يتلازم كل محفل أو عارضة يتم فيها مناقشة موضوع تغير المناخ ببروز الجدلية التقليدية، حول الدور المفترض للأفراد في هذه الظاهرة، والمسارات التي يمكن أن يلعب فيها السلوك الفردي بكافة محدداته ودوافعه وموجهاته دورًا في مفاقمة الظاهرة أو الحد منها، وفي الجانب الآخر يبرز الطرف الذي يقول إن رمي الكرة في ملعب السلوك الفردي ما هو إلا محاولة لاستجلاب الفضائل المثالية ومحاكمة الأفراد وفقًا لمحكاتها وقواعدها التي لا يمكن أن تنطبق فعليًا على أرض الواقعة. ولا شك يحوز اهتمام العالم هذه الأيام الحدث الدولي الأبرز وهو مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون للتغير المناخي COP26 (جلاسكو 13 أكتوبر – 12 نوفمبر 2021) والذي يتأتى لمتابعة مسارات التقدم المحرز لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNDCCC) واتفاقية كيوتو وباريس في الشأن ذاته.
في مقالة له بعنوان: "Climate change: focusing on how individuals can help is very convenient for corporations" يطرح مورتن بيسكوف نقطة مثيرة للجدل مفادها أنه وبحسب بعض التقارير فإن 100 شركة فقط هي المسؤولة عن 71٪ من الانبعاثات العالمية منذ عام 1988، منها 25 شركة وكيانات مملوكة للدول مسؤولة عن أكثر من نصف الانبعاثات الصناعية العالمية في الفترة نفسها. وهو يتساءل: "إذا كان عدد قليل من الشركات والبلدان مسؤولة عن الكثير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ، فلماذا إذن أول رد لنا لإلقاء اللوم على الأفراد لأنماط استهلاكهم؟". في الواقع تحفل هذه الجدلية بتاريخ واسع من الطرح والتداول، إلا أن المشهد الراهن الذي يفرزه التغير المناخي، واعتبارات البصمة البيئية للأفراد، وتبلور سلوكيات استهلاكية غير قابلة للضبط، وغير مراعية للاعتبارات البيئية ولحفظ الأنواع، والتعدي العمراني على المساحات الخضراء، والإهمال التشريعي لحفظ مكونات الحياة البرية، عوضًا عن الممارسة البسيطة التي يمارسها الأفراد في أنماط تنقلهم، أثاث منازلهم، الطاقة التي يستخدمون في معاشهم اليومي، أنماط سكناهم وسواها من الممارسات التي قد تكون غير منظورة في الإطار الكلي لظاهرة التغير المناخي، فإنها مع التراكم بفعل اتساع الكتلة البشرية، والنمو السكاني، وضغط المجموعات السكانية في بقع معينة من مدن العالم، تشكل دفعًا مركزيًا نحو زيادة البصمة البيئية ومفاقمة الظاهرة، والتي أصبحت اليوم أحد المهددات المتجاوزة للحدود والمعطلة للحركة السكانية والاقتصادية بفعل ما تفرزه من أزمات وكوارث.
ما يمكن قوله إذن إنه لا يمكن إعفاء الأفراد من مضاعفة أثر الظاهرة، وإن اختلفت أوزان التأثير بين الفاعلين من أطرافها، والمنتجين لها، ومن هذا المنطلق فإنه إلى جانب الضرورات القصوى لاتخاذ قرارات بشأن تحولات الاقتصادات القائمة على الطاقة، والالتزام بالتوافقات الدولية لخفض انبعاثات الكربون، فإنه يمكن التفكير بشكل مواز في مداخل التغيير في سلوك الأفراد التي يمكن من خلالها ضبط هذا السلوك ليكون سلوكًا صديقًا للبيئة، ومحدودًا في تأثير بصمته البيئية، ومستوعبًا لأفضل الممارسات اليومية التي يمكن من خلالها الحدث من ظاهرة أصبحت تتعاظم يومًا فيومًا، ولعل أحد أهم البيانات التي خرج بها الأيام الأولى من مؤتمر COP26 هو بيان دور التعليم في الحد من التغير المناخي تحت شعار: " تعلم من أجل كوكبنا ، واعمل من أجل المناخ" والذي جاء من ضمن التزاماته المتوافق عليها:
- إدراك أن التعليم يمكن أن يزود الجميع بالمعرفة والمهارات والقيم والمواقف اللازمة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ.
- الالتزام بدمج الاستدامة وتغير المناخ في أنظمة التعليم الرسمي ، بما في ذلك مكونات المناهج الأساسية ، في المبادئ التوجيهية ، وتدريب المعلمين ، ومعايير الاختبار وعلى مستويات متعددة من خلال المؤسسات. وفي التدريب المهني ، والوعي العام وأنشطة المعلومات ، وغيرها من مجالات التعلم غير الرسمي وغير الرسمي.
في دراسة نشرت في فبراير 2020 بعنوان: " The role of climate change education on individual lifetime carbon emissions" طبقت تجربة تعليمية لدورة جامعية مكثفة لمدة عام واحد على انبعاثات الكربون الفردية من خلال مسح الطلاب بعد خمس سنوات على الأقل من أخذ الدورة. خلصت نتائج الدراسة إلى أن غالبية خريجي الدورة خرجوا بقرارات مؤيدة للبيئة (أي نوع السيارة المراد شراؤها ، وخيارات الطعام) ومن خلال التحليل تم رد هذه القرارات إلى طبيعة الخبرات المكتسبة في الدورة، وأشار تحليل بصمة الكربون بعد نهاية الدورة للأفراد إلى أن هذه القرارات خفضت انبعاثات الكربون الفردية بنسبة 2.86 طن من CO 2 كل سنة.
إلى جانب العمل على أنماط التحول في الطاقة على المستويات الوطنية والاقتصادية الكبرى، وتوسيع المساحات الخضراء، وتعزيز التشريعات الوطنية الداعمة لحماية البيئة والحد من تغير المناخ، فإن ثمة ضرورات يجب أن تقودها مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تقديرنا نحو إرساء مفاهيم وسلوكيات جديدة لدى الأفراد عمومًا، ذلك أن تغير المناخ مرتبط بقراراتنا حول نوعية السيارات التي نشتريها، وكميات وأنواع المأكولات التي نتناولها، ونوعية الإضاءة التي نستخدمها في منازلنا وأماكن عملنا، وطبيعة توصيلات الطاقة ومدد استخدامها وهدرها التي نتعاطى معها بشكل يومي في أوقات وجودنا، وميلنا إلى التخفيف من وسائل التنقل نحو وسائل صديقة للبيئة، وإيماننا بضرورة إعلاء التجليات البيئية لقيم المواطنة على النزعات الاستهلاكية الفردية، عوضًا عن مساهمتنا المحمودة في جهود التشجير والوعي بأنماطه المحافظة على التوازن البيئي والاعتدال المناخي، وانخراطنا في مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذه المسألة. فالمرحلة المقبلة تتطلب عملًا تظافريًا لا يمكن أن تنجزه المؤسسات المركزية بمفردها دونما وجود أنماط متشكلة من الوعي الفردي، ومدعومة برسالة إعلامية أكثر قربًا وتبسيطًا وملامسة لسلوك الأفراد وقدرة على بث استشعارهم بخطر التحولات المناخية المرتقبة، إلى جانب دور حاسم لمناهج التعليم في إدماج المفاهيم والممارسات البيئية كمرتكز أساسي من مرتكزات بناء المنهج الدراسي.
في مقالة له بعنوان: "Climate change: focusing on how individuals can help is very convenient for corporations" يطرح مورتن بيسكوف نقطة مثيرة للجدل مفادها أنه وبحسب بعض التقارير فإن 100 شركة فقط هي المسؤولة عن 71٪ من الانبعاثات العالمية منذ عام 1988، منها 25 شركة وكيانات مملوكة للدول مسؤولة عن أكثر من نصف الانبعاثات الصناعية العالمية في الفترة نفسها. وهو يتساءل: "إذا كان عدد قليل من الشركات والبلدان مسؤولة عن الكثير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ، فلماذا إذن أول رد لنا لإلقاء اللوم على الأفراد لأنماط استهلاكهم؟". في الواقع تحفل هذه الجدلية بتاريخ واسع من الطرح والتداول، إلا أن المشهد الراهن الذي يفرزه التغير المناخي، واعتبارات البصمة البيئية للأفراد، وتبلور سلوكيات استهلاكية غير قابلة للضبط، وغير مراعية للاعتبارات البيئية ولحفظ الأنواع، والتعدي العمراني على المساحات الخضراء، والإهمال التشريعي لحفظ مكونات الحياة البرية، عوضًا عن الممارسة البسيطة التي يمارسها الأفراد في أنماط تنقلهم، أثاث منازلهم، الطاقة التي يستخدمون في معاشهم اليومي، أنماط سكناهم وسواها من الممارسات التي قد تكون غير منظورة في الإطار الكلي لظاهرة التغير المناخي، فإنها مع التراكم بفعل اتساع الكتلة البشرية، والنمو السكاني، وضغط المجموعات السكانية في بقع معينة من مدن العالم، تشكل دفعًا مركزيًا نحو زيادة البصمة البيئية ومفاقمة الظاهرة، والتي أصبحت اليوم أحد المهددات المتجاوزة للحدود والمعطلة للحركة السكانية والاقتصادية بفعل ما تفرزه من أزمات وكوارث.
ما يمكن قوله إذن إنه لا يمكن إعفاء الأفراد من مضاعفة أثر الظاهرة، وإن اختلفت أوزان التأثير بين الفاعلين من أطرافها، والمنتجين لها، ومن هذا المنطلق فإنه إلى جانب الضرورات القصوى لاتخاذ قرارات بشأن تحولات الاقتصادات القائمة على الطاقة، والالتزام بالتوافقات الدولية لخفض انبعاثات الكربون، فإنه يمكن التفكير بشكل مواز في مداخل التغيير في سلوك الأفراد التي يمكن من خلالها ضبط هذا السلوك ليكون سلوكًا صديقًا للبيئة، ومحدودًا في تأثير بصمته البيئية، ومستوعبًا لأفضل الممارسات اليومية التي يمكن من خلالها الحدث من ظاهرة أصبحت تتعاظم يومًا فيومًا، ولعل أحد أهم البيانات التي خرج بها الأيام الأولى من مؤتمر COP26 هو بيان دور التعليم في الحد من التغير المناخي تحت شعار: " تعلم من أجل كوكبنا ، واعمل من أجل المناخ" والذي جاء من ضمن التزاماته المتوافق عليها:
- إدراك أن التعليم يمكن أن يزود الجميع بالمعرفة والمهارات والقيم والمواقف اللازمة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ.
- الالتزام بدمج الاستدامة وتغير المناخ في أنظمة التعليم الرسمي ، بما في ذلك مكونات المناهج الأساسية ، في المبادئ التوجيهية ، وتدريب المعلمين ، ومعايير الاختبار وعلى مستويات متعددة من خلال المؤسسات. وفي التدريب المهني ، والوعي العام وأنشطة المعلومات ، وغيرها من مجالات التعلم غير الرسمي وغير الرسمي.
في دراسة نشرت في فبراير 2020 بعنوان: " The role of climate change education on individual lifetime carbon emissions" طبقت تجربة تعليمية لدورة جامعية مكثفة لمدة عام واحد على انبعاثات الكربون الفردية من خلال مسح الطلاب بعد خمس سنوات على الأقل من أخذ الدورة. خلصت نتائج الدراسة إلى أن غالبية خريجي الدورة خرجوا بقرارات مؤيدة للبيئة (أي نوع السيارة المراد شراؤها ، وخيارات الطعام) ومن خلال التحليل تم رد هذه القرارات إلى طبيعة الخبرات المكتسبة في الدورة، وأشار تحليل بصمة الكربون بعد نهاية الدورة للأفراد إلى أن هذه القرارات خفضت انبعاثات الكربون الفردية بنسبة 2.86 طن من CO 2 كل سنة.
إلى جانب العمل على أنماط التحول في الطاقة على المستويات الوطنية والاقتصادية الكبرى، وتوسيع المساحات الخضراء، وتعزيز التشريعات الوطنية الداعمة لحماية البيئة والحد من تغير المناخ، فإن ثمة ضرورات يجب أن تقودها مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تقديرنا نحو إرساء مفاهيم وسلوكيات جديدة لدى الأفراد عمومًا، ذلك أن تغير المناخ مرتبط بقراراتنا حول نوعية السيارات التي نشتريها، وكميات وأنواع المأكولات التي نتناولها، ونوعية الإضاءة التي نستخدمها في منازلنا وأماكن عملنا، وطبيعة توصيلات الطاقة ومدد استخدامها وهدرها التي نتعاطى معها بشكل يومي في أوقات وجودنا، وميلنا إلى التخفيف من وسائل التنقل نحو وسائل صديقة للبيئة، وإيماننا بضرورة إعلاء التجليات البيئية لقيم المواطنة على النزعات الاستهلاكية الفردية، عوضًا عن مساهمتنا المحمودة في جهود التشجير والوعي بأنماطه المحافظة على التوازن البيئي والاعتدال المناخي، وانخراطنا في مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذه المسألة. فالمرحلة المقبلة تتطلب عملًا تظافريًا لا يمكن أن تنجزه المؤسسات المركزية بمفردها دونما وجود أنماط متشكلة من الوعي الفردي، ومدعومة برسالة إعلامية أكثر قربًا وتبسيطًا وملامسة لسلوك الأفراد وقدرة على بث استشعارهم بخطر التحولات المناخية المرتقبة، إلى جانب دور حاسم لمناهج التعليم في إدماج المفاهيم والممارسات البيئية كمرتكز أساسي من مرتكزات بناء المنهج الدراسي.