عطفًا على السابق من نقاش في الحلقتين الماضيتين من «أنساغ» ففي رأيي المتواضع أنه بينما حظيت أفلام الغرب الأمريكي من الدرجة الأولى (A Movies) باهتمام التحليل النقدي الوافر، فإن العديد من أفلام الدرجة الثانية (B Movies) من ذات النوع بحاجة إلى اكتراث نقدي تأخر أكثر مما ينبغي، وذلك لجهة الطموحات النوعيَّة والتنويعات الثيماتيَّة؛ فعلى سبيل المثال لم يمر بي لغاية الآن أي نقاش يُحْفَلُ به حول الفيلم الذي أنتجه استوديو باراماونت والمُعنون «الخارجون عن القانون في الصحراء» (من إخراج هوَرْد برِثِرتُن Howard Bretherton في 1941). وإني أرى أهميَّةً في هذا الفيلم؛ فهو يوسِّع «الحدود» التقليديَّة في أفلام الغرب الأمريكي إلى مدى بعيد خارج الفضاء الأمريكي، وهنا يكمن مكمن الأهميَّة والخطر أيضًا. يَحْبِكُ هذا الفيلم وليم بويد (قام بدوره هوبَلونغ كاسِدي Hopalong)، وآندي كلايد (قام بدوره كالِفورنيا كارلسُن California Carlson)، وجوني نِلْسُن (قام بدوره براد كنغ Brad King) إضافة إلى شخصيَّات أخرى في مهمَّة إلى الصحراء العربيَّة غرضها ابتياع وجلب قطيع من الجياد العربيَّة الأصيلة لصالح سلاح الفرسان في الجيش الأمريكي. ولذلك فإن شكل الأرض («اللاندسكيب»)، من الناحية المبدئيَّة، هو الفضاء النَّموذجي للغرب الأمريكي بما في ذلك أيقوناته الكلاسيكيَّة. ولكن مع وصول المجموعة إلى الصحراء العربيَّة فإن الفيلم يغذُّ السير إلى تسجيل توقيعٍ جديدٍ، كولونيالي، وإمبريالي، واستشراقي بصورة صريحة؛ وذلك هو أن الفضاء النوعي (“generic space ) والأيقونوغرافيا في أفلام الغرب الأمريكي الكلاسيكيَّة يُبْقَى عليها من ناحية، ولكنها تُستَبدَلُ حرفيًّا من ناحية أخرى ضمن معطيات الوظيفة الدراميَّة. ومن أمثلة ذلك أن الراقصة العربيَّة في خيمة في الصحراء تحل محل الراقصة في قاعة الرقص في الغرب الأمريكي، وقُطَّاع الطُّرق العرب يحلون محل «الهنود الحُمر»، والـ«وحشيَّة» العربيَّة تحل محل الـ«همجيَّة» المُلصَقة بـ«الهنود الحُمر»، والشيخ العربي يحل محل الزعيم «الهندي الأحمر»؛ وبذلك تتخذ الثنائيَّة الضديَّة «شرق/غرب» معنى جديدا. وبالنسبة لي يمثِّل فيلم «الخارجون عن القانون في الصحراء» حالة تؤكد النموذج الذي طرحه تومَس شاتز (الذي سبقت الإشارة إليه) من ناحية، لكنه أيضًا -أي الفيلم- لا يقبله بالكامل، بل يفاوضه ويزحزحه.
هذا وبينما تقيم أفلام الغرب الأمريكي، بصورة تقليديَّة في نفس الحي الذي تقطن فيه أجناسٌ فيلميَّة أخرى مثل «أفلام الرفيق العزيز» (“Buddy Movies”)، و«أفلام المغامرات» (“Adventure Movies”)، و«أفلام الجريمة» (“Crime Movies”)، و«أفلام الطريق» (“Road Movies”)، فإن فيلم «الخارجون عن القانون في الصَّحراء» يمثِّل حالةَ مزجٍ لأمشاجٍ من أفلام الغرب الأمريكي و«أفلام الليالي العربيَّة» (“Arabian Nights Movies”) التي لا تشكِّل -في رأيي- نوعًا سينمائيًا مستقلاً وإنما يمكن اعتبارها فرعًا نوعيًّا (“subgenre”) من نوع راسخ ومؤسَّس هو «الأفلام الاستشراقيَّة» (“Orientalist Movies”)، والتي بدورها لم يُنَظَّر لها بما فيه الكفاية حتى الآن (طبعاً لا بد من الإشارة هنا إلى كتاب ماثيو برنستاين Mathew Pernstein وجيلِن ستدْلَر Gaylyn Studlar الثمين «رؤى الشرق: الاستشراق في السينما» بوصفه عملاً تأسيسيًا كبيرًا وحاذقًا في هذا المجال).
وفي أية حال، فإن النجاح الهائل الذي حققه فيلم «مَرْكَبَةُ الجِياد» (من إخراج جون فورد John Ford، 1933) قد أعاد إنتاج أفلام الغرب الأمريكي من الدرجة الأولى (A Movies) إلى الواجهة؛ وحقّا فإن هذا الفيلم كان نقطة تحول في المسيرة المهنيَّة الزاخرة لكل من جون فورد وجون وين John Wayne. لقد دشَّن فيلم «مركبة الجِياد» العصر الذهبي لأفلام الغرب الأمريكي في أربعينيَّات وخمسينيَّات القرن الماضي. وفي ذروته مثَّل ذلك النوع من أفلام السينما الأمريكية حنينًا (ولا أفهم سبب حذلقة الكُتاب العرب في القول «نوستالجيا» في استدعاء لـ [“nostalgia”] الإنجليزية التي أُخفقُ في فهم دقتها التقنيَّة وأفضليتها البلاغيَّة على «حنين» العربية).. أقول، إذا، إن أفلام الغرب الأمريكي في ذروتها قد مثَّلت حنينا مُريحا من خلال «استيراد» أسطورة ومخيال «الغرب القديم» إلى المُنْجَمَعَات (communities) المتعدِّدة التي كانت تشكِّل نسيج المجتمع الأمريكي، التي كانت تعيش أشكالاً متعددة من الانتزاع، والاقتلاع، والإزاحة، والخلخلة البنيويِّة العميقة بسبب التَّسارع الهائل في التصنيع والتحديث.
أما في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بكل مصائبها ونتائجها الثقافيَّة والنفسيَّة فقد تحول فيلم الغرب الأمريكي إلى «بالغٍ»، بل «وبالغ مشاكِس» أحياناً؛ ولذلك فقد نَزَعَ هذا الفيلم إلى أن يكون سايكولوجيًّا أكثر، موجِّهاً خطابه، ضمن أشياء أخرى، إلى أسئلة الهويَّة، ومآزق الاختلاف، وأزمات الجندر، والموضوعات السياسيَّة المعاصرة والمُلِحَّة بطريقة تبدو راديكاليَّة - أو في الأقل ليبراليَّة – أحيانا، وعلى نحوٍ غير معهود سابقًا في أفلام الغرب الأمريكي (خذوا، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم «مُلاحَق» لراؤول والش/ («وولش» في نطقٍ آخر) Raul Walsh، 1947، أو فيلم «عزُّ الظهيرة» لِفْرِدْ زِينمَن Fred Zinnemann، 1952).
هذا وقد شهدت الستينيَّات تطورين مهمين في تاريخ أفلام الغرب الأمريكي: بلوغ نجم نظام الاستوديو الهوليوودي طور الأفول؛ وهذا أدى إلى منافسة شرسة فرضتها الأفلام الأوروبيَّة (وخاصة ما عُرِف منها بـ«أفلام الفن» [art films])؛ ما أدى بدوره إلى ما يشبه النزوح الجماعي للمواهب السينمائيَّة الأمريكيَّة إلى القارَّة العجوز. وضمن هذا الخضم، وفي هذا السياق، وُلِدَ «فيلم الغرب الأمريكي السباغِتِّي» (Spaghetti Western). وأفضل من يمثِّل هذا النوع السينمائي الأمريكي المتفرع هو، طبعاً، سيرجيو ليون Sergio Leon في ثلاثيَّة «الرجل الذي لا اسم له» التي أسست نجوميَّة كلِنْتْ إيستوُد Clint Eastwood. ومن ناحية الشكل فأهم ما يميِّز هذا النوع الجديد المتفرع من فيلم الغرب الأمريكي (الأب) هو «الإسراف البصري» (“visual access”) الذي يصل حد البذخ والترف كما يحدث في أفلام الميلودراما الباهرة تقريبًا. أما من ناحية المضمون فقد استجاب النوع المتفرع (الابن) للمناخ السياسي والثقافي المعارِض الذي أنتجته ثقافة الشباب المتمردة في ستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي (عهد المظاهرات والأفكار اليساريَّة في الغرب الرأسمالي). وهكذا فقد أصبحت أفلام الغرب الأمريكي (بوليدها الجديد) فجأة نوعًا سينمائيّا أمريكيّا «بديلاً»، و»تخريبيّا»، و»تدميريّا» يقوِّض ما بناه هو نفسه طوال عقود من الزمن في أكبر مفارقاته (في البال، مثلاً، فيلم «الرجل الصغير الكبير» لآرثر بِنْ Arthur Penn، 1970).
والآن، أخال أنه تجدر بي العودة إلى النظريَّة في ما يخص أفلام الغرب الأمريكي (أبا ونجلا)؛ فستيف نيل (الذي سبقت الإشارة في هذه المادة إلى كتابه «النَّوع وهوليوود») يقترح علينا، هذه المرة، في بحثه «أسئلة النَّوع» مفهوما يدعوه «النَّوع بوصفه سلسلة من العمليَّات المتعاقبة» (“genre as process”). ومن أجل دعم ومؤازرة محاججته فإنه يلجأ إلى تبني النموذج التاريخي الذي قدَّمه الشَّكلانيون الرُّوس، والذي يذهب إلى مَوقَعَة تاريخ الأنواع المنفردة (في الأدب، في المسرح، في التشكيل، إلخ) ليس فقط في تاريخ التحوُّلات النوعيَّة (“generic transformations”) من الداخل، وإنما أيضاً في التشَّكلات الثقافيَّة الأكبر والخطابات المؤسَّساتيَّة. ولذلك فإنه يستعير مفهوم «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» (“succession”). لكن ينبغي ألا تفوتني الإشارة فورًا إلى أن ذلك المفهوم لا تضمين داروِنيَّاً فيه (نسبة إلى تشارلز داروِن Charles Darwin) كذلك الذي اقترحه تومَس شاتز الذي سبق التعرض إلى محاججته في مكان سابق من هذه المادة، والذي يصفه رِك ألتمَن، ربما في نفحة خفيفة من السخرية، «الموديل الشَّعائري» (“ritualistic model”)؛ وذلك في ان «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» ليس «نشوئيّا/ تطوُّريّا» ولكنه بالأحرى ناجم عن «انفصالات» (“breaks”) و«صراع» (“struggle”) بين القديم والجديد ضمن معطيات النوع نفسه. وهكذا فإن «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» لما يسميه الشَّكلانيون الرُّوس هو «تعميد الفرع الفرعي» (“canonization of the junior branch”) الذي يصفه فِكْتُر شكلوفسكي Viktor Shklovsky هكذا: «عندما تصل الأشكال الفنيَّة «المُعَمَّدة» إلى طريق مسدود فإن الدرب يكون مُعَبَّدًا لاختراق لعناصر الفن غير المُعَمَّد، والتي، بحلول هذا الوقت، تكون قد تدبرت أمرها في استنباط اختراعات فنيَّة جديدة». ولا شك أن في هذا ما يفسر مآلات أفلام الغرب الأمريكي.
وأخيرًا، لعلَّ نقاشي المتواضع هذا يسعف، ولو قليلاً، في فهم خلفيَّة أفلام الغرب الأمريكي، وأسئلتها، والتحديات التي تفرضها أمامنا.
هذا وبينما تقيم أفلام الغرب الأمريكي، بصورة تقليديَّة في نفس الحي الذي تقطن فيه أجناسٌ فيلميَّة أخرى مثل «أفلام الرفيق العزيز» (“Buddy Movies”)، و«أفلام المغامرات» (“Adventure Movies”)، و«أفلام الجريمة» (“Crime Movies”)، و«أفلام الطريق» (“Road Movies”)، فإن فيلم «الخارجون عن القانون في الصَّحراء» يمثِّل حالةَ مزجٍ لأمشاجٍ من أفلام الغرب الأمريكي و«أفلام الليالي العربيَّة» (“Arabian Nights Movies”) التي لا تشكِّل -في رأيي- نوعًا سينمائيًا مستقلاً وإنما يمكن اعتبارها فرعًا نوعيًّا (“subgenre”) من نوع راسخ ومؤسَّس هو «الأفلام الاستشراقيَّة» (“Orientalist Movies”)، والتي بدورها لم يُنَظَّر لها بما فيه الكفاية حتى الآن (طبعاً لا بد من الإشارة هنا إلى كتاب ماثيو برنستاين Mathew Pernstein وجيلِن ستدْلَر Gaylyn Studlar الثمين «رؤى الشرق: الاستشراق في السينما» بوصفه عملاً تأسيسيًا كبيرًا وحاذقًا في هذا المجال).
وفي أية حال، فإن النجاح الهائل الذي حققه فيلم «مَرْكَبَةُ الجِياد» (من إخراج جون فورد John Ford، 1933) قد أعاد إنتاج أفلام الغرب الأمريكي من الدرجة الأولى (A Movies) إلى الواجهة؛ وحقّا فإن هذا الفيلم كان نقطة تحول في المسيرة المهنيَّة الزاخرة لكل من جون فورد وجون وين John Wayne. لقد دشَّن فيلم «مركبة الجِياد» العصر الذهبي لأفلام الغرب الأمريكي في أربعينيَّات وخمسينيَّات القرن الماضي. وفي ذروته مثَّل ذلك النوع من أفلام السينما الأمريكية حنينًا (ولا أفهم سبب حذلقة الكُتاب العرب في القول «نوستالجيا» في استدعاء لـ [“nostalgia”] الإنجليزية التي أُخفقُ في فهم دقتها التقنيَّة وأفضليتها البلاغيَّة على «حنين» العربية).. أقول، إذا، إن أفلام الغرب الأمريكي في ذروتها قد مثَّلت حنينا مُريحا من خلال «استيراد» أسطورة ومخيال «الغرب القديم» إلى المُنْجَمَعَات (communities) المتعدِّدة التي كانت تشكِّل نسيج المجتمع الأمريكي، التي كانت تعيش أشكالاً متعددة من الانتزاع، والاقتلاع، والإزاحة، والخلخلة البنيويِّة العميقة بسبب التَّسارع الهائل في التصنيع والتحديث.
أما في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بكل مصائبها ونتائجها الثقافيَّة والنفسيَّة فقد تحول فيلم الغرب الأمريكي إلى «بالغٍ»، بل «وبالغ مشاكِس» أحياناً؛ ولذلك فقد نَزَعَ هذا الفيلم إلى أن يكون سايكولوجيًّا أكثر، موجِّهاً خطابه، ضمن أشياء أخرى، إلى أسئلة الهويَّة، ومآزق الاختلاف، وأزمات الجندر، والموضوعات السياسيَّة المعاصرة والمُلِحَّة بطريقة تبدو راديكاليَّة - أو في الأقل ليبراليَّة – أحيانا، وعلى نحوٍ غير معهود سابقًا في أفلام الغرب الأمريكي (خذوا، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم «مُلاحَق» لراؤول والش/ («وولش» في نطقٍ آخر) Raul Walsh، 1947، أو فيلم «عزُّ الظهيرة» لِفْرِدْ زِينمَن Fred Zinnemann، 1952).
هذا وقد شهدت الستينيَّات تطورين مهمين في تاريخ أفلام الغرب الأمريكي: بلوغ نجم نظام الاستوديو الهوليوودي طور الأفول؛ وهذا أدى إلى منافسة شرسة فرضتها الأفلام الأوروبيَّة (وخاصة ما عُرِف منها بـ«أفلام الفن» [art films])؛ ما أدى بدوره إلى ما يشبه النزوح الجماعي للمواهب السينمائيَّة الأمريكيَّة إلى القارَّة العجوز. وضمن هذا الخضم، وفي هذا السياق، وُلِدَ «فيلم الغرب الأمريكي السباغِتِّي» (Spaghetti Western). وأفضل من يمثِّل هذا النوع السينمائي الأمريكي المتفرع هو، طبعاً، سيرجيو ليون Sergio Leon في ثلاثيَّة «الرجل الذي لا اسم له» التي أسست نجوميَّة كلِنْتْ إيستوُد Clint Eastwood. ومن ناحية الشكل فأهم ما يميِّز هذا النوع الجديد المتفرع من فيلم الغرب الأمريكي (الأب) هو «الإسراف البصري» (“visual access”) الذي يصل حد البذخ والترف كما يحدث في أفلام الميلودراما الباهرة تقريبًا. أما من ناحية المضمون فقد استجاب النوع المتفرع (الابن) للمناخ السياسي والثقافي المعارِض الذي أنتجته ثقافة الشباب المتمردة في ستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي (عهد المظاهرات والأفكار اليساريَّة في الغرب الرأسمالي). وهكذا فقد أصبحت أفلام الغرب الأمريكي (بوليدها الجديد) فجأة نوعًا سينمائيّا أمريكيّا «بديلاً»، و»تخريبيّا»، و»تدميريّا» يقوِّض ما بناه هو نفسه طوال عقود من الزمن في أكبر مفارقاته (في البال، مثلاً، فيلم «الرجل الصغير الكبير» لآرثر بِنْ Arthur Penn، 1970).
والآن، أخال أنه تجدر بي العودة إلى النظريَّة في ما يخص أفلام الغرب الأمريكي (أبا ونجلا)؛ فستيف نيل (الذي سبقت الإشارة في هذه المادة إلى كتابه «النَّوع وهوليوود») يقترح علينا، هذه المرة، في بحثه «أسئلة النَّوع» مفهوما يدعوه «النَّوع بوصفه سلسلة من العمليَّات المتعاقبة» (“genre as process”). ومن أجل دعم ومؤازرة محاججته فإنه يلجأ إلى تبني النموذج التاريخي الذي قدَّمه الشَّكلانيون الرُّوس، والذي يذهب إلى مَوقَعَة تاريخ الأنواع المنفردة (في الأدب، في المسرح، في التشكيل، إلخ) ليس فقط في تاريخ التحوُّلات النوعيَّة (“generic transformations”) من الداخل، وإنما أيضاً في التشَّكلات الثقافيَّة الأكبر والخطابات المؤسَّساتيَّة. ولذلك فإنه يستعير مفهوم «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» (“succession”). لكن ينبغي ألا تفوتني الإشارة فورًا إلى أن ذلك المفهوم لا تضمين داروِنيَّاً فيه (نسبة إلى تشارلز داروِن Charles Darwin) كذلك الذي اقترحه تومَس شاتز الذي سبق التعرض إلى محاججته في مكان سابق من هذه المادة، والذي يصفه رِك ألتمَن، ربما في نفحة خفيفة من السخرية، «الموديل الشَّعائري» (“ritualistic model”)؛ وذلك في ان «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» ليس «نشوئيّا/ تطوُّريّا» ولكنه بالأحرى ناجم عن «انفصالات» (“breaks”) و«صراع» (“struggle”) بين القديم والجديد ضمن معطيات النوع نفسه. وهكذا فإن «التَّعاقب/ التَّوارث/ التَّوالي» لما يسميه الشَّكلانيون الرُّوس هو «تعميد الفرع الفرعي» (“canonization of the junior branch”) الذي يصفه فِكْتُر شكلوفسكي Viktor Shklovsky هكذا: «عندما تصل الأشكال الفنيَّة «المُعَمَّدة» إلى طريق مسدود فإن الدرب يكون مُعَبَّدًا لاختراق لعناصر الفن غير المُعَمَّد، والتي، بحلول هذا الوقت، تكون قد تدبرت أمرها في استنباط اختراعات فنيَّة جديدة». ولا شك أن في هذا ما يفسر مآلات أفلام الغرب الأمريكي.
وأخيرًا، لعلَّ نقاشي المتواضع هذا يسعف، ولو قليلاً، في فهم خلفيَّة أفلام الغرب الأمريكي، وأسئلتها، والتحديات التي تفرضها أمامنا.