ـ قصصن الحكايات واحتضن وطبطبن على أطفالهن ورفعن أكف الدعاء لله بأن يحفظ قرة أعينهن
ـ مشاهد وأصوات وهدير الوادي وصفير الريح وتطاير الأمتعة مشاهد لأول مرة تمر أمامهن
ـ المياه تسربت إلى الطابق الأول وغمرت كل شيء وهن صامدات يخففن مشاعر الخوف عن الأطفال
للأمهات قصص الخلود وحكايات الحلم الجميل.. في أحضانهن الأمان الذي يسكن الروح .. وتهدأ به القلوب من كل وجل وخوف .. وتحت أقدامهن الجنة، وفي أكفهن الخير والبركة .. هكذا خلق الله الأمهات جنة من الحنان والرحمة والطيبة وكل شيء جميل...
وفي يوم المرأة للأمهات قصص لا تنتهي ولا تمل المسامع من سماعها ، تسكن الخواطر مع قصصهن وحكاياتهن المتجددة التي لا تشيب وإن شاب الرأس.. غفوة على حضن أم لساعة يزيل كل ما علق في الجسد من تعب تراكم منذ سنين، الأم جنة الحنان الأبدي .
يوم المرأة هذا العام يأتي في ظل ظروف صعبة عاشتها المرأة في محافظتي شمال وجنوب الباطنة وخصوصا في ولايتي السويق والخابورة، بسبب الإعصار (شاهين) الذي أثر على كل شيء، ضرر طال البشر والحجر والمناطق والقرى .
(عمان) وبمناسبة يوم المرأة زارت عددا من الجدات و الأمهات في السويق والخابورة لتستمع لقصص ليلة الرعب مع (شاهين) حيث لا تزال تأثيرات الإعصار واضحة على منازلهن وعلامات ارتفاع منسوب المياه باقية آثاره في حيطان المنازل ، وكيف عاشت الأمهات تلك الليلة مع أطفالهن وأفراد العائلة، وكيف ظلت الأم رغم حجم الرعب ثابتة قوية أمام الجميع لتمد بقية أفراد العائلة بتلك القوة و الصبر والتحمل لتجاوز الإعصار وتأثيراته .. وفي السطور القادمة حكايات الأمهات والجدات عن ليلة مرعبة وحضن دافئ تجمعت فيه الأسرة لتحتمي من الإعصار..
الجدات والأمهات يسردن حكايتهن مع ليلة طويلة شهدت مطرا غزيرا وريحا عاتية، وعلى الرغم من مرور أيام على الإعصار إلا أنهن سردن الحكاية وهن يكفكفن دموعهن عندما يتذكرن ما مر عليهن وعلى أطفالهن.. إلى الحكاية ...
الجدة فاطمة بنت سليمان الهنائية تروي قصتها وهي رابطة الجأش وتقول : يا ولدي كنت مع أبنائي وأحفادي ونساء أولادي قضينا تلك الليلة (الاحد) ونحن تحت المطر الغزير والرياح.
وأضافت الجدة فاطمة: أنا كبيرة في السن وكل أفراد العائلة هم أبنائي كنت خائفة عليهم كلهم حتى الكبار خفت على سلامتهم، وفي داخلي كنت خائفة ولكن أمامهم كنت أدعو الله وأردد الأدعية وأتظاهر بعدم الخوف لأبعد عن الجميع الخوف من تلك المشاهد والأصوات، وتؤكد مشاهد لم نرها من قبل الأمطار كأمواج البحر والريح شديدة نشعر بأنها ستقتلع المنزل .
وقالت : كان الماء يهدر كالطوفان نحن في غرفة واحدة، احتضن الصغار وأحاول أن أطبطب على رؤوسهم .. كنا نسمع المظلة الخارجية للسيارات وهي ترتطم بالحيطان وتصدر أصواتا مخيفة جدا ويختلط صوت ارتطامها بصوت الريح وصفيرها .. ولكن واصلت الدعاء رافعة يدي لله بأن يحفظ الجميع، ولله الحمد أشرقت الشمس وهدأ المطر ولكن الأودية عندما نزلت زادت من المعاناة ولكننا وكلنا أمرنا لله، ولله الحمد ربنا لطيف بعباده رغم كل ما خسرناه لكن كل شيء يعوض إلا الروح، ولله الحمد لم يصب منا أحد .
وتروي الجدة رحمة بنت سالم بن راشد الحوسنية قصتها مع أسرتها وحفيدها (عيسى) البالغ من العمر عام ونصف وهو ابن ولدها، وقالت كنا في ليلة الاعصار أنا و7 من أفراد العائلة وأصغر طفل لدينا هو (عيسى)، كنا نائمين في منزلنا المكون من طابق واحد، المطر كان يهطل وفجأه شعرنا بالماء يتسرب الى الغرف، فصعدنا مباشرة الى السطح حملت حفيدي (عيسى) على كتفي وصعدت به وتأكدت من صعود الجميع، اجتمعنا جميعا في سطح المنزل فبقينا هناك الى الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم الاثنين اليوم الذي تلا الإعصار.
وتقول الحوسنية : كانت المروحيات تحلق من فوقنا ينقذون الناس من الأودية والمطر لم يتوقف الى صباح يوم الاثنين، وعيسى يبكي من الخوف ونحن في سطح المنزل، الأمطار تهطل والماء يحيط بنا من كل صوب، قضينا يوما وليلة في خوف، أمامنا مشاهد نشاهدها لأول مرة، مياه وطين وريح شديدة التيار الكهربائي مقطوع معظم المنازل غارقة بالمياه، الأودية تسيل وتجري في مجار خارج مجاريها ومساراتها المعتادة، لا نعرف شيئا عن جيراننا وأهلنا وذوينا، الاتصالات مقطوعة لم يبق لنا إلا الدعاء .
وقالت: على مدى يومين كنا نتقاسم الخبز بيننا ونتقاسم الماء الذي بقي معنا، إلى أن بدأت المعونات تصل، وبعد أن انخفض منسوب المياه من منزلنا خرجنا الى منزل ابني وبقينا هناك ولكن منزلي شبه غارق في الطين إلى الآن .
وأكدت الجدة فاطمة الحوسنية على أنها تنفست الصعداء بعد أن هدأ الاعصار وتوقفت الأودية وكل عائلتها بخير.. وقالت : الحمد لله خسرنا المنزل ولكن الأهم أن عائلتي بخير ولم يصب منهم أحد، وبإذن الله المنزل وما خسرناه سيعوض .
اما الجده أصلية بنت صالح بن محمد الهنائية قالت : لدي عائلة كبيرة والحمد لله، وكنت خائفة على الجميع، جمعت كل أفراد اسرتي بناتي وأبنائي وأحفادي، لم يطمئن قلبي إلا وهم أمامي جميعهم، الصغار والكبار، أبنائي وبناتي مهما كبروا يظلون في عيني صغارا وأجد نفسي مسؤولة عنهم وعن سلامتهم .
واضافت : كنت أشعر بحجم ما سنتعرض له من قوة في الإعصار من خلال ما يصدر من تنبيهات، فزاد ذلك من استعدادي وإصراري على أن الجميع يكون معي وأمام عيني ليطمئن قلبي.
وقالت أصيلة الهنائية: بدأ الإعصار ومعه زاد الخوف والرعب في نفوس الجميع، ولكنني كنت أخفف عنهم، بالدعاء واحتضن الصغير منهم وأشد من عزم الكبار وأدعوهم للتحلي بالصبر والقوة والايمان بالله، نعم كانت ليلة عصيبة وما شاهدناه لم نشاهده من قبل، وعلى الرغم من حجم الخوف في نفوسنا إلا أن إيماننا بالله كان قويا، مدركين بأن ما كتبه الله سوف يحدث، وحاولت أن أغرس السكينة في نفوس الصغار وأخفف عنهم، ولله الحمد عبر الإعصار وخفت المواجع، والتأثيرات إن شاء الله سوف تنتهي .
الام فاطمة بنت علي بن سالم القرطوبية التقينا بها وهي تحضتن ابنتيها (رزان والهنوف)، أمام منزلها في قصبية الحواسنة بولاية الخابورة، وقالت لدي 7 أبناء وبنات وأبوهم وابن ولدي الرضيع وزوجة ابني، الأمطار بدأت منذ غروب شمس يوم الاحد، وعند الساعة الثانية فجر يوم الاثنين سمعنا صوت (هرن سياره) بوق سيارة بصوت متواصل فخفنا جميعا وقام الأبناء من النوم ففهمنا أن ذلك الصوت ينبهنا بغزارة الأمطار وبدأ غرق بعض المنزل ونزول الاودية بشدة فبدأت أنا وزوجي تغطية فتحات الأبواب ولكن الماء كان يرتفع، الأطفال مرعوبون و(رزان والهنوف) يتعلقن بي ويبكين ولا يرضين مفارقتنا، وزاد من خوفهن انقطاع التيار الكهربائي، واشتداد المطر وصوت الريح.
وأضافت فاطمة القرطوبية: محاولتنا لمنع المياه من التسرب للمنزل فشلت وانتقلنا للسطح ، كنت خائفة على الأطفال أكثر من نفسي أطفالي قرة عيني، كان همي الوحيد أن أحافظ عليهم وأحافظ على جميع أبنائي شعوري وخوفي كله عليهم وعلى سلامتهم.
وواصلت فاطمة القرطوبية حديثها قائلة : مرت تلك الليلة و بقينا في السطح الى ظهر يوم الاثنين ، خفت حدة الإعصار فشكرت الله العلي القدير على سلامة أبنائي وبناتي وحفيدي وزوجي، وبعد أن زال الخطر بدأت أداعب بناتي وأمشط شعرهن وأحكي لهن بعض الحكايات لأنسيهن مشاهد الرعب وأخفف عنهن بعض تأثيرات الخوف .
وبينت القرطوبية أن قدوم الناس والمتطوعين والجهات الحكومية ووقفة الجميع خففت علينا آثار الرعب من الإعصار والحزن من فقدان الكثير من الممتلكات، وأعربت فاطمة القرطوبية عن أملها في ان يتم حل مشكلة الأودية والمخططات السكنية التي تعرضت للغرق، وقالت : أتمنى ان أعيش وأربي أبنائي وبناتي بسلام، لا أريد أن يرى أبنائي تلك المشاهد المخيفة مرة أخرى قد نجونا من الغرق والحمد لله .
من جانبها تروي ابتسام بنت حبيب بن علي الصالحية ام 5 أطفال أصغرهم (محمد) الرضيع ابن شهر فقط ، وقالت : منذ أن بدأت الأمطار حرصت على أن يكون كل أطفالي معي ، بدأت الأمطار ولم نخرج من المنزل أبدا ، منذ بداية الأمطار يوم (الاحد) انقطع التيار الكهربائي، وكنت قد تزودت ببعض الشموع، جلسنا مع بعضنا البعض وأشعلنا الشموع ، صوت الريح وتطاير بعض الحاجيات من المنازل أخاف الاطفال وأرعبهم وهم يقولون : هذا صوت (وحش)!، وكلما زاد الصوت زاد بكاء الأطفال .. المطر ينهمر بغزارة والريح تعصف بكل شيء في الخارج .. الخوف يزداد وبدأت المياه تحيط بالمنزل.. ولكنني كنت أحاول أن أخفف على أطفالي بمداعبتهم والمزح معهم واللعب بالشموع للتخفيف عنهم، ونسرد لهم بعض الحكايات ونقول لهم إن هذا صوت الريح وليس صوت وحش وستهدأ.
أما مريم بنت ناصر بن سعيد الشكيلية تقول : نحن 10 أفراد من العائلة وأصغرهم (حور) تجمعنا نحن والصغار مع 3 أسر من أفراد العائلة في بيت واحد، وزاد من خوفنا صراخ الأطفال، كنا لا نلومهم فقد كانت الأصوات والمشاهد وقوة المطر وشدة الريح مرعبة ، حاولت أن ينام أطفالي، ولكن الأصوات كانت ترعبهم،(حور) نامت من التعب، ولكن ابني (عبدالعزيز) كان خائفا جدا ولم ينم وبقي متشبثا بحضني ولم يفارقني طوال الليل .
وأضافت الشكيلية : فجأه شعرنا بهدوء العاصفة لمدة نصف ساعة تقريبا، وسرعان ما عادت بشكل أعنف وضوء مشع لا نعرف مصدره لأول مره نشاهده، دخل الماء للمنزل وبدا يتسرب من السقف، لم أكن أهتم بشيء في تلك اللحظة إلا بسلامة اطفالي، حاولت أن أحكي لهم بعض القصص الطريفة على الرغم من أنها ليست في وقتها، ولكن كنت أحاول بكل الطرق أن أبعد عن أطفالي الخوف، لا أعلم ما افعل ولكن الحدث كان مخيفا ولأول مرة يحدث لنا.
سميرة بنت سالم الهنداسية قالت : خرجنا إلى مركز الايواء قبل الأمطار ولكننا عدنا مرة أخرى إلى المنزل، نحن قريبون من البحر ولكن لا أعرف لماذا عدنا؟، وأضافت لم ياتنا الخوف من البحر بقدر ما شعرنا بهزة في المنزل لا أعرف مصدرها هل الريح او شدة المطر، ولكن كانت هناك هزة قوية أرعبت الجميع .
وقالت لدي 6 أولاد وبنت وواحد من ابنائي من ذوي الإعاقة ومنذ مدة لم تأته حالة الصرع، ولكن للأسف عادت إليه الحالة مرة أخرى من الخوف الذي كان يسيطر على الجميع.
واضافت الهنداسية : أثناء قوة الإعصار احتضنت أبنائي ولم يفارقا احمد وسالم حضني أبدا، كنت خائفة مثلهم ولكنني أمهم ولا أستطيع أن أتركهم للخوف، أنا أفدي أبنائي بروحي ولا يمكن لي أن أدعهم هكذا، لم أكن أخاف على نفسي بل على أطفالي، ولكن الله لطيف علينا .
وتضيف سميرة الهنداسية: تأثر منزلنا وذهب المطبخ الخارجي وكل شيء فيه، ولكن الحمد لله على كل حال، نأمل بأن يعوض كل شيء ونأمل أن لا نرى مثل ما شاهدناه من خوف ورعب وما شاهده الصغار .
وبعد كل هذه الحكايات ودعت (عمان) الجدات والامهات بعد أن استمعت إلى قصصهن، ونقلتها لكم في الأسطر السابقة، للأمهات والجدات وحكاياتهن طعم مختلف تطرب له الأذن، ففي حكاياتهن يغيب التكلف وتحضر البساطة، وفي عيونهن التي أغرورقت بالدموع كانت حكاية مشاهد لا يمكن لها أن تعبر وإن عبر الإعصار، وفي حشرجة الصوت بحديثهن أمل كبير وقوة عظيمة لا تملكها إلا إمراة عظيمة .. إنها الأم العمانية التي ربت أجيال عمان والسواعد القوية التي بنت منجزات عظيمة بهذا الوطن العزيز، مستندة على تاريخ عظيم للإنسان العماني قصتة ضاربة في عمق التاريخ و براهينه شامخة للأبد .
ـ مشاهد وأصوات وهدير الوادي وصفير الريح وتطاير الأمتعة مشاهد لأول مرة تمر أمامهن
ـ المياه تسربت إلى الطابق الأول وغمرت كل شيء وهن صامدات يخففن مشاعر الخوف عن الأطفال
للأمهات قصص الخلود وحكايات الحلم الجميل.. في أحضانهن الأمان الذي يسكن الروح .. وتهدأ به القلوب من كل وجل وخوف .. وتحت أقدامهن الجنة، وفي أكفهن الخير والبركة .. هكذا خلق الله الأمهات جنة من الحنان والرحمة والطيبة وكل شيء جميل...
وفي يوم المرأة للأمهات قصص لا تنتهي ولا تمل المسامع من سماعها ، تسكن الخواطر مع قصصهن وحكاياتهن المتجددة التي لا تشيب وإن شاب الرأس.. غفوة على حضن أم لساعة يزيل كل ما علق في الجسد من تعب تراكم منذ سنين، الأم جنة الحنان الأبدي .
يوم المرأة هذا العام يأتي في ظل ظروف صعبة عاشتها المرأة في محافظتي شمال وجنوب الباطنة وخصوصا في ولايتي السويق والخابورة، بسبب الإعصار (شاهين) الذي أثر على كل شيء، ضرر طال البشر والحجر والمناطق والقرى .
(عمان) وبمناسبة يوم المرأة زارت عددا من الجدات و الأمهات في السويق والخابورة لتستمع لقصص ليلة الرعب مع (شاهين) حيث لا تزال تأثيرات الإعصار واضحة على منازلهن وعلامات ارتفاع منسوب المياه باقية آثاره في حيطان المنازل ، وكيف عاشت الأمهات تلك الليلة مع أطفالهن وأفراد العائلة، وكيف ظلت الأم رغم حجم الرعب ثابتة قوية أمام الجميع لتمد بقية أفراد العائلة بتلك القوة و الصبر والتحمل لتجاوز الإعصار وتأثيراته .. وفي السطور القادمة حكايات الأمهات والجدات عن ليلة مرعبة وحضن دافئ تجمعت فيه الأسرة لتحتمي من الإعصار..
الجدات والأمهات يسردن حكايتهن مع ليلة طويلة شهدت مطرا غزيرا وريحا عاتية، وعلى الرغم من مرور أيام على الإعصار إلا أنهن سردن الحكاية وهن يكفكفن دموعهن عندما يتذكرن ما مر عليهن وعلى أطفالهن.. إلى الحكاية ...
- طوفان هادر
الجدة فاطمة بنت سليمان الهنائية تروي قصتها وهي رابطة الجأش وتقول : يا ولدي كنت مع أبنائي وأحفادي ونساء أولادي قضينا تلك الليلة (الاحد) ونحن تحت المطر الغزير والرياح.
وأضافت الجدة فاطمة: أنا كبيرة في السن وكل أفراد العائلة هم أبنائي كنت خائفة عليهم كلهم حتى الكبار خفت على سلامتهم، وفي داخلي كنت خائفة ولكن أمامهم كنت أدعو الله وأردد الأدعية وأتظاهر بعدم الخوف لأبعد عن الجميع الخوف من تلك المشاهد والأصوات، وتؤكد مشاهد لم نرها من قبل الأمطار كأمواج البحر والريح شديدة نشعر بأنها ستقتلع المنزل .
وقالت : كان الماء يهدر كالطوفان نحن في غرفة واحدة، احتضن الصغار وأحاول أن أطبطب على رؤوسهم .. كنا نسمع المظلة الخارجية للسيارات وهي ترتطم بالحيطان وتصدر أصواتا مخيفة جدا ويختلط صوت ارتطامها بصوت الريح وصفيرها .. ولكن واصلت الدعاء رافعة يدي لله بأن يحفظ الجميع، ولله الحمد أشرقت الشمس وهدأ المطر ولكن الأودية عندما نزلت زادت من المعاناة ولكننا وكلنا أمرنا لله، ولله الحمد ربنا لطيف بعباده رغم كل ما خسرناه لكن كل شيء يعوض إلا الروح، ولله الحمد لم يصب منا أحد .
- يوم وليلة في السطح
وتروي الجدة رحمة بنت سالم بن راشد الحوسنية قصتها مع أسرتها وحفيدها (عيسى) البالغ من العمر عام ونصف وهو ابن ولدها، وقالت كنا في ليلة الاعصار أنا و7 من أفراد العائلة وأصغر طفل لدينا هو (عيسى)، كنا نائمين في منزلنا المكون من طابق واحد، المطر كان يهطل وفجأه شعرنا بالماء يتسرب الى الغرف، فصعدنا مباشرة الى السطح حملت حفيدي (عيسى) على كتفي وصعدت به وتأكدت من صعود الجميع، اجتمعنا جميعا في سطح المنزل فبقينا هناك الى الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم الاثنين اليوم الذي تلا الإعصار.
وتقول الحوسنية : كانت المروحيات تحلق من فوقنا ينقذون الناس من الأودية والمطر لم يتوقف الى صباح يوم الاثنين، وعيسى يبكي من الخوف ونحن في سطح المنزل، الأمطار تهطل والماء يحيط بنا من كل صوب، قضينا يوما وليلة في خوف، أمامنا مشاهد نشاهدها لأول مرة، مياه وطين وريح شديدة التيار الكهربائي مقطوع معظم المنازل غارقة بالمياه، الأودية تسيل وتجري في مجار خارج مجاريها ومساراتها المعتادة، لا نعرف شيئا عن جيراننا وأهلنا وذوينا، الاتصالات مقطوعة لم يبق لنا إلا الدعاء .
وقالت: على مدى يومين كنا نتقاسم الخبز بيننا ونتقاسم الماء الذي بقي معنا، إلى أن بدأت المعونات تصل، وبعد أن انخفض منسوب المياه من منزلنا خرجنا الى منزل ابني وبقينا هناك ولكن منزلي شبه غارق في الطين إلى الآن .
وأكدت الجدة فاطمة الحوسنية على أنها تنفست الصعداء بعد أن هدأ الاعصار وتوقفت الأودية وكل عائلتها بخير.. وقالت : الحمد لله خسرنا المنزل ولكن الأهم أن عائلتي بخير ولم يصب منهم أحد، وبإذن الله المنزل وما خسرناه سيعوض .
- عائلتي أمام عيني
اما الجده أصلية بنت صالح بن محمد الهنائية قالت : لدي عائلة كبيرة والحمد لله، وكنت خائفة على الجميع، جمعت كل أفراد اسرتي بناتي وأبنائي وأحفادي، لم يطمئن قلبي إلا وهم أمامي جميعهم، الصغار والكبار، أبنائي وبناتي مهما كبروا يظلون في عيني صغارا وأجد نفسي مسؤولة عنهم وعن سلامتهم .
واضافت : كنت أشعر بحجم ما سنتعرض له من قوة في الإعصار من خلال ما يصدر من تنبيهات، فزاد ذلك من استعدادي وإصراري على أن الجميع يكون معي وأمام عيني ليطمئن قلبي.
وقالت أصيلة الهنائية: بدأ الإعصار ومعه زاد الخوف والرعب في نفوس الجميع، ولكنني كنت أخفف عنهم، بالدعاء واحتضن الصغير منهم وأشد من عزم الكبار وأدعوهم للتحلي بالصبر والقوة والايمان بالله، نعم كانت ليلة عصيبة وما شاهدناه لم نشاهده من قبل، وعلى الرغم من حجم الخوف في نفوسنا إلا أن إيماننا بالله كان قويا، مدركين بأن ما كتبه الله سوف يحدث، وحاولت أن أغرس السكينة في نفوس الصغار وأخفف عنهم، ولله الحمد عبر الإعصار وخفت المواجع، والتأثيرات إن شاء الله سوف تنتهي .
- رزان والهنوف
الام فاطمة بنت علي بن سالم القرطوبية التقينا بها وهي تحضتن ابنتيها (رزان والهنوف)، أمام منزلها في قصبية الحواسنة بولاية الخابورة، وقالت لدي 7 أبناء وبنات وأبوهم وابن ولدي الرضيع وزوجة ابني، الأمطار بدأت منذ غروب شمس يوم الاحد، وعند الساعة الثانية فجر يوم الاثنين سمعنا صوت (هرن سياره) بوق سيارة بصوت متواصل فخفنا جميعا وقام الأبناء من النوم ففهمنا أن ذلك الصوت ينبهنا بغزارة الأمطار وبدأ غرق بعض المنزل ونزول الاودية بشدة فبدأت أنا وزوجي تغطية فتحات الأبواب ولكن الماء كان يرتفع، الأطفال مرعوبون و(رزان والهنوف) يتعلقن بي ويبكين ولا يرضين مفارقتنا، وزاد من خوفهن انقطاع التيار الكهربائي، واشتداد المطر وصوت الريح.
وأضافت فاطمة القرطوبية: محاولتنا لمنع المياه من التسرب للمنزل فشلت وانتقلنا للسطح ، كنت خائفة على الأطفال أكثر من نفسي أطفالي قرة عيني، كان همي الوحيد أن أحافظ عليهم وأحافظ على جميع أبنائي شعوري وخوفي كله عليهم وعلى سلامتهم.
وواصلت فاطمة القرطوبية حديثها قائلة : مرت تلك الليلة و بقينا في السطح الى ظهر يوم الاثنين ، خفت حدة الإعصار فشكرت الله العلي القدير على سلامة أبنائي وبناتي وحفيدي وزوجي، وبعد أن زال الخطر بدأت أداعب بناتي وأمشط شعرهن وأحكي لهن بعض الحكايات لأنسيهن مشاهد الرعب وأخفف عنهن بعض تأثيرات الخوف .
وبينت القرطوبية أن قدوم الناس والمتطوعين والجهات الحكومية ووقفة الجميع خففت علينا آثار الرعب من الإعصار والحزن من فقدان الكثير من الممتلكات، وأعربت فاطمة القرطوبية عن أملها في ان يتم حل مشكلة الأودية والمخططات السكنية التي تعرضت للغرق، وقالت : أتمنى ان أعيش وأربي أبنائي وبناتي بسلام، لا أريد أن يرى أبنائي تلك المشاهد المخيفة مرة أخرى قد نجونا من الغرق والحمد لله .
- صوت وحش
من جانبها تروي ابتسام بنت حبيب بن علي الصالحية ام 5 أطفال أصغرهم (محمد) الرضيع ابن شهر فقط ، وقالت : منذ أن بدأت الأمطار حرصت على أن يكون كل أطفالي معي ، بدأت الأمطار ولم نخرج من المنزل أبدا ، منذ بداية الأمطار يوم (الاحد) انقطع التيار الكهربائي، وكنت قد تزودت ببعض الشموع، جلسنا مع بعضنا البعض وأشعلنا الشموع ، صوت الريح وتطاير بعض الحاجيات من المنازل أخاف الاطفال وأرعبهم وهم يقولون : هذا صوت (وحش)!، وكلما زاد الصوت زاد بكاء الأطفال .. المطر ينهمر بغزارة والريح تعصف بكل شيء في الخارج .. الخوف يزداد وبدأت المياه تحيط بالمنزل.. ولكنني كنت أحاول أن أخفف على أطفالي بمداعبتهم والمزح معهم واللعب بالشموع للتخفيف عنهم، ونسرد لهم بعض الحكايات ونقول لهم إن هذا صوت الريح وليس صوت وحش وستهدأ.
- هدوء قبل العاصفة
أما مريم بنت ناصر بن سعيد الشكيلية تقول : نحن 10 أفراد من العائلة وأصغرهم (حور) تجمعنا نحن والصغار مع 3 أسر من أفراد العائلة في بيت واحد، وزاد من خوفنا صراخ الأطفال، كنا لا نلومهم فقد كانت الأصوات والمشاهد وقوة المطر وشدة الريح مرعبة ، حاولت أن ينام أطفالي، ولكن الأصوات كانت ترعبهم،(حور) نامت من التعب، ولكن ابني (عبدالعزيز) كان خائفا جدا ولم ينم وبقي متشبثا بحضني ولم يفارقني طوال الليل .
وأضافت الشكيلية : فجأه شعرنا بهدوء العاصفة لمدة نصف ساعة تقريبا، وسرعان ما عادت بشكل أعنف وضوء مشع لا نعرف مصدره لأول مره نشاهده، دخل الماء للمنزل وبدا يتسرب من السقف، لم أكن أهتم بشيء في تلك اللحظة إلا بسلامة اطفالي، حاولت أن أحكي لهم بعض القصص الطريفة على الرغم من أنها ليست في وقتها، ولكن كنت أحاول بكل الطرق أن أبعد عن أطفالي الخوف، لا أعلم ما افعل ولكن الحدث كان مخيفا ولأول مرة يحدث لنا.
- المنزل يهتز
سميرة بنت سالم الهنداسية قالت : خرجنا إلى مركز الايواء قبل الأمطار ولكننا عدنا مرة أخرى إلى المنزل، نحن قريبون من البحر ولكن لا أعرف لماذا عدنا؟، وأضافت لم ياتنا الخوف من البحر بقدر ما شعرنا بهزة في المنزل لا أعرف مصدرها هل الريح او شدة المطر، ولكن كانت هناك هزة قوية أرعبت الجميع .
وقالت لدي 6 أولاد وبنت وواحد من ابنائي من ذوي الإعاقة ومنذ مدة لم تأته حالة الصرع، ولكن للأسف عادت إليه الحالة مرة أخرى من الخوف الذي كان يسيطر على الجميع.
واضافت الهنداسية : أثناء قوة الإعصار احتضنت أبنائي ولم يفارقا احمد وسالم حضني أبدا، كنت خائفة مثلهم ولكنني أمهم ولا أستطيع أن أتركهم للخوف، أنا أفدي أبنائي بروحي ولا يمكن لي أن أدعهم هكذا، لم أكن أخاف على نفسي بل على أطفالي، ولكن الله لطيف علينا .
وتضيف سميرة الهنداسية: تأثر منزلنا وذهب المطبخ الخارجي وكل شيء فيه، ولكن الحمد لله على كل حال، نأمل بأن يعوض كل شيء ونأمل أن لا نرى مثل ما شاهدناه من خوف ورعب وما شاهده الصغار .
وبعد كل هذه الحكايات ودعت (عمان) الجدات والامهات بعد أن استمعت إلى قصصهن، ونقلتها لكم في الأسطر السابقة، للأمهات والجدات وحكاياتهن طعم مختلف تطرب له الأذن، ففي حكاياتهن يغيب التكلف وتحضر البساطة، وفي عيونهن التي أغرورقت بالدموع كانت حكاية مشاهد لا يمكن لها أن تعبر وإن عبر الإعصار، وفي حشرجة الصوت بحديثهن أمل كبير وقوة عظيمة لا تملكها إلا إمراة عظيمة .. إنها الأم العمانية التي ربت أجيال عمان والسواعد القوية التي بنت منجزات عظيمة بهذا الوطن العزيز، مستندة على تاريخ عظيم للإنسان العماني قصتة ضاربة في عمق التاريخ و براهينه شامخة للأبد .