كما أحصيناها في مدونة دراستنا الخاصة بشعراء عُمان في القرن العشرين، وأجود ما قدّمه ديوانه قصائد عنونها المحقق بـ "آمال أمة" و "لبيك من داع إلى موعد" و "دولة العلم" التي نادى فيها بالتعليم النظامي كجزء مؤطر لفكره الداعي إلى الإصلاح وطالعها:
إلى العلمِ هبّوا يا شباب عُمان
فما العلم إلا فخر كلّ عُماني
إلى العلم هبّوا يا بني العُرْبِ وابتغوا
به في ذُرى العليا أعزَ مكانِ
وأطول قصيدة كتبها هي " النزوية " التي بلغت أبياتها 187 بيتاً وطالعها:
حيّ نزوى تحية الخلصاء
واهد قومي مودتي وإخائي.
ثم طفْ باحثاً هنالك وانظرْ
أثرَ الصالحين والأولياءِ
لقد كان السيد هلال بن بدر في مجمل شعره أنموذجاً لشعراء المدرسة الكلاسيكية العُمانية ، تلك المدرسة التي أبانت عن حضورهم بلا حدود، وكشفت عن قصائدهم التي لم يخفوا فيها توقهم إلى الإصلاح والتنوير، وكانت عُمان وطنهم الأثيري المجيد مبتغى أرواحهم ومناط ثريا آمالهم، وكم تاقوا أن يروها في زمنهم تساير الأمم في تحضرها ورقيها ولطالما نادوا بذلك، والسيد هلال بن بدر ليس منبتاً من ذلك ..فهو ابن الوطن العماني الذي نقش في قلبه حب وطنه وهو القائل عنه في قصيدته "دولة العلم" ص 123:
بني وطني هذا هو الشرقُ ناظرٌ
سوى جبهةٍ زينتْ بأنوار تيجانِ
فحيُّوه يا رمزَ البلادِ وسرّها
تحية ذي ودٍّ وعلم وإيمانِ
عُمان لك البشرى بأبناء أمةٍ
تحنُ لرشفِ العلم رشفة ظمآنِ
عُمان لك البُشرى فنحن شبيبةٌ
تقدّرُ كلَّ منهم حقَ أوطانِ