محمد جميل أحمد
رغم اتساع ظاهرة التحول الرقمي التي أصبحت اليوم أسلوبًا لا بد منه للعيش، لكن ثمة مفارقات عديدة تواجهنا حيال بعض الأفكار الأساسية في تلك الظاهرة التي هي إحدى ظواهر ثورة المعلوماتية والاتصال.
ففيما نلحظ التبشير بزمن جديد للكتاب الرقمي كبديل عن الكتاب الورقي، وبالصحافة الإلكترونية كبديلة عن الصحافة الورقية، بما يعكس انطباعًا في الوعي بأن الانتقال إلى العالم الرقمي ليس فقط هو مجرد تحول، وإنما هو كذلك اتساع ووفرة، سنجد أن «مفارقة الوفرة»، بحسب المفكر اللبناني طارق متري، ستجعل من القارئ قارئًا كسولًا بفعل التدفق والسهولة في الحصول على الكتاب الرقمي، ما يعني أن ظاهرة السرعة التي تلاحق وتتبع الجديد اليومي في العالم الرقمي لن تسمح بتلك الرويّة التي يحتاجها فعل قراءة الكتب من حيث إنها كتب، سواءً أكانت ورقيةً أم إلكترونية.
وحيال مأزق كهذا سنجد أن المسايرة والتظاهر بتتبع تقليعات ذلك العالم الرقمي بتحديثاته التي تتجدد على مدار الدقائق، ستجني على قيمة التأني في القراءة، وبالتالي بروز القارئ السطحي، لكن فعله السطحي ذاك لن يوصف بأنه كذلك لدى متصفحي الإنترنت، بل سيكون في نظر أولئك المتصفحين أكثر من قارئ، ومن هنا ستكون فكرة التسطيح التي تتسبب فيها سرعة تدفقات المحتوى الرقمي على مدار الساعة (ما يعني بالضرورة عجزًا عن اللحاق بها) هي العلامة العامة لطبيعة اهتمامات غالبية متصفحي الإنترنت، فالسرعة والسهولة على حصول المعلومات لا تنتج قارئًا، وسنلاحظ مع مرور الوقت أن ذلك التسطيح سيصبح سمة عامة ومتلازمة لغالبية متصفحي الإنترنت، لا سيما رواد وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك - تويتر - واتساب وغيرها.
والمفارقة الثانية، أنه فيما تبدو سمة الكتابة والقراءة هما العلامتان الظاهرتان لغالبية من تعيَّن عليهم أن يحملوا هاتفًا ذكيًا، حتى على طريقة مواكبة الذين يتصفحون تلك المواقع التي أصبحت اليوم لا بد منها لمواكبة الأحداث، سنجد أن فعل القراءة والكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي عبر هذه الطريقة من الكتابة والقراءة، لا يعكس قيمةً للفعلين ذاتهما، بقدر ما ينطوي على انشداد مستمر لممارسة الكتابة والقراءة كيفما كانتا وكيفما كان الموضوع الذي يعكسه المحتوى الرقمي في تلك الوسائط! أما ما تنطوي عليه إغراءات تلك الوسائط الرقمية في وسائل التواصل الاجتماعي سواء لجهة خواصها التواصلية، أو لجهة إتاحة القدرة لصاحب الحساب على التخفي، وكذلك لجهة الحرية المحيِّرة بالفعل في تلك الوسائط، ولا سيما كمسألة الحرية في منصة فيسبوك، فسيعكس مأزقًا ظاهرًا للدخول في زمن جديد لا تعرف، حتى الآن، بل ولا يمكن أن يتنبأ، أي مفكر بالنهايات التي يمكن أن يفضي إليها قانون التطور الذي سيلحق بتلك الوسائط ويجعلها بالضرورة حلقة من حلقاته، وإن كان بعض المفكرين من أمثال عبدالله العروي، بدا متوجسًا من المستقبل المجهول للعالم الرقمي الذي أصبح ظاهرة عولمية بامتياز.
ومن حيث كونها ظاهرة عولمية مقتضية للتعميم القسري والمغري بفعل تدفق منتجات الشركات الكبرى، فإن الارتباك وإمكانات التورط في ردود فعل الاستخدامات السلبية لتلك الوسائط في مجتمعات أقل تطورًا كمجتمعات العالم الثالث سيكون سببًا لمشكلات كثيرة جدًا.
وفي إرادة واضحة لكسر الحاجز الطبيعي بين الموهوبين (النُخَبْ) وبين البشر العاديين عبر استيهام تسوية بينهما بإتاحة استخدامات متساوية في حظوظ الحق العام للنشر عبر تلك الوسائل (دون استحقاقات منطقية للفرز في تلك التسوية سوى دعوى غامضة في فهم الحرية، خصوصًا في فيسبوك) سيبدو واضحًا أن ردود فعل محتويات تلك المنصات الرقمية ستصبح أحد أكبر مصادر الإرباك والتشويش عبر تأثير مجازفات للكثيرين جدًا من الهواة والناشطين من شأنها أن تضخ توترات في كثير من جوانب الحياة الإنسانية (وإن كان ذلك في أغلبه من لوازم مجتمعات العالم الثالث التي تفتقر إلى قوانين كثيرة في ضبط المجال العام من قوانين للنشر، وإنفاذ للقضاء، وحماية الملكية الفكرية وغيرها)، ذلك أنه لأول مرة في تاريخ البشرية تحدث تلك النقلة التكنولوجية في ثورة المعلوماتية والاتصال لتضع البشر أجمعين عبر خدمة منصات وسائل التواصل الاجتماعي في مصافٍ واحدة من التسوية والمساواة.
وأمام تجريب لم يسبق للبشر أن خاضوا فيه -طوال تاريخهم- على ذلك النحو التفاعلي في المجال العام سيبدو من العسير - مع ذلك التسطيح- أن يتوفر ذلك المجال على حدود آمنة للتفاعل!
رغم اتساع ظاهرة التحول الرقمي التي أصبحت اليوم أسلوبًا لا بد منه للعيش، لكن ثمة مفارقات عديدة تواجهنا حيال بعض الأفكار الأساسية في تلك الظاهرة التي هي إحدى ظواهر ثورة المعلوماتية والاتصال.
ففيما نلحظ التبشير بزمن جديد للكتاب الرقمي كبديل عن الكتاب الورقي، وبالصحافة الإلكترونية كبديلة عن الصحافة الورقية، بما يعكس انطباعًا في الوعي بأن الانتقال إلى العالم الرقمي ليس فقط هو مجرد تحول، وإنما هو كذلك اتساع ووفرة، سنجد أن «مفارقة الوفرة»، بحسب المفكر اللبناني طارق متري، ستجعل من القارئ قارئًا كسولًا بفعل التدفق والسهولة في الحصول على الكتاب الرقمي، ما يعني أن ظاهرة السرعة التي تلاحق وتتبع الجديد اليومي في العالم الرقمي لن تسمح بتلك الرويّة التي يحتاجها فعل قراءة الكتب من حيث إنها كتب، سواءً أكانت ورقيةً أم إلكترونية.
وحيال مأزق كهذا سنجد أن المسايرة والتظاهر بتتبع تقليعات ذلك العالم الرقمي بتحديثاته التي تتجدد على مدار الدقائق، ستجني على قيمة التأني في القراءة، وبالتالي بروز القارئ السطحي، لكن فعله السطحي ذاك لن يوصف بأنه كذلك لدى متصفحي الإنترنت، بل سيكون في نظر أولئك المتصفحين أكثر من قارئ، ومن هنا ستكون فكرة التسطيح التي تتسبب فيها سرعة تدفقات المحتوى الرقمي على مدار الساعة (ما يعني بالضرورة عجزًا عن اللحاق بها) هي العلامة العامة لطبيعة اهتمامات غالبية متصفحي الإنترنت، فالسرعة والسهولة على حصول المعلومات لا تنتج قارئًا، وسنلاحظ مع مرور الوقت أن ذلك التسطيح سيصبح سمة عامة ومتلازمة لغالبية متصفحي الإنترنت، لا سيما رواد وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك - تويتر - واتساب وغيرها.
والمفارقة الثانية، أنه فيما تبدو سمة الكتابة والقراءة هما العلامتان الظاهرتان لغالبية من تعيَّن عليهم أن يحملوا هاتفًا ذكيًا، حتى على طريقة مواكبة الذين يتصفحون تلك المواقع التي أصبحت اليوم لا بد منها لمواكبة الأحداث، سنجد أن فعل القراءة والكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي عبر هذه الطريقة من الكتابة والقراءة، لا يعكس قيمةً للفعلين ذاتهما، بقدر ما ينطوي على انشداد مستمر لممارسة الكتابة والقراءة كيفما كانتا وكيفما كان الموضوع الذي يعكسه المحتوى الرقمي في تلك الوسائط! أما ما تنطوي عليه إغراءات تلك الوسائط الرقمية في وسائل التواصل الاجتماعي سواء لجهة خواصها التواصلية، أو لجهة إتاحة القدرة لصاحب الحساب على التخفي، وكذلك لجهة الحرية المحيِّرة بالفعل في تلك الوسائط، ولا سيما كمسألة الحرية في منصة فيسبوك، فسيعكس مأزقًا ظاهرًا للدخول في زمن جديد لا تعرف، حتى الآن، بل ولا يمكن أن يتنبأ، أي مفكر بالنهايات التي يمكن أن يفضي إليها قانون التطور الذي سيلحق بتلك الوسائط ويجعلها بالضرورة حلقة من حلقاته، وإن كان بعض المفكرين من أمثال عبدالله العروي، بدا متوجسًا من المستقبل المجهول للعالم الرقمي الذي أصبح ظاهرة عولمية بامتياز.
ومن حيث كونها ظاهرة عولمية مقتضية للتعميم القسري والمغري بفعل تدفق منتجات الشركات الكبرى، فإن الارتباك وإمكانات التورط في ردود فعل الاستخدامات السلبية لتلك الوسائط في مجتمعات أقل تطورًا كمجتمعات العالم الثالث سيكون سببًا لمشكلات كثيرة جدًا.
وفي إرادة واضحة لكسر الحاجز الطبيعي بين الموهوبين (النُخَبْ) وبين البشر العاديين عبر استيهام تسوية بينهما بإتاحة استخدامات متساوية في حظوظ الحق العام للنشر عبر تلك الوسائل (دون استحقاقات منطقية للفرز في تلك التسوية سوى دعوى غامضة في فهم الحرية، خصوصًا في فيسبوك) سيبدو واضحًا أن ردود فعل محتويات تلك المنصات الرقمية ستصبح أحد أكبر مصادر الإرباك والتشويش عبر تأثير مجازفات للكثيرين جدًا من الهواة والناشطين من شأنها أن تضخ توترات في كثير من جوانب الحياة الإنسانية (وإن كان ذلك في أغلبه من لوازم مجتمعات العالم الثالث التي تفتقر إلى قوانين كثيرة في ضبط المجال العام من قوانين للنشر، وإنفاذ للقضاء، وحماية الملكية الفكرية وغيرها)، ذلك أنه لأول مرة في تاريخ البشرية تحدث تلك النقلة التكنولوجية في ثورة المعلوماتية والاتصال لتضع البشر أجمعين عبر خدمة منصات وسائل التواصل الاجتماعي في مصافٍ واحدة من التسوية والمساواة.
وأمام تجريب لم يسبق للبشر أن خاضوا فيه -طوال تاريخهم- على ذلك النحو التفاعلي في المجال العام سيبدو من العسير - مع ذلك التسطيح- أن يتوفر ذلك المجال على حدود آمنة للتفاعل!