تبرز كرة القدم العمانية عند كل مناسبة احتفال بالعيد الوطني المجيد واجهة مشرقة ولوحة تدعو للتفاؤل بالمستقبل وهي تمضي بخطى واثقة نحو بلوغ تمام النهضة وتحقيق الطموحات الكبيرة المؤجلة.

رغم كل التعقيدات والصعوبات ظلت الميادين الخضراء المنتشرة في سلطنة عمان تنجب المواهب واللاعبين الشباب الذين برهنوا عن قدرات فنية عالية وخطفوا الأبصار وحصدوا الإشادة والتقدير والاحترام.

ولا يزال الحبل السري للمواهب ينتج ويرفد الكرة العمانية باللاعبين المجيدين وأصحاب القدرات الفنية التي تؤهلهم إلى الاحتراف الخارجي.

لم يتوقف جهد الرجال والأبطال عن الكفاح والبحث عن الإنجازات الكروية الكبيرة وتحقيق النجاحات وترجمة النهضة الكروية واقعا في أرض الواقع.

عرفت الكرة العمانية عبر تاريخها الطويل لحظات الفرح والسرور وعرفت أيضا لحظات الخسارة والحسرة وهو حال المستديرة فهي يوم لك ويوم عليك لذلك كانت كل اللحظات بمختلف طعمها بمثابة الدروس التي يتم الاستفادة منها لتجويد العمل والقفز فوق العقبات والسلبيات لمعانقة المجد والإنجاز.

تعد مسيرة الكرة العمانية وفق القياسات الفنية والظروف التي مرت بها ملهمة وتبعث الأمل بأن يأتي يوم قريب يشهد تحقيق الأهداف في ظل الرعاية والاهتمام والدعم والرغبة الصادقة في الوصول إلى العالمية.

يقول التاريخ إن سلطنة عمان عرفت رياضة كرة القدم عن طريق الجنود البريطانيين الذين كانوا يمارسونها مع الفرق المحلية على ملاعب وعرة كما أسهم الشباب العائدون بعد دراستهم في الخارج في انتشار اللعبة وتطورها في جميع أنحاء الدولة لتتشكل النواة ويتعرف الناس عن لعبة يطلق عليها كرة القدم.

دخلت كرة القدم إلى السلطنة عن طريق الأسطول الإنجليزي والسفن التجارية المتواجدة في الخليج العربي وعن طريق أبناء الخليج العائدين من الخارج وخصوصا من الهند التي عرفت الكرة عن طريق الاحتلال الإنجليزي، كما عرفت كرة القدم عن طريق القواعد الإنجليزية المنتشرة.

كان أبناء السلطنة يعملون في شركات النفط في البحرين والسعودية والكويت كما عمل البعض في مهنة الصيد وكذلك في الغوص وكانوا يتنقلون كثيرا بين البلدان المجاورة ويقومون عند عودتهم بجلب الهدايا لذويهم، ويتلهف الأطفال وعيونهم تفتش بين الأغراض عن الكرة المستديرة فهي كانت تعتبر أجمل هدية في ذلك الوقت.

وضعت البعثات التعليمية التي جاءت إلى السلطنة عبر المدرسة السعيدية أسس البداية والانطلاقة لمباريات منظمة تقوم على مبدأ المنافسة وتطبق فيها قواعد الدفاع والهجوم ولعبت المدرسة دورا بارزا في انتشار اللعبة من خلال قسم التربية البدنية الذي كان يشكل أحد أقسامها التي جذبت الشباب وهواة الألعاب الرياضية.

كانت مباريات البداية تقام على ملاعب الرمل وتمارس في باحات وساحات الحارات باستخدام الأدوات المتاحة في تجهيز الملعب وكان المرمى يصنع من أثواب اللاعبين المتنافسين ثم كان التطور باستعمال الحصى ثم من سعف النخيل والحبال إلى أن جاءت الأخشاب وتطورت إلى أن وصلت إلى الحديد كما كان الرمل هو الصفة السائدة في جميع الملاعب ويتم إضافة الحصى للرمل ليكسب الأرض صلابة تساعد على أداء اللعبة التي سكنت قلوب سكان السلطنة منذ وصلت إليها.

برز للوجود في تسلسل الأحداث وانتشار لعبة كرة القدم نادي عمان في العام 1932م عبر فكرة تبلورت لدى الباكستاني مقبول حسين الذي كان يعمل في مسقط وقام بإنشاء نادي يحمل اسمه في مسقط القديمة مقابل مسجد علي بن موسى الذي أصبح بعد ذلك مقرا لوزارة المالية.

لم تكن كرة القدم وحدها التي انتشرت في الساحات والملاعب البدائية بل انضمت لها ألعاب الهوكي والتنس الأرضي وتنس الريشة ثم كرة الطائرة وكرة السلة وكانت جميعها تمارس في نادي مسقط وأسهم تشيد المدرسة السعيدية في مسقط عام 1940 في أن تتطور الرياضة ويتعرف الناس على قواعدها والرغبة في ممارستها.

حصد الثمار.. والصعود لمنصات التتويج -

عاشت الكرة العمانية فترة المخاض وتجاوزت صدمات البداية لتمضي المسيرة بثبات وأهداف راسخة ساعدتها في الانتقال بسهولة من مؤخرة الترتيب الخليجي إلى اعتلاء منصات التتويج لتنضم إلى ركب الأبطال وتسجل اسمها في لوحة الشرف الخليجية بفوزها بلقبين كانت البداية في النسخة التاسعة عشر من كأس الخليج والثانية في خليجي 23.

ساهم التطور والدعم الذي وجدته الكرة العمانية في أن تتقدم بقوة في الحضور الخارجي وتحصد جهود سنوات البناء والعمل في التفوق على الصعيد الخليجي ليحرز المنتخب العُماني كأس الخليج العربي في مناسبتين وحصل على مركز الوصيف في بطولتين لكأس الخليج ولم يحرز أي بطولة قارية أو عالمية سوى 4 بطولات ودية دولية الأولى كانت في الدورة الدولية في قطر عام 1994م والثانية كانت في دورة البحرين الدولية والثالثة في بطولة عُمان الدولية عام 2008م والرابعة كانت بطولة الوحدة اليمنية الودية عام 2010.

لم يكن النجاح الذي تحقق في بطولة كأس الخليج من باب المصادفة ولكن كانت نتاج جهد وعمل وتخطيط وقوة دفع كبيرة ظلت تحصل عليها الكرة العمانية من ثمار النهضة والاجتهاد والرغبة في النجاح.

وضع النجاح الخليجي الكرة العمانية في الواجهة وفتح أمامها آفاقا كبيرة لتمضي بقوة بحثا عن الإنجازات الرفيعة على الصعيد القاري والدولي وتجاوز أي عقبات ولا تزال المحاولات تتكرر في كل عام بحثا عن الحضور الآسيوي والعالمي المتقدم في مسابقات كأس آسيا والتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم.

استمرت نجاحات الكرة في البطولات الشاطئية بتقديم المنتخب الوطني نفسه كواحد من أهم منتخبات القارة وهو ما جعله يتواجد في نهائيات كاس العالم للكرة الشاطئية في عدة مرات في مسيرة نجاح باهرة.

سفراء أجادوا التمثيل.. ومنارات توهجت في الخارج -

أسهم النجاح اللافت للكرة العمانية خليجيا في لفت الأنظار إلى منجم مواهبها من لاعبين مجيدين وأصحاب قدرات عالية لتتحول سلطنة عمان وتصبح محط أنظار الخبراء والأندية الخليجية والقارية والدولية التي تبحث عن المواهب الفذة.

ومع كل نجاح خليجي كانت الأضواء تسلط على الكرة العمانية وتمنحها مشروعية تصدير اللاعبين أصحاب المهارة والقدرات الفنية الجيدة إلى الملاعب الخارجية في مقدمتهم حارس المرمى العملاق علي الحبسي اللاعب الخليجي الوحيد الذي حجز مقعدا له في الدوري الأوروبي عبر أكثر من تجربة مع أندية إنجليزية ومثل القدوة الحسنة التي شجعت اللاعب العماني ليفكر في الاحتراف الخارجي فكانت الكثير من التجارب الخارجية لنجوم الكرة العمانية والتي حافظت على الاستمرارية من دون توقف.

يعد الحارس الدولي والمخضرم المعتزل قبل عامين تقريبا علي الحبسي أبرز سفراء الكرة العمانية بعد أن بنى لنفسه مجدا رائعا في عالم المستديرة وبات على كل لسان خليجي وعربي وليدخل التاريخ كواحد من الأسماء التي لن تسقطها ذاكرة تاريخ الكرة العمانية وتحول إلى قدوة حسنة للأجيال لتمضي على الدرب ذاته.

وجود الحبسي في الدوري الإنجليزي ونجاحه رافقه نجاح آخر باهر لعدد من اللاعبين في الدوريات الخليجية مثال المهاجم عماد الحوسني وهاني الضابط وغيرهم من أبناء هذا الجيل الذي كانت تتسابق الأندية الخليجية للظفر بخدماتهم.

نادي عمان "نواة" التأسيس وبصمة التنظيم -

يحفظ التاريخ لنادي عمان تأسيس أول ملعب للمستديرة في جزء محدد من مساحة النادي في نفس موقع ملاعب نادي مقبول حسين وكان يحمل اسم العلم الأحمر حيث ظل يمثل النادي في هذه اللعبة حتى عام 1942م وعندما انضمت كل الألعاب تحت لواء أول ناد تم إشهاره رسميا في سلطنة عمان وحمل اسم هذه البلاد فأصبح (نادي عمان) الأب والعميد للأندية وفي بداية الستينات تأسس النادي الأهلي وتبعتة فرق رياضية أخرى بعضها كان في الكويت وبعضها في مسقط وخلال فترة الستينات شارك منتخب يمثل مجموعة من اللاعبين خارج السلطنة في دورة الألعاب العربية 1964و1966.

شكل وجود نادي عمان بداية النهضة الكروية الحقيقية في سلطنة عمان وفتح الباب أمام ظهور وتأسيس أندية أخرى ثم امتزجت الهواية بالتنظيم والإدارة وأفكار التطوير ومع مرور السنوات كانت الظروف تتحسن في بيئة العمل وانتشار الملاعب الخضراء واستقطاب الشباب لممارسة اللعبة الشعبية.

ساعد انتشار الأندية في التفكير بتنظيم المسابقات والدوريات وهو ما حدث عندما تشكل أول اتحاد لكرة القدم يشرف على اللعبة ويضع اللمسات الأولية لمسيرة لا تزال متواصلة بقوة ومسابقات متنوعة.

نقلة نوعية.. إقليمية وقارية -

استطاعت سلطنة عمان أن تؤسس لنقلة كروية شاملة عبر منتخبات وطنية قوية نجحت في الكثير من المناسبات القارية والدولية والإقليمية في أن تبني اسما قويا للسلطنة يحظى بالتقدير والاحترام أينما ذهبت وفي أي محفل خارجي شاركت.

على صعيد البطولات الدولية الودية خاض المنتخب العماني أول بطولتين وديتين الأولى خلال دورة قطر الدولية عام 1994م بعد فوزه على قطر بهدفين مقابل هدف في مباراة نهائية أما الثانية فكانت في البحرين بعد فوزه على فنلندا بضربات الترجيح وبطولة عمان الدولية 2008م الذي ربحها بعد الفوز على منتخب الإكوادور بثنائية كما فاز بلقب بطولة الوحدة اليمنية 2010م بعد فوزه على بوركينا فاسو بهدفين نظيفين وأحرز المنتخب الأول المركز الثالث في كأس إل جي في إيران عام 2001

شهد العام 2004 أول ظهور آسيوي للكرة العمانية في بطولة كأس آسيا التي استضافتها الصين وكان ذلك بمثابة تأشيرة الدخول إلى ميدان القارة الصفراء والتواجد الرسمي في مسابقاتها بعد انضمام الاتحاد العماني لأسرة الكرة الآسيوية عام 1979 بعد عام من نشأته وشكل الانضمام للاتحاد الآسيوي جواز مرور لعضوية الفيفا في العام 1980.

سجلت أول مباراة رسمية في دفاتر الفيفا في العام 1980 عقب الانضمام مباشرة وكانت أمام قطر في بطولة كأس الخليج السادسة وانتهت بخسارة المنتخب العماني بثلاثية دون مقابل.

حوافز التطور .. أثر إيجابي ودعم كبير -

دخلت كرة القدم العمانية مرحلة جديدة في تاريخها مع بداية النهضة المباركة عام 1970 فتم دمج الفرق مع بعضها وتشكيل أندية باتت جاهزة لتمارس النشاط وتشكل فرقا، بدأت أول مشاركة رسمية لها في أول مسابقة حملت اسم السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- تنافست عليها جميع الأندية حتى عام 1977.

أقيم أول دوري محلي بعد تأسس الاتحاد العماني لكرة القدم عام 1978م بعد أن انضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم في 1980م وانضم إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في 1979م.

تشكل مشاركة المنتخب الوطني في النسخة الثالثة من بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم التي أقيمت في دولة الكويت في عام 1974 الانطلاقة الفعلية للرياضة العمانية والخروج من دائرة المحلية للمشاركات الخارجية.

واجهت كرة القدم العمانية مراحل صعبة في بداياتها وتجلت الرغبة وقوة الإرادة وقهر اليأس وهزيمة كل الظروف الصعبة التي دائما ما ترافق البدايات وذلك بفضل الرغبات الحقيقية في أن يكون للعبة الشعبية الأولى في العالم وجود محلي قوي وتأثير خارجي مهم.

المسابقات متنوعة.. وطموحات مواكبة مستمرة -

تبلورت اليوم مسابقات الكرة العمانية المحلية في عدة بطولات تنظم سنويا في كل موسم كروي وفق خارطة عمل، الهدف منها إتاحة فرص واسعة للاعبين الشباب لكسب المهارات وصقل قدراتهم من أجل بروز المواهب بصورة تدعم المنتخبات الوطنية وتساعد في بلوغ الأحلام المؤجلة.

يتقدم دوري عمانتل الذي تدرج عبر عدة سنوات ليمضي في رحلة البحث عن الاحترافية الكاملة وبات اليوم يمثل هرم المسابقات المحلية ويجد الاهتمام والدعم من اتحاد الكرة وجميع الأندية التي تشارك فيه.

بات الوصول إلى دوري عمانتل يعد الدافع والحافز لأندية دوري الدرجة الأولى للصعود والتواجد مع الكبار في منافسة تحظى بالمتابعة واهتمام الإعلام وفي ذات الوقت يجتهد الجميع فيه للدفاع عن فرصة البقاء ضمن قائمته وعدم الهبوط للدرجة الأدنى.

تمثل بطولة الكأس الغالية منافسة ذات طعم خاص ويعد الحصول عليها حلما لكل ناد لما تحمله من معان واسم غال وهو ما جعلها تكتسب الخصوصية ويكون السباق فيها كل موسم قويا وساخنا بحثا عن الإنجاز الرفيع.

ينظم اتحاد الكرة مسابقة تنشيطية للأندية تحت مسمى كأس الاتحاد وحاليا يحمل اسم أم. جي وهناك دوري الدرجة الأولى ومسابقات المراحل السنية ودوري الصالات والكرة الشاطئية التي لا تزال تقتصر على دورات فيما دخل دوري النساء ميدان التنافس وأصبح مسابقة رسمية انطلقت الموسم الماضي.

أسماء في ذاكرة البناء والعطاء -

يحفظ تاريخ الكرة العمانية العديد من أسماء الرجال الذين تحملوا مسؤولية التطوير وتأسيس برامج علمية تفتح آفاق النجاحات للكرة العمانية وذلك من خلال رئاسة اتحاد كرة القدم العماني ويأتي في بداية قائمة الشرف المرحوم صاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد الذي تولى المهمة في الفترة من 1983 إلى 1988 وهي الفترة الانتقالية للكرة العمانية بعد الانضمام إلى الاتحادين الدولي والآسيوي.

عام 1983 تم رسميا إشهار الاتحاد العماني لكرة القدم برئاسة صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد الذي استمر في هذا المنصب حتى 1986 وجاء بعده سعيد بن ناصر الخصيبي من 1986 إلى 1989 ثم تولى الشيخ سعود بن حمد الرواحي رئاسة الاتحاد في الفترة من 1989 إلى 1994.

عين الشيخ سالم بن سعيد العريمي رئيسا للاتحاد الفترة من 1994 إلى 1995 وتبعة الشيخ عبدالله بن علي العريمي في الفترة من 1995 إلى 1996 وتولى الشيخ سيف بن هاشل المسكري رئاسة الاتحاد في الفترة من 1997 إلى 2002 ، ثم الدكتور محمد بن حفيظ الذهب في الفترة من 2003 إلى 2005.

ترأس الشيخ خليل بن أحمد الخليلي رئاسة الاتحاد في الفترة من 2005 إلى 2006 وعاد الشيخ سيف بن هاشل المسكري لرئاسة الاتحاد في الفترة من 2006 إلى 2007 وانتخب السيد خالد بن حمد البوسعيدي رئاسة للاتحاد في أول انتخابات تجري لاختيار مجلس إدارة للاتحاد واستمر في الفترة من 2007 إلى 2016 وبعده انتخب الشيخ سالم بن سعيد الوهيبي من 2016 حتى تاريخه.